السبت، 29 أغسطس 2015

منارتا مسجد جواثى



أما آن لمنارتي مسجد جواثى أن تعودا إليه يا هيئة السياحة الموقرة

في العام 1412 للهجرة أوكلت وكالة الآثار – ممثلة بفرعها في المنطقة الشرقية – لمؤسسة إنشاء وتعمير محلية تُعرف بمؤسسة القبلي مهمة ترميم بقايا مسجد علوي في منطقة جواثى، وكان حينها عبارة عن أطلال رواق واحد لبائكتين من العقود اعتُقِدَ وقتها أنها بقايا المسجد الذي أقيم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. {علي المغنم: جواثى ومسجدها دراسة توثيقية حضارية آثارية (الرياض: وكالة الآثار والمتاحف 2006م) ج1: 292}. 

وعندما باشر المقاول في الحفر داخل هذا الرواق لغرض تقوية أساسات الحيطان فوجئ بظهور مبانٍ على عمق 125سم من مستوى الأرض تمثل جداراً من الطين جيد البناء، ومجصص من الداخل، وبه عقود صُنعت بطريقة مهذبة، وكان من الواضح أنّ هذا الجدار قد استخدم كأساس للحائط الغربي للرواق العلوي وهو ما فسر وجود قطع من الحجر الجيري كانت على قمة هذا الجدار. 

وباستمرار الحفر تتابع ظهور دلالات لحوائط أسفل هذا الرواق في شرقه و جنوبه و شماله مما استوجب النظر في نقل بناء المسجد العلوي لإفساح المجال لكشف كامل لهذا الموقع، وبالفعل فقد تم نقل الرواق العلوي بالكامل إلى غرب الموقع الذي كان قائماً عليه حيث يقوم الآن، و استؤنفت أعمال الكشف بإزاحة الرمال إلى عمق 20 متراً، فظهرت ثلاث حوائط متتالية مرتفعة و رابع قليل الارتفاع متوازية و متعامدة على اتجاه القبلة يحدها من الجهة الشمالية جدار قليل الارتفاع يتجه من الغرب إلى الشرق؛ كما يحدها من الجهة الجنوبية جدار مرتفع يوازيه جدار آخر، وهذه الحوائط تؤلف شكلاً تخطيطياً مستطيلاً ينقسم من الداخل بجدارين متوازيين إلى ثلاثة أروقة. 

وقد كُشف في الجدارين الأول والثاني من جهة الغرب عن محرابين باتجاه القبلة مما أكّد أنّ البناء هو بالفعل لمسجد يتصل من الجهة الشمالية الشرقية ببعض الحوائط قليلة الارتفاع {بتصرف عن: مؤسسة القبلي للإنشاء والتعمير: تقرير ترميم مسجد جواثى (شهر شوال 1412هـ)}.

ثم وأخيراً تم في العام ١٤١٧هـ إجراء التنقيب الآثاري الذي قامت به مجموعة من موظفي وكالة الآثار السعودية بقيادة الأستاذ (الدكتور حالياً) علي المغنم في موضع جواثى، وقد قام المغنم بوصف ما قاموا به من أعمال تنقيبية في جزئين مطبوعين ضم الأول منهما نبذة تاريخية عن جواثى ومسجدها وبدء تنقيبهم فيها والمواقع التي نقبوا فيها في حين ضم الجزءُ الثاني دراسة للآثار المكتشفة في الموقع، وقد كان لي بعض الملاحظات على الجزء التاريخي من هذا الكتاب نشرت في جريدة الرياض السعودية، وهي منشورة بكاملها مع هذه النبذة ضمن كتابي (جواثى تاريخ الصمود).

وقبل بضع سنوات من الآن قامت هيئة السياحة والآثار مشكورة بترميم مسجد هذه العمارة الدنيا التي يتضح من شكل محرابيها الشبيهين بمحرابي مسجد الخميس بجزيرة البحرين (المغنم: مصدر سابق) أنها من عمارة القرنين السادس والسابع الهجريين أي إنها من عهد الدولة العُيونية، وقد لوحظ أيضاً وجود بنائين اسطوانيين متهدمين في ركني الحائط الغربي أحدهما عن يمين المحراب الأول، والآخر عن يمينه، ويمكن الإدراك من أول وهلة أنّ هذين البنائين الأسطوانيين لا ينبغي أن يكونا إلا لمنارتين ليس سوى ذلك.
إلا أنني فوجئت عند زيارتي للمسجد بعد انتهاء عملية الترميم والبناء أنّهم بنوا بدلاً من المنارتين المذكورتين بُرجين يشبهان بروج القلاع والحصون رغم أنّ البناء لمسجد وليس لقلعة؟!، فأبديت دهشتي واستغرابي من ذلك لأنها المرة الأولى التي أرى؛ بل وأسمع عن مسجد للصلاة يكون فيه برجان قلاعيان بدلاً من المنارتين.؟!

ثم احتدم الجدال بيني وبين الهيئة حول هذا الأمر عندما أجرت معي صحيفة الاقتصادية مقابلة حول هذا الأمر وكان معي مدير مكتب فرع هيئة الآثار في الأحساء الأستاذ وليد الحسين يجدها القارئ على هذا الرابط:

http://www.aleqt.com/2012/11/03/article_706365.html

ثم عقب المتحدث الرسمي باسم الهيئة على ما قلته في المقابلة في الجريدة ذاتها، ويمكن قراءة تعقيبه على هذا الرابط:

http://www.aleqt.com/2012/12/09/article_715621.html

وكم أسفت لكون رد الهيئة في كلي الحالتين كان واحداً، وهو تعصبهم لرأيهم في أنّ هذين البنائين الأسطوانيين هما لبرجين وليس لمنارتين رغم أنهما يقعان في حائط المسجد القبلي؛ كما استغربت ما أنفتهم من الرجوع إلى الصواب حين يكشفه لهم غيرهم، وهو أمر لا أحبذه من الهيئة التي لها مني كل التقدير لبعض ما تقوم به من عمليات جيدة لحفظ تاريخ وآثار بلادنا، ولكنني لن أتردد عن ممارسة حقي في انتقادهم عندما أرى أنهم أخطأوا، وفي حالة مسجد جواثى أرى وبكل ثقة أنهم أخطأوا ببناء برجين قلاعيين في حائط المسجد القبلي.

وهنا أضع صورتين للمسجد إحداهما بالهيئة التي بنته عليها هيئة السياحة والآثار والأخرى معدلة عنها بإضافة منارتين بدلاً عن البرجين بواسطة برنامج Adobi Photoshop وأترك للقارئ الحكم أي الصورتين هي الأصح لتكون صورة مسجد.


               
                                   مسجد جواثى بعد ترميم هيئة السياحة والآثار له، ويلاحظ بوضوح البرجان
                                القلاعيان المبنيان في حائطه القبلي أحدهما عن يمين المحراب والآخر عن يساره!!.

               
                                   هذه هي الصورة ذاتها، ولكن بعد أن قمت بوضع منارتين مقتبستين عن منارتي
                                مسجد الخميس بجزيرة أوال البحرين بواسطة برنامج Adobe Photoshop .. .
                                هكذا كان ينبغي أن يكون عليه المسجد.

                                   
                                     الصورة أعلاه مقتبسة عن الموقع الشهير (https://earth.google.com)
                                وهي توضح العمارة التي أوقعتها هيئة السياحة والآثار على مسجد جواثى، وفيها
                                يبدو بوضوح البرجان القلاعيان في الحائط القبلي.

                                     الصورة أدناه هي ذات الصورة أعلاه، ولكنني قمت باستبدال البرجـــــــــــين
                                بمنارتين مقتبستين عن بعض المساجد لتوضيح رأيي القائل بأن هذا هو الذي كان
                                ينبغي أن تكون عليه هذه العمارة للمسجد، والتي لا ينبغي أن تكون أقدم مـــــــــن
                                القرن السادس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق