ألَاْ كُـــلُّ مَـاْشِـيَةِ
الـخَـــــيْزَلَىْ
فِدَىْ كُلِّ مَاْشِيَةِ الهَيْدَبَىْ
دائماً ما يتبادر إلى ذهني هذا البيت عندما
أرى، أو أتصفّحُ، أو أراجعُ (تاريخ الطبري) المطبوع في مطبعة بريل بمدينة ليدن
الهولندية، وبتحقيق العالم المستشرق الكبير (دي خويه)، ثم أتصفّحُ أو أراجع بعده الطبعات
العربية التالية له؛ بدءاً من طبعة دار المعارف المصرية بتحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم، وهلمَّ نازلاً، فالفرق كبيرٌ جداً جداً، وشتّان بين طبعة ليدن لهذا
التاريخ الكبير، وبين طبعات غيرها له، وفرقٌ علميٌّ كبير بين تحقيق دي خويه للطبعة
الليدنية، وبين تحقيق كل من جاء بعده، فكلهم أخذوا عنه، ولكنهم ليتهم إذ أخذوا عنه
فعلوا (مثل ما فعل) على أقلّ تقدير ولن أطمع منهم بـ(فوق ما فعل)، وآخرهم بشار عوّاد
الذي استمعتُ إليه في هذا المقطع الذي أرسله الصديق الأستاذ أحمد آل محمد صالح، ويحقُّ
لي أن أتساءل عن مَاذا سيفعل، وما الجديد الذي سيضيفه إلى تحقيق هذا التاريخ
الكبير الذي طبع عشرات الطبعات، وكلُّ طبعة يزعم ناشروها أنها محققة؟!.
ولعل قائلٍ يقول: انتظر وترى، فلعمري إني
لمن المنتظرين، ولكن قبل ذلك إليكم كمثال هاتان الصفحتان من تاريخ الطبري اللتان
تتحدثان عن حدثٍ واحد، وهو دخول القرمطي ابن مهرويه الكوفة سنة 293 للهجرة، فانظروا
كيف أنّ نصّ الرواية يقول إنه من بلدة (الصَّوْأر)؛ بهذا الرسم الذي كُتبت به في
الطبعة الليدنية المحققة بواسطة دي خويه، في حين كتبها محمد أبو الفضل إبراهيم:
"الصَّوْءر"، ولكنْ، ولتعرفوا الفرق بين تحقيق دي خويه وتحقيق محمد أبو
الفضل إبراهيم؛ انظروا إلى ما كتبه دي خويه في الهامش عن هذه البلدة، وكيف أنّه ذكر
ورود اسمها برسم (الصَّوّان) في أكثر من نسخة؛ في حين إنّ محمد أبو الفضل إبراهيم
لم يكتب عنها أيّ شيءٍ يُذكر في هامشه التحقيقي!!؛ مع أنّه يدّعي أنه رجع إلى عدة
نسخ في تحقيقه لهذا التاريخ!!.
وعندما حققتُ (تاريخ الشريف العابد أخي
محسن) صادفني خبر ابن مهرويه هذا الذي رواه الطبري، ولكن بتفصيل أكثر دقة ومعلومة
عند الشريف العابد، ومنه قوله عن هذا القرمطي:
"ثم رحلوا فنزلوا قرية تعرف بالصَّوَّان؛
على نهر هُدّ من سواد الكوفة".
هكذا ذُكرت في هذا الموضع وفي مواضع أخرى من
تاريخ الشريف، فلو أنني اكتفيت بالرجوع إلى تاريخ الطبري بتحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم لوقعت في حيرة لأنه كتبها (الصوءر)، ولكن بفضل رجوعي إلى طبعة ليدن بتحقيق
دي خويه، فهو حتى وإن كتبها (الصَّوأر)؛ إلا أنه ذكر بكلّ أمانة ورودها باسم (الصَّوّان)
في أكثر من نسخة، وهو الاسم الصحيح لهذه البلدة الكوفية، والذي أكده الشريف العابد
لها في تاريخه، فتحقيق دي خويه هو لعمري التحقيق الصحيح؛ الذي إنْ لم يوصلك إلى
الحقيقة، فإنه يضعك على الطريق الصحيح إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق