الاثنين، 28 يونيو 2021

تمر البرني الهجري هل هو الخلاص؟

 

البرني سيد تمور هجر هو الخُلاصْ

عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

سبب التسمية

يرى العالم النحوي أبو بكر محمد بن علي العسكري المعروف بـ(مبرمان)، والمتوفى عام 345 للهجرة أنّ هذا التمر سُمّيَ بهذا الاسم نسبةً إلى قرية بالبحرين اسمها: بَرْن؛[1] في حين ذكر المرزباني في كتابه (القبس) أنّ الأصمعي - المتوفى عام 216 للهجرة - ذكر للرشيد سبب تسمية البَرْنيّ بهذا الاسم هو أنّ أحد ملوك الفرس مرّ بنخلة برني، وهي حاملٌ به، فأعجبته، فقال: "اِيْنْ بَرْ نِيْكْ"، وهو بالفارسية: حَمْلٌ جَيّدٌ، فعُرِّبَ إلى بَرْنِيّ.[2]

ونقل ابنُ سيّده في مادة [ ب ر ن ] من كتابه (المحكم) عن أبي حنيفة اللغوي المعروف المتوفى عام 282 للهجرة أنّ أصل الاسم فارسي، وذكر أنّ الأصل في اسمه هو (بَاْرْنِيْ)، وأنّ هذه اللفظة تتكون من (بَاْر)، وهو يعني الحِمْل، و(نِيْ)، وهي للتعظيم والمبالغة.[3]

وأرى أنّ كلام مبرمان قد يكون له وجه من الصحة، ففي العام 959 للهجرة، وبعد احتلال العثمانيين للقطيف قام موظفوهم بكتابة أسماء القرى التابعة للقطيف، فكان من ضمن ذلك ما دُوّن في دفتر الطابو رقم (313) بتاريخ 23/11/966 للهجرة من قرى تابعة لناحية صفواء من لواء القطيف، وكان من ضمن هذه القرى قرية أسموها: (برن)،وذكروا أنّ ضريبة الدولة على سكانها كانت تبلغ: 11076 آقجة، ورجحتُ في بحثٍ لي نشرته عن هذه القرى في (مجلة الساحل) أنّ برن هذه تُعرف الآن بـ(البرنية)، وهي تقع شمالي شرقي صفواء من مدن القطيف.

تمرٌ عالي الجودة

كان المؤرخون العرب يعتبرون هَجَر البحرين معدن التمر وأصله،[4] وكان تمرها يُعدُّ أجودَ أنواع التمور في الجزيرة العربية؛ بل والعالم العربي، وقد ذكر الأزهري - الذي عاش في البحرين عامين عندما أسرته القرامطة سنة وقعة الهبير عام 312 للهجرة – تمر التعضوض[5] والعمْر والبرني كأشهر تمورها، فقال:

"والتَّعضوض: تمر أسود، التَّاء فِيهِ لَيست بأصلية، وَفِي الحَدِيث أنّ وفْد عبد الْقَيْس قدِموا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِيمَا أهدَوا لَهُ قِرَبٌ من تعضوض، وَأنْشد الرياشيُّ فِي صفة النّخل:

أسود كاللَّيل تدجّى أخضره

مخالط تعضوضه وعُمُره

بَرنيَّ عَيدانٍ قليلٍ قِشَره"

ثم قال:

"والعُمُر: نخل السكّر،.. وَقد أكلت التعضوض بِالْبَحْرَيْنِ فَمَا أعلمني أكلتُ تَمْراً أحمَتَ حلاوةً مِنْهُ، ومنبته هَجَر وقُراها".[6]

وقال في موضع آخر عن تمر العمر:

"وَقَالَ اللَّيْث: العَمْر: ضرب من النّخل، وَهُوَ السَحُوق الطَّوِيل؛ قلت: غلِط اللَّيْث فِي تَفْسِير العَمْر، والعُمْر: نخل السُكّر؛[7] يُقَال لَهُ: العُمْر، وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْبَحْرين. وَأنْشد الرياشيّ فِي صفة حَائِط نخل:

أَسْود كالليل تدجَّى أخضرُهْ

مخالط تعضوضُه وعُمُرُهْ

بَرْنيَّ عَيْدَانٍ قَلِيلا قَشَرُهْ

والتعَضوض: ضرب من التَمر سَرِيّ. وَهُوَ من خير تُمْران هَجَر، أسود عَذْب الْحَلَاوَة. والعُمْر: نخل السُكّر، سَحُوقاً كَانَ أَو غير سَحوق.. وَقد أكلت أَنا رُطَب العُمْر ورُطَب التعضوض وخَرَفتهما من صغَار النّخل وعَيْدانها وجَبّارها".[8]

إلا أنّ أغلب الأحاديث النبوية والأشعار والأخبار العربية كانت تمجّدُ تمْرَ البرنيّ الهَجَري،[9] فمما ورد في الشعر دالاً على تفضيل البرنيّ أيضاً من قبل العرب قول بعض الشعراء الأقدمين يهجو قوماً ضيَّفوه تمراً سيئاً يُسمى القطيعاء والأوتكىْ وبخلوا عليه بالبرنيّ، فقال:[10]

بَاتُوْا يُعَــشّوْنَ القُطَيْعَاْءَ ضَـيْفَــهُمْ

وعـِنْدَهُمُ الـبَرْنِيُّ فِـيْ جُـلَلٍ نُـجْــلِ

فَمَا أطعَمُوْهُ الأوْتَـكَيْ مِنْ سَـمَاْحَةٍ

وَلا مَنَعُوْا الـبَرْنِيَّ إلاّ مِنِ البُـخْــلِ

وقال آخرٌ يفتخر بأنّ أخواله كانوا يقدمون البَرْنيَّ لضيوفهم وليس تمراً آخر، وسمّاه: البَرنِجّ على ظاهرة عجعجة قضاعة اللغوية وقلبهم الياء المشددة إلى جيم:[11]

خَـاْلِيْ لَـقِـيْطٌ وَأبُـوْ عَـــلِجّ

المُطْعِـمَاْنِ الْلَـحْمَ بالـعِشِجّ

وبالـغـَدَاْةِ فِــــلَقَ الـــبَرْنِجّ

وذكر ابن المعتز لأبي خالد المهلبي قوله:[12]

وإن يُفاجئك أضْــيَافٌ أتَـاكَ لَــهُـمْ

من المُســنَّاةِ خَيْرُ الوَزّ والـسَّــمَكُ

وإنْ فَزِعْتَ إلىْ الحَلْوَىْ أتَاكَ لهُمْ

مِنْ سُوْقِ زُهْمَاْنَ بَرْنِيٌّ بهَا عَـلِكُ

ومما يدلُّ على تفضيل عرب الجزيرة لتمر البرني على غيره، والاهتمام بتقديمه لضيوفهم هو ما ورد في (شرح نقائض جرير والفرزدق) لأبي عبيدة الذي ذكر أنّ جريراً قَدَّمَ للأعور النبهاني الشاعر حين حلَّ ضيفاً عليه جفنة مملؤة زُبْدا، وأخرى مملؤة من (بَرْنِيّ هَجَر[13] كما ذكر ابن سلاّم في (طبقات فحول الشعراء) في ترجمة الحطيئة العبسي الشاعر أنّ بغيض بن عامر بن لأي بن شمّاس التميمي دعا الحطيئة إلى مضاربه، وبنى عليه هو وإخوته قبّة، وشدّوا بكل طنب من أطنابها جُلّةً من (بَرْنِيّ هَجَرْ).[14]

ويصفُ حميد بن ثور الهلالي هجوم ضيوفٍ له على جُلّة له كان فيها تمرٌ برْنيّ بقوله:[15]

بَاتُــوْا وجُـلَّـتُنَا الــبَرْنِيُّ بَــيْــنَـهُمُ

كَـأنَّ أظـفارَهَـمْ فِـيْهَا السَّــــكَاكِيْنُ

فأصْبَحُوْا وَالنَّوَىْ عَاْلِيْ مُعَرّسِهِمْ

وَلَيْسَ كُلُّ النَّوْىَ يَلْقَىْ المَسَـاكِيْنُ

وقال ابن الشجري في شرح البيت الثاني:

"المعرّس: المنزل الذي ينزله المسافر آخر الليل، والتّعريس: النزول في ذلك الوقت، يقول: أصبحوا وقد غطّى النّوى لكثرته على منزلهم".[16]

ومما يدلُّ أيضاً على مكانة البرنيّ، وغلاءه، ورغبة الناس فيه هو ما كان يعمله جباة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة عند أخذهم لصدقات بساتين النخيل في البحرين؛ حيث كانوا لا يأخذون إلا صِنْفَ البَرْنيّ عن كل نخلة في البُستان حتى ولو كانت النخلة من الدقل أي التمر الرديء، وقد ذكر الحربي في كتابه (غريب الحديث):

"أن رجلا من البحرين أتى عمر بضَرْبَيْن: بَرْنِيّ، وَدَقَلْ، فقال: إنَّ عمالكم يأخذون البرني، ويَدَعُوْن الدَّقلَ، فكتب: أنْ خُذوا مِنْ كُلِّ صِنْفٍ صَدَقَتَه".[17]

البَرْنيّ في الآثار والأخبار النبوية

وأما الآثار النبوية والأخبار التي ذُكر فيها البرنيّ، فهي كثيرة، وأشهرها خبر وفود زعماء عبد القيس على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في المدينة، وتقديمهم له هدية من تمر بلادهم، وفي طليعته (البَرْنِيّ)، فمن هذه الأخبار ما رواه البَرْقِيُّ المتوفى عام 274هـ في كتاب المحاسن:

"عن أبي عبد الله؛[18] قال: إنَّ وَفدَ عبدِ القيس قدموا على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ؛ قال: فوضعوا بين يديه جُلَّة تَمْرٍ، فقال رسول الله: أصدقة أم هدية؟؛ قالوا: بل هدية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أيُّ تمراتكم هذه؟؛ قالوا: هو البَرْنِيّ يا رسول الله فقال: هذا جبريل يخبرني أن في تمرتكم هذه تسع خصال: تخبل الشيطان، وتقوى الظهر، وتزيد في المجامعة، وتزيد في السمع والبصر، وتقرب من الله، وتباعد عن الشيطان، وتهضم الطعام، وتذهب بالداء، وتطيب النكهة".[19]

ويشبهه ما ذُكر في (الكامل) لابن عديٍّ بهذا النصّ:

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد البحرين فأهدوا إليه جُلّة من تمر فقال: ما تسموا هذا؟ قالوا: هو البَرْنِيُّ؛ قال أتاني جبريل فيه آنفا فقال لي: يا محمد كُلِ البَرْنِيَّ، وَمُرْ أمَّتَكَ بأكله فان فيه سبعُ خصال: يهضم الطعام، وينشط الإنسان، ويخبل الشيطان، ويقرب من الرحمن، ويزيد في ماء الظهر، ويذهب بالنسيان، ويُطَيّبُ النَّفَسَ، وخير تموركم البَرْنِيّ".[20]

وذكره ابن شبة في (تاريخ المدينة) ضمن روايتين؛ قال في إحداهما:

"حدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حويل الصفار قال: حدثنا النعمان بن خبران الشيباني، عن صهباء بنت خليد العصري، عن بعض، وفد عبد القيس قال: وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدينا له أنواعا من التمر، فجعل يقلب البرني فقال: هذا من أمثل تمركم فيه البركة".[21]

وقال في الأخرى بعد أن ذكر كلاماً طويلاً عن قدوم وفد عبد القيس المدينة:

"فأقبل القوم على النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه ويخبرهم، حتى إذا كان بعقب الحديث قال: أمعكم من أزوادكم شيء؟ قالوا: نعم يا رسول الله، وقاموا سراعا كل واحد منهم إلى ثقله، فجاءوا بصُبَرِ التَّمْر، فوُضعت على نُطعٍ بين يديه، وبيده جريدة دون الذراعين وفوق الذراع، كان يختصر بها، قلما يفارقها، فأومأ بها إلى صبرة من ذلك التمر فقال: أتسمونها التعضوض؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: وتسمون هذا الصرفان؟[22] قالوا: نعم قال: وتسمون هذا البرني؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: هو خير تمركم وأنفعه لكم.

وقال بعض شيوخ الحي: وأعظمه بركة، فأقبلنا عن وفادتنا تلك وإنما كانت عندنا خصبة نعلفها إبلنا وحميرنا، فلما رجعنا من وفادتنا تلك عظمت رغبتنا فيها، ونسلناها؛[23] حتى تحولت ثمارنا فيها ورأينا البركة فيها".[24]

وروى الكليني في الكافي:

"عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: خَيْرُ تُمُورِكُمُ الْبَرْنِيُّ، فَأَطْعِمُوهُ نِسَاءَكُمْ فِي نِفَاسِهِنَّ؛ تَخْرُجْ أَوْلَادُكُمْ ذُكِيّاً حُلَمَاْءْ".[25]

وفيه أيضاً:

"عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ قَالَ: خَيْرُ تُمُورِكُمُ الْبَرْنِيُّ؛ يَذْهَبُ بِالدَّاءِ وَلَا دَاءَ فِيهِ، وَيَذْهَبُ بِالْإِعْيَاءِ، وَلَا ضَرَرَ لَهُ، وَيَذْهَبُ بِالْبَلْغَمِ، وَمَعَ كُلِّ تَمْرَةٍ حَسَنَةٌ".[26]

ومنه أيضاً ما ذكره الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين):

".. عن انس بن مالك أن وفد عبد القيس من أهل هجر قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله، فبينما هم قعود عنده إذ اقبل عليهم فقال لهم تمرة تدعونها كذا، وتمرة تدعونها كذا حتى عد ألوان تمرانهم اجمع، فقال له رجل من القوم بابي أنت وأمي يا رسول الله لو كنت وُلدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة اشهد أنك رسول الله، فقال إن أرضكم رُفِعَتْ لِيْ مُنذ قعدتم إليّ، فنظرت من أدناها إلى أقصاها، فخير تمراتكم البرني؛ يذهب الدَّاء، ولا داء فيه".[27]

ولهذا قال محمد علي الأعسم في أرجوزته:

وجـاء فـي الحـديــث ان الــبَرْنِـيْ

يـُـشـــبــع مـن يـأكــله ويـُهـْــنِــيْ

وانـــــه يُـــــذهــــــب للعَــــيـــــاءِ

وهـــــو دواء ســـــالم مـــــن داءِ

وكما نرى من كلِّ ما ذُكر فإنّه يدلُّ بوضوح على شهرة هذا التمر وجودته، ورغبة الناس فيه أكثر من غيره، ولكن، ومع كلّ هذه الشهرة لتمر البرنيّ الهَجَرِيّ البَحْرَاْنِيّ؛ إلا أنّه لا يُعرف الآن تمرٌ بهذا الاسم في الأحساء والقطيف وأوال، وهي بؤر النخل الثلاث في البحرين القديمة، ويصعبُ أن يُقال إنّ سكان هذه البلدان البحرانية قد نسوا البَرْنيّ وما صاروا يزرعونه، وهم المعروف عنهم حبهم الشديد للرسول وأهل بيته – عليهم السلام – والاقتداء بهم، والائتمار بأوامرهم، فكيف يُهْمِلُوْنَ البَرْنِيّ وهم قد سمعوا من الرسول والأئمة من أهل بيته مدحهم لهذا التمر، وذكرهم لفوائده، وسمعوا منهم الحَضَّ لهم على أكله، وإطعامه لنسائهم النفساوات، فلا أظنُّ أنّ عبد القيس قد أهملوا زراعة هذا التمر، أو أنهم أهملوا زراعته لأنه توجد لدينا بعض الوثائق المحليّة التي ذكر فيها اسمُ البرنيّ، ولكن كاسمٍ لبستانين في واحتي الأحساء والقطيف، ففي وثيقة كتبها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن عطوة التميمي الحنبلي المتوفى عام 940 للهجرة بعنوان (صفوة المنهل في بيان جهالة الأجهل)، والمؤرخة بالعام 916 للهجرة ورد فيها اسمُ بستان دُعي بـ"أمّ البَرْنيّ ببلاد الحَسَا[28] كما توجد وثيقة قطيفية تعود للعام 1310 للهجرة ورد فيها اسم بُستان يقع في سيحة الدبابية من قرى القطيف دُعِى: بـ(باب بَرْنيّ[29] وهو ما يؤكد بقاء هذا الاسم حتى وقت قريبٍ منا، وإن كان ليس لما اشتهرت تسميته به، وهو التمر.

وبالتالي يبقى السؤال المحيّر لماذا اندثر اسمُ هذا الرطب من البحرين بلاد عبد القيس (الأحساء - القطيف - أوال) اليوم،؟ ولم يَعُد يُعرف فيها بهذا الاسم،؟ وأرى أنّ الإجابة الصحيحة والمقبولة لهذا السؤال هو أنّ هذا الرطب أو التمر الذي كان يُعرف بـ(البرْنيّ) لم يندثر كرطب وتمر، وإنما اسمُه فقط هو الذي اندثر، وأنه بعد أنْ سمع العبديون فيه ما سمعوه من الرسول وأئمة أهل البيت من مباركتهم له وتأكيدهم على خلوّه من الداء، فإنهم أسموه اسماً آخر، وهو الخُلاص، وهذا الاسم يعني خلاصة الشي أي لبّه وأفضله وجوهره، وأيضاً فإنّ لفظتا (الخلاص)، و(الخلاصة) هما مما يُطلق على التمر عموماً كما في مادة [ خلص ] من بعض قواميس اللغة العربية القديمة.

وإزاء هذه الحقيقة القائمة، وهي اندثار اسم البَرْنيّ في معدنه، وهي بلاد هجر البحرين، ومع تأكيدي على أنّ الاسم فقط هو الذي اندثر وليس المُسمّى، فإنه لا مُعَوَّلَ لنا الآن لمعرفة البرنيّ إلا بالرجوع إلى ما وصفه به اللغويون والمؤرخون العرب في معاجمهم وكتبهم، ولهذا يحسن بنا الرّجوع إليهم للوقوف على أوصاف هذا التمر ورطبه.

أوصاف البَرْنيّ الهَجَريّ التي ذكرها اللغويون والمؤرخون القدماء

ونبدأ بما جاء في أقدم معجم لغوي، وهو كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو من قبيلة الأزد، ومن سكان البصرة؛ أي أنه قريبٌ جداً من البحرين، وبعض بطون قبيلته الأزد سكنت البحرين قبل عبد القيس وبعد نزولهم في البحرين صاروا حلفاء لهم فيها، ولنستمع للخليل بن أحمد، وهو يقول في وصف البرني:

"البرني: ضَرْبٌ من التَّمْرِ أحْمرٌ مُشَرَّبٌ صُفرة، كثيرُ اللحَاء، عَذْبُ الحَلاوة، ضخمٌ".

هذا ما ذكره الخليل عن تمر البرنيّ، وهو أيضاً ما ذكره لنا اللغوي الكبير أبو منصور الأزهريُّ الذي رأى هذا التمر رأي العين عندما أسرته القرامطة سنة وقعة الهرير عام 312 للهجرة، وجلبوه معهم إلى البحرين، فقال في مادة [ برن ] من كتابه الشهير (تهذيب اللغة):

"البرني: ضرب من التمر أحمر مشرب صفرة، كثير اللحاء عذب الحلاوة".

ونلاحظ أنه ذات الجملة التي وردت في كتاب (العين) باستثناء لفظة "ضخم"، فإنّ الازهري لم يذكرها؛ وذكر في مادتي [ حيس ] و[ كدر ] أكلتين تُعملان من البرنيّ.[30]

وفي مادة [ برن ] من (المحكم والمحيط الأعظم) نجد ابن سيّده يقول:

"البَرْنِيُّ ضَرْبٌ من التَّمْرِ أصْفَرٌ مُدَوَّرٌ، وهو أجْوَدُ التَّمْرِ وَاْحِدَتُهُ بَرْنِيَّة".

فهو عنده أصفر اللون بخلاف ما ذكر الخليل والأزهري الذي رآه رأي العين في معدنه هجر البحرين، ولكن يُرفع هذا الإشكال إذا رجَّحْنا أنّ الخليل والأزهري وصفا هذا النوع من الرطب في حالة الإتْمار، وأنّ ابن سيّده وصفه في حال كونه بُسراً لم يُتمر بعد، وعندها يكون كلا الوصفين صحيحين، فالبرنيّ أصفر البسر؛ أحمر التمر.

وقال الهمداني في صفة البرني من كتابه (صفة جزيرة العرب):

"البَرْنِيُّ: وَلَهُ إهَاْلَةٌ، وجَمِيْلٌ مِثلُ جَمِيْلِ الكَبْشِ السَّمِيْنِ".[31]

والإهالة: الزُّبْدُ والشَّحْمُ، و(جميل الكبش): شحمه المذاب؛[32] يقال جَمَلْتُ الشحم وجَمَّلْتُهُ إذا أذبته، واستخرجتُ دهنه؛[33] يعني بذلك أنّ طعم البرنيّ يُشبه مذاقه مذاق الزُّبْدِ، أو دهْنِ الضَّانْ.

كما ذكر ابن سيّده صفةً هامّة من صفات تمر البرنيّ، وهو قوله في تعريف الصِّيَّغْلْ:

"الصِّيَّغْلُ: كلُّ تَمْرٍ يلتزقُ بعْضُه ببَعْضٍ ويُكْتَنَزْ، فإذا فُلقَ أوْ قُلِعَ رُؤيَ فيه كالخُيُوْطِ،[34]وقَلَّمَا يكونُ ذلك في غيرِ البَرْنِيّ".

وزاد الزبيدي في التاج، فقال:

"الصِّيَّغْلُ: هو التَّمْرُ المُختلط الآخذ بعضُه ببعْضٍ أخذاً شديداً، وقلَّمَا يكونُ في غيرِ البَرْنِيّ".

ومما يوصف به البَرْنيّ أيضاً استواء نواه حتى ضُرِبَ بذلك المثل، ومنه قول أحد رُجّاز العرب يصفُ رويّ أرجوزة بأنها تشبه في استوائها نوَىْ البَرْنيّ:[35]

لَوْ قدْ حَدَاْهُنَّ أبُوْ الجُوْدِيِّ

برَجَـزٍ مُسْـــــحَنْفِرِ الرُّوِيِّ

مُسْـتَوِيَاْتٍ كَـنَوَىْ الـبَرْنِيِّ

فمن كل ما سبق يكون وصف البرنيّ كما يلي:

   1.   رُطَبُهُ أصْفرٌ مُشَرَّبٌ بحُمْرَة.

   2.   تمْرٌهُ أحْمَرٌ مُشَرَّبٌ بصُفْرَةٍ.

   3.   ضَخْمٌ مُدَوَّرٌ.

   4.   كثيرُ الْلُحَاءِ.

   5.   عَذبُ الحَلاوَةِ.

   6.   طعم لحمته يُشبه مذاقُها مذاقَ الزُّبْدِ، أو دهْنِ الضَّانْ

   7.   إذا فُلِقَ أو قُلِعَتْ فَدْرَةٌ من مكنوزه؛ رُؤيَ فيهِ ما يشبه الخُيُوْطَ من الدبس؛ تشبه على وجه التقريب الخيط الذي ينزل من العسل إذا أخذت منه لعقة.

   8.   كان أفضل تمور هجر، وكان مفضلاً في الأكل من قبل عرب الجزيرة على غيره من التمور كلها.

  9.   كانت له استطبابات صحية وبدنية خاصة به وحده، وكان يُوصفُ للنساء اللائي يكنَّ في حالة نفاس.

    10.  كان لا يُخشى داءٌ من أكله بحسب ما مرّ بنا في الروايات الدينية أعلاه.

أوصاف البَرْنِيّ تنطبق على الخُلاْصِ

يمكن القول إنّ هذه الأوصاف العَشرَة للبرنيّ تنطبقُ اليوم على التمر المعروف في الأحساء والقطيف وجزيرة أوال باسم (الخُلاْصْ)، فهو أصفرٌ مُدَوَّرٌ، ومشرَّب بحمرة عندما يكون رُطباً، وأحمرٌ مشرَّب بصفرة عندما يكون تمْرَاً، وهوَ كثيرُ اللحَاءْ - أي اللحم المحيط بالنواة - عذب الحلاوة، ويشبه طعمه طعم الزبد أو الدهن الضَّانيْ، وإذا كُنزَ تمره لمدة طويلة حتى يسيل دبسُه يُشاهد ما يشبه الخيوط من الدبس عند اقتلاع فدرة منه؛ تماماً كما وصف اللغويون البرْنيّ، وأيضا كما أنّ البَرْنيَّ كان أفضل وأشهر تمور هجر وبلاد البحرين في الزمن القديم، فإنّ الخُلاصَ يُعتبر هو التمر الأشهر والأفضلُ من تُمور الأحساء في الزمن الحديث؛ بل إنّ شهرته تعدت منطقة الأحساء والقطيف والبحرين، فبلغت إلى خارج الجزيرة العربية، وذكر ذلك كثيرٌ من الرحالة والكتاب الغربيون، ومنهم الرَّحالة الشهير ويليام بلجريف الذي زار الأحساء عام 1862 للميلاد (1279هـ)، فقال واصفاً بساتين النخيل الشاسعة الواقعة بين الهُفوف والمُبرّز، وللشرق منهما بقوله:[36]

"Almost the whole space between Hufuof and Mubarraz, a distance of about three miles, is filled up with gardens, plantations, and rushing streams of tepid water.

Here and for many leagues around grow the dates entitled "Khalas," a word of which the literal - and not inappropriate English translation - is "quintessence," a species peculiar to Hasa, and the facile princeps of its kind. The fruit itself is rather smaller than the Qaseem date, of a rich amber color, verging on ruddiness, and semitransparent. It would be absurd to attempt by description to give any idea of a taste; but I beg my Indian readers at least to believe that a Massigaum " mango is not more superior to a Jungle," than is the Khalas fruit to that current in Syrian or Egyptian marts. In a word, it is the perfection of the date.

The tree that bears it may by a moderately practiced eye be recognized by its stem, slenderer than that of the ordinary palm, its less tufted foliage, and its smoother bark".

وترجمته المقاربة هي كالتالي:

"تمتلئ كامل المساحة – تقريبًا – بين الهفوف والمبرز، وعلى مسافة ثلاثة أميال تقريبًا بالحدائق والمزارع وتيارات المياه الفاترة المتدفقة.

هنا وفي العديد من الفراسخ حولها تنمو التمور المُسمّاة بـ(الخلاص)، وهي كلمة ترجمتها الإنجليزية الحرفية (الجوهر)، وهو نوع مميّز في الأحساء، وأمير النخيل من نوعه، والثمرة نفسها أصغر إلى حد ما من تمور القصيم، وهي ذات لون كهرماني غنيّ؛ تقترب من الخشونة وشبه شفافة، وسيكون من العبث أن أحاول إعطاءَ وصفٍ، أو أي فكرة عن الطَّعْمِ؛ لكنني أتوسل إلى قرائي الهنود - على الأقل - أن يُصَدّقوا أن مانجو ماسيجوم ليس أفضل في غابته من فاكهة الخلاص المتداول في الأسواق السورية أو المصرية؛ إنه باختصار نموذج الكمال للتمور.

ويمكن التعرف على الشجرة التي تحمل هذا التمر بالعين المعتدلة من خلال ساقها، وهي أنحف من النخلة العادية، وأوراقها الأقل خيوطًا، ولحاءها الأكثر نعومة".

وبعد نصف قرنٍ – تقريباً - من وصف بلجريف لتمر الخلاص، وفي العام 1909 للميلاد؛ نجد عند لوريمر في (دليل الخليج) وصفاً مقارباً يقول فيه:

"ويَعْتَبرُ العَرَبُ فيْ الخَليجِ تَمْرَ وَاحَةِ الأحْسَاءِ أجودَ أنواعِ تُمُوْرِ العَالم، وتَفُوْقُ تُمُوْرَ عُمَاْنَ والعِرَاْقِ التُّرْكِيّ، وَثُلُثُهَا مِن نوعِ الخُلاْصِ، وَهْوَ المُفَضَّلْ".[37]

كما يوجد أيضاً وصفٌ لهذا التمر وبيان شهرته لمؤرخٍ عراقي، وهو الألوسي المتوفى عام 1924 للميلاد، والذي قال في كتابه (تاريخ نجد) عند حديثه عن الأحساء:

"وقد اشتهر من تمره (الخُلاْصُ) .. وإنما كان هذا الصنف من التمر أحسن أصنافه لأنه دَقِيْقُ النَّوَىْ؛ غليظ الغِشَاءْ؛ طَيّبُ الطَّعْمْ".[38]

فلو نظرنا إلى قول الألوسي عن الخلاص إنه "غليظ الغشاء"، فهو ذاته قول الخليل عن البرني إنه كثير اللحاء، وكذلك قوله: "دقيق النَّوَى"، فهذه أيضاً من صفات البرني كما مرّ بنا في شعر الراجز الذي شبّه استواء روي قوافي شعره بنوى البرني في استوائها ودقتها.

وأما ما ذكر من روايات لأهل البيت تحضُّ شيعتهم على إعطاء البَرْنيّ للنساء اللائي يَمْرُرْنَ بمرحلة النِّفاس، وهي مرحلة ما بعد الولادة مباشرة، فيقابلها أيضاً رواية شعبية في بلاد القطيف والأحساء والبحرين (أوال) تقول: إنّ السيدة مريم ابنة عمران عندما أوشكت على وضع ابنها عيسى خافت من قومها أن يرموها بالإفك، فخرجت من بلدها، وطوى الله لها الأرض بمعجزة حتى بلغت أرض البحرين، وهو – والحديث للراوي - مصداق قول الله تعالى: Pإِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّاO، وقوله تعالى: Pفَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّاO، فالمكان الشرقي القصيُّ هو البحرين؛ كما تقول ذات الرواية أنّ النخلة التي أراحت السيدة مريم تحت ظلها في قوله تعالى: Pفَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِO كانت نخلةً خُلاْص، وهي التي أمرها الله بهزّها؛ بقوله: Pوَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّاO، فالرطب الجنيّ هو رُطَبُ الخُلاْص بحسب هذه الرواية الشعبية التي ألمح إليها الشاعر البحراني الأوالي مُلا عطيّة الجمري في أرجوزته الهجرية التي أنشأها عند زيارته للأحساء عام 1354 للهجرة، فقال في وصف رطب الخُلاْص:[39]

وإنْ ذكَرْتَ الرُّطَـبَ الجَـــــنِيَّا

خـرَّ الجِـيَاعُ سُــجَّداً بُـــــــكِيَّا

ذاكَ الخُلاْصُ يَاْ لَهُ مِنْ رُطَـبِ

وَهْـوَ الذيْ هَـزَّتْ بهِ أمُّ النَّبِيْ

ومن المفارقات الغريبة هو أنّ هذه الرواية البحرانية يوجد نظير لها عند بعض اليمنيين أيضاً، فقد ذكر عبد الرحمن بن سليمان الأهدل العلوي (1179 – 1250هـ) في ترجمة الشيخ أمر الله المزجاجي الزبيدي من كتابه (النفس اليماني) أنّ والده سليمان، والشيخ إبراهيم بن الأمير اجتمعا بالشيخ أمر الله هذا سنة 1191 للهجرة، ثم قال بعدها:

"فمما اتفق أنّ شيخنا أمرُ الله قَدَّمَ إليهم – وقد صَلَّيا صلاة الظهر – رُطبَاً، وكان أيام الرُّطَب، فلما أخذا في الأكل؛ سألتُ شيخنا الوالد – رحمه الله – عن الرُّطب الذي تساقط على مريم؛ من أيّ أنواعِ التمر هو؟، فتبسَّمَ.. وقال: لا أدري؛ اسأل سيّديْ إبراهيم، وسَيّديْ أمرَ لله، فابتسما، وقالا: ليس المسئولون بأعلم من السائل".

واستطرد عبد الرحمن بعد ذلك قائلاً:

"ثمّ إني بعد وفاتهم رحمهم الله تعالى أفادني بعضُ فضلاء الحضارم أنّهُ اطلع على قــراءة شــاذة: P تساقط عليك رطبا جنيا هَجَرِيّا O، وذكر أنه نُسب إلى رطب هجر؛ قرية من قُرى حضرموت؛ هكذا أفادني هذا".[40]

غير أنه جاء في ترجمة الشيخ خواجة أمر الله المزجاجيُّ في كتاب (التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول) لمحمد صدّيق خان (1248 – 1307هـ) قوله:

"وسُئل عن الرطب الذي تساقط على مريم - من أي أنواع التمر هو؟ فقال: جاء في القراءة الشاذة: "رطبًا جنيًا هجريًا"، وذكر أنه نسب إلى تمر هجر، قريةٍ من قرى حضرموت".[41]

فنسب هذا الكلام إلى الشيخ أمر الله، وليس إلى بعض فضلاء الحضارم كما ذكر الأهدل العلوي، وعلى الرغم من أنّ القراءة شاذة كما ذكر في النصّ إلا أنه لو صحّت حتى ولو كانت على جهة التفسير، فإنّ الرطب الهَجَري لا ينبغي أن يكون نسبة إلى هجر حضرموت، فهجر حضرموت بالكاد تُعرف عند البلدانيين فضلاً عن شهرتها بالتمر، ولاسيما التمر الجيد الجنيّ منه، فهذه صفة لتمر هجر البحرين بدون منازع، وكما هو المشهور في المصادر التاريخية، وأيضاً، فإنّ الآية تقول عن السيدة مريم أنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا، وهذا ينطبق على هجر البحرين لا هجر حضرموت التي هي في الجنوب من فلسطين بلاد السيدة مريم، وبهذا فإنّ الرواية الشعبية البحرانية التي أشار إليها الملا عطية في شعره عن كون الرطب الجنيّ الذي أكلت منه السيدة مريم هو رطب الخُلاص قد بات لها الآن ما يشبهها، ويعضدها؛ كما إنّ فيها أيضاً إشارة يمكن ربطها برواية حَضِّ الإمام علي – عليه السلام – أصحابه على إعطاء النفساواتِ من نسائهم تمْرَ البَرْنِيّ، ولهذا فإنه كان من العادات المتبعة لدى سكان القطيف والأحساء والبحرين حتى وقت قريبٍ هو عملهم لعصيدة تتكون من البرّ والتمر الذي غالباً ما يكون تمر الخلاص - إنْ وُجد[42] - مع الدِّبس (عسل التمر)، وتقديمها للمرأة الواضع، وهذه كلها قرائن واضحة على أنّ البرني هو الخلاص، وبالتالي فإنني لا أخفي رأيي في أنّ البرْنيَّ سُمّي خُلاصاً عند سكان المنطقة تيمناً بقول الرسول -ص- لوفد عبد القيس إنه خير تمورهم، وإنه يذهب الداء ولا داء معه كما مرَّ معنا في هذا البحث.

أنواع أخرى من الرطب يُطلقُ عليها اسم البرني

وقبل أنْ أختم بحثي هذا عن البرني أود أن أشير إلى أنّه وبسبب الجودة العالية التي كان عليها تمر البَرْني الهَجَرِيّ، ولمدح الرسول له، فقد استزرع في بلاد الحجاز لأننا نجد الزبير بن بكار يروي أنّ حكيم بن حزام القرشي - المتوفى عام 54 للهجرة - كان لا يأكل طعاماً لوحده، وكان يطلب من خادمه أن يدعو واحداً أو اثنين من أيتام قريش ليأكلوا معه، فحصل أن ضجر خادمه منه، فذهب إلى المسجد الحرام، ودعا كل المصلين إلى طعام سيده حكيم، فلما رآهم حكيمٌ سأل عن سبب مجيئهم إلى بيته، فقيل له: دعاهم خادمك، فما كان منه إلا أن صاح بغلمانه: أن يحضروا لهم تمر البرنيّ، فألقيت بينهم جلال منه، فلما أكلوا؛ طلب بعضهم الإدام منه، فقال: إدامها فيها.[43]

وذكر ابن أبي الدنيا في كتابه (الوَرَع) أنّ أبا بكر بن عياش قدم إلى مكة، فأهدي له رطبٌ بَرْنِيٌّ، فأكل منه، فقيل له بعد ذلك: إنه من بُستان خالد بن سلمة المخزومي المقبوض عنه من قبل أبي جعفر المنصور، فأتى إلى آل خالد بن سلمة، واستحلَّ منهم، ونظر إلى قيمة الرّطب فتصدق بها.[44]

كما إنّ اسم البَرْنيّ أطلقه أهلُ سجلماسة من بلاد المغرب على رطبٍ لهم قال عنه الحميري:

"وفيها الرُّطَبُ المُسَمَّىْ البَرْنيّ، وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها في غاية الصغر".[45]

وكذلك يطلق بعضُ أهل النخلِ الآن في بعض أنحاء الجزيرة العربية والعراق وإيران هذا الاسم على أصناف لا تتصف بصفات بَرْنيّ هجر التي ذكرتها كتب التاريخ واللغة له؛ كما إنها ليست بجودة الخُلاص الذي أوضحتُ رأيي الآن في أنه هو برنيّ هجر.[46]

وأما نخيل الكوفة والبصرة وعبادان وما حول هذه البلدات، فأغلبه كان من غرس عبد القيس؛ غرسوه من نخيلهم البحرانية عندما هاجروا إلى هذه الأماكن في أول الإسلام وبداية تمصير الكوفة والبصرة، وفي هذا الصدد يقول ابنُ دريد عن بني عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس أنهم يُعرفون في البصرة بـ(عامر النخل)؛[47] لأنهم الذين زرعوه، وعليه فالبرني القديم في البصرة والبلاد القريبة منها هو برني هجر، وأما ما يُسمّى حديثاً بالبرني فيها وفي عبادان والأهواز، فهو غيره، وكذلك الحال بخصوص كل تمرٍ يُطلق عليه مُسمّى البرني في أنحاء العالم العربي.


الهوامش والحواشي



[1] عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛ تحقيق مصطفى السقا (بيروت: عالم الكتب 1983م)؛ ج1: 246.

[2] يوسف بن أحمد بن محمود الحافظ اليغموري: نور القبس المختصر من المقتبس؛ تحقيق: رودلف زلهايم (شتوتغارت: فرانز شتاينر فيسبادن 1964م)؛ الصفحة: 135.

[3] علي بن إسماعيل بن سيده المرسي: المحكم والمحيط الأعظم؛ تحقيق: عبد الحميد هنداوي (بيروت: دار الكتب العلمية 2000م)؛ ج10: 264.

[4] عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛ تحقيق مصطفى السقا (بيروت: عالم الكتب 1983م)؛ ج1: 247.

[5] التَّعْضُوْض: كان أحد أشهر أنواع التمر في هجر قبل الإسلام وبعده، ولا يُعرف بهذا الاسم الآن؛ وقد ذكره الشعراء، وعرّفه اللغويون وأصحاب الغريب من اللغة، وأقدم من عرّفه صاحب كتاب العين الذي قال في مادة [ عض ] منه:

 

"التَّعضُوض: ضربٌ من التَّمْر أسودُ شديد الحلاوة؛ موطِنُه هَجَرُ وقُراها".

 

وفي مادة [ عض ] من (تهذيب اللغة) للأزهري الذي عاش في المنطقة عامين مأسوراً عند القرامطة؛ عاين خلالها التعضوض وعمل في خرفه للقرامطة، فقال في وصفه:

"والتَّعضوض: تمر أسود"

وقال أيضاً:

"وقد أكلت التعضوض بالبحرين فما أعلمني أكلت تمرا أحَمتَ حلاوةً منه، ومنبته هَجَر وقُراها".

وجاء في (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيّده:

"التَّعْضُوض: ضرب من التمر، واحدته: تَعْضُوضَة؛ قال أبو حنيفة: التَّعضُوضَة: تمرة طحلاء كبيرة رطبة صقرة لذيذة، من جيد التمر وشهيه".

وفي الفائق في غريب الحديث للزمخشري؛ عن خليفة بن خيّاط:

"وفيها تظفير أي أساريع وتحزيز، وكأنَّ ذلك شُبّه بآثار العَضّ".

وفي مادة [ عضض ] من لسان العرب:

"التعضوض: تمر أسود شديد الحلاوة، ومعدنه هجر،.. وحديث عبد الملك بن عمير رضي الله عنه: والله لتعضوض كأنه أخفاف الرباع أطيب من هذا".

فمن كل ما سبق يكون وصف هذه التمرة كما يلي:

تمرةٌ سوداء صقرة (أي سوداء مشربة بحمرة) جعداء لحيمة كبيرة رطبة سَريّة شهية شديدة الحلاوة عذبتها فيها تظفير أي أساريع وتحزيز تشبه آثار العض.

وهذه الصفات تتوفر  بوضوح في التمر الأحسائي المعروف الآن بـ(الرُّزَيْز)، والجدير  بالذكر أنه توجد من عيون الأحساء قرب عين الخدود عينُ ماءٍ قديمة اسمها: عين التعاضيد، ولعل اسمها هذا مقلوب عن التعاضيض، وهذا القلب كثير في كلام العرب لتقارب مخارج حرفي الدال والضاد.

[6] محمد بن أحمد بن طلحة الهروي الأزهري: تهذيب اللغة؛ تحقيق أحمد عبد العليم البردوني (القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة 1964)؛ ج1: 61.

[7] إذا كان العمرُ هو نخل السكر، فقد ذكر الأصمعي في حديثه مع الرشيد عن أنواع التمور؛ الذي نقله عنه المرزباني في كتابه (المقتبس) أنه يوجد عندهم في البصرة نخلةٌ يُقال لها السكّر، وذكر أن رطبها حلوٌ طيّبٌ هشّ من أطيب الرطب وأعظمه لحاءً، وأرقّه سِحاءً؛ غير أنّ نواته غليظة، والحموضة إليه سريعة، وقلما يصبر كنيزه. (اليغموري: نور القبس من المقتبس؛ الصفحة 135).

والرطب المعروف الآن في الأحساء الذي تكثر إليه الحموضة هو رطبٌ يُسمّى الهلالي، وكل الصفات التي ذكرها الأصمعي لرطب السكر من حلاوة رطبه وهشاشته وعظم لحاءه ورقة سحاءه وغلظ نواته هي كذلك في رطب الهلالي هذا.

[8] محمد بن أحمد بن طلحة الهروي الأزهري: تهذيب اللغة؛ تحقيق أحمد عبد العليم البردوني (القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة 1964)؛ ج2: 233.

[9] نسبة الهجري هذه ليست إلى مدينة هجر البحرين فقط؛ ولا لواحة الأحساء التي كانت تُسمّى في الزمن القديم واحة هجر، وإنما هذه النسبة تشمل كامل إقليم البحرين القديم الذي يضمّ هجرَ والقطيف وجزيرة أوال، وكل هذه المواضع كانت تنتج تمر البرنيّ؛ إلا أنّ تمر (واحات هجر) المعروفة الآن بـ(واحات الأحساء) هو أجودها.

[10] محمد بن الحسن بن دريد الأزدي: جمهرة اللغة؛ تحقيق: رمزي منير بعلبكي (بيروت: دار العلم للملايين 1987م)؛ ج1: 91.

[12] ابن المعتز: طبقات الشعراء؛ تحقيق: عبد الستار أحمد فرّاج (القاهرة: دار المعارف د.ت)؛ الصفحة: 447.

[13] معمر بن المثنى التيمي = أبو عبيدة: شرح نقائض جرير والفرزدق برواية اليزيدي عن السكري عن ابن حبيب عنه؛ تحقيق: محمد إبراهيم حور، ووليد محمود خالص (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 1998م)؛ ج1: 194.

[14] محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر (جدة: دار المدني د.ت)؛ ج١: 115.

[15] عبد الله بن جعفر بن محمد بن دُرُسْتَوَيْه = ابن المرزبان: تصحيح الفصيح وشرحه؛ تحقيق: الدكتور محمد بدوي (القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1998م)؛ الصفحة: 312.

[16] هبة الله بن علي بن حمزة العلوي: = ضياء الدين ابن الشجري: أمالي ابن الشجري؛ تحقيق: الدكتور محمود محمد الطناحي (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1992م)؛ ج2: 498.

[17] إبراهيم بن إسحاق الحربي: غريب الحديث؛ تحقيق: د. سليمان إبراهيم محمد العايد (مكة المكرمة: جامعة أم القرى 1405هـ)؛ ج2: 389.

[18] هو الإمام جعفر بن محمد الصادق.

[19]  أحمد بن محمد بن خالد البرقي: المحاسن؛ تحقيق جلال الدين الحسيني (طهران: دار الكتب الإسلامية؛ 1370هـ)؛ ج١: ٧٣.

[20] عبد الله بن عدي الجرجاني: الكامل في ضعفاء الرجال؛ تحقيق يحيى مختار غزاوي (بيروت: دار الفكر 1988م)؛ ج2: 156.

وقد ضَعَّفه.

[21] عمر بن شبة النميري البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (بيروت: دار الكتب العلمية دت)؛ ج1: 311 – 312.

[22] الصَّرَفَاْنْ: أحد أنواع تمور هجر التاريخية، ولكنه لا يُعرف بهذا الاسم الآن، فلعله صار له اسمٌ آخر، وفي كتاب (الفائق في غريب الحديث) للزمخشري؛ ذكر رواية يبدو أنّ مصدره فيها هو ابن شبّة، فهي مشابهة لهذه الرواية؛ قال:

 "إنّ وفد عبد القيس لما قدموا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لهم: أمعكم من أزودتكم شيء؟؛ قالوا: نعم وقاموا بصُبَرِ التَّمْر فوضعوه على نطع بين يديه وبيده جريدة كان يختصر بها فأومأ إلى صُبرة من ذلك التمر فقال: أتُسَمّون هذا التعضوض؟؛ قالوا: نعم يا رسول الله، وتسمون هذا الصرفان؟؛ قالوا: نعم يا رسول الله، وتسمون هذا البَرْنىّ؛ قالوا: نعم يا رسول الله؛ قال: هو خير تمركم وأنفعه لكم".

 وجاء في (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيده:

 "والصَّرَفَانُ: ضَرْبٌ من التَّمْرِ، واحدتُه صَرْفَانةٌ، وقال أبو حنيفةَ: الصَّرْفَانةُ: تَمرةٌ حَمْرَاءُ نحو البَرْنيّة إلا أنها صُلْبةُ المَمْضَغَةِ؛ عَلِكَةٌ؛ قال: وهي أَرْزَنُ التَّمْرِ كلِّه".

وقوله صلبة الممضغة عَلِكَة أي أنها تتفتفت في الفم عند أكلها مثل علكة اللبان العربي، وهي صفة نجدها الآن في التمر الأحسائي المسمّى بـ(الشَّيْشِيّ) عندما يكون خشِناً غير مكنوز.

[23] هذه الزيادة - كما نرى – ليست من الرواية الأصلية، وإنما هي عن راوٍ آخر دُعِيَ بـ(بعض شيوخ الحي)، وما أراها إلا من الزيادات القصصية التي يضيفها بعض الرواة لتمطيط رواياتهم، وإلا فإننا قد رأينا الروايات السابقة – وسنرى في اللاحقة أيضاً - أنها كلها تُمَجّدُ في البرني على لسان الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بل وفي بعض الرّوايات ذكر أنّ وفد عبد القيس أوَّلَ ما قَدَّمُوا للرسول – صلى الله عليه وآله - من تمورهم هو البرنيّ، فهل يُعقل أن يمدحه الرسول بكل هذا المدح، أو يقدمه الوفد للرسول في مقدمة تمورهم التي قدموها له، وهو كان خصبة لديهم يعلفونها إبلهم وحميرهم؟.

[24] عمر بن شبة النميري البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (بيروت: دار الكتب العلمية دت)؛ ج1: 310.

[25] محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرّازي: الكافي؛ تحقيق نخبة من المحققين (قم: مركز بحوث دار الحديث 1434هـ)؛ ج11: 377.

[26] محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرّازي: الكافي؛ تحقيق نخبة من المحققين (قم: مركز بحوث دار الحديث 1434هـ)؛ ج12: 526.

[27] محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي = الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين؛ تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية؛ 1990م)؛ ج4: 226.

[28] لديّ صورة رقمية من هذه الوثيقة، وانظرها في الصور.

[29] لدي صورة رقمية من هذه الوثيقة، وانظرها في الصور.

[30] قال في مادة [ حيس ]:

"والحَيْسُ: التَّمْرُ البَرْنِيُّ والأقط؛ يُدَقَّانِ ويُعْجَناْنِ بالسَّمْنِ عَجْنَاً شَديْداً حتى تَنْدُرُ منهُ نَوَاْهُ، ثم يُسَوَّىْ كالثريْدِ، وهيَ الوَطِيْئَةُ أيضاً؛ إلا أنّ الحَيْسَ رُبَّما جُعِلَ فيهِ السَّوِيْقُ، وأمَّا فيْ الوَطِيْئَةِ فلا".

وقال في مادة [ كدر ]:

"فإنْ أُخِذَ لَبَنٌ حَلِيْبٌ فأنْقِعَ فيهِ تَمْرٌ بَرْنِيٌّ، فهو كُدَيْرَاْءْ".

[31] الحسن بن أحمد الهمداني: صفة جزيرة العرب؛ (ليدن: مطبعة بريل 1891م)؛ الصفحة: 161.

[32] الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل = أبو أحمد العسكري: تصحيفات المحدّثين؛ تحقيق: محمود أحمد ميرة (القاهرة: المطبعة العربية الحديثة؛ 1402هـ)؛ ج1: 190.

[33] المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري = ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر؛ تحقيق: طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي (بيروت: المكتبة العلمية؛ 1979م)؛ ج1: 298.

 والأثر، ج ١، مجد الدين ابن الأثير، ص ٣١٨

[34] يُقصد بالخيوط في هذا النصّ ما يُرى عند فلق التمر من خيوط الدبس عند رفع فلقة عن الفلقة الأخرى من الجلّة، فيحصل ما يشبه ذلك الخيط الذي يحصل عند وضع إصبعنا في العسل ورفعه من تكوّن خيط رفيع من العسل يسيل من الإصبع إلى الإناء لبعض الوقت، وهو دليل جودة العسل كما إنّ تلك الخيوط الدبسية الرفيعة التي تُرى عند رفع فدرة من تمر البرني عن بقية التمر من الجُلّة هو دليل جودته وجدّته.

[35] محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي = أبو العباس؛ المبرد: المقتضب؛ تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة (القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي؛ 1994م)؛ ج2: 79.

[36] انظر:

William Gifford Palgrave: Narrative of A Year's Journey Through Central and Eastern Arabia (1862 – 1863) London: Printed by Spottiswoode and CO 1865. Pp 173.

[37] ج. ج. لوريمر: دليل الخليج؛ القسم التاريخي؛ ترجمة قسم الترجمة بالديوان الأميري القطري (الدوحة: مطابع علي بن علي دت)؛ ج6: ٣٢٩٨.

[38] محمود شكري الألوسي: تاريخ نجد؛ تحقيق: محمد بهجة الأثري (القاهرة: دار المصري للطباعة د.ت)؛ الصفحتان: 33 - 34.

[39] عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي: تحقيق المنظومة الهجرية للملا عطية الجمري (بيروت: دار المحجة البيضاء 2014م)؛ الصفحة: 266.

[40] عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى الأهدل الحسيني العلوي الزبيدي: النَّفَسُ اليَمَاني والرَّوْحُ الرَّيْحَاْنِيْ في إجازة القضاة بني الشوكاني؛ (صنعاء: مركز الدراسات والبحوث اليمني؛ 1979م)؛ الصفحة: 53.

[41] محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي: التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول؛ تحقيق: إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية؛ 2003م)؛ الصفحة: 351.

[42] كان المفضل لديهم عمل هذه العصيدة من تمر الخلاص والبر والدبس، فإن لم يجدوا تمر خلاص كانوا يستخدمون أنواعاً أخرى..

[43] الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي: جمهرة نسب قريش وأخبارها؛ تحقيق: محمود محمد شاكر (الرياض: دار اليمامة؛ 1419هـ)؛ ج1: 384.

[44] عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي = ابن أبي الدنيا: الورع؛ تحقيق: محمد بن حمد الحمود (الكويت: الدار السلفية 1988م)؛ الصفحة: 87.

[45] محمد بن عبد المنعم الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار؛ تحقيق إحسان عباس (بيروت: مكتبة لبنان 1984م)؛ الصفحة 305.

[46] وأودُّ أيضاً لفت الانتباه إلى ما يفعله بعض التجار الآن من الإساءة إلى تمر الخلاص الأحسائي، وذلك أنّه في السابق كان الفلاحون لا يستعجلون على تسويقه؛ بل كانوا يأخذون وقتهم في رصّه في الجلال، ثم وضعها بعضها فوق بعض بكميات كبيرة في مستودعات خاصة، فكان ثقل هذه الجلال وتراصها فوق بعضها البعض يسبب ضغطاً هائلاً على التمر الموجود فيها، فيسيل دبسه بشكل طبيعيّ منه عليه، فيكون تمر الخلاص المكنوز بهذه الطريقة شهياً لذيذاً للغاية، ولا يُملُّ من أكله، ولكنّ أغلب تجار هذا الوقت يرون أنّ هذه الطريقة تأخذ وقتاً طويلاً لا يملكونه لبيع هذا التمر المرغوب فيه في الأسواق، والذي يكثر عليه الطلب، فيعمدون إلى رصّه بالات كهربائية خاصة مع وضع مادة يصنعونها من الدبس المخفف بالماء عليه ليبدو التمر لامعاً مغرياً، فيكون طعمه حين يفتحه المستهلك غير لذيذ كلذة طعمه عند كبسه بالطريقة الأولى؛ كما إنّ قوامه يكون هشاً ليناً عند كبسه بالطريقة الآلية وليس قوياً صريباً كما يكون عليه عند كبسه بالطريقة القديمة، ولهذا فقد نفر من شراءه الناس، ولاسيما الذين كانوا يسمعون بجودة خلاص الأحساء، ثم يجدونه عندما يأكلون هذا المسوّق بالطريقة الثانية دون مستوى الجودة التي سمعوا بها عنه.

[47] محمد بن الحسن بن دريد الأزدي: الاشتقاق؛ تحقيق عبد السلام هارون (بيروت: دارالجيل 1991م)؛ الصفحة: 14.

الصور


وثيقة كتبها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن عطوة التميمي الحنبلي المتوفى عام 940 للهجرة بعنوان (صفوة المنهل في
 بيان جهالة الأجهل)، والمؤرخة بالعام 916 للهجرة ورد فيها اسمُ بستان دُعي بـ"أمّ البَرْنيّ ببلاد الحَسَا".
"

وثيقة قطيفية تعود للعام 1310 للهجرة ورد فيها اسم بُستان يقع في سيحة الدبابية من قرى القطيف دُعِى: بـ(باب بَرْنيّ).


نخلة الخلاص (البرني) وعذوقها التي تحمل البُسر


الخلاص (البرنيّ) وهو في الحالة التي يسميه الأهالي: بـ(المُنَصِّف)؛ أي نصفه بسر ونصفه تمر، ويلاحظ أنه مدوَّرٌ ولونه أصفر مشرَّب بحمرة؛ كثير اللحاء أي اللحم كما قال اللغويون تماماً.


تمر الخلاص وهو في حالة التمر غير المكنوز، ويلاحظ أنه في هذه الحالة يكون لونه أحمراً مشرَّباً بصفرة كما في أوصاف اللغويين لتمر البرني تماماً.



الخلاص وهو في حالة التمر المكنوز، ويلاحظ تكوّن سائل الدبس عليه، وهي الحالة التي سماها اللغويون بـ(الصيغل)، ولو تم رفع تمرة من هذه التمرات في هذه الحالة، فإنه سوف يلاحظ تكوّن خيطٍ رفيع من الدبس يوصل بين التمرة ، المرفوعة وبقية التمر سرعان ما ينقطع، وهي صفة قال اللغويون إنها لا تكاد تكون إلا في تمر البرني