الاثنين، 22 يونيو 2020

التقليعة المرقسية في وصف نخل هجر وتشبيه الظُّعُنِ بها


أسميتها بالتقليعة المرقسية نسبة إلى الشاعر الشهير امرئ القيس الكندي لأنه أول من ابتدعها من الشعراء وأقلع بها، ثم سار كثير من الشعراء على نهجه، وقبل أن أبدأ حديثي عن هذه التقليعة أود أن أعرض هنا صورتين لمنظرٍ النخل الذي طالما أثار مشاعر هؤلاء الشعراء وخلبهم بدءاً من امرئ القيس، وهلمّ جراً حتى وقتنا الحاضر، فرسموه في شعرهم كلوحة فنان متقن، أو كأيقونة موسيقي مبدع نظراً لجمالها الأخاذ الذي طالما سحرهم، وهو ما عبّر عنه أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي عندما قال عن هجر:

"وكانتْ أرْضَاً مُعْجِبَةٌ لا يَرَاها أحدٌ فيصبرُ عنهَا، وكانتْ لا يَقْدُمُهَا لَطِيْمَةٌ إلاّ تَخَلَّفَ بهَا مِنهمْ ناسٌ، فَمِنْ هُنَاْكَ صَارَتْ بِهَجَرَ مِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ العَرَبِ وَغَيْرِهِمْ".[1]


              الصورة الأولى:

                        تبيّن هذه الصورة جمال هذا النخل الهجري الواقع بين قصبات هجر، وهي كما يلي:

                  1.    الشبعان: وهو الجبل المعروف الآن باسم جبل القارة، وهو ذو الكتلة الجبلية الكبيرة في أعلى الصورة.

                  2.    المُشَقَّر: وهو الكتلة الصخرية الصغيرة عن يسار جبل الشبعان مباشرة، ويُسمى الآن (راس القارة).

                  3.    الصَّفا: وهو الكتلة الصخرية الأكبر من المشقر بقليل، والواقعة لليسار منه مباشرة، ويسمى الآن (أبو حصيص).


          الصورة الثانية:

هذه الصورة ملتقطة من أعلى جبل الشبعان (القارة) حيث يقف الرجل، ويبدو بوضوح فيها هذا التل الشامخ، والشكل الغريب أعلاه الذي يشبه الرؤوس الثلاثة؛ إنه ما يُسمى الآن بـ(جبل راس القارة)، أو (جبل الراس)، وهو التلُّ الذي كان يقوم فيه وعليه حصنُ المُشَقَّر الشهير في هجر، والذي كان قريباً من هجر إلى حدّ أنّ بعض البلدانيين كان يرى أنه هجر ذاتها، ولكن الصحيح هو أنّ هجر كانت تقوم قريباً منه جداً؛ على هذه الدكة المتصلة بجبل الشبعان، والتي يقوم على ركنها الشمالي هذا المنزل الوحيد البادي في الصورة بين المشقر (راس القارة)، وبين جبل الشبعان (القارة) حيث يقف الرجل، وهذا النخل الجميل الأخاذ فيما بين المشقر والشبعان هو النخل الهَجَريّ الشهير المذكور في الشعر العربي القديم باسم (نخل ابن يامن)، وهو النخل الذي أسرَ لُبَّ كل من نظر إليه من فوق هذا الجبل الأشم؛ جبل الشبعان من شعراء وغيرهم، ويمتد هذا النخل إلى الصَّفا المسمّى الآن بـ(جبل أبو حصيص)، والذي لا يبين في هذه الصورة، ولكنه يقع إلى يمينها بمسافة قليلة.


إنّ هذا المنظر الأخاذ لنخيل هجر وهذه الكتل الصخرية الشقراء، والأنهار التي كانت تجري بين هذا النخل وحول تلك التلال هي ما أسر لُبَّ امرئ القيس، وجعله يبتدع نوعاً من الوصف شبّه فيه قافلة الجِمَال التي تكون فيها حبيبته وهي سائرة في السراب، وحولها البيارق والأعلام المرفوعة بألوانها المتنوعة بهذا النخل الهجري، ووجه الشبه واضحٌ للعيان، فأجسام الجـِمال والنوق التي تحمل ركاب هذه القوافل تشبه بلونها الأشقر هذه الكتل الصخرية لتلال الشبعان والمشقر والصَّفا الشقراء، وتلك البيارق والأعلام والهوادج التي على الجمال تشبه هذا النخل المحدق بهذه الكتل الصخرية الثلاث بجذوعه وسعفه وثماره الحمراء والصفراء والخضراء، والسراب الذي يتراءى للشاعر عن بعد أنّ القافلة تسير فيه يشبه مياه أنهار هجر المتدفقة التي كانت تغمر هذا النخل طوال العام صيفاً وشتاءً كما في نصّ الهمداني عن المشقر الذي يقول فيه: "المشقّر بالبحرين نحو هجر وبه نخل لا يبرح الماء في أصوله".[2]

ولنستمع الآن إلى امرئ القيس، وهو يقول:

بِعَـيـنَـيَّ ظُعـنُ الحَيِّ لَمّا تَحَـــــــمَّلوا

لَدى جانِـبِ الأَفلاجِ مِن جَنبِ تَيمَرى

يبدأ الشاعر في هذا البيت بذكر ظُعُن الحيّ التي فيها حبيبته وقد تحمّلت من بلدة تيمر قرب الأفلاج للرحيل، وكان ذلك كله تحت عينه وناظره، وظلّ يلاحظهم بناظره حتى بعدوا عنه في الصحراء إلى أنْ صارت تلك الظُّعن كأنها تسير في الماء بفعل تأثير السراب، وهنا يقول امرؤ القيس:

فَشَـبَّهـتَهُـم في الآلِ لَمّا تَكَـمَّـــــــشوا

حَـدائِقَ دُومٍ أَو سَـفــيــنــاً مُقَـــــــيَّرا

يقول امرؤ القيس في هذا البيت إنّ ظُعُنَ حبيبته، وهي تسير عن بعد وقد بدأ السراب يحيط بها قد تكمَّشَتْ أي تجمَّعتْ وتقبَّضت، وصارت تشبه حدائق من الدوم أي شجر المقل، أو السُّفن المقيّرة التي تسير في البحر، والصورة واضحة، فالبحر التي تسير فيه هذه السفن شبه به السراب الذي تسير فيه تلك الإبل، وشبه الإبل ذاتها وهي تسير في ذلك السراب، والأعلام منشورة حولها والهوادج فوقها بالسُّفن  المدهونة بالقار، وهي تسير في مياه البحر، وكأنه لم يكتفِ بهذا التشبيه، فأضاف قائلاً:

أَوِ المُكـرَعـاتِ مِن نَخيلِ اِبنِ يامِـــــنٍ

دُوَينَ الصَفا اللائي يَلينَ المُشَـــــــقَّرا

يقول إنّ تلك الظعينة وهي تسير في السَّراب عن بُعد، وقد تجمَّعت وتداخلت مع بعضها تشبه أيضاً نخيل التاجر الهجري ابن يامن الواقعة بين تلّي الصَّفا والمشقَّر، والتي هي كارعة - أي تشرب بريّ كثير - من مياه عيون هجر الدائمة التدفّق طيلة العام.

سَــوامِـــقَ جَــبّـــارَ أَثـيــثٍ فُـــروعَهُ

وَعالَيـنَ قُنـواناً مِنَ البُسرِ أَحـــــــمَرا

هنا ينتقل امرؤ القيس – وهو ما يُعرف بالاستطراد – إلى وصف نخيل ابن يامن الهجرية هذه، فيقول إنها من النخل السامق الجبّار أي العالي العظيم الذي لا يُنال باليد، وفروعه أي سعفه أثيثٌ أي كثير وملتف، وقُنوانه أي عذوقه التي تحمل بُسر الرُّطب الأحمر عالية جداً.

حَمَـتـهُ بَنـو الرَبداءِ مِن آلِ يامِــــــــنٍ

بِـأَســيــافِهِــم حَـتّــى أَقَرَّ وَأَوقَـــــــرا

هنا يذكر امرؤ القيس أنَّ المسؤولين عن هذا النخل وحمايته كانوا بني الرَّبْداء، وهم من قوم ابن يامن الذين كانوا يحمونه بأسيافهم عن اللصوص، وكلِّ طامعٍ فيه إلى أن نضج وثقل حمله من الرُّطب، وبذكر بني الربداء هؤلاء، فيوجد غرب واحات الأحساء منطقة برّية كبيرة جداً يُطلق عليها اسمُ رُّبَيْداء تصغير رَبْدَاء يمتد من جودة شمالاً إلى حرض جنوباً، وقاعدته الحَنِيُّ، ولا أدري إن كان لهذا الموضع علاقة ببني الرَّبداء الهجريين هؤلاء الذين ذكرهم امرؤ القيس أم هو مجرد تشابه وتصغير لاسمهم.

وَأَرضى بَنـي الرَبداءِ وَاِعتَمَّ زَهـــــــوُهُ

وَأَكـمــامُهُ حَـتّــى إِذا مـا تَهَـــــــــــصَّرا

أَطـافَــت بِهِ جَـيــلانُ عِنـدَ قِطــــــــــاعِهِ

تَرَدَّدُ فـيــهِ العَيـنَ حَتّـى تَحَــــــــــــــيَّرا

يقول امرؤ القيس في هذين البيتين إنّ ذلك الثمر عندما نضج، واعتمَّ زَهوُه؛ أي صار رُطَبُهُ كأنه مُعَمَّمٌ كناية عن بدء تحوله إلى تمر، وهو ما يُعرف في المنطقة الآن بـ(المُنَصِّفْ) أي نصفه بسر ونصفه تمر بحيث أرضى ذلك حماته من بني الرَّبداء، وعندها أسلموه لجيلان ليقوموا بقطفه، وجيلان كما في رسم [ جيلان ] من معجم البلدان:

"قوم من أبناء فارس انتقلوا من نواحي إصطخر فنزلوا بطرف من البحرين، فغرسوا وزرعوا وحفروا وأقاموا هناك، فنزل عليهم قوم من بني عجل فدخلوا فيهم".

والقوم الذين من بني عجل في هذا النصّ هُم من بني عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن عبد القيس، وليس من بني عجل بكر بن وائل، فالمشهورون بالعناية بالنخيل هم عبد القيس، ولهذا نرى الجوهري يقول في مادة [ جيل ] من الصّحاح: "جَيْلان؛ بفتح الجيم: حَيٌّ من عبد القيس"، فهم بنو عجل المذكورون في النصّ الأول، وبنو عِجل بن عمرو العبديون هؤلاء هم الذين يُطلقُ عليهم وعلى إخوتهم بني محارب بن عمرو وبني الدِّيْلِ بن عمرو مُسمّى العُمُور في عبد القيس، وهم الذين قال عنهم هشام بن محمد الكلبي في ما وصلنا من كتابه (افتراق وُلد معد) إنهم سكنوا مع بني عمهم عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة الجوْفَ والعُيون والأحساء حذاء الدهناء، وخالطوا أهل هجر في دارهم، وذلك عند نزول قبائل عبد القيس البحرين، واتخاذها موطناً لهم، وطردت عنها سكانها الأسبقين من إياد وغيرهم.[3]

وأما العين المذكورة في البيت الأخير، فمن المؤرخين واللغويين من قال إنها عين هجر، ومنهم من قال إنها عين محلم، ومنهم من قال إنها عين الإنسان، وكل ذلك صحيح.

وهكذا رأينا كيف أنّ امرأ القيس شَبَّه ظُعن حبيبته بأشجار الدوم (المقل)، وبالسفين المقيّر، وبنخل ابن يامن الهجرية؛ إلا أنه لم يستطرد إلا في وصف نخل ابن يامن فقط، وذلك لما تركه هذا النخل من أثر جميل في نفسه، وينبغي أن أوضح هنا أنّ امرأ القيس عندما وصف هذا النخل بهذا الوصف الجميل لم يكن ليتسنّى له ذلك إلا إذا كان راكباً على ظهر جبل الشبعان تماماً كما في الصورة الثانية التي أدرجتها قبل هذا الحديث، فمن هذا الموضع فقط يتسنى لكل مشاهد رؤية هذا المنظر البديع لهذا النخل، وذلك لأنّ تلي المشقر والصّفا لم يكونا متاحين لكل أحد أن يصعد فوقهما وقتها، فقد كان هذان التلاّن عبارة عن حصنين محصنين لا يدخلهما إلا موظفو الدولة فقط. 


التقليعة المرقسية في شعر لبيد بن ربيعة العامري

كما قلتُ، فقد سار رعيلٌ من الشعراء على هدي قائدهم امرئ القيس في وصف هذا النخل الهجري الواقع بين المشقر والصفا والشبعان متأثرين بما تركه في نفوسهم من حُسنه وجماله وخلابة منظره، ومنْ هؤلاء الشعراء لبيد بن ربيعة العامري الذي أبدع في وصفه ايّما إبداع، ولنستمع له وهو يقول عن الظُعُن التي كانت فيها حبيبته:

كَـأَنَّ أَظـعــانَهُـم في الصُبـحِ غادِيَـــــــةً

طَـلحُ السَـلائِلِ وَسـطَ الرَوضِ أَو عُشَـرُ

يبدأ لبيد في تشبيه الظُّعُن وهي تسير في الغُدوّ من الصَّباح بشجر الطَّلْحِ (طلح السلائل)، وبشجر العُشَرِ النابتة وسط روض زاهر بالنبت.

أَو بـارِدُ الصَـيــفِ مَـســجـورٌ مَــزارِعُهُ

سُــوْدُ الذَوائِبِ مِــمّــا مَـتَّعــَت هَـــــجَــرُ

ثم شبَّه الظُّعُنَ بعد ذلك بـ(بارد الصَّيْف) المسجور أي المحاط بمزارع النخيل الهَجَريّة التي اشتهرت بها هجر، ومَتَّعَت أهلها بها، وهي نخيلٌ ذات ذوائب خضراء، ولكنّ لبيداً وصفها بأنها "سود الذوائب" لأنَّ العربَ تطلقُ على الأخضر اسم الأسود، ومن هنا جاءت تسمية سواد العراق، وأما (باردُ الصَّيْفِ) الذي شبه لبيد الظُّعُنَ به، فهو ليس ما قاله شُرّاح شعر لبيد من أنه جدولٌ أو نهر ماء تحدقُ به هذه النخيل الهجرية وتحيط به، فالجدول أو في مثل هذه الحالة لا يمكن أن يبين للناظر من بعيد، ولبيد يشبه جِمال الظُّعُنَ الشقراء، وهو يراها تسير بعيداً بشيءٍ بارز بين نخيل هجر المحيطة والمحدقة به أطلق عليه مُسمّى: "بارد الصَّيْف"، فما هو "بارد الصَّيْف" الذي يقع في هجر، ويكون مرئياً من بعيد، وتحيط به النَّخيل الخضراء من جميع جوانبه؟؛ إنّه جبل الشَّبْعان بلا ريب، فهذا الجبل قيل في تعريفه إنه: "جَبَلٌ بالبَحْرَيْن يُتَبَرَّدُ بكِهَاْفِهْ[4] وذلك لأنّ الشعراء العرب ذكروا له هذه الميْزة، وفي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي، وهو يغادر هجر متوجهاً إلى ديار قومه بني تميم:

تزود من الشبعان خلفك نظرة

فإن بـــــلاد الجوع حيث تميمُ

كما قال ابن حمراء العبدي الهجري وقد رجع من سفرٍ له من مكة ونجد إلى هجر، فعندما ترائى له هذا الجبل قال:

أبى الشَّـبْعَانُ بَعْدَكَ حَـرَّ نَجْــدٍ

وأبْطُحِ بَطْنِ مَكةَ حَيْثُ غـَــارَا

وجبل الشبعان كان ولا يزال معروفاً باسمه هذا حتى وقتٍ قريب قبل أن يتحوّل إلى اسمه الحالي وهو (جبل القارة) بسبب قيام سوقٍ شهيرة بقربه لهذه البلدة التي يُشرف عليها، وكلا الاسمين معروفين له حتى الآن، وإن كان اسمه الرَّسمي الآن هو القارة؛ إلا أنّ الميزة الفريدة التي يتميز بها عن غيره من جبال هجر بل وجبال المنطقة كلها هو هذه البرودة الغير عادية في كهوفه في أشد أوقات الصَّيف حرارة.

فـ(بارد الصيْف) في شعر لبيد إذاً هو جبل الشبعان أحد قصبات هجر – والقصبتان الأخريان هما تلا المشقر والصَّفا – وبذلك تكتمل صورة التشبيه، فلبيد في شعره هذا يصف جـِمال ظُعُن حبيبته من بعيد، وهي تسير وسط روضٍ أخضر زاهٍ بجبل الشبعان (بارد الصيف)، وهو مسجور أي ممتلئ بمزارع النخيل المحيطة به مثل ما يحيط نبات الروض الأخضر الزاهي بقافلة محبوبته.

جُــعْـــلٌ قِـصــارٌ وَعِيْــدانٌ يَـنــوءُ بِـــــهِ

مِـنَ الكَـوافِــرِ مَـكــمــومٌ وَمُـــهـتَــصِــرُ

هنا ينتقل لبيد - في قفزة استطرادية كما فعل امرؤ القيس – من ذكر ظُعُن حبيبته إلى وصف ما شبهها به، وهي نخيل هجر المحيطة بجبل الشبعان (بارد الصَّيْف)، فيصفها بأنّ فيها قصار القامة (جعلٌ قصار)، وفيها طويلة القامة جداً "عِيْدانٌ"، وأنّ هذا النخيل ينوء بحملٍ ثقيل من الثمَر بعضه مكموم أي لا زال داخل أكمامه التي تُعرف بالمنطقة الآن باسم القُرُوف، وبعضه قد انهصر أي تدلّت عذوقه للأسفل

يَـشــرَبـنَ رَفْهَـاً عِرَاْكَـاً غَيـرَ صَاْدِرَةٍ

فَـكُــلُّهــا كـارِعٌ في الماءِ مُــــغـتَـمِـرُ

يواصل لبيدُ في هذا البيت وصفه لهذا النخل الأخاذ، فيقول إنه نخلٌ متداخلٌ – أي عِرَاك – ويشرب برفاهية طوال العام لا ينقطع عنه الماء لأنّ الماء لا يبرح أصوله - كما مرَّ بنا في نصّ الهمداني في أول هذا الحديث – فهو مغمورٌ به يشرب منه بنفسه من دون الحاجة إلى توجيه أصحابه الماءَ إليه ليستقي منه.

بَيـنَ الصَفـا وَخَليـجِ العَيـنِ ســـــاكِـنَةٌ

غُـلبٌ سَـواجِـدُ لَم يَدخُـل بِها الحَـــصَـرُ

هنا يُحدّدُ لبيدُ موضع هذا النخل الذي يصفه في أبياه هذه بشكل أدقّ، فهو في أول الشعر جعله النخل المحدق بجبل الشَّبعان (بارد الصَّيْف)، ولكن الشبعان جبلٌ طويلٌ عريض، والنخل المحيط به كثير جداً، وهنا يوضح لبيد لقارئ شعره هذا أنّ ما يقصده من هذا النخل المحدق بجبل الشبعان هو هذا الجُزْءَ منه الذي يقع بين الصَّفا وخليج العين، والصَّفا قد انتهيتُ من تحديد مكانه في كتابي (هجر وقصباتها الثلاث) أنه هذا التلّ الجميل المُسمّى الآن بـ(جبل أبو حصيص)، والواقع شمالي بلدة التويثير الواقعة في حِضن الركن الشمالي الشرقي من جبل الشبعان (بارد الصَّيف) بـ360 متراً فقط، وهما قصبتان من قصبات هجر الثلاث، والثالثة المشقر (تلّ راس القارة)، وأما "خليج العين" في هذا البيت، فهو أحد خليجيْ نهر محلّم العظيم في هجر؛ اللذين يعنيهما عبد الله بن السّبط – أو السّمط – من آل مروان بن أبي حفصة اليماميين بقوله:

سقيتُ المَطَايَا مَاءَ دِجْلَةَ بعدمَـا

شَرِبْنَ بفَيْضٍ مِنْ خَلِيْجَيْ مُحَلِّمِ

وقد قلتُ في كتابي (هجر وقصباتها الثلاث) وفي بحثٍ آخر منشور في مدوّنتي هذه بعنوان (النصوص التاريخية والآثار تثبت صحة ما توصلت إليه) أنّه كان لمحلم خليجان يتخلجان من نهره الأمّ بعد خروجه من نخيل الشراع وأبي سحبل؛ أحدهما كان يتجه نحو جواثى مسايراً للسفح الجنوبي لجبل الشعبة، والآخر يتوجه نحو جبل الشعبان (القارة)، فهذا الذي يتوجه نحو جبل الشبعان هو الخليج الذي أسماه لبيد بـ(خليج العين) في بيته الذي أتحدث عنه الآن، وسيذكر ذلك صراحة في أبياتٍ له أخرى تحدث فيها عن هذا النخل وهذا الخليج، وذكر فيه أيضاً التقليعة المرقسية، وهو قوله:

فَـكَــأَنَّ ظُـعــنَ الحَـيِّ لَمّـا أَشـــــــــرَفَـت

بِــالآلِ وَاِرتَــفَـــعَـــت بِهِـنَّ حُــــــــــزومُ

يتحدثُ لبيدُ في هذا الشعر أيضاً عن ظُعُن الحبيبة أو الحيّ الذين فيهم حبيبته، ولكنه هذه المرّة يتحدث عن هذه القافلة وهي تسير في السَّراب كناية عن بعدها عنه، ويضيف هنا أنّ هذه القافلة كانت تسير مرتفعة على حزوم، والحزوم مرتفعات صخرية طفيفة الارتفاع، وأنّ السَّراب يحيط بهذه الحزوم التي تسير عليها القافلة، فهو يشبّه هذا المنظر بـ:

نَـخــلٌ كَـوارِعُ فـي خَـليــجِ مُـــــــــحَــلِّمٍ

حَـمَــلَت فَـمِــنــهــا مـُوْقَرٌ مَكـــــــــمـومُ

وبعد أنْ شبّه لبيد القافلة بهذا النخل استطرد أيضاً كما فعل في الأبيات الأولى، وكما فعل امرؤ القيس في أبياته السابقة، فأخذ في وصف هذا النخل المدهش المُعْجب، فهو كوارع أي يستقي بنفسه لنفسه من (خليج محلم) الذي سبق وذكره باسم (خليج العين)، وذكر أنّ هذا النخل عذوقه موقرة أي ذات حملٍ ثقيلٍ من الثمر، وأنّ هذه العذوق مكمومة أي مُغَطَّاة بالزُّبلان عند الإرطاب ليبقى ثمرُها غَضّاً، ولا ينقرها الطير ولا يفسدها الحرارة الزائدة كما قال الأزهري - الذي عاش في المنطقة سنتين في أسر القرامطة - في مادة [ كم ] من تهذيبه، ثم استشهد بالشطر الثاني من بيت لبيد هذا على كلامه، والتكميم هذا ظلَّ معمولاً به في واحتي القطيف والأحساء وجزيرة أوال – وهي حواضر البحرين الثلاث – حتى وقتنا هذا، ولكنهم في هذه الأزمان استبدلوا نوعاً من القماش الرقيق بالزُّبلان التي ذكرها الأزهري في وقته.

سُـــحُــقٌ يُـمَــتِّعــُهــا الصَـفـا وَسَـــرِيُّهُ

عُـــمٌّ نَــواعِـــمُ بَــيـــنَهُـــنَّ كُــــــــــرومُ

في هذا البيت يصف لبيد هذا النخل الذي خلبَ لبه وسحر قلبه بأنه سُحْقٌ عمٌّ أي طويلة جداً، وأنّ نهر الصَّفا وسَريُّه يمتعانها أي يسقيانها برفاهية دائمة لا تنقطع؛ كما ذكر صفة لهذا النخل لا زالت قائمة، وهي أنّهم كانوا يزرعون بينه كُروماً أي أشجار العنب.


التقليعة المرقسية في شعر ابنِ الدُّمينة

ونجدُ التقليعة المرقسية أيضاً في شعر لابن الدمينة؛ في قوله:

رَدُّوا الجَـمــائِلَ أَو بـاتَـت مُعَـــــــــلِّقـةً

حتَى استَقلّوا معَ الإصْبَاحِ فابتَـــــكروا

هنا أيضاً يبدأ ابن الدمينة بذكر الجِمال (الجمائل) المُعدّة للرحيل، فذكر أنهم استقلوا بها أي ارتحلوا مع الصباح الباكر، وما أنْ بعدت في سيرها إلى آخر مدى يراها فيه حتى شبهها بقوله:

كــأَنَّهـــُم دُلُحٌ يَــســـقِــي جَــــــدَاوِلَهــا

مُــحَـــلِّمٌ حَـيــثُ أَدَّت خَـرجَهــا هـــجَــرُ

والدُّلُح: أراد بها النخلَ المثقل بحمله من الثمر، وقد أكَّد على أنّ هذا النخل يستقي من جداول يرفدها نهرُ مُحلِّم في الموضع الذي تؤدي مدينة هجر خرجها أي ما يخرج منها، أو خراجها أي ما يكون عليه ضريبة للمتولّين عليها، وعليه فهو يعني ذات الموضع الذي كانت تقوم فيه مدينة هجر وقصباتها المشقر والصَّفا والشبعان، فهذه هي الحواضر التي كان يقيم فيها حُكام هجَر قبل الإسلام وبعده إلى أنْ فتح أبو سعيد الجنَّابي مدينة هجر وشرَّد أهلها وأحرق من بقي منهم.

فِـيــحُ العَـرَاجـيـنِ غَضُّ البُسـرِ زَيَّـــــنَهُ

فَـوقَ الحُـدوجِ عُـذُوقٌ زَانَها الثَّــــــــمَرُ

وهنا أيضاً يستطرد ابنُ الدُّمينة من تشبيه قافلة الجِمال بنخل محلّم في هجر إلى وصف هذا النخل الذي خلبه هو أيضاً، فنراه يصفه بأنه "فِيْحُ العَرَاجيْن"، والعراجين هي العُذُوق التي تحمل الرطب من النخلة، وفِيْح من معانيها: الخصبة، فهو يقول إنّ هذا النخل له عُذُوقٌ خصبة مثقلة بالرُّطَبِ البُسْرِ الغضِّ الذي زان هذه العُذُوق.

تلوِي بِأمـطـائِهَا الأَروَاحُ فاخـــــــــتَلَفَت

أَمـطــاؤهـا فَجُـذوعُ النَّخلِ تَـنـهَــــــصِـرُ

هنا يقول ابنُ الدُّمينة عن هذا النخل الهجري إنّ أمطائه أي شماريخه تلويها الرّياح القوية جداً إلى حد أنّ جذوعها تنهصر؛ أي تَتَهَدَّل إلى الأرض، وهي صورة سوف تتكرر معنا في شعر الأخطل التغلبي بعد قليل.

حُـمـراً وَخُـضـراً كسـاهـا اللهُ زُخــــــرُفَهُ

كَمـا اكتَسَى بالنَّباتِ العَازِبِ الزَّهَــــــــــرُ

يصف ابنُ الدمينة شماريخ نخل هجر هذا بأنّ حملها من بسر الرطب بعضه اكتسى اللون الأحمر، وبعضه الآخر لا زال أخضراً لم ينصبغ بعد، ولا يخفي ابنُ الدمينة إعجابه بهذا المنظر الذي نسبه إلى الهبة الإلاهية التي كستْ هذا النخل زخرفة خالبة للروح، فهي كأنها روضة مكتسية بنباتات خضراء وأزهار حمراء في منظر ولا أجمل.


التقليعة المرقسية في شعر الأخطل التغلبي

فَلَمّـا اِستَوى نِصفُ النَهارِ وَأَظـــــهَرَت

وَقَد حانَ مِن عُفرِ الظِباءِ مَـــــــــــقيلُها

حَثَـثـنَ الجِمـالَ فَاِصمَعَدَّت لِشَـــــــــأنِها

وَمَـدَّ أَزِمّـاتِ الجِـمــالِ ذَمـــــــــــــيـلُهـا

يصف الأخطل هنا أيضاً مسير قافلة من الجِمال كانت تسير من الصباح حتى إذا صار نصف النهار وبدأ وقت الظُّهْرُ حيث لجأت الظباء إلى المواضع الظليلة لتنام فيها أبدت تلك الجِمال بعض التراخي في السير هي الأخرى، ولكنّ الأخطل ومن معه قاموا بحثها على السير، "فَاصْمَعَدَّتْ لشَأنها"؛ أي انطلقت مسرعة في المشي.

فَمَا خِـلتُهــا إِلّا دَوالِحَ أوقِـــــــــــــــرَت

وَكُمَّتـ بِحَـمـلٍ نَخـلُهـا وَفَـــــــــــسـيـلُهـا

تَـسَــلسَـلَ فيـهـا جَدوَلٌ مِن مُـــــــــحَـلَّمٍ

إِذا زَعزَعَتها الريحُ كادَت تُـــــــــــميلُها

ينتقل الأخطل في هذين البيتين إلى تشبيه النوق بعد أن قام ومن معه بحثها على الإسراع في السير وقت الظهيرة بنخل هجر، ثم استطرد كما فعل من سبقه من الشعراء في وصف هذا النخل الذي قال عنه إنه "دّوالح أوقرت" أي مثقلة جداً بحملها من الرطب، ولم ينسَ الأخطل أن يذكر أنّ هذا النخل الهجري - سواءً ما كان مكتمل النمو منه أو ما كان فسيلاً - قد تمّ تكميم ثمره أي تغطيتها بالزُّبل كما مرّ بنا في شرح شعر لبيد، وذلك لحمايته من أكل الطير له، ومن الحرّ الشديد، وفي البيت التالي يؤكد الأخطل أنّ هذا النخل الذي يعنيه في شعره هو نخل هجر الذي يسقيه نهرها محلّم بماءٍ وفيرٍ لا ينقطع طول العام عنه حتى إنَّ ذلك قد أثّر على هذا النخل، فبدا كأنه يكاد يميل ويسقط إذا هبّت عليه الرياح الشديدة لرسوخه الدائم في الماء، وخير النخيل هي الراسخات في الوحل كما قال العرب.

يَكـادُ يَحـارُ المُجتَني وَســــطَ أَيــــــــكِها

إِذا ما تَنـادى بِالعَـشِـيِّ هَــــــــــــــــديلُها

يقول الأخطل في هذا البيت إنّ المجتني الذي يقوم بجني ثمار هذه النخيل الكثيرة الملتفة تصيبه الحيرة عندما يتردد على مسامعه صوت حمامها وقت العشيّ.


التقليعة المرقسية في شعر عرفطة بن عبد الله المالكي

لـقَـدْ كُـنتُ أشْــقَىْ بالــغَرامِ فشَـــاقَـــنِيْ

بلَيْلِيْ عَلَىْ بَــنْبَاْنَ حِـمْلٌ مُـــــــــــــــقَدَّرُ

يتذكر عرفطة حبيبته التي شقي بغرامها، وزاده شقاءً بعده عنها وهو على ماء بنبان من اليمامة، وأمام ناظره "حِمْلٌ" أي دواب يُحمل عليها، مع اعتذاره لابتعاده عن حبيبته بأنّ هذا السفر هو حِمْلٌ مُقَدَّرٌ عليه أي سفر مضطر إليه.

فقُلتُ وقدْ زالَ النَّهَارُ كَــــــــــــــــوَاْرِعٌ

من الثاجِ أو مِنْ نَخْلِ يَـتْرِبَ مُــــــــوْقِرُ

هنا يصف عرفطة دواب ذلك الحمل الذي يسافر معه - وهي الجمال بطبيعة الحال – فيصفها بعد أن زال النهار أي صار وقت الظهر، وبدأ السراب يحيط بها في عين الرائي بأنها تشبه نخلاً كوارعاً في ثاج – الموضع المشهور في الستار شمالي الأحساء، أو نخلاً كوارعاً في يترب، وهي على قول بعض الرواة موضع بحراني كثير النخل يقع في السودة من بلاد بني تميم بالبحرين كما قال بعض البلدانيين، وهو ما أرجّحه.

أو المُـــــكْرِعَاْتِ منْ نَخِــيْلِ ابنِ يَــــاْمِنٍ

دُوَيْنَ الصَّــفَا اللائِيْ يَحِفُّ المُـــــــــشَقَّرُ

وفي هذا البيت يذكر عرفطة الأسدي مُشبهاً به آخر بعد نخيل ثاج ونخيل يترب؛ ألا وهو نخل ابن يامنٍ في مدينة هجر الواقع بين حصنيها الشهيرين؛ الصَّفَا والمُشَقَّر، وهذا البيت هو ذاته بيت امرئ القيس الذي مرّ بنا في أول هذا الحديث، وهو قوله:

أو المكرعات من نخيل ابن يامنٍ

دوين الصَّفا اللائي يلينَ المشقّرا


التقليعة المرقسية في شعر عدي بن زيد العبادي

قال عَديُّ في أحد ممدوحيه:

الـــــواهِبُ الأَلـفَ مَحـبـوســاً هجـائُنــها

كــأَنَّ أَلوانَهــا غُــشِّيـــنَ جَــــــــــــــيَّارا

يصفُ عديّ ممدوحه بأنه كريمٌ جداً حتى أنه يهب الألف من الإبل الأصيلة غير الهجينة لمادحه، وأنّ هذه الإبل بعضها ألوانها بيضاء حتى إنها تبدو كما لو أنّها مطلية بالجيّار، وهو النورة، والبعض الآخر ألوانها دهماء أي سوداء كما في البيت التالي:

والدُّهمُ شُعـثُ الذُّرَى سَوداءُ تُـشِـــبهُـها

مِمَّا دَنَى مِن صَفَـا الشَّبْـعَـانَ جَـــــــــبَّارا

في هذا البيت يشبّه عديُّ بن زيد الإبل الدهماء السوداء التي وهبها له ممدوحه بالنخل الجَّبَّار الذي يدنو من حصنِ الصََّفَا الذي أضافه للشَّبعان أي جبل الشبعان، وهما قصبتان من قصبات هجر الثلاث، وهذه إضافة منطقية لأنّ جبل الشبعان هو الأكبر والأضخم، وبالتالي فإنّ الصَّفا يُضاف إليه، وهو أيضاً دليلٌ واضحٌ على قُرب الصَّفا من الشَّبعان بحيث تصحّ نسبته إليه، وهو ما عليه حال قصبات هجر الثلاث (المشقر – الصَّفا – الشَّبعان)، وهي كلها مكونات صخرية مرتفعة متقاربة.

ونجدُ التقليعة المرقسية أيضاً في شعر الأسود بن يعفر النهشلي التميمي، وذلك في قوله:

تبـصـر خليـلي هل ترى من ظــــــــعائن

غدونَ لبيـنٍ من نوى الحي أبــــــــــــيّـنِ

جَـعــلن بـليــلٍ وارِداتٍ وهـصــــــــــتـمـا

شـمــالاً ويـمَّمــن الــبَدِيَّ بــــــــــــأيـمـنِ

فأضـحـت تراءهـا الـعـــيـون كأنــــــــهـا

على الشـــرف الأعــلى نــخيلُ ابـن يامن

وكذلك نرى ذات التقليعة في قول بشامة بن الغدير:

زَمُّــوا الجِـمـال وقالوا إن مـــــــــشـربـكـم

مــاء بــكَلْيَة لا مـلح ولا كـــــــــــــــــــــدر

واستـقـبـلوا المسـقط الشرقي يـحـفـــــزهم

في السيـر أشوَس منه الفحش والضـــــجر

كــأن ظــعــنــهــم والآل يـرفــــــــــــــعـهــا

نـخــل المـشــقـر أو ما زيـنـت هـــــــــــجـر

ولم أشرح هذه الأشعار الأخيرة لأني على يقين أنّ القارئ للبحث قد عرف الآن ما عناه هؤلاء الشعراء وأرادوه من شرح ما سبقه؛ كما إنني على يقين أنه أدرك سِرَّ افتتانهم بهذا النخل الهجري الواقع بين قصبات هجر الثلاث (المُشَقَّر – الصّفا – الشَّبعان). 

إنّ هذا الافتتان بصورة هذا النخل الآسرة لم يقتصر على الشعراء العرب فقط، بل افتتن به حتى من رآه من غير العرب، ولاسيما الرحالة الغربيون الذين زاروا جبل الشبعان المعروف الآن بجبل القارة، ومنهم القنصل الإنجليزي في الكويت هارولد ديكسون الذي كتب في مؤلفه (الكويت وجاراتها) وصفاً شيقاً لجبل القارة (الشبعان) قال فيه:

"عندما كنت أسير حول سفح هذه التلة الرملية المدهشة ذات اللون الأحمر الفاتح؛ تذكرت صوراً شاهدتها لصحراء أريزونا الأميركية لأنّ كل ما حول جبل قارة من وديان منحدرة وفجوات، وخاصة تلك السلسلة من الأعمدة الضخمة الرائعة التي صنعتها قرون من الرياح الصحراوية الحارة كأنها عمل جبابرة عفى عليهم الزمن؛ أما شمس الغياب هناك فإنها منظر في منتهى الروعة؛ خَلاّبٌ يحبسُ الأنفاس".

ألا يذكرنا كلام ديكسون هذا بما ورد في نصّ ابن الكلبي الذي ذكرته في أول هذا البحث، وقوله عن أرض هجر الواقعة بالقرب من هذا الجبل إنها كانت أرضاً مُعْجِبَة لا يراها أحد فيصبر عنها، وكانت لا يقدمها لطيمة إلا تخلف بها منهم ناس، فهاهي هجر تخلب لبّ المستشرقين والرّحالة الغربيين أيضاً وليس الشعراء العرب. 

ومن الرحالة الغربيين الذين خلبهم منظر هذا النخل أيضاً المصور الأمريكي تور إيجلاند الذي التقط من الطائرة صورةً رائعة لهذا النخل الذي يحفُّ بالمشقر، وتور إيجلاند هو مصور صحفي مستقل عمل لعدة مجلات عالمية مثل (National Geographic)، (Time)، و(Newsweek)، ثم عمل لخمس سنوات في مجلة عالم أرامكو (Aramco World)، وفي هذه المجلة الأخيرة نشر هذه الصورة، وذلك أثناء البدء في عمل مشروع الري والصرف في الأحساء، وكتب أسفلها:

 "سفينة في بحر من نخيل التمر". 

وهذه هي الصورة مع تعليق صاحبها عليها:


وهذه الصورة للـمشقر الهجري 

وليست لأبي الهول المـــصري




[1]  أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني: الأزمنة والأمكنة (بيروت: دار الكتب العلمية 1417هـ)؛ الصفحة: 383.

[2] الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني: صفة جزيرة العرب؛ تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي (صنعاء: مكتبة الإرشاد 1990م)؛ الصفحة 294.

[3]  عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛ تحقيق مصطفى السقا (بيروت: عالم الكتب 1983م)؛ ج1: 82.

[4] ياقوت الحموي: معجم البلدان؛ رسم [ الشبعان ].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق