الخميس، 17 سبتمبر 2015

هيئة السياحة والآثار مرة أخرى ما هذا الذي تفعلونه في مساجد الأحساء؟!

هيئة السياحة والآثار مرة أخرى
ما هذا الذي تفعلونه في مساجد الأحساء؟!


بعد الخطأ المهني الفظيع الذي ارتكبته هيئة السياحة والآثار في ترميمها لمسجد جواثى، واستبدالهم مأذنتيه ببرجين قلاعيين كما سبق وبينت ذلك في البحث الذي يراه القارئ في هذه المدونة أعلاه؛ ها هي الهيئة ترتكبُ خطئاً آخر لا مسوغ له، وهو إطلاقهم مسمى (مسجد الجعلانية) على (المسجد الجامع)، ببلدة البطّالية رغم تواتر هذا اسم (المسجد الجامع) له عند أهالي البلدة من قديم الزمان وحتى يومنا هذا، وعدم أطلاقهم تسمية (مسجد الجعلانية) عليه أو على أي مسجد آخر في البلدة؛ بل عدم معرفتهم بوجود مسجد يُسمى (الجعلانية) في بلدتهم، وإنما الجعلانية هو اسم موضع قديم في الأحساء كان فيه مسجد له اسمٌ آخر كما سنرى في هذا البحث.

وتقوم بلدة البطالية التي يقوم فيها هذا (المسجد الجامع) على أنقاض مدينة الأحساء التي بناها أبو سعيد الجنابي مؤسس دولة القرامطة في البحرين في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري واتخذها عاصمة لدولته، وعندما فرض القرامطة هيمنتهم على كامل إقليم البحرين كان من الأشياء التي فعلوها هو منع صلاة الجمعة والجماعة في المساجد؛ بل إنهم هدموا كثيراً من المساجد التي كانت فيها وفي كامل إقليم البحرين، ولم يسمحوا لسكان إقليم البحرين1 أن يبنوا أي مسجد في مدنه وقراه إلا في آخر حكمهم بعد أن دخل الضعف على دولتهم، وفي هذا الصدد يقول ابن المقرَّب العُيوني واصفاً ما فعلوه بقبيلته عبد القيس وبلده البحرين:

وَحَرَّقُوْا عَبْدَ قَيْسٍ فِيْ مَنَاْزلِهَاْ

وَصَيَّرُوْا الغُرَّ مِنْ سَاْدَاْتِهَاْ حِمَمَاْ

وَأبْطَلُوْا الصَّلَوَاْتِ الخَمْسَ، وَانْتَهَكُوْا

شَهْرَ الصِّيَاْمِ، وَنَصُّوْا مِنْهُمُ صَنَمَاْ

وَمَاْ بَنَوْا مَسْجِدَاً للهِ نَعْرِفُهُ

بَلْ كُلَّ مَاْ أدْرَكُوْهُ قَاْئِمَاً هُدِمَاْ

وعلّق شارح الديوان الذي كان معاصراً للشاعر على هذه الأبيات بقوله: "وَكَانَ أبُوْ سَعيْدٍ الجَنَّابيّ حينَ مَلَكَ البَحْرَيْن، واستذلَّ أهْلَها، واسْتَقامَ أمرُه بهَا؛ هَدَمَ مَا كَانَ فيْهَا مِنْ المسَاْجدِ، وَأبْطَلَ الصَّلاةَ، وَكَانَ لا يُصلِّيْ أحَدٌ بهَا إلا خُفْيَةً مُدَّةَ دَوْلَةِ القَرَاْمِطَةْ".2

وفي الواقع فإنّ تهديم القرامطة لمساجد البحرين أو تعطيلها قد ذكره أكثر من مؤرخٍ سابق لشارح الديوان المقرَّبي، فعندما تحدث المقدسي (توفي 390هـ) في كتابه (أحسن التقاسيم إلى معرفة الأقاليم) عن الأحساء قال عنها: 

"الأحْسَاْءُ: قَصَبةُ هَجَر، وَتُسَمّىْ البَحْرَيْن، كبيرةٌ كثيرةُ النَّخيْل عَاْمِرَةٌ آهِلَةٌ، .. وبها مُسْتَقَرُّ القَرَامطَةِ مِنْ آلِ أبيْ سَعيْدٍ، ثمَّ نظَرٌ وَعَدْلٌ، غَيرَ أنَّ الجامِعَ مُعَطَّلْ".

فالمقدسي في هذا النصّ يتحدث عن الأحساء العاصمة، وليس الإقليم بدليل قوله عنها إنها "قصبة هجر"، وأن بها "مستقر القرامطة من آل أبي سعيد"، وهذا ما كانت عليه الأحساء العاصمة بالفعل، والتي تقوم على أنقاضها الآن بلدة البطالية كما هو متواتر عند أهالي الأحساء، وعليه فإنّ المقدسي ينصُّ على وجود مسجد جامع في مدينة الأحساء، ولكنه ينصُّ على أنه كان معطلاً وقت زيارته لها.

إنّ هذا المسجد الجامع الذي ذكره المقدسي المتوفى عام 390 للهجرة - والذي يبدو أنّ زيارته للأحساء كانت في آخر حياته – ذكره رحالة آخر زار الأحساء عام 443 للهجرة، وهو ناصر خسرو الذي ولد بعد المقدسي بتسعة عقود (توفي 481هـ)، فقال في هذا الصدد:

"وليس في مدينة الحسا مسجد جمعة ولا تقام بها صلاة أو خطبة إلا أن رجلا فارسيا اسمه علي بن أحمد بنى مسجدا وهو مسلم حاج غني كان يتعهد الحجاج الذين يبلغون الحسا".3 

وأرى أنّ هذا المسجد هو ذاته المسجد الجامع الذي ذكره المقدسي قبل قليل، ولا يُستبعد ذلك، فخسرو بطبيعة الحال ذكر بناء هذا المسجد في الأحساء، ولم يذكر وقت بنائه، والمسجد كان قائماً قبل مجيئه بمدة من دون ريب، ثم إنّ الفترة الزمنية بين مجيء ناصر خسرو إلى الأحساء ووفاة المقدسي هي ثلاثة وخمسون سنة فقط، وواضح أنّ خسرو ذكر ما ذكر عن بناء هذا المسجد عن بعض أهالي الأحساء بالرواية، وبالتالي فهو ذات الجامع المعطل الذي ذكره المقدسي لأنّ ناصر خسرو يتكلم عن مدينة الأحساء ذاتها التي تكلم عنها المقدسي، وكلاهما ذكر وجود مسجد جامع فيها، ونحن نعرف أنه لا يجوز شرعاً بناء مسجدين للجمعة في بلد واحد إلا أن تكون المسافة بينهما أربعة فراسخ، ويؤكد ذلك أيضاً وصف ناصر خسرو لهذا الرجل الفارسي الذي بنى المسجد بأنه كان المتعهد بشئون الحجاج القاصدين إلى مكة عبر الأحساء، ورجل كهذا لا يمكن إلا أن يقيم في عاصمة البلد، وهي مدينة الأحساء، وأما قول المقدسي عن هذا الجامع انه كان معطلاً، فهو لا يتناقض مع رواية ناصر خسرو عن بنائه للحجاج القادمين إلى الأحساء أثناء موسم الحج، فهذا الجامع على ما يبدو لم تكن تُقام فيه الصلاة إلا وقت الحج من قبل الحجاج الوافدين إلى الأحساء في طريقهم إلى مكة، وهي أيام قليلة في كل عام، وأما بقية أيام السنة، فإن القرامطة لم يكونوا ليسمحوا لأحد أن يقيم الصلاة فيه خصوصاً وأنه يقع بالقرب من قصر حكمهم الذي عُرف لاحقاً في شعر ابن المقرب بـ(قصر القرمطي)، ثم صغّر بعد ذلك، فسمي (قصر قُريمط).
 وبناءاً على هذا، فإنني أرى أنّ هذا المسجد الجامع الذي ذكره المقدسي وخسرو عند زيارتهما للأحساء هو هذا المسجد المسمى بـ(المسجد الجامع) في بلدة البطالية إذ أنه لا جامع غيره يُطلق عليه هذا الاسم في البلدة؛ بل هو المسجد الوحيد في الأحساء الذي يُطلق عليه اسم المسجد الجامع حتى وقتنا هذا.

وكان الشيخ حمد الجاسر – رحمه الله – من أوائل من وصف هذا المسجد، وأطلق عليه اسمه المعروف له عند الأهالي أي (المسجد الجامع)، ويحسن أن أذكر نصَّ ما ذكره عن هذا المسجد للتدليل على ذلك، وهو قوله في رسم [ البطالية ] من المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية: 

"وفي الجهة الغربية الجنوبية من آثار القصر – يعني قصر قريمط - على مقربة من تلك الآثار فيما بينها وبين عين (الجوهرية) بحيث يسمع المرءُ هدير مائها، يوجد مكان يطلق عليه أهل تلك الجهة (المسجد الجامع)، وبعضهم يسميه (مسجد قريمط)، لقربه من موقع القصر المنسوب إلى قريمط".

وصدق الشيخ – رحمه الله في ملاحظته، فالمعروف عند أهالي البلدة أنّ اسم هذا المسجد هو (المسجد الجامع) بالفعل، وأنّ مسمى (مسجد قُريْمط)، وإن كان يطلق على هذا المسجد أيضاً؛ إلا أنّ من يطلقه إنما يطلقه عليه لوقوع هذا المسجد قرب قصر قُريمط الذي كان يُسمى قديماً بـ(قصر القرمطي)، وما عدا ذلك فإنّ سكان البطالية لا يعرفون لهذا المسجد اسماً آخر، ولاسيما هذا الاسم الذي أطلقته عليه هيئة السياحة والآثار أعني مسجد الجعلانية؛ بل إنني أستطيع أن أؤكد أنه لم يكن يوجد حتى في كامل واحة الأحساء مسجد كان يُسمى بـ(مسجد الجعلانية).

نعم؛ الجعلانية موضع قديم في الأحساء هذا صحيح، والصحيح أيضاً أنه كان فيها مسجدٌ، ولكنه لم يكن يُسمى بـ(مسجد الجعلانية)، وإنما كان يحمل اسماً آخر، والمصدر الوحيد الذي ذكر الجعلانية والمسجد الذي كان فيها هو شارح الديوان المقرَّبي فقط، وسأورد هنا نصَّ ما قاله عن هذا المسجد منقولاً عن أصح النسخ التي اعتمدتها في تحقيق ديوانه بحيث تتضح الرؤيا للقارئ، وهذا نصُّ ما ورد شعراً وشرحاً حيث قال في شرح قول ابن المقرَّب: 

لَهَاْ فَيْلَقٌ بالجَوِّ ذِيْ النَّخْلِ كَاْمِنٌ
وَرَيْعَاْنُهَاْ لِلْمَسْجِدِ الفَرْدِ شَاْمِلُ

"الفيلق: الجيش العظيم، و"الجوّ ذي النخل" يعني أرضاً أيضاً تُعرف بالمحرّمة  شمالي الجرعاء التي تعرف بالجعلانيّة، وهو مكان بالأحساء من البحرين، .. والمسجد مسجدٌ بالجعلانيّة يعرف بمسجد الأميرة وهبة بنت الأمير أبي علي".4

فليلاحظ قول الشارح في آخر الكلام: "والمسجد: مسجد بالجعلانية يُعرف بمسجد الأميرة وهبة"، فهو واضح في أنّ اسم هذا المسجد هو (مسجد الأميرة وهبة)، وليس (مسجد الجعلانية)؛ بل إنه حتى الطبعة الهندية للديوان، والتي يبدو أنّ الأخوة المسئولين في هيئة السياحة والآثار قد اعتمدوا عليها، فإنّ ما ورد فيها في هذا الموضع لا يفيد أنّ اسم هذا المسجد كان يُعرف بـ(الجعلانية)، وهذا نصُّ ما ورد في تلك الطبعة:

"الفيلق: الجيش العظيم، والجوّ ذي النخل يعني أرضاً تُعرف بالمحرّمة  شمال من الجرعاء التي تعرف بالجعلانيّة، .. والمسجد مسجد الجعلانيّة، ويعرف بمسجد الأميرة وهي بنت الأمير عبد الله ابن علي".5

ويلاحظ هنا أنّ الكلام في الطبعة الهندية هو ذاته الكلام الذي قابلته على بقية المخطوطات في تحقيقي للديوان في طبعتيه باستثناء بعض الاختلافات الطفيفة التي لا تغير المعنى بخصوص المسجد وليس في اسم صاحبته الذي تغير كثيراً عما هو في تحقيقي، ومن الواضح أنّ اسم المسجد هو (مسجد الأميرة)، وأن صلته بالجعلانية هو صلة مكانية لا صلة اسمية.

مسجد الأمير وهبة هو مسجد آمنة بنت وهب


لقد ذكر شارح الديوان المقربي في شرحه للبيت المتقدم أنّ الغزاة الذين غزوا مدينة الأحساء كانوا قد جعلوا لهم فيلقاً في أرض أسماها الشاعر (الجو ذا النخل)، وذكر الشارح أنها تُعرف أيضاً بـ(المحرّمة)، والواقع هو أنه يوجد موضعٌ قريب من بلدة البطالية اسمه المحرّمة يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من القرية إلى الشرق من بستان قديم كان وما زال يُسمّى (الخائس) الذي ذكره الشارح في موضع آخر، وذكر أنه يقع قريباً من قصر الحكم (قصر القرمطي)، وهذه المحرمة ينطبق عليها مراد الشاعر لأنّه وصف المغيرين بأنهم أغاروا على الأحساء من درب الجنابذ الواقع شرقها؛ في حين إنه كان لهم فيلقٌ كامنٌ عند المحرمة، وفي تلك الجهة، وبالقرب من بستان الخائس يوجد مسجد يسميه أهالي البطالية الآن بـ(مسجد آمنة بنت وهب)، وهو مسجد قديم مهجور، وأرى أنّ جملة (آمنة بنت وهب) ما هي إلا تحريف جملة (الأميرة وهبة)، والأميرة وهبة هذه هي بنت الأمير أبي عليّ الحسن بن عبد الله بن علي، وأبوها الأمير الحسن هو أصغر أبناء مؤسس الدولة العُيونية عبد الله بن علي، فتكون وهبة حفيدة المؤسس إذاً.
وهنا في نهاية حديثي هذا أطالب موظفي هيئة السياحة الموقرة أن تعيد تسمية هذا المسجد باسمه التاريخي، وهو (المسجد الجامع)، وأتمنى هذه المرة أن لا تأخذهم العزة بالإثم، فيصرون على خطئهم كما فعلوا في مسجد جواثى.

الهوامش:


1. كان القرامطة محسوبين على الشيعة الإسماعيلية؛ في حين كان جل سكان إقليم البحرين شيعة اثني عشرية، ولهذا فقد وقعت بين السكان وبين القرامطة حروب ووقائع مهولة إبان تأسيس الأخيرين لدولتهم في إقليم البحرين، وقد قُتل من سكان البحرين من عبد القيس الكثير لأنهم لم يرضخوا للقرامطة، وقد تحول كل ذلك إلى كره واضح من سكان البحرين لهم، فكانوا يتحينون كل فرصة للخروج عليهم وإسقاط دولتهم حتى تحقق لهم ذلك في أواسط القرن الخامس الهجري بثلاث ثورات أسقطت دولتهم وأنهت حكمه في البحرين، وهذه الثورات الثلاث ثورة أبي البهلول العبدي في جزيرة أوال، وثورة يحيى بن العباس الجذمي العبدي في القطيف، وثورة عبد الله بن علي العُيوني العبدي في الأحساء، وقد تمكن هذا الأخير في النهاية من انتزاع حكم أوال من أبي البهلول أو من حكم بعده، ومن آل عباس الجذميين في القطيف ليصبح حاكماً مطلقاً لكل إقليم البحرين، وتفصيل ذلك كله في ديوان ابن المقرَّب وشرحه.

2. شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج4: 2123 – 2127.

3. ناصر خسرو: سفر نامه؛ تحقيق يحيى الخشاب (بيروت: دار الكتاب الجديد 1983م)؛ الصفحة 143.

4. شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج3: 1413 وما بعدها.

5. شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب (منبي - الهند: مطبعة دت برساد 1310هـ)؛ الصفحات 372 – 373.

الخرائط والصور التوضيحية


صورة فضائية مقتبسة عن موقع Bing.maps.com وقد أوضحت عليها موقع المسجد الجامع بالبطالية

المسجد الجامع بالبطالية كما يبدو من الجهة الغربية قبل ترميم هيئة السياحة والآثار
المسجد الجامع كما يبدو من الجهة الجنوبية الشرقية قبل ترميم هيئة السياحة والآثار
رواقا المسجد الجامع من الداخل قبل ترميم هيئة السياحة والآثار.
المسجد الجامع كما يبدو من الشرق بعد ترميم هيئة السياحة والآثار، والصورة مقتبسة من الشبكة
اللوحة التعريفية بالمسجد الجامع وقد كتب اسمه عليها (مسجد الجعلانية)، وهو خطأ تاريخي أوضحته من خلال البحث






الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

وثيقة تثبت صحة ما توصلت إليه في كتابي (هجر وقصباتها الثلاث؛ المشقر والصفا والشبعان ونهرها محلم) من أنّ قوع (أبو حَصِيْص) هو قوع (الصَّفا)

وثيقة تثبت صحة ما توصلت إليه في كتابي

(هجر وقصباتها الثلاث؛ المشقر والصفا والشبعان ونهرها محلم)

من أنّ قوع (أبو حَصِيْص) هو قوع (الصَّفا) 


     وأخيراً وجدتها


    عندما نشرتُ كتابي (هجر وقصباتها الثلاث) عام 1425هـ؛ كان من النتائج التي توصلت إليها فيه هو أنّ التلّ المسمى الآن بـ(تلّ أبو الحصيص)، والأرض التي تحيط به، والتي تسمى بـ(قوع أبو الحصيص) الواقعين شمال شرق قرية التويثير هو الموضع الذي كان يقوم فيه الحصن الهَجري الشهير المسمى (الصَّـفا) الوارد كثيراً في شعر العرب قبل الإسلام وبعده، ومنه البيت الشهير لامرئ القيس الذي يقول فيه واصفاً النخل الواقع بين هذا الحصن وبين توءمه حصن المشقر:
أو المكرعات من نخيل بن يامن
               دوين الصّفا اللائي يلين المشقرا
     وعندما صدر كتابي المذكور لم يستسغ البعض من الذين رفضوا النتيجة التي توصلت إليها بخصوص تحديدي لموضع حصن الصّفا، وأنه كان يقوم في هذا الموضع المسمى الآن بقوع (أبو الحصيص)، وها هي محاسن الصدف تهبني أخيراً هذه الوثيقة التحفة التي ورد فيها تسمية (قوع أبو الحصيص) باسمه القديم (قوع الصَّفا) (انظر حيث يشير السهم في صورة الوثيقة أدناه)، وهذه الوثيقة هي وثيقة بيع أحسائية يوجد عليها اسم وختم الشيخ عمران السليم أحد علماء الدين الأحسائيين المعروفين، والمتوفى عام 1360هـ.

وإنني إذ أنشر هذه الوثيقة هنا، فإنني أتقدم بالشكر الجزيل إلى الصديق العزيز الأستاذ أحمد بن عبد المحسن البدر على إهدائه لي هذه الوثيقة الكنز.

عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي
القطيف 26 ذو القعدة 1436هـــ.





غلاف الطبعة الثانية من كتابي (هجر وقصباتها الثلاث)



هذا هو تل (أبو حصيص) الذي أوضحت رأيي
في أنه هو الذي كان يقوم عليه حصن الصّفا، والقوع
المحيط به هو قوع الصفا الوارد في الوثيقة المنشورة أعلاه
وهذه الصورة منشورة في كتابي المذكور أيضاً.

السبت، 29 أغسطس 2015

منارتا مسجد جواثى



أما آن لمنارتي مسجد جواثى أن تعودا إليه يا هيئة السياحة الموقرة

في العام 1412 للهجرة أوكلت وكالة الآثار – ممثلة بفرعها في المنطقة الشرقية – لمؤسسة إنشاء وتعمير محلية تُعرف بمؤسسة القبلي مهمة ترميم بقايا مسجد علوي في منطقة جواثى، وكان حينها عبارة عن أطلال رواق واحد لبائكتين من العقود اعتُقِدَ وقتها أنها بقايا المسجد الذي أقيم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. {علي المغنم: جواثى ومسجدها دراسة توثيقية حضارية آثارية (الرياض: وكالة الآثار والمتاحف 2006م) ج1: 292}. 

وعندما باشر المقاول في الحفر داخل هذا الرواق لغرض تقوية أساسات الحيطان فوجئ بظهور مبانٍ على عمق 125سم من مستوى الأرض تمثل جداراً من الطين جيد البناء، ومجصص من الداخل، وبه عقود صُنعت بطريقة مهذبة، وكان من الواضح أنّ هذا الجدار قد استخدم كأساس للحائط الغربي للرواق العلوي وهو ما فسر وجود قطع من الحجر الجيري كانت على قمة هذا الجدار. 

وباستمرار الحفر تتابع ظهور دلالات لحوائط أسفل هذا الرواق في شرقه و جنوبه و شماله مما استوجب النظر في نقل بناء المسجد العلوي لإفساح المجال لكشف كامل لهذا الموقع، وبالفعل فقد تم نقل الرواق العلوي بالكامل إلى غرب الموقع الذي كان قائماً عليه حيث يقوم الآن، و استؤنفت أعمال الكشف بإزاحة الرمال إلى عمق 20 متراً، فظهرت ثلاث حوائط متتالية مرتفعة و رابع قليل الارتفاع متوازية و متعامدة على اتجاه القبلة يحدها من الجهة الشمالية جدار قليل الارتفاع يتجه من الغرب إلى الشرق؛ كما يحدها من الجهة الجنوبية جدار مرتفع يوازيه جدار آخر، وهذه الحوائط تؤلف شكلاً تخطيطياً مستطيلاً ينقسم من الداخل بجدارين متوازيين إلى ثلاثة أروقة. 

وقد كُشف في الجدارين الأول والثاني من جهة الغرب عن محرابين باتجاه القبلة مما أكّد أنّ البناء هو بالفعل لمسجد يتصل من الجهة الشمالية الشرقية ببعض الحوائط قليلة الارتفاع {بتصرف عن: مؤسسة القبلي للإنشاء والتعمير: تقرير ترميم مسجد جواثى (شهر شوال 1412هـ)}.

ثم وأخيراً تم في العام ١٤١٧هـ إجراء التنقيب الآثاري الذي قامت به مجموعة من موظفي وكالة الآثار السعودية بقيادة الأستاذ (الدكتور حالياً) علي المغنم في موضع جواثى، وقد قام المغنم بوصف ما قاموا به من أعمال تنقيبية في جزئين مطبوعين ضم الأول منهما نبذة تاريخية عن جواثى ومسجدها وبدء تنقيبهم فيها والمواقع التي نقبوا فيها في حين ضم الجزءُ الثاني دراسة للآثار المكتشفة في الموقع، وقد كان لي بعض الملاحظات على الجزء التاريخي من هذا الكتاب نشرت في جريدة الرياض السعودية، وهي منشورة بكاملها مع هذه النبذة ضمن كتابي (جواثى تاريخ الصمود).

وقبل بضع سنوات من الآن قامت هيئة السياحة والآثار مشكورة بترميم مسجد هذه العمارة الدنيا التي يتضح من شكل محرابيها الشبيهين بمحرابي مسجد الخميس بجزيرة البحرين (المغنم: مصدر سابق) أنها من عمارة القرنين السادس والسابع الهجريين أي إنها من عهد الدولة العُيونية، وقد لوحظ أيضاً وجود بنائين اسطوانيين متهدمين في ركني الحائط الغربي أحدهما عن يمين المحراب الأول، والآخر عن يمينه، ويمكن الإدراك من أول وهلة أنّ هذين البنائين الأسطوانيين لا ينبغي أن يكونا إلا لمنارتين ليس سوى ذلك.
إلا أنني فوجئت عند زيارتي للمسجد بعد انتهاء عملية الترميم والبناء أنّهم بنوا بدلاً من المنارتين المذكورتين بُرجين يشبهان بروج القلاع والحصون رغم أنّ البناء لمسجد وليس لقلعة؟!، فأبديت دهشتي واستغرابي من ذلك لأنها المرة الأولى التي أرى؛ بل وأسمع عن مسجد للصلاة يكون فيه برجان قلاعيان بدلاً من المنارتين.؟!

ثم احتدم الجدال بيني وبين الهيئة حول هذا الأمر عندما أجرت معي صحيفة الاقتصادية مقابلة حول هذا الأمر وكان معي مدير مكتب فرع هيئة الآثار في الأحساء الأستاذ وليد الحسين يجدها القارئ على هذا الرابط:

http://www.aleqt.com/2012/11/03/article_706365.html

ثم عقب المتحدث الرسمي باسم الهيئة على ما قلته في المقابلة في الجريدة ذاتها، ويمكن قراءة تعقيبه على هذا الرابط:

http://www.aleqt.com/2012/12/09/article_715621.html

وكم أسفت لكون رد الهيئة في كلي الحالتين كان واحداً، وهو تعصبهم لرأيهم في أنّ هذين البنائين الأسطوانيين هما لبرجين وليس لمنارتين رغم أنهما يقعان في حائط المسجد القبلي؛ كما استغربت ما أنفتهم من الرجوع إلى الصواب حين يكشفه لهم غيرهم، وهو أمر لا أحبذه من الهيئة التي لها مني كل التقدير لبعض ما تقوم به من عمليات جيدة لحفظ تاريخ وآثار بلادنا، ولكنني لن أتردد عن ممارسة حقي في انتقادهم عندما أرى أنهم أخطأوا، وفي حالة مسجد جواثى أرى وبكل ثقة أنهم أخطأوا ببناء برجين قلاعيين في حائط المسجد القبلي.

وهنا أضع صورتين للمسجد إحداهما بالهيئة التي بنته عليها هيئة السياحة والآثار والأخرى معدلة عنها بإضافة منارتين بدلاً عن البرجين بواسطة برنامج Adobi Photoshop وأترك للقارئ الحكم أي الصورتين هي الأصح لتكون صورة مسجد.


               
                                   مسجد جواثى بعد ترميم هيئة السياحة والآثار له، ويلاحظ بوضوح البرجان
                                القلاعيان المبنيان في حائطه القبلي أحدهما عن يمين المحراب والآخر عن يساره!!.

               
                                   هذه هي الصورة ذاتها، ولكن بعد أن قمت بوضع منارتين مقتبستين عن منارتي
                                مسجد الخميس بجزيرة أوال البحرين بواسطة برنامج Adobe Photoshop .. .
                                هكذا كان ينبغي أن يكون عليه المسجد.

                                   
                                     الصورة أعلاه مقتبسة عن الموقع الشهير (https://earth.google.com)
                                وهي توضح العمارة التي أوقعتها هيئة السياحة والآثار على مسجد جواثى، وفيها
                                يبدو بوضوح البرجان القلاعيان في الحائط القبلي.

                                     الصورة أدناه هي ذات الصورة أعلاه، ولكنني قمت باستبدال البرجـــــــــــين
                                بمنارتين مقتبستين عن بعض المساجد لتوضيح رأيي القائل بأن هذا هو الذي كان
                                ينبغي أن تكون عليه هذه العمارة للمسجد، والتي لا ينبغي أن تكون أقدم مـــــــــن
                                القرن السادس.


وثيقة من القرن التاسع الهجري تثبت وجود مشهد مبارك في القطيف

وثيقة من القرن التاسع الهجري

تثبت وجود مشهد مبارك في القطيف


في شهر رجب من العام 1380 للهجرة قامت إدارة التنقيب التابعة لشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) بوضع خارطة تفصيلية لواحة القطيف بمقياس (1: 25000سم)، وهي الخارطة رقم (B-2150). 

وقد دُوّن في هذه الخارطة الوثائقية الهامة كل مدن الواحة، وقراها، وأحيائها، ومظاهرها الجغرافية والجيولوجية، ومواضعها الزراعية، وعيونها، وغير ذلك.

وكان مما لفت نظري جداً في هذه الخارطة وجود موضع كُتب اسمه (المَشْهَد)، وهو يقع – حسب تحديد الخارطة – جنوب مسجد في منطقة (الخَنَّاْق) الحيّ الواقع إلى الغرب من حيّ (باب الشَّمال)؛ الواقع هو الآخر إلى الغرب مباشرة من حاضرة القطيف (القلعة).

وما يلفت النظر لهذا الاسم هو أنّ هذه اللفظة أي (المَشْهَد)، وفي مجتمع شيعي كالمجتمع القطيفي لها دلالات خاصّة جداً لأنّ إطلاق اسم (المشْهَد)، وعلى موضع به مسجد يعني عند الشيعة وجود ضريح فيه لأحد المنتمين نسباً لأهل البيت الذين كانت لهم قداسة خاصة، أو – على أقل تقدير – ضريحٌ لأحد علماء الدين الشيعة الكبار الذين كانت لهم مكانة علمية ودينية واجتماعية كبرى في وقته، وقد يكون هذا الشخص حاملاً لكلي الصفتين أي أن يكون عالم دينٍ كبيرٍ، وفي الوقت ذاته هو من المنتسبين إلى أهل البيت، وهو ما يُطلق شيعة المنطقة عليه لقب (السيّد).

وحقيقة، وعلى الرغم من وجود مسجد قديم كان يُعرف بـ(المشهد) في جزيرة أوال الشقيقة الأقرب للقطيف، والذي كان يُسمى بـ(المشهد ذي المنارتين) في القرن العاشر الهجري حيث ذكر في ديوان أبي البحر الخطي (توفي 1028هـ)؛ إلا أنني لم أكن أتوقع أن يكون المشهد الذي في القطيف هذا قديماً حتى مع ذكره في خارطة (أرامكو) المشار إليها، والعائدة لأكثر من خمسة عقود من الآن؛ إلا أنَّ وثيقة من القرن العاشر أتحفنا بها بعض الباحثين الإيرانيين (1) عبر منتدى تواصل يجمعنا تأبى إلا أنْ يكون هذا المشهد القطيفي كان معروفاً في القطيف حتى القرن العاشر الهجري على أقل تقدير.

وهذه الوثيقة التي أتحفنا بها الباحث الإيراني هي عبارة عن الصفحة الأخيرة من مخطوطة قطيفية لكتاب (خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال) للعلامة الحلّي أحد كبار علماء الشيعة في القرن الثامن الهجري (توفي 726هـ)، وتحتفظ بهذه النسخة مكتبة السيد المرعشي بـ(قم) تحت الرقم (6704)، وهذه المكتبة ضخمة جداً؛ تضم الكثير من التراث المخطوط، ومن ضمنه كثير من المخطوطات التي تعود إلى علماء دين بحرانيين (أواليين وأحسائيين وقطيفيين) سواءً أكانوا مؤلفين لها أو كاتبين لها بأيديهم، وقد بدا واضحاً بعد الأعمال الفهرسية الضخمة التي تمت لمخطوطات مكتبات إيران الكبرى كالمكتبة الرضوية، ومكتبة مجلس الشورى الإيراني، والمكتبة الوطنية بطهران، ومكتبة السيد المرعشي هذه وجود كمٍّ كبير لعلماء دين بحرانيين معروفين وغير معروفين، ولخطاطين بحرانيين متقنين مجهولين من أوال والقطيف والأحساء أسهموا في حفظ التراثين الإسلامي والعربي عامة، وليس تراث منطقتهم فحسب.

وقد كتب في هذه الصفحة الأخيرة من مخطوطة (خلاصة الأقوال) ديباجة الإنهاء المألوفة لخطاطي القرنين التاسع والعاشر الهجريين، والتي يتضح منها أنّ هذه المخطوطة كُتبت سنة "سبع وتسعين وثمانماية هجرية"، وكتب إلى يمين الإنهاء الأصلي إنهاءٌ لمقابلة أولى للكتاب لذات الكاتب تمت في شهر رمضان سنة "أربع وتسعماية" للهجرة، وإلى يسار الإنهاء الأصلي إنهاءٌ لمقابلة ثانية بخط مختلف؛ كُتب فيها أنها تمت في شهر رجب سنة "ستٍ وتسعون وتسعمائة" للهجرة، وواضح أنها لكاتب آخر، فبالإضافة إلى اختلاف الخط، فإنّ البعد الزمني بين هذا الإنهاء، وبين إنهاء المقابلة الأولى يصل إلى 88 عاماً، فإذا كان ناسخ الكتاب الأصلي قد كتب إنهاء المقابلة الأولى وهو ابن عشرين سنة مثلاً، فإن عمره عند كتابة إنهاء هذه المقابلة الثانية - إن افترضنا أنه هو كاتبها - يكون قد تجاوز المائة عام، ويندر أن يكون ذلك.

وفي أسفل هذه الإنهائات الثلاثة كُتب إنهاءٌ رابع بخط مغاير تماماً لخط الكاتب الأصلي أيضاً اتضح لي أنه إعادة كتابة من قبل أحد المطلعين على المخطوطة لإنهاء المقابلة الأولى التي تمت في شهر رمضان، والمذكورة قبل قليل.

قراءة إنهائات خاتمة المخطوطة ومقابلاتها

سوف أقدم للقارئ هنا قراءتي النصيّة لنصوص هذه الإنهائات الأربعة، وهي كما يلي مرتبة حسب تسطيرها الاصلي في المخطوطة:

أولاً: إنهاء كتابة المخطوط الأصلي: 

وهو العمود الأوسط في الورقة الأخيرة، ويتكون من سبعة سطور كُتبت بخط الرقعة غير المنقوط، ونصّها كالتالي حسب ترتيب السطور:

1. وافق  الخلاص من إتمام هذه الخلاصة المباركة 
2. على يد العبد الفقير إلى الله الغني عبد الله بن 
3. محمد بن مبارك بن أبي صُريف رحمهم الله أجمعين
4. في يوم الجمعة سنة سبع وتسعين وثمانماية هجرية
5. على صاحبها أفضل الصلاة 
6. والسلم
7. وتم الكتاب.

ثانياً: إنهاء المقابلة الأولى للمخطوط: 

وهو العمود الأيمن، ويتكون من ثمانية سطور كُتبت بخط الرقعة غير المنقوط غالباً، وهو ذات خط الكاتب الذي كتب به إنهاء الكتاب الأصلي، ونصّه كالتالي حسب ترتيب السطور:

1. بلغت مقابلتي  بحسب 
2. الجهد والطاقة في 
3. مجالس متعددة آخرها 
4. عشية  يوم الثلثا حادي 
5. عشر شهر رمضان سنة 
6. أربع وتسعماية في المقام
7. المبارك مشهد القطيف 
8. ومنها (2)  مجاوره الخناق.

ثالثاً إنهاء المقابلة الثانية للمخطوط: 

وهو العمود الأيسر، ويتكون من تسعة سطور كُتبت بخط النسخ المنقوط، وخطه مغاير لخط كاتب المخطوطة، ونصُّ إنهاء هذه المقابلة هو كالتالي بحسب ترتيب السطور:

1. بلغت مقابلة بحسب الجهد 
2. والطاقة في مجالس متعدّ
3. دة آخرها عشية يوم 
4. الاثنين شهر رجب 
5. من سنة ستٍ وتسعون! (3)
6. وتسعماية في المقا
7. م الشريف مسجد 
8. الرحول
9. في القطيف.

رابعاً: الإنهاء الرابع: 

وهو مكتوبٌ في عمود أسفل عمود إنهاء الكتاب مباشرة، ويتضح من قراءته أنه مكرر عن إنهاء المقابلة الأولى تماماً، وقد كُتب نقلاً عنه بخط نسخي جميل ومتقن، ونصّه كما يلي بحسب ترتيب السطور:

1. بلغت مقابلته بحسب الجهد والطاقة في 
2. مجالس متعددة آخرها عشية يوم الثلثا 
3. حادي عشر شهر رمضان سنة أربع 
4. وتسعماية في المقام المبارك مشهد 
5. القطيف ومنها مجاوره الخناق تمت
6. الكتاب بعون الله وحسن توفيقه.

كاتب المخطوطة

لقد دَوَّنَ لنا الكاتبُ اسمه في إنهائه الأصلي للكتاب كما رأينا، وهو كالتالي: عبد الله بن محمد بن مبارك بن أبي صريف، وإن كان مفهرسو مكتبة السيد المرعشي قد أضافوا في سلسلة نسبه اسم (محمد) بعد مبارك، (4) وهذا الاسم غير موجود في خاتمة إنهاء المخطوطة التي كتبها الناسخ بيده، ولا أعلم مصدرهم في ذلك إلا أن يكون قد ذُكر في موضع آخر من هذه المخطوطة التي لم أطلع عليها كاملةً حتى الآن. 

ولم يذكر الكاتب أي شيء آخر في التعريف عن نفسه في إنهائه للكتاب الذي تمّ في يوم الجمعة سنة 897 للهجرة؛ إلا أنّ ما كتبه في إنهائه للمقابلة الأولى في ذات الصفحة، والتي تمت في شهر رمضان لعام 904 للهجرة – أي بعد سبع سنوات من إنهائه للمخطوط – ذكر فيها أنه أنهاه في أوقات متعددة بعضها في "المقام المبارك مشهد القطيف"، وبعضها في "مجاوره الخنّاق"، وقد يتضح من ذلك أنه من قُطّان حيّ الخنّاق - المعروف باسمه حتى الآن في القطيف - أو أحد الأحياء المجاورة له، وأنه كان من رجالات القرنين التاسع والعاشر الهجريين؛ كما يدل اهتمامه بنسخ هذا الكتاب الرجالي الخاص بالرواة أنه قد يكون رجل دين بارز، وهذا كل ما نعرفه عن هذه الشخصية القطيفية للأسف. 

نعم ورد ضمن أسماء القطيفيين المذكورين في سجل (قانون نامه لواء القطيف) الذي دوّنه موظفو الدولة العثمانية في بداية احتلالها لواحة القطيف عام 959 للهجرة، والمحفوظ ضمن دفتر الطابو رقم (282) لعام 959هـ. اسم أحد القطيفيين الذي ينتهي نسبه باسم (صريف) (5) رغم عدم اعتناء أولئك الموظفين بأمور النسب؛ بل حتى إنهم لم يكتبوا حتى لفظة (بن) بين الولد ووالده كما هو المتبع عند العرب، فبدلاً من أن يكتبوا (محمد بن علي) مثلاً؛ كانوا يكتبونه (محمد علي)، ومع ذلك فعند تدوينهم أسماء سكان محلة من محلات القطيف كان اسمها (السَّطر) – وهي لا زالت معروفة  – (6) كُتب اسم أحد سكان هذه المحلّة هكذا: "محمد عبد الله صريف" أي محمد بن عبد الله آل صريف، ورغم أنه لا توجد لفظة (أبي) قبل (صريف) إلا أنّ ذلك لا يمنع أن يكون من ذات أسرة كاتبنا عبد الله بن محمد بن أبي صريف لأنّ الكتاب العثمانيين الذين كتبوا سجل (قانون نامة لواء القطيف) لم يكونوا يعنون بضبط الأسماء بقدر ما كان يهمهم عدم نسيان صاحب الاسم لأجل أخذ الضريبة عليه.

وعليه قد يكون هذا القطيفي (محمد بن عبد الله آل صريف) المدون اسمه في (قانون نامه لواء القطيف) عام 959 للهجرة ابناً لكاتب المخطوطة (عبد الله بن محمد بن أبي صريف)، فقد جرت العادة أن يسمي الأب أحد أبنائه باسم أبيه؛ خصوصاً إذا عرفنا أنّ الزمن الذي يفصل بين تاريخ كتابة إنهاء المقابلة الأولى للمخطوطة في القطيف وتاريخ كتابة (قانون نامه لواء القطيف هو 55 عاماً فقط، وأنّ محلة السطر لا تبعد عن الخنّاق الواردة في خاتمة هذه المخطوطة إلا بـ350 متراً فقط.

الخناق والمشهد ومسجد الرحول مسميات قطيفية وردت في الوثيقة

ومن أهم ما ورد في هذه الوثيقة العائدة للقرن العاشر الهجري ثلاثة أسماء لمواضع بقي مسميان منها معروفين حتى وقنا الحاضر، وهما (الخناق)، و(المشهد)؛ في حين اندثر الثالث منها، وهو (مسجد الرحول)، ولا بأس من تعريف هذه المسميات الثلاثة، وذكر ما اطلعتُ عليه أو أعرفه عنها، وهي كالتالي:

الخَنَّاْق: بفتح الخاء، وتشديد النون، ثم ألف ساكنة، فقاف بنقطتين، وهو حيٌّ صغير من أحياء القطيف يقع غرب الجزء الشمالي الغربي من حيّ باب الشمال؛ إلى الجنوب من حيّ الوِسَادَة، وإلى الشمال من حيّ المُشَطَّبَة الذي صار يُعرف بـ(المدني) حالياً، ولا زال الخَنَّاق معروفاً، ومحتفظاً باسمه حتى الآن، وما زال مسجده قائماً معروفاً تؤدى فيه الصلاة، ولكنه ليس هو ذاته المسجد الأصلي، فالمسجد الأصلي كان يبعد عنه بمقدار عشرة أمتار للشمال الشرقي منه؛ إلا أنه أثناء توسعة وتمهيد شارع الإمام علي الذي كان المسجد القديم يقع على قارعته اضطروا إلى إزالة المسجد القديم، وتم التعويض عنه بأرض المسجد القائم الآن.

المشْهَد: وهو موضعٌ كان يقع جنوب الجزء الجنوبي الشرقي من الخَنَّاق مباشرة، وكان في السابق بستان نخل من أوقاف السادة القطيفيين آل العوَّامي، ويقع إلى الشمال منه مباشرة مسجد الخنّاق المتقدم ذكره، وقد أصبح المشهد الآن منازل اتصلت بمنازل حي المدني (المُشَطَّبة).
ويبدو من الاسم، ومن نعت ناسخ الوثيقة قيد الدراسة له بـ"المقام المبارك" أنّ القطيفيين، ومن قديم الزمان كانوا يعتقدون بوجود ضريح لأحد سادة آل البيت  في المشهد هذا، وأرى أنّ هذا الموضع ربما كان يحوي ضريح الجدّ الأعلى لأسرة السادة آل العوامي ما دام أنّ المشهد كان من أوقافهم، أو أحد علمائهم الكبار، أو حتى أحد العلماء السادة القطيفيين المنتسبين إلى آل البيت بصفة عامة.
وقد رأينا كيف ظل اسمه المشهد معروفاً حتى العقد التاسع من القرن الرابع عشر الهجري بدلالة تدوين اسمه في الخارطة التي صنعتها شركة أرامكو للقطيف عام 1380 للهجرة كما مرّ بنا في أول هذه الدراسة، وهو لا زال معروفاً باسمه هذا حتى وقت كتابة هذه الدراسة، ولكن عند كبار السنّ فقط وبعض أهل الاختصاص بتاريخ القطيف، وإن كان من سألتهم منهم لم يكن لديهم علم بوجود ضريح أو مشهد كان يُزار فيه، وهو أمرٌ ليس بمستغرب خصوصاً إذا عرفنا أنّ الدول السعودية الأولى والثانية والثالثة حاربت ومنعت وجود مثل هذه الأضرحة والقبب التي كانت تبنى على بعض القبور في القطيف والأحساء؛ بل في كافة بلدان الجزيرة العربية، وقد ذكر ذلك مؤرخوها كابن غنام وابن بشر في تاريخيهما.
ومن يدري فربما كان يوجد في المشهد هذا مشهدٌ يحتوي على ضريح أحد السادة من المنتسبين إلى آل البيت، وأنّ هذا الضريح أزيل في بداية سيطرة الدولة السعودية الأولى (1157 - 1233هـ.) مما ساهم في اندثاره وانقطاع تواصل المعرفة به لدى السكان الحاليين.

مَسْجِدُ الرّحُوْلْ: لا أعرف مسجداً في القطيف الآن بهذا الاسم، ولكن يجب لفت نظر القراء إلى أن هذا المسجد قد يكون موجوداً، ولكن تم تغيير اسمه؛ كما ينبغي أن لا يُغفل أنّ هذا المسجد ربما كان قريباً من (مسجد الخناق) والمشهد، وفي الواقع فإنّه يوجد بالقرب منهما الآن بضعة مساجد ربما يكون أحدها هو مسجد الرحول هذا، فإلى الغرب من (مسجد الخناق) يوجد مسجدان صغيران أو مصليان متتاليان كل واحد منهما يقع غرب الآخر، والأول منهما يقع غرب مسجد الخناق الحالي بـ160 قدماً، وهو مسجد صغير يُسمى (مسجد العَسكَري)، وإلى الغرب من هذا الأخير بـ320 قدماً يقع مسجد صغير آخر يُسمى (مسجد البراضعي)، وإلى الشرق من مسجد الخنّاق بـ170 متراً؛ في حيّ باب الشمال يقع مسجد ثالث يسمى (مسجد الشيخ علي بن يعقوب)، وهذه المساجد الأربعة كانت تقع كلها على امتداد طريق قديم يمتد من قلعة القطيف وحاضرتها، ويخترق كلاً من حي باب الشمال، ثم الخناق، فالبراضعي، ومن ثم يفترق إلى فرعين رئيسين فرع يؤدي إلى قرية (الخرارة)، فـ(مقبرة الخبّاقة)، فحمام (أبو لوزة) الشهير، والفرع الآخر يؤدي إلى قرية التوبي وسيحتها وعيونها.

الهوامش:


1. هو الدكتور محمد كاظم رحمتي، والذي أوجه له شكراً خاصاً لاهتمامه بالتراث البحراني بصفة خاصة.

2. الضمير هنا يعود إلى جملة (مجالس متعددة) في السطر الثالث.

3. حقها أن تكون: "وتسعين".

4. انظر: مصطفى درايتي: دست نوشت هاي ايران < دنا > (مشهد: فرهنگي ثروهشي الجوادع دت)؛ ج4: 917.

5. كنت قد قدمت دراسة (لقانون نامه لواء القطيف) هذا، ونُشرت في مجلة الساحل في عشر حلقات، ونظراً لأنّ الخطّ الذي كتب به موظفو الدولة هذا السجل الهام كان رفيعاً جداً وصغيراً، فقد قرأتها هناك (حريف)، ولكن بعد الرجوع إليها وقرائتها بتمعن اتضح أنها (صريف)، وهو ما يؤيده هذه الوثيقة قيد الدراسة.

6. هي المنطقة الواقعة غرب حي المدارس.

الصور التابعة للبحث: