الأربعاء، 1 ديسمبر 2021

رداً على الكاتب الصيخان

 

قاعدةٌ صحيحة، ولكنَّ الاستدلال بها خطأ

كتب/ عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

أرسل لي أحد الأصدقاء مقالة للكاتب علي الصيخان كتبها على منصّته في تويتر يردُّ فيها على مقالي المنشور في جريدة الجزيرة؛ في عددها: 17855؛ بتاريخ: 10 ربيع الآخر لعام 1443هـ؛ الموافق: 15 نوفمبر 2021م، والذي كان عنوانه:

"نشر نصوص الوثائق القديمة ينبغي أن يكون كما كُتبت دون تبديل أو تعديل

التغيير في وثيقة (دفتر المهمة3) بتاريخ 968هـ ساهم في إخفاء اسم الشيخ حُميد بن سعدون الخالدي جدّ آل حُميد"

وكان ردُّه بما هذه صورته:


وواضح ما في مقاله من تَشَنُّج، وهَمْزٍ، ولَمْزٍ كإيراده بيت الشعر، وكذلك ما نطق به من جُمل؛ مثل قوله عني:

"وبدأ بعد ذلك ينسج كعادته مجموعة من الأوهام في التاريخ والأنساب تكرّس وتعزز حالة العبث السائدة في الأنساب والتاريخ".

وكانت عادتي أن لا أردَّ على مثل هذا النوع من الردود المتشنّجة؛ إلا أنني رأيت هذه المرّة أنّ الردَّ عليها أحجى لأبين له الخطأ الذي وقع فيه، ولئلا ينخدع بعضُ قرّاء مقاله بما قاله، ولاسيما بالوثيقة التي استشهد بها موظّفاً لها في غير محلّها، وسيكون ردّي هذا رداً ذا أسلوب موضوعيّ أتوّخى فيه مبدأ (العلم للعلم)، وأتجنّب فيه الأساليب اللا موضوعية كأسلوب التهكم، والطعن في الصّفات الذهنية والعلمية للكاتب، وهو أمرٌ لا أتقنه عموماً، ولا أحسنه، ولهذا لن أجاريه في هذه الجنبة من مقاله.

وأما ما يعنيني الردُّ عليه من مقاله مما هو مختصٌّ بصلب موضوعي، فهو قوله، وأقتبس عنه:

"أن لكل لغة من اللغات خصائصها الكتابية وهذا ما لا يعلمه الكاتب المذكور"؟!.

وهذا اتهام معيبٌ منه لشخصي، فالقول إنّ لكل لغة خصائصها الكتابية؛ هو أمرٌ معلوم ومعروف حتى لمن أوتي من العلم حظاً قليلاً مثلي، فأنا لا أدعي أنني ذو علمٍ كبير، ولا معرفة واسعة، ولكنّ ما لدي من علمٍ قليلٍ يتيح لي أن أعرف أنّ لكل لغة من لغات البشر خصائصها وقواعدها الكتابية التي تختلف فيها عن غيرها من اللغات الأخرى، فهذا الأمر يعرفه حتى المبتدئون.

وقال أيضاً، وأقتبس من قوله مرّة أخرى:

"ففي اللغة التركية العثمانية يتقدم اسم الأب(سواءً كان أب قريب أو بعيد) على اسم الابن ويوضع بين اسم الأب والابن كلمة اوغلي أو اوغلو والتي تعني (ابن)".

وقبل أن أردَّ عليه في كلامه هذا؛ أودّ أن أصحح له جملته التي كتبها، وهي قوله:

(سواءً كان أب قريب أو بعيد).

فالصحيح في كتابتها هو:

(سواءً كان أبَاً قريباً، أو بعيداً).

وأما المعلومة التي ذكرها في عبارته هذه، فأنا أعرف – تمام المعرفة – هذه الخاصيّة الكتابية في اللغة التركية، ويبدو أنه لم يلتفت إلى أنني قد طبّقتها في مقالي المنشور في جريدة الجزيرة عندما تحدثتُ عن وثيقة دفتر المهمة الثانية المنشورة مع المقال، والتي ذكَرَتْ (ابنَ حُميد) بعبارة (حُميد أوغلو)، وها هي هذه الوثيقة أعيد نشرها هنا كما نُشرتْ في الجريدة وعليها تعليقي المنشور معها باللون الأحمر:



فها أنا أعرف هذه الخاصيّة، وقد سبقتُه بذكرها، ولكنّ الذي أعرفه أيضاً - ولا أدري إن كان يعرفه – هو أنّ هذه القاعدة التي ذكرها في ترتيب أسماء الآباء والأبناء والأحفاد هي قاعدة لغوية تركية ملزمة في حال وضع لفظتي (أوغلو)، و(أوغلي)، أو كلتاهما بين اسمي علمين، فحينها لا بد أن يكون الاسم السابق لإحدى هاتين اللفظتين هو اسمُ الأب، والاسم التالي لهما هو اسمُ الإبن، أو الحفيد، ولكنّ كُتاب الدولة العُثمانية لم يلتزموا بهذه القاعدة الكتابية في كلّ ما كتبوه من أسماء في السجلات والأوراق الهائلة؛ الخاصة بتدبير أمور الدولة، والتي تحتفظ بها الآن خزائن الإرشيف العثماني الضخم، فهم قد كتبوا كثيراً من أسماء الأعلام المنسوبين إلى آبائهم في هذه الأوراق والسجلات باستخدام اللفظة العربية (بن)، ومن هذه الأوراق؛ الوثيقة رقم 1633 من مهمة دفتري3 بتاريخ 22 صفر 966هـ التي كتبت مقالي عنها في الجريدة، ففي هذه الوثيقة كتبوا اسم الزعيم الخالدي (حميد بن سعدون) بهذا الترتيب، وبوضع لفظة (بن) بين (حميد) و(سعدون)؛ تماماً كما في اللغة العربية، وعليه، فحميد هو ابن سعدون هنا، وليس سعدون هو ابن حميد، وها هي الوثيقة أعيد نشرها هنا كما نُشرت مع مقالي في جريدة الجزيرة، وعليها تعليقي باللون الأحمر أيضاً:



وكما قلتُ فإنّه يوجد الكثير من الأعلام الذين دوَّن كُتّاب الدولة العُثمانية أسمائهم كما هي في اللغة العربية بوضع لفظة (بن) بين الإبن وأبيه مع تقديم الإبن قبلها، ومن الشخصيات المحليّة التي كُتبت أسماؤهم كذلك – مثلهم مثل حميد بن سعدون في الوثيقة أعلاه – آلُ رَحَّال، وهم أسرةٌ قطيفية ذكرت الوثائق العثمانية منهم اثنين؛ هما: جمعة وخميس ابنا رحّال، وذكرت الوثائق البرتغالية اثنين آخرَين سابقين لهما؛ هما: محمد وحسين ابنا رحّال،[1] وأدناه إحدى ورقات دفاتر المهمة العثمانية التي ذُكر فيها اسم (جمعة بن رَحَّال) بهذا الرّسم والترتيب:



وهذا الأمر هو عين ما فعله سلاطين الدولة العثمانية في تلك الحقبة، والذين عندما سكوا نقودهم التي كتبوا عليها أسمائهم وأسماء آبائهم، فإنهم كتبوها وفق القاعدة العربية بوضع لفظة (بن) بين السلطان وأبيه، وليس بالصيغة التركية؛ بوضع لفظة (أوغلو)، ولا زالت بعض هذه النقود محفوظة حتى وقتنا هذا، ومنها ديناران للسلطانين سليمان بن سليم خان؛ المعروف بالقانوني، وعثمان بن أحمد خان، وهذه صورتاهما:



 


وعلى ضوء ما تقدّم فإنّنا صرنا نعرف الآن أنّ الوثيقة التي أدرجها الصيخان في مقاله مستدلاً بها على القاعدة اللغوية التركية في كتابة اسم الأب وابنه بوضع اللفظة (أوغلو) بينهما بحيث يكون الأب هو من يُكتب اسمه قبلها، والابن هو من يُكتب اسمه بعدها؛ هي صحيحة في حال كتابة لفظة (أوغلو) بينهما، وأما إذا كتب اسمُ الإبن منسوباً لأبيه في الوثائق العُثمانية بوضع لفظة (بن) بينهما – كما في الوثائق أعلاه – فإنّ القاعدة هنا تكون كما هي في اللغة العربية؛ أي أنّ اسم الابن يكون سابقاً لهذه اللفظة، واسم الأب بعدها.

نعم تفيدنا هذه الوثيقة التي اقتبسها الصيخان عن الجزء السابع من كتاب (البلاد العربية في الوثائق العثمانية) لفاضل البيات في معرفة والد الشيخ سعدون، وأنّ اسمه حميد أيضاً، لأنّ هذه الوثيقة تتحدث عن أعمال الشيخ سعدون في واحة الأحساء والعُيون منها بالذات، وهي التي كان الشيخ سعدون ينزل عليها، وهي تذكر ذات الأمور التي ذكرتها وثيقة مهمة الدفتري 1633 التي تتحدث هي أيضاً عن الشيخ سعدون نفسه ونزوله على العُيون من الأحساء، ولكنّ هذه الوثيقة زادت على تلك بأنها تتحدث عن ابن الشيخ سعدون، وهو الشيخ حميد بن سعدون الذي كتبته الوثيقة بهذا الرسم كما مرّ بنا، والذي كان ينزل على القطيف، وبضميمة هاتين الوثيقتين نكون قد استفدنا أنّ الشيخ سعدون اسمُ أبيه حُميد، واسمُ ابنه حُميد أيضاً؛ سمّاه على اسم أبيه، وهي عادة عربية معروفة بشكل عام، فيكون جدّ أسرة آل حميد هو: حميد بن سعدون بن حميد، وهذا أصبح ثابتاً الآن بدلالة الوثيقتين، وأما الأمر المُرجّح، فهو أنّ حميد والد سعدون هو على الأرجح الوارد في بعض الوثائق البرتغالية باسم: الشيخ حميد، والذي ذكرت هذه الوثائق أنه من أقارب الشيخ مقرن بن زامل الجبري، وأنه شارك معه في حربه ضد البرتغاليين التي حاول الشيخ مقرن فيها استعادة جزيرة البحرين منهم، ولكنه قُتل فيها، وبعد قتله استلم قيادة جيشه قريبه الشيخ حميد.

 



[1] أحمد بو شرب: الخليج العربي والبحر الأحمر من خلال وثائق برتغالية 1508 – 1568م؛ ترجمة أحمد بو شرب (الرياض: كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية 2112م)؛ الصفحة: 462

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق