فوائد من كتاب (الفصول الفخرية في أصول البريّة) لابن عنبة
بقلم/ عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي
يُعتبر جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسني العلوي المشهور بـ(ابن عنبة)، - والمولود في الحلّة من العراق عام 748 للهجرة، والمتوفى في كرمان الإيرانية عام 828 للهجرة أحد أشهر المؤرخين والنسابة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين، وقد اشتهر بكتابه (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)، والذي أتقن تأليفه، وتحقيقه، وحشاه بكثير من الأخبار التاريخية عن الطالبيين المذكورين فيه، وإن كان له مؤلفان آخران في أنساب الطالبيين وبني هاشم عامة، وهما:
· التحفة الجمالية في أنساب الطالبية، ولعله هو ذاته (نسب آل أبي طالب) كما قال آغا بزرك تحت هذا العنوان من موسوعته (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)، وقال إنه باللغة الفارسية.
· بحر الأنساب في نسب بني هاشم.
إلا أنّ هذا النسابة لم يكتفِ بالكتابة في أنساب قومه الطالبيين وبني هاشم فقط؛ بل إنه صنَّف كتاباً في أنساب قبائل العرب؛ بل وبعض أنساب سلاطين الإسلام، وكذلك أنساب الأنبياء والأمم غير المسلمة، وإنْ كان أكثره في نسب قبائل العرب من قحطان ومعدّ، وقد سمّى كتابه هذا:
· الفصول الفخرية في أصول البرية، وقد طُبع في طهران عام 1984م، بتحقيق السيد جلال الدين المحدث الأرموي.
وقد ألّفَ ابنُ عنبة كتابه هذا باللغة الفارسية، وذلك بعد هجرته إلى بلاد فارس، ولعلّ هذا هو ما جعله مجهولاً لدى الكُتبيين والباحثين العرب.
والجميل في كتابه هذا أنه بعد أن يذكر أجداد القبائل العربية المعروفة، وذكر أبنائهم المعروفين كأجداد لبطون هذه القبائل يقوم بذكر البطون والأفخاذ والأسر والأعلام المنتمين إليهم في عصره أو قبله بقليل، وهو أمرٌ له أهميته الخاصة في معرفة أنساب كثير من الأسر التي كان لها شأن في عصره، أو تلك التي حكمت في بلاد فارس والعراق والشام ومصر والجزيرة العربية.
وقد تفضَّل عليَّ كعادته الصديق العزيز الدكتور محمد رحمتي من جمهورية إيران الإسلامية، فأرسل لي نسخة حاسوبية لطبعة عام 1984 للميلاد من هذا الكتاب الذي طبعته شركة انتشارات علمي وفرهنكي بطهران بتحقيق: السيد جلال الدين المحدث الأرموي، وهو باللغة الفارسية التي من حسن حظنا أنها كانت ولا زالت تُكتب بالحروف العربية بعكس اللغة التركية، وأيضاً فإنّ بعض الألفاظ هي عربية المبنى والمعنى، ولهذا لم أجد صعوبة في قراءة هذا الكتاب، وأما ما صعب علي فهمه من ألفاظه، فقد أعانني الصديق الدكتور رحمتي، وبعض الإخوة ممن يتقنون اللغة الفارسية في ترجمته لي، وهو قليلٌ عموماً.
وبعد تصفحي للكتاب وجدتُ فيه معلومات بكر عن بعض القبائل والبطون التي كان لها حضورٌ على مسرح أحداث إقليم البحرين القديم، ولاسيما عن أعلام وأسر وأفخاذ وبطون منها كانت في فترة زمن المؤلف ابن عنبة، فأحببت أن أدونها هنا، وأذكر ما لدي حولها لإتمام الفائدة.
أولاً: بنو
خالد النجديون الحجازيــون
من قبيلة طيّ، ثمّ من بني نبهان منها
قال في الصفحة 57: عن بني نبهان
بن عمرو بن الغوث بن طي:
"ومنهم: بنو خالد الذين يسكنون في نجد، ويقولون إنهم من نسل خالد بن الوليد، وهو غير صحيح؛ فهم من بني خالد بن أصمع بن عبيد بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان".
وتكمن أهمية هذا النصّ في أنه النصّ الوحيد حتى الآن الذي يرفع نسب بني خالد نجد إلى بني نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيّ.
وخالد بن أصمع النبهاني هذا رجلٌ مذكور في كتب التاريخ والأدب العربيين، وهو أخو سُدُوْس بن أصمع والد البطن الطائي المعروف بهذا الاسم؛ قال هشام بن محمد الكلبي:
"خالدُ بنُ أصْمَع، وسُدُوْسُ بن أصْمَع، ولكليهما وُلْدٌ، والعَدَدُ في خالد".[1]
وخالد هو الذي نزل عليه امرؤ القيس بن حُجر الكندي بعد مقتل أبيه حُجر مستجيراً به، فعدا على إبل خالد بعض بني طيّ قبيلته، فأخذوا إبله، فطلب من امرئ القيس أن يعطيه إبله ليلحق بها السارقين، فأعطاه إياها، وعندما أدركهم أخذوا إبل امرئ القيس منه أيضاً، فقال امرؤ القيس فيه أبياته المعروفة:
دع عنكَ نَهْباً صِيْحَ فيْ حُجُراتِهِ
ولكنْ حَديثاً ما حَدِيثُ الرَّوَاحِــلِ
كأنَّ دثاراً حَلَّقَتْ بلَبُوْنِـــــــــــــهِ
عُقابُ تنوفىْ لا عُقابُ القواعــل
وأعجبنيْ مشيُ الخُزُقَّةِ خَـــــالِدٍ
كَمَشْيِ الأتَانِ حُلّئِتْ فيْ المَناهِلِ
وقول الكلبي: إنّ العَدَد في
خالد يعني أنه كان له نسلٌ كثيرٌ في زمن الكلبي يُعرفون بـ(بني خالد)، والكلبي
توفي عام 204 للهجرة، فلا ريب أنهم في زمن ابن عنبة صاحب هذا النصّ عنهم، والمتوفى
عام 828 للهجرة سيكونون ملء السهل والجبل.
وقد ذكر الكلبي في (نسب معد
واليمن) لخالد بن أصمع ولداً واحداً فقط أسماه أنساً، ولكنه ذكر لأنس هذا ثلاثة
أبناء هم:
1. مَنِيْعُ بن أنَس بن خالد، وذكر من أعلام نسله: هديلة بن حصين بن منيع، وحرار بن عبيد بن منيع، وأنيف بن مَنيع؛ الذي ارتد ولم يرتد من طيء غيره وكان مع بني أسد؛ ذكره ابن الأثير في اللباب نقلاً عن هشام الكلبي.
2. نُبَيْط بن أنَس بن خالد، وذكر من أعلام نسله: جَوَّاب بن نبيط، ومعاذ بن نبيط.
3. سُوَيْد بن أنَس بن خالد، وذكر من أعلام نسله: عَتَّاب بن فُسير بن سُويد الشاعر.
وقول ابن عنبة إنّ بني خالد هؤلاء يسكنون في نجد هو الصحيح، وهم أنفسهم المذكورون باسم: خالد الحجاز عند الحمداني في كتابه عن الأنساب، وابن فضل الله العمري الناقل عنه في (مسالك الأبصار)، والسبب في ذلك هو أنّ الحمداني وابن فضل الله مِصريان يعملان عند حكام مصر، وكان أكثر ما يهمهما ويهمُّ سلاطينهم من الجزيرة العربية هو الحجاز، فنسبا خالد وغيرهم من قبائل نجد إلى الحجاز لاختلاط منازل هذه القبائل بين الحجاز ونجد؛ بل إنّ هؤلاء الكُتّاب المصريين كانوا يعدون نجداً من الحجاز، ففي (مسالك الأبصار)، وعند حديثه عن قبيلة طيّ؛ قال ابن فضل الله:
"وأما طيّءٌ، فإنها نزلت بعد الخروج من اليمن – بسبب سيل العَرِم – بنجدِ الحجاز؛ في جبلي أجأ وسلمى".[2]
كما قال عن قبيلتي شمّر ولام الطائيّتين:
"شَمَّر ولام: من عرب الحجاز، وديارهم جبلا طيّ؛ أجأ وسلمى".[3]
وجبلا طيّ؛ أجأ وسلمى ليسا من الحجاز بل هما من نجد؛ بل إنّ ابن فضل الله عندما ذكر ديار بني خالد؛ قال عنها:
"وخالد، ودارها التنومة،[4] وضئيدة،[5] وأبو الزيدان، والقويع،[6] وضارج،[7] والكوارة،[8] والنَّبوان؛[9] إلى ساقة العرفة إلى الرّسوس؛[10] إلى عنيزة؛[11] إلى وضاخ؛[12] إلى جبلة؛[13] إلى السرّ؛[14] إلى العودة؛[15] إلى العشيرية؛ إلى الأنجل".
وهذه المواضع كلها في سرّة نجد في القصيم وما حوله، وحول حجر اليمامة، فهذه نصوص واضحة وصريحة على ما قلته من أنّ خالد الحجاز عند الحمداني وابن فضل الله، وخالد نجد عند ابن عنبة هما قبيلة واحدة، وهم الذين ادعوا انتسابهم إلى خالد بن الوليد، وهو أمرٌ رفضه الحمداني وابن فضل الله، ورفضه ابن عنبة كما رأينا في هذا النصّ الذي كان واثقاً فيه جداً برفع نسبهم إلى خالد بن أصمع من نبهان طيّ.
والحقُّ الذي تثبته المصادر
التاريخية المعتبرة هو أنّ قبيلة بني خالد هي عبارة عن حلفٍ مثله مثل الأحلاف التي
تكوّنت قبله؛ كـ(حِلفِ بني ربيعة) عرب الشام، و(حِلف الفضول) في الشام ونجد، و(حِلف
الدَّواسر) في االحوطة والأفلاج والوادي، وأقدم قبائل الحلف الخالدي في المنطقة هي
قبيلة العَماير، فهذه القبيلة كان لها وجود في المنطقة منذ القرن السادس الهجري،
وظلّت بطونها متواجدة في المنطقة حتى مقدم آل حميد مع المهاشير إليها، والذين عانى
العماير في أول الأمر من غاراتهم عليهم، ثم وجدوا أنّ أفضل شيءٍ لضمان أمنهم
وأمانهم هو أن يحالفوهم، فكان ذلك.
[1] امرؤ القيس بن
حجر الكندي: ديوان امرئ القيس وملحقاته بشرح أبي سعيد السكري؛ تحقيق: د. أنور
عليان أبو سويلم ومحمد علي الشوابكة (العين: مركز زايد للتراث والتاريخ؛ 2000م)؛
مج1: 568.
[2] أحمد بن يحيى بن
فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع
الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 258.
[3] أحمد بن يحيى بن
فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع
الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 356.
[4] من قرى القصيم؛ تقع شمالي
بريدة بميلة للشرق بستة وثلاثين ميلاً.
[5] وتُسمّى الآن ضيدة بالتخفف من
الهمزة، وتقع شمالي بريدة القصيم بخمسة وخمسين ميلاً.
[6] من قرى القصيم؛ يقع جنوبي
غربي بريدة بميلين اثنين فقط.
[7] ويُعرف باسم ضاري على سمت من
ينطق الجيم ياءً، وهو قرية مندثرة الآن في القصيم؛ غربي بريدة بثمانية أميال.
[8] يرى الأستاذ العبودي في (معجم
القصيم) أنها القوارة الآن، والقوارة تقع غربي شمالي بريدة باثنين وأربعين ميلاً.
[9] لا زال معروفاً باسمه في وادي
التسرير (الرشا الآن)؛ غربيّ الدوادمي بثماني وعشرين ميلاً.
[10] الرسوس: هو الرسّ والرّسيْس
وموضع ثالث بقربهما كما قال الأستاذ العُبودي في رسم الرسّ من (معجم القصيم).
[11] البلدة المعروفة في القصيم؛
جنوبي بريدة بسبعة عشر ميلاً.
[12] من قرى نجد؛ يقع جنوبي بريدة
بخمسة وسبعين ميلاً، وغربي شقراء باثنين وثمانين ميلاً.
[13] وهي هضبة حمراء من أشهر هضاب
نجد؛ تقع بين حجر والقصيم، وكانت موضع حروب كثيرة بين قبائل العرب قديماً وحديثاً،
ومن ذلك اليوم الشهير بـ(يوم جبلة) بين بني عامر بن صعصعة وبين تميم وعبس وغطفان
وغيرهم.
[14] وهو من أشهر مواضع سرّة نجد،
وهو وادٍ يقع شرقي الدوادمي.
[15] يبدو أنها ما يُعرف الآن
بـ(شعيب العَودة)؛ الواقع بين حجر والقصيم؛ جنوبي شرقي المجمة بثمانية وعشرين
ميلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق