الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

الرد على الصيخان 2

 

الصيخان: (مُثقلٌ اسْتَعَانَ بذقْنَهْ)؛ عجز عن الردّ، وفرّ من المنازلة

واتقى الطَّعْن بالدكتور البيات الذي سبق وانتقدتُه لذات الموضوع

كتب / عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

لم يستطع الأستاذ علي بن سالم الصيخان مواجهة الوثائق التي ذكرتها له في ردي السابق عليه، فلجأ إلى الدكتور فاضل بيات يستجديه الردّ نيابة عنه مع علمه بأنّ هذا الدكتور الفاضل سبق وانتقدته في مقالي الذي نشرته في جريدة الجزيرة لذات الموضوع.

وكانت بداية هذا النقاش بيني وبين الأستاذ الصيخان عندما نشرتُ مقالاً في جريدة الجزيرة؛ في عددها: 17855؛ بتاريخ: 15 نوفمبر 2021م، والذي ذكرتُ فيه ورود زعيمين خالديين في وثيقة من وثائق المهمة العثمانية هي وثيقة الحكم رقم 1633 من دفتر المهمة (3) بتاريخ 22 صفر 966هـ، وهذان الزعيمان هما "سعدون" الذي ذكرت الوثيقة أنه كان ينزل على واحة العُيون بالأحساء وكان والي هذه الواحة متخادناً معه، والآخر كُتب اسمه فيها "حُميد بن سعدون" هكذا بوضع لفظة "بن" بين الاسمين، والذي ذكرت هذه الوثيقة أنه كان ينزل على واحة القطيف، وأن والي القطيف سلطان علي بك كان متخادناً معه.

وبعد نشر هذا المقال بأسبوعين، وبالتحديد في 30 نوفمبر 2021م قام الصيخان بكتابة رَدٍّ يخطّئني فيه لذكري اسم الشيخ "حميد بن سعدون" رغم وروده هكذا في الوثيقة!!، مدّعياً أنّ الصحيح في اسمه هو "سعدون بن حميد" حتى لو كتبَ في الوثيقة بالرسم الأول!! مستدلاً على ذلك بخاصيّة كتابية في اللغة التركية، وهي تقدُّم اسم الأب على اسم الابن في كتابة نسبهما، وذلك بوضع كلمة (اوغلي) أو (اوغلو) التي تعني (ابن) بينهما كما قال، ثمّ مثَّل على ذلك بوثيقة أخرى اقتبسها عن الجزء السابع من كتاب (البلاد العربية في الوثائق العثمانية) للدكتور فاضل بيات جاء فيها اسمُ الزعيم الخالدي؛ سعدون بن حميد هكذا:

"حميد أوغلي سعدون".

وقد طرح الصيخان قوله هذا بثقة مُفرطة من دون أن ينتبه إلى أنّ هذه الخاصية اللغوية تصحُّ فقط إذا تم وضع لفظة (اوغلو)، أو (اوغلي) التركيتين بين اسم الأب وابنه، ولم يدرك الصيخان أنّ هذا الأمر لا يطّرد عند كتابة اسم الأب وابنه وفق القاعدة اللغوية العربية أي بوضع لفظة (ابن) بينهما بدلاً من (اوغلو)، وهو أمرٌ فعله كُتّاب الدولة العثمانية في وثائق كثيرة تعود لذات الحقبة التي عاش فيها الزعيمان سعدون وابنه حميد، فكان أن كتبتُ حينها ردّي عليه في مدوّنتي هذه، وأوضحتُ فيه خطأ تطبيق هذه القاعدة الكتابية التركية على هذه الوثيقة التي استخدم كاتبها القاعدة الكتابية العربية فيها بوضع لفظة (ابن) بين الإبن وأبيه، وليس لفظة (اوغلو)، أو (اوغلي)، ووثقتُ كلامي بأكثر من وثيقة تركية عثمانية تعود لذات الحقبة الزمنية، وقد كُتب فيها أسماء أبناء نُسبوا إلى آبائهم وفق القاعدة اللغوية العربية، ومنهم أفراد من أسرة آل رحّال المعروفين في القطيف في بداية الاحتلال التركي العثماني لها وللأحساء، ومن هذه الأسرة: "جمعة بن رحّال" الذي كُتب اسمه هكذا في الحكم رقم 1123 من الصفحة 379 من دفتر المهمة رقم 3 المكتوب في ذات الحقبة التي كُتب فيها اسمُ (حميد بن سعدون) في الوثيقة 1633 المتقدمة، وهي النصف الثاني من القرن العاشر الهجري؛ كما استشهدتُ أيضاً بكتابة اسْم السلطان: (سليمان بن سليم خان) المعروف بالقانوني، والمتوفى عام 963هـ، والسلطان: (عثمان بن أحمد خان)؛ المتوفى عام 1031هـ بهذين الرسمين لاسميهما في قطعتي نقود تعودان لعصريهما، وهو ما جعله يدرك خطئه؛ إلا أنه كابر فلم يعترف بذلك، وبدلاً من أن يردَّ على ما أوردته من الوثائق، أو يُقِرَّ بخطئه قام بنقل المعركة إلى جنبة أخرى غير الأولى مفادها أنّ اسم (حميد بن سعدون) الوارد بهذا الرسم في وثيقة المهمة 1633 - والذي لم يعد الصيخان يستطيع إنكار وروده فيها بهذه الرسم – إنما كان سهواً من كاتب الوثيقة، وأنه كان عليه أن يكتب اسمه: (سعدون بن حميد)!، فغلط، وكتبه (حميد بن سعدون)!!.

ولم يقل الصيخان هذا الرأي بلسانه مباشرة، ولكنه تبنّاه عبر استعانته في ذلك بالدكتور فاضل بيات مؤلف كتاب (البلاد العربية في الوثائق العثمانية)؛ الذي قام بارتكاب خطأ كبير عند قيامه بترجمة هذه الوثيقة ذاتها في الصفحات: 53 – 56 من الجزء الثالث من كتابه هذا، فمع أنه أقرّ واعترف في تقديمه لها في الصفحة 52 من الجزء ذاته بأنّ اسم هذا الزعيم قد ورد في أصل الوثيقة برسم (حميد بن سعدون)؛ إلا أنه تبرّع بتغييره إلى (سعدون بن حميد) في الترجمة، وهو ما استنكرتُه عليه أصلاً في مقالي في جريدة الجزيرة، وانتقدت فعله هذا، ولهذا لم أستغرب لجوء الصيخان إليه مستنجداً به.

فالصيخان – الذي يبدو أنه قد أُرْهق من المواجهة – وجد ضالته في الدكتور البيات وما ارتكبه من خطأ في تغييره لهذا الاسم، فكانت بينهما مراسلة حول ذلك على ما يُفهم من كلام الصيخان الآتي، والذي لم يقم بإداراج رسالته إلى الدكتور البيات، ولكنه أدرج رسالة هذا الأخير إليه كاملة، والتي يبدو منها أنه طلب منه توضيح رأيه في تغييره لاسم (حميد بن سعدون) إلى (سعدون بن حميد) في ترجمته لهذه الوثيقة، فأجابه إلى ذلك، والصيخان يعرف عندما فعل ذلك أنّ جواب الدكتور وتبريره لفعله سيكون بمثابة ردٍّ جاهزٍ له يردُّ به عليّ، وفي الوقت ذاته سوف يهيّئ له ذلك أفضلَ مخرج لينسحبَ من ساحة هذه المعركة بيني وبينه، ولتصبح بيني وبين الدكتور البيات، وها هو يقول في منصّته على تويتر في (7 ديسمبر) ما هذا نصّه، وأقتبس عنه:

أنا لن أرد على ما جاء من مغالطات ولَيٍّ للحقيقة في كلام الجنبي حتى تتوافق مع استدلاله الباطل؛ ولكني أنقل للمتابعين رد الدكتور/ فاضل بيات الذي أمضى زمناً طويلاً في البحث والتنقيب والدراسة لوثائق الأرشيف العثماني؛ وذلك حتى لا يغتر المتلقي بكلام الجنبي .. وهذه 👇🏻 رسالة الدكتور فاضل".

ثم أدرج رسالة الدكتور البيات، وهي هذه كما اقتبستُها عن منصّته باستثناء ما وضعته عليها من خطوط حمراء لتحديد موضع الشاهد:



وأنا الآن إذ أبداً في الردّ على ما أدرجه الصيخان من كلام الدكتور البيات، فإنّ ردّي سيكون رداً عليهما كليهما لأنّ الصيخان لم يذكر رد الدكتور إلا لأنه يؤيده ويتبناه، وهذا هو ردّي.

أولاً: أودُّ بدايةً أنْ أسجّل تقديري للدكتور فاضل بيات، فهو رجلٌ عالمٌ محترم، وخبير بالأرشيف العثماني، وقد أدى خدمةً جلّى لتاريخ بلداننا العربية بموسوعته الموسومة بـ(البلدان العربية في الأرشيف العثماني)، وهذا فضلٌ لا يُنكر له، ويستحق الثناء عليه، وإن كان ذلك لا يعني أنه لا يخطئ؛ كما لا يجعله بمنأى عن النقد والتصحيح.

ثانياً: يجب الإلتفات إلى ثابتة مؤكدة بخصوص الدكتور البيات، وهي أنّه قد أقرّ واعترف بأنه رأى اسم الشيخ (حميد بن سعدون) بهذا الرّسم في الوثيقة رقم: 1633 من دفتر المهمة (3) بتاريخ 22 صفر 968هـ؛ كما نصّ في الهامش رقم (10) من الصفحة 52 من الجزء الثالث من كتابه المذكور، ومع ذلك، فقد كتبه: (سعدون بن حميد) في الترجمة التي قدمها للوثيقة ذاتها في الصفحة 55 من ذات الجزء معللاً فعله هذا بوقوع كاتب الوثيقة في السَّهو؟! حين كتبه بالرسم الأول كما سنرى بعد قليل، وهو افتراض افترضه الدكتور تجاه كاتب الوثيقة لأسباب خاصة لديه ذكرها في تعليقته أعلاه، وبالتالي، فإنّ تغييره هذا في اسم هذا الزعيم باطلٌ وفق المنهج العلمي الذي يلزمه كمترجم للوثيقة بكتابة الاسم كما شاهده فيها أي (حميد بن سعدون)، وأنْ يذكر رأيه في صحة رسم الاسم أو عدمه في الحاشية، وبالتالي فإنّ هذه تُحسب من أخطاء الدكتور الكبرى في كتابه القيّم هذا.

ثالثاً: لي وقفة مع الدكتور البيات في قوله، واقتبس عنه:

"وإذا تمعنت فيما ورد في الوثيقة تجد أنّ الحديث يدور حول شخصيةٍ واحدة هي شخصية سعدون أي سعدون بن حميد".

وليسمح لي الدكتور البيات أنْ أقول له إنّ هذا الكلام غير دقيق، فهذه الوثيقة تتحدث عن عدة أمور وأعلام كما ذكر هو في ترجمتها، ولا تدور حول شخصية سعدون فقط، فهي عبارة عن حكمٍ صادر إلى أمير أمراء الأحساء يأمره فيه بأمور عدة تتعلق بهذه الولاية والبلاد التابعة لها، والمتصرّفين فيها، ومن الشخصيات التي ذكرتها هذه الوثيقة:

1.     أمير سنجق العُيون عثمان.

2.     أمين الأمناء حسين.

3.     سعدون الخالدي.

4.     سلطان اللار.

5.     شمسي دلدل.

6.     جعفر برونسز.

7.     حسين عجم.

8.     تكه لي آغا.

9.     سليمان؛ المحكوم عليه بالأشغال الشاقة.

10.     سلطان علي بك أمير سنجق القطيف.

11.     حميد بن سعدون الخالدي.

12.     علي آغا.

13.     عبدي بن الياس.

وحتى لو كان الدكتور يقصد بكلامه أنّ سعدون، وحميد بن سعدون المذكورين صراحة في هذه الوثيقة هما شخصيّة واحدة، فهذا أيضاً لا يستقيم للدكتور لأنّ الجانب الذي يتحدث عن سعدون – بدون ذكر اسم أبيه – في أوّل هذه الوثيقة يذكر أنّ نشاطه كان في الأحساء، ولاسيما واحة العُيون منها، وأنّ عثمان بك أمير سنجق العُيون وأمين الأمناء حسين كانا متخادنين معه، وأما الجانب الذي يتحدث عن حميد بن سعدون – بهذا الرّسم – في آخر هذه الوثيقة، فإنه يذكر أنّ نشاط هذا الرجل كان في القطيف، وأنّ سلطان علي بك أمير سنجق القطيف كان متخادناً معه، وكذلك أغوات القطيف، فهما شخصيّتان إذاً لا شخصيّة واحدة، وهما الشيخ سعدون، وابنه: حميد بن سعدون، وهذا أمرٌ مألوف في الزعامة البدوية، وهو أنّ ابن الشيخ يحلُّ محلّ أبيه، ويسانده في حروبه، فكان أن تكفّل سعدون بأمر الأحساء والعُيون، وترك أمر القطيف لابنه حميد.

رابعاً: لي وقفةٌ أيضاً مع قول الدكتور فاضل بيات:

"وأضيف على ذلك أننا لا نجد في الوثائق التي صدرت في هذا الوقت أو فيما بعد أي إشارة إلى حميد بن سعدون، وقد ورد اسم سعدون في الأحكام السلطانية بين سنتي 967 هجرية 1560 ميلادية و998 هجرية 1590م ولم يرد اسم حميد إلا مرّة واحدة سهواً"!!.

وأقول هذا تناقض واضحٌ من الدكتور، فهو في أول كلامه هذا يقول إنه لم يجد في الوثائق التي صدرت بين (967 – 998هـ) أي إشارة إلى حميد بن سعدون، ثم يقول في آخر هذا الكلام: "ولم يرد اسم حميد إلا مرّة واحدة سهواً"، فهذا اعترافٌ صريحٌ منه بورود اسم حميد إذاً في إحدى وثائق هذه الفترة التي نفى ورود اسمه فيها، وهي هذه الوثيقة ذاتها، وأما وصفه لورود هذا الاسم في هذه الوثيقة بأنه (سهو!!)، فهو أمرٌ غريبٌ لأنّ هذه الوثيقة عمرها 477 سنة، ووصف الدكتور لكاتبها بالسهو هو رجمٌ بالغيب، وأما تعليله لذلك بأنه لم يجد اسم حميد قد ورد في الحقبة المذكورة إلا في هذه الوثيقة الوحيدة!!، فهذا أيضاً أمرٌ غريب، وتعليلٌ سقيم لا يُجيز ولا يبيحُ له تغيير هذا الاسم في ترجمته لهذه الوثيقة حتى وإن لم يرد إلا فيها فقط.

وآخر ما أودُّ قوله هو أنّ كلام الدكتور فاضل بيات هذا الذي أراد الصيخان أن يعتبره دليلاً ضدّي أصبح دليلاً ضدّه، فكلامه يؤكدُ ما ذهبتُ إليه أنا من صحة ورود اسم الشيخ حميد بن سعدون في هذه الوثيقة بهذا الرسم، وأنّ تسميته بسعدون بن حميد إنما هو تصرُّفٌ وتبرّعٌ من الدكتور فاضل بيات.

الأربعاء، 1 ديسمبر 2021

رداً على الكاتب الصيخان

 

قاعدةٌ صحيحة، ولكنَّ الاستدلال بها خطأ

كتب/ عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

أرسل لي أحد الأصدقاء مقالة للكاتب علي الصيخان كتبها على منصّته في تويتر يردُّ فيها على مقالي المنشور في جريدة الجزيرة؛ في عددها: 17855؛ بتاريخ: 10 ربيع الآخر لعام 1443هـ؛ الموافق: 15 نوفمبر 2021م، والذي كان عنوانه:

"نشر نصوص الوثائق القديمة ينبغي أن يكون كما كُتبت دون تبديل أو تعديل

التغيير في وثيقة (دفتر المهمة3) بتاريخ 968هـ ساهم في إخفاء اسم الشيخ حُميد بن سعدون الخالدي جدّ آل حُميد"

وكان ردُّه بما هذه صورته:


وواضح ما في مقاله من تَشَنُّج، وهَمْزٍ، ولَمْزٍ كإيراده بيت الشعر، وكذلك ما نطق به من جُمل؛ مثل قوله عني:

"وبدأ بعد ذلك ينسج كعادته مجموعة من الأوهام في التاريخ والأنساب تكرّس وتعزز حالة العبث السائدة في الأنساب والتاريخ".

وكانت عادتي أن لا أردَّ على مثل هذا النوع من الردود المتشنّجة؛ إلا أنني رأيت هذه المرّة أنّ الردَّ عليها أحجى لأبين له الخطأ الذي وقع فيه، ولئلا ينخدع بعضُ قرّاء مقاله بما قاله، ولاسيما بالوثيقة التي استشهد بها موظّفاً لها في غير محلّها، وسيكون ردّي هذا رداً ذا أسلوب موضوعيّ أتوّخى فيه مبدأ (العلم للعلم)، وأتجنّب فيه الأساليب اللا موضوعية كأسلوب التهكم، والطعن في الصّفات الذهنية والعلمية للكاتب، وهو أمرٌ لا أتقنه عموماً، ولا أحسنه، ولهذا لن أجاريه في هذه الجنبة من مقاله.

وأما ما يعنيني الردُّ عليه من مقاله مما هو مختصٌّ بصلب موضوعي، فهو قوله، وأقتبس عنه:

"أن لكل لغة من اللغات خصائصها الكتابية وهذا ما لا يعلمه الكاتب المذكور"؟!.

وهذا اتهام معيبٌ منه لشخصي، فالقول إنّ لكل لغة خصائصها الكتابية؛ هو أمرٌ معلوم ومعروف حتى لمن أوتي من العلم حظاً قليلاً مثلي، فأنا لا أدعي أنني ذو علمٍ كبير، ولا معرفة واسعة، ولكنّ ما لدي من علمٍ قليلٍ يتيح لي أن أعرف أنّ لكل لغة من لغات البشر خصائصها وقواعدها الكتابية التي تختلف فيها عن غيرها من اللغات الأخرى، فهذا الأمر يعرفه حتى المبتدئون.

وقال أيضاً، وأقتبس من قوله مرّة أخرى:

"ففي اللغة التركية العثمانية يتقدم اسم الأب(سواءً كان أب قريب أو بعيد) على اسم الابن ويوضع بين اسم الأب والابن كلمة اوغلي أو اوغلو والتي تعني (ابن)".

وقبل أن أردَّ عليه في كلامه هذا؛ أودّ أن أصحح له جملته التي كتبها، وهي قوله:

(سواءً كان أب قريب أو بعيد).

فالصحيح في كتابتها هو:

(سواءً كان أبَاً قريباً، أو بعيداً).

وأما المعلومة التي ذكرها في عبارته هذه، فأنا أعرف – تمام المعرفة – هذه الخاصيّة الكتابية في اللغة التركية، ويبدو أنه لم يلتفت إلى أنني قد طبّقتها في مقالي المنشور في جريدة الجزيرة عندما تحدثتُ عن وثيقة دفتر المهمة الثانية المنشورة مع المقال، والتي ذكَرَتْ (ابنَ حُميد) بعبارة (حُميد أوغلو)، وها هي هذه الوثيقة أعيد نشرها هنا كما نُشرتْ في الجريدة وعليها تعليقي المنشور معها باللون الأحمر:



فها أنا أعرف هذه الخاصيّة، وقد سبقتُه بذكرها، ولكنّ الذي أعرفه أيضاً - ولا أدري إن كان يعرفه – هو أنّ هذه القاعدة التي ذكرها في ترتيب أسماء الآباء والأبناء والأحفاد هي قاعدة لغوية تركية ملزمة في حال وضع لفظتي (أوغلو)، و(أوغلي)، أو كلتاهما بين اسمي علمين، فحينها لا بد أن يكون الاسم السابق لإحدى هاتين اللفظتين هو اسمُ الأب، والاسم التالي لهما هو اسمُ الإبن، أو الحفيد، ولكنّ كُتاب الدولة العُثمانية لم يلتزموا بهذه القاعدة الكتابية في كلّ ما كتبوه من أسماء في السجلات والأوراق الهائلة؛ الخاصة بتدبير أمور الدولة، والتي تحتفظ بها الآن خزائن الإرشيف العثماني الضخم، فهم قد كتبوا كثيراً من أسماء الأعلام المنسوبين إلى آبائهم في هذه الأوراق والسجلات باستخدام اللفظة العربية (بن)، ومن هذه الأوراق؛ الوثيقة رقم 1633 من مهمة دفتري3 بتاريخ 22 صفر 966هـ التي كتبت مقالي عنها في الجريدة، ففي هذه الوثيقة كتبوا اسم الزعيم الخالدي (حميد بن سعدون) بهذا الترتيب، وبوضع لفظة (بن) بين (حميد) و(سعدون)؛ تماماً كما في اللغة العربية، وعليه، فحميد هو ابن سعدون هنا، وليس سعدون هو ابن حميد، وها هي الوثيقة أعيد نشرها هنا كما نُشرت مع مقالي في جريدة الجزيرة، وعليها تعليقي باللون الأحمر أيضاً:



وكما قلتُ فإنّه يوجد الكثير من الأعلام الذين دوَّن كُتّاب الدولة العُثمانية أسمائهم كما هي في اللغة العربية بوضع لفظة (بن) بين الإبن وأبيه مع تقديم الإبن قبلها، ومن الشخصيات المحليّة التي كُتبت أسماؤهم كذلك – مثلهم مثل حميد بن سعدون في الوثيقة أعلاه – آلُ رَحَّال، وهم أسرةٌ قطيفية ذكرت الوثائق العثمانية منهم اثنين؛ هما: جمعة وخميس ابنا رحّال، وذكرت الوثائق البرتغالية اثنين آخرَين سابقين لهما؛ هما: محمد وحسين ابنا رحّال،[1] وأدناه إحدى ورقات دفاتر المهمة العثمانية التي ذُكر فيها اسم (جمعة بن رَحَّال) بهذا الرّسم والترتيب:



وهذا الأمر هو عين ما فعله سلاطين الدولة العثمانية في تلك الحقبة، والذين عندما سكوا نقودهم التي كتبوا عليها أسمائهم وأسماء آبائهم، فإنهم كتبوها وفق القاعدة العربية بوضع لفظة (بن) بين السلطان وأبيه، وليس بالصيغة التركية؛ بوضع لفظة (أوغلو)، ولا زالت بعض هذه النقود محفوظة حتى وقتنا هذا، ومنها ديناران للسلطانين سليمان بن سليم خان؛ المعروف بالقانوني، وعثمان بن أحمد خان، وهذه صورتاهما:



 


وعلى ضوء ما تقدّم فإنّنا صرنا نعرف الآن أنّ الوثيقة التي أدرجها الصيخان في مقاله مستدلاً بها على القاعدة اللغوية التركية في كتابة اسم الأب وابنه بوضع اللفظة (أوغلو) بينهما بحيث يكون الأب هو من يُكتب اسمه قبلها، والابن هو من يُكتب اسمه بعدها؛ هي صحيحة في حال كتابة لفظة (أوغلو) بينهما، وأما إذا كتب اسمُ الإبن منسوباً لأبيه في الوثائق العُثمانية بوضع لفظة (بن) بينهما – كما في الوثائق أعلاه – فإنّ القاعدة هنا تكون كما هي في اللغة العربية؛ أي أنّ اسم الابن يكون سابقاً لهذه اللفظة، واسم الأب بعدها.

نعم تفيدنا هذه الوثيقة التي اقتبسها الصيخان عن الجزء السابع من كتاب (البلاد العربية في الوثائق العثمانية) لفاضل البيات في معرفة والد الشيخ سعدون، وأنّ اسمه حميد أيضاً، لأنّ هذه الوثيقة تتحدث عن أعمال الشيخ سعدون في واحة الأحساء والعُيون منها بالذات، وهي التي كان الشيخ سعدون ينزل عليها، وهي تذكر ذات الأمور التي ذكرتها وثيقة مهمة الدفتري 1633 التي تتحدث هي أيضاً عن الشيخ سعدون نفسه ونزوله على العُيون من الأحساء، ولكنّ هذه الوثيقة زادت على تلك بأنها تتحدث عن ابن الشيخ سعدون، وهو الشيخ حميد بن سعدون الذي كتبته الوثيقة بهذا الرسم كما مرّ بنا، والذي كان ينزل على القطيف، وبضميمة هاتين الوثيقتين نكون قد استفدنا أنّ الشيخ سعدون اسمُ أبيه حُميد، واسمُ ابنه حُميد أيضاً؛ سمّاه على اسم أبيه، وهي عادة عربية معروفة بشكل عام، فيكون جدّ أسرة آل حميد هو: حميد بن سعدون بن حميد، وهذا أصبح ثابتاً الآن بدلالة الوثيقتين، وأما الأمر المُرجّح، فهو أنّ حميد والد سعدون هو على الأرجح الوارد في بعض الوثائق البرتغالية باسم: الشيخ حميد، والذي ذكرت هذه الوثائق أنه من أقارب الشيخ مقرن بن زامل الجبري، وأنه شارك معه في حربه ضد البرتغاليين التي حاول الشيخ مقرن فيها استعادة جزيرة البحرين منهم، ولكنه قُتل فيها، وبعد قتله استلم قيادة جيشه قريبه الشيخ حميد.

 



[1] أحمد بو شرب: الخليج العربي والبحر الأحمر من خلال وثائق برتغالية 1508 – 1568م؛ ترجمة أحمد بو شرب (الرياض: كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية 2112م)؛ الصفحة: 462

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

الشيخ حميد بن سعدون الخالدي

 نشر نصوص الوثائق القديمة ينبغي أن يكون كما كُتبت دون تبديل أو تعديل

التغيير في وثيقة دفتر المهمة (3) بتاريخ 968هـ ساهم في إخفاء اسم الشيخ حُمَيْد بن سعدون الخالدي جدّ آل حُمَيْد.


كتب/ عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

لا تخلو بعض الوثائق من وجود أخطاء وأغلاط، فكاتبوها بشرٌ، والبشر يخطئون، ولاسيما إذا كان كُتّاب هذه الوثائق منحدرين من طيف ثقافي يختلف عن المكان الذي كتبوا عنه اجتماعياً وعُرفياً ولغوياً، وهذا أمرٌ لا لبس فيه، ولكن الأمر الذي فيه اللبس كله هو فرض الباحثين لتصحيحاتهم لهذه الأخطاء الواردة في الوثائق – إنْ كانتْ أخطاءً – على قرّاء بحوثهم بتغييرهم لنصّ الوثيقة الأصلي عند ترجمته، أو تدوينه بالصيغة التي يرون صحتها؛ في حين إنّ ذلك ينبغي أن يكون في الحيّز الخاص بهم كباحثين، وهو الهوامش والحواشي.

ومن الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار في هذا الشأن هو النظر إلى تصحيحات الباحثين هذه على أنها آراء خاصة بهم قد يصيبون فيها وقد يخطئون، ولهذا كان من الأسلم والأصحّ – وفق منهج البحث العلمي – أنْ يُدْرِجَ الباحثُ نصّ الوثيقة التي يستند إليها كما كُتبَ فيها، وأن يوضح في الهامش ما يرى صحته وخطئه في النصّ لأنه ليس بالضرورة أن يكون ما رأه خطئاً هو خطأ بالفعل.

إنّ الباعث لكتابة هذه المقدمة، وهذا البحث هو أنه عندما تفضّلَ علي أستاذنا المختصّ بوثائق الأرشيف العثماني؛ الدكتور محمد بن موسى القريني – حفظه الله – بالصفحتين 557، 558 من دفتر المهمة رقم (3)، وهما عن الحكم رقم (1633) الصادر إلى متصرّف الأحساء بتاريخ 22 صفر من العام 968 للهجرة - بخصوص ما بدر من بعض قادة بني خالد ضد الدولة في الأحساء والقطيف ذلك العام مع ترجمة له باللغة العربية – فوجئتُ عند قراءة هذا الحُكم بورود اسم (حُمَيْد بن سَعْدُوْن) الجدّ الأعلى لآل حُميد الخالديين فيها.

وكنتُ قد اطلعتُ على محتوى هذا الحكم كنصٍّ مقتبس عن هذه الوثيقة من خلال بحثين مطبوعين؛ هما كتاب: (بنو خالد وعلاقتهم بنجد) للدكتور عبد الكريم بن عبد الله المنيف الوهبي، وكتاب: (البلاد العربية في الوثائق العثمانية) للدكتور فاضل البيات؛ غير أنّ هذين الباحثين الفاضلين لم يذكراً ما ورد في نصّ هذه الوثيقة كما كُتب فيها حرفيّاً؛ بل إنهما دَوّناه بالصيغة التي ارتأيا أنها هي الصواب، فكتب الدكتور الوهيبي في الصفحة: 129 من كتابه المذكور أعلاه عن الأمن في الأحساء وحركة سعدون الخالدي، فقال:

"ومع أنه أعلن عن فرض النظام إلا أنّ ذلك انحصر فيما يبدو على إبعاد الخطر عن مدينة الأحساء والقلاع المجاورة، فقد استمرت ثورة سعدون حتى 22 صفر 968هـ / 14 نوفمبر 1560م، فقد جاء ضمن وثيقة بهذا التاريخ موجهة إلى حاكم عام الأحساء تتضمن أمراً من السلطان باستمرار سجن كل من عثمان بك وحسين دفتردار، وتحصيل ما في حوزتهما من الأموال والأمر بالقضاء على كل من يؤيد أو يتعاون مع سعدون، ومن بينهم آغا تكلو الذي حاول برجاله أيضاً إطلاق سراح المسجونين السابقين وإيصالهما إلى جهة سعدون، وكذلك سلطان علي أمير لواء القطيف المتفق مع المتمرّد سعدون بن حميد".

ثم ذكر في الحاشية السفلية رقم (3) مصدره في قوله هذا كما يلي:

"مهمة دفتري 3 حكم 1633 بتاريخ 22 صفر 968هـ".

وهي ذات الوثيقة التي أشرتُ إليها أعلاه، وليلاحظ القارئ أنّ الدكتور كتب في آخر سطر: "سعدون بن حميد"، وهو لم يرد بهذه الصورة في هذه الوثيقة كما سنرى.

وأما الدكتور فاضل البيات، فإنه ذكر في الصفحات: (53 – 56) من الجزء الثالث من كتابه (البلاد العربية في الوثائق العثمانية) ترجمة كاملة لهذا الحكم الطويل؛ كتبها باللغتين التركية والعربية نقلاً عن صورة الوثيقة ذاتها، وأنقل هنا مقتطفات من ترجمته العربية مما يتعلق بخصوص سعدون وهو كما يلي:

".. سبق أن ورد حكمٌ شريف يقضي باحتجاز أمير سنجق العُيون عثمان، وأمين الأمناء حسين في القلعة، فتمّ احتجازهما في القلعة، وتم وضع آغا (آمر) الخمسين نفراً تكلو مع أفراده حرّاساً عليهم؛ غير أنّ تكلو قام بتعيين المدعوَّين شمس دلال وبورونسز جعفر، وكانا قد قدما من ولاية اللار بعربستان دليلين للمذكورين لغاية وصولهما إلى جانب سعدون وملك اللار".

ثم قال بعد كلام طويل:

"كما أبلغتُ بأن بعض الأشخاص في تلك الولاية قد ساروا على نهج البدو، ورفعوا لواء العصيان، وأعلنوا طاعتهم لسعدون، وينبغي أن يتم تأديب مثل هؤلاء الأشخاص، وبناءً عليه عليك ألا تفسح المجال لمن استحقوا الصلب والإعدام بحسب الشرع والقانون لإثارتهم الفساد والشناعة (الاضطرابات)، وتؤدبّهم في محلهم ليكونوا عبرةً لغيرهم.

وأُعْلِمْتُ أنه لم يتم النظر في حسابات أمير سنجق القطيف سلطان علي بك، وقد ترتب بذمته من المال الميري مائتان وثلاثة وثمانون ألفاً وتسع وثلاثون آقجه، وعند الطلب امتنع عن التسديد، وأنه تحالف مع البدو ويأكل المال الميري ويخفيه، وأنّ معظم أغاوات أفراد القطيف من العجم، وهو (سلطان علي بك) يقوم بإلحاق الظلم بالفقراء بلا هوادة، ويقدم مؤناً غذائية للمتمرّد سعدون بن حميد".

ويلاحظ القارئ أنّ الدكتور فاضل بيات كتب اسمه: سعدون بن حميد أيضاً كما كتبه الدكتور الوهبي قبله.

وبالرجوع إلى الوثيقة الأصلية التي أهداني إياها الدكتور القريني - والتي هي مصدر الدكتورين الفاضلين - وجدتُ أنّ اسمَ الرجل الذي وُصفَ بـ(المُتمرِّد)، والذي قدّم له أمير سنجق القطيف سلطان علي بك المُؤن الغذائية؛ قد كُتب فيها بهذا الرَّسم: "حميد بن سعدون"؛ كما في الصورة المرفقة لها، وليس "سعدون بن حميد"؛ في حين ذكَرَت هذه الوثيقة اسم (سعدون) مجرَّداً في الموضعين السابقين لشخصٍ آخر في الأحساء، وكما هو واضح من نصّ هذه الوثيقة، فإنّها تذكر شخصين اثنين لا شخصاً واحداً، وهما (سعدون الخالدي) الذي تمرّد على الدولة في الأحساء، والذي توجد أكثر من وثيقة في الأرشيف العثماني ذكرت ثورته بالتفصيل واحتلاله للمبرَّز منها، وابنه (حميد بن سعدون) الذي تمرَّد على الدولة في القطيف، والذي كان أمير سنجق القطيف سلطان علي بك يقدم له المؤن الغذائية لإرضائه؛ في حين كان أمرُ سعدون منوطاً بأمير الأحساء، وأمير واحة العُيون منها التي كان سعدون ينزل بقربها، وكان قد استمال أميرها السابق عثمان بك، وأمين الأمناء حسين، فتقاسموا مال الدولة الذي كان في خزينة قلعة العُيون بينهم.

وهكذا، وبقراءتنا لنصّ هذه الوثيقة كما دُوّن فيها – بدون تصرّف – فقد عرفنا أنه كان للثائر الخالدي سعدون ابنٌ اسمه حُمَيْد، وأنه كان مشاركاً له في حروبه، وأنه عندما قصد الأحساء لأخذ الميرة منها أرسل ابنه إلى القطيف لأخذ الميرة منها أيضاً، والأحساء والقطيف هما قصبتا البلاد حينها كما هو معروف.

وعليه، فإنّ معرفتنا لهذا الأمر يطرح علينا سؤالاً عريضاً، وهو هل: حميد بن سعدون الخالدي المذكور في هذه الوثيقة مع والده سعدون هو الجد الأعلى لآل حُميد؟.

والجواب أستطيع أنْ أبوح به مستيقناً، وهو: نعم؛ هذا ما يبدو لنا من هذه الوثيقة؛ بالإضافة إلى ما ورد في بعض كتب التاريخ النجدية، فلو أننا رجعنا إلى سلسلة نسب برّاك بن غرير الحُميْديّ الخالديّ - مؤسس دولة آل حميد في القطيف والأحساء عام 1082هـ - والتي ذكرها المؤرخ النجدي الشيخ إبراهيم بن صالح آل عيسى في الصفحة: 49 من كتاب (مجموع في تاريخ نجد)؛ المطبوع ضمن كتب (الخزانة النجدية)، فسنجده يذكر هذه السلسلة في أحداث العام 1081هـ؛ هكذا:

"برّاك آل غرير بن عثمان بن مسعود بن ربيعة بن حميد الخالدي".

في حين ذكر نسب ابن عمه محمد في أحداث سنة 1083هـ؛ هكذا:

"محمد بن حسين بن عثمان بن مسعود بن ربيعة بن حميد".

باستخدام اللفظة (بن) بين الجدّين (ربيعة) و(حميد) في كلي الموضعين، وهو لا يتعارض مع المؤرخين النجديين الذين كتبوا لفظة (آل) بين هذين الجدّين بدلاً من لفظة (بن) التي كتبها ابن عيسى، وعليه، فإنّ ربيعة يكون ابن حميد بن سعدون نقلاً وعقلا، فالنقل هو هذا الذي ذكره المؤرخ إبراهيم بن عيسى في نسب برّاك بن غرير، والعقل يدلُّ على ذلك أيضاً، فهذه الجهود التي بذلها سعدون الخالدي وابنه حميد بن سعدون الواردان في الوثيقة المشار إليها، وما حصلا عليه من امتيازات مالية من الدولة العثمانية في الأحساء والقطيف، والزعامة الخالدية التي خَلُصَتْ لهما لن تذهب لغير أولادهما من صُلبهما، وايضاً، فإنّ قعدد النسب، وهو وجود أربعة آباء بين برّاك المؤسس للدولة في العام 1082 للهجرة، وبين حميد بن سعدون الموجود حيّاً عام 968 للهجرة كما في الوثيقة؛ هو قعددٌ صحيح لأنّ الفارق الزمني بين الجد وحفيده الرابع هو 114 سنة، وهي مدة معقولة ومقبولة لحياة أربعة آباء متسلسلين.

وبناءً على ما تقدم، فإنه يمكن القول إنّ من ورد باسم (ابن حميد) في وثيقة أخرى من وثائق دفاتر المهمة كُتبت عام 983 للهجرة هو ربيعة بن حميد بن سعدون الخالدي، فالمدة الزمنية بين هذه الوثيقة الأخيرة وبين الوثيقة التي كُتب فيها اسم أبيه حميد وجده سعدون عام 968 للهجرة هي 15 عاماً، وهي مدة تكفي لانتقال الزعامة الخالدية من الجد إلى الابن، فالحفيد.

وهذه الوثيقة الأخرى هي من إهداء أستاذنا الدكتور القريني أيضاً، وهي موجودة في الصفحة 117 من دفتر المهمة رقم (27)؛ المتضمّنة للحكم رقم (276)، والصادر في 27 شعبان من العام 983 للهجرة، والذي ورد فيه ما هذه ترجمته:

"سبق أن وجه سنجق الأحساء لابن حميد من أعيان العربان؛ على أن يقيم فيها في الموسم، ويصونها من قُطّاع الطرق من القبائل العربية مقابل ساليانة بمائتي ألف آقجه، وقد حصل من جهة بغداد أخيراً على الذخيرة، ولم يقض الموسم في الأحساء؛ بل أرسل ابنه طالباً من أمير أمراء الأحساء الساليانة الخاصة به، ولذلك أمرتُ: إذا وصل إليك أمري هذا، وإذا قدم إليك رجال المذكور راغبين في الحصول على الذخيرة من جهة بغداد، فلتنبّه كافة الأمراء والقضاة إلى عدم منحهم الذخيرة من جهة بغداد إلا إذا قضى الموسم مع عشيرته في الأحساء". (ينظر الصورة المرفقة).

وكما نلاحظ، فإنّ الوثيقة تذكر أنّ ابن حميد هذا الذي رجّحتُ أنه: ربيعة بن حميد بن سعدون قد أرسل ابنه إلى الأحساء يطلب من أمير أمرائها المقرر المالي الخاص به وبقبيلته، وربما يكون ابنه هذا هو مسعود بن ربيعة بن حميد بن سعدون الجدُّ الثاني لبرّاك بن غرير بن عثمان بن مسعود الذي سيقوم بطرد الأتراك والآفراسياب من القطيف والأحساء في العام 1082 للهجرة، ويؤسس دولة آل حميد فيهما.

وختاماً .. لقد اتضح لنا الأمر الذي ذكرته في أول هذا البحث، وهو ضرورة الإبقاء على النصّ الوثائقي بالصّيغة التي كُتب عليها إن كان باللغة العربية، أو بالترجمة الحرفية الصحيحة له إن كان بغير اللغة العربية، وأنّ نقله للقرّاء يجب أن يكون سليماً من غير تعديل أو تبديل من قبل ناقله أو مترجمه، وأنه إذا كان للناقل أو المترجم رأيٌ حول ما يراه خطئاً في النصّ، فإنه ينبغي عليه ذكر رأيه هذا في الهوامش والحواشي لا أنْ يفرض رأيه على النصّ الأصلي، ويقوم بتغييره ليتفق مع رأيه لأنّ مثل هذه الأفعال من شأنها المساهمة بفقدان المعلومات الصحيحة كما حصل لهذه الوثيقة التي تمّ تصحيحها.


 صور الوثائق:













 


 


 


الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

جرّه وليس جرها 2

 

ملاحظات على (سلسلة مصادر الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية)

التي أعدتها ونشرتها دارة الملك عبد العزيز بالرياض عام 2017م

عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي:

لا يخفى على أحدٍ الدور المتألق الذي تبذله دارة الملك عبد العزيز في كتابة وتوثيق تاريخ الجزيرة العربية، وتيسير وصول المعلومات التاريخية إلى الباحثين والقرّاء من خلال طبع ونشر عشرات المصادر التاريخية القديمة والدراسات الحديثة في أبهى صورة، وبأسعار رمزية قد لا تغطي حتى سعر التكلفة، وأحياناً تقوم بإهدائها لبعض الباحثين مجاناً، وما هذا إلا دليل على حرص الدارة على حصول هؤلاء الباحثين على المعلومات بكل يسر وسهولة.

وكان من آخر إصدارات الدارة السلسلة المفيدة من كتاب (الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية) التي سخّرت الدارة فيها كل إمكانياتها لتقديم خلاصة ما ورد في المصادر الإغريقية والرومانية القديمة – والباب ما زال مفتوحاً لمصادر أخرى – عن الجزيرة العربية بحيث إنّ الطاقم العلمي الذي اختارته الدارة لأجل هذه المهمة قام بنخل جُلّ المعلومات المتعلقة بالجزيرة العربية من هذه المصادر، وتقديمها بصورة بهية واضحة مرتبة، وباللغتين: اللغة الأم للمصدر، وترجمة ذلك باللغة العربية مع تعليقات علمية في الحواشي وملحقات فنية في آخر كل مصدر من ضمنها فهارس الأعلام العامة.

غير أنّ أي عمل إنساني مهما وصل إلى ذروة من الكمال؛ إلا أنه يبقى عملاً أنسانياً لا يخلو مما لا يخلو البشرُ منه من نسيانٍ، وتحريف، وتصحيف، وأخطاء في الترجمة، فكلنا في النهاية بشرٌ نصيب ونخطئ.

وعند حصولي على هذه السلسلة ضمن نسخة حاسوبية؛ بادرت أول ما بادرت إلى الاطلاع على الكتاب الخاص بالمؤرخ الإغريقي في عصر الإسكندر: أجاثار كيدس الكنيدي (Agatharchides of Cnidus)، والذي هو عبارة عن منخول ما وصل إلينا عن الجزيرة العربية من كتابه الشهير (عن البحر الإريثري)، وذلك لوجود نصٍّ خطير له كنتُ قد دونته في كتابي (جرّه مدينة التجارة العالمية القديمة)؛ الذي قلتُ فيه ما هذا نصُّه عن مدينة جرّه (Gerra) الشهيرة:

"وذكروا أيضاً أنها كانت تضاهي مملكة سبأ في الغِنى والثراء؛ كما ذكروا أنّها ومملكة سبأ كانتا أغنى الأمم القديمة على الإطلاق  وفي هذا الصدد يقول مؤرخ القرن الثاني قبل الميلاد الإغريقي أجاثاركيدس (Agatharchides): 

"No nation seems to be wealthier than the Sabaeans and Gerrhaeans, who are the agents for everything that falls under the name of transport from Asia and Europe. It is they who have made Ptolemaic Syria rich in gold, and who have provided profitable trade and thousands of other things to Phoenician enterprise".

وترجمته:

"لا أمة تبدو أغنى من السبئيين والجرَّهيين الذين هم وكلاء كلّ شيء يقع تحت مسمى النقل من آسيا وأوروبا؛ إنهم الذين جعلوا سوريا البطالمة غنية بالذهب، وهم الذين أمدّوا المؤسسات التجارية الفينيقية بالتجارة المربحة وآلاف الأشياء الأخرى".

هذا ما كتبته في كتابي، وعندما اطلعت على الترجمة العربية لذات النصّ في الفقرة (5: 102)؛ من الصفحة 52 من الكتاب الخاص بكتاب أجاثاركيدس من سلسلة (الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية) تحت عنوان: "الثراء الفاحش للسبئيين!!"؛ فوجئتُ به مترجماً بما هذا نصُّه:

"ليس ثمّة أمّة تتمتع بالرضا أكثر من السبئيّين؛ إذ إنّهم الشعبُ الذي يوزع كلَّ شيء ذي قيمة من آسيا وأووربا، وهم الذين صنعوا ثراء القسم البطلمي من سوريا بمعدن الذهب، وهم أيضاً الذين استحدثوا تجارة رائجة للصناعات الفينيقية وغيرها"

نعم هكذا بحذف لفظة (الجرَّهيين) - أو (الجرهائيين) بحسب ترجمتهم هم لاسم المدينة وسكانها – وهو خطأٌ فادح جداً أنْ يُحذف اسم قومٍ كانوا ثاني أمتين شُهريين مع السبئيين في الجزيرة العربية، وعندما رجعت إلى النصّ المدوّن بلغة الكتاب الأصلية، وهي الإغريقية اليونانية؛ وجدته مكتوباً في الصفحة: 69 من الكتاب هكذا:

"Οὐδὲ γὰρ εὐπορώτερον Σαβαίων καὶ Γερραίων ...".

ومن الواضح وجود اسم الجرّهيين (Γερραίων) في النصّ، وهذا هو الصحيح، فلا أدري كيف غفل المترجم عنها، وهذا مما ينبغي أن يُصَحَّح لأنه من الأخطاء الجسيمة أنْ يُحذف اسمُ أمّة ذات شأن كبير من أمم الجزيرة العربية، وهم الجرَّهيّون؛ من نصّ خطير كهذا النصّ.

وأيضاً، فإنّ مما لاحظته على المترجم هو ترجمته لاسم مدينة: (جرَّه) (Gerra)، أو (Γερρα) بحسب الاسم الإغريقي لها إلى اللغة العربية عن اسم هذه المدينة الروماني (Gerrha) الذي يُنطق: (جرْهَا)، وهو خطأ تَرْجَمِيٌّ قديم وقع فيه المترجمون الأوائل الذين نقلوا الثقافة اليونانية الإغريقية من لغتها الأم إلى اللغة الرومانية بعد أن ورثت الإمبراطورية الرومانية الإمبراطورية اليونانية، وقد ذكرت بالتفصيل هذه المشكلة في الترجمة من اليونانية إلى الرومانية بخصوص اسم مدينة (جره) - التي أوضحتُ رأيي في أنها هي مدينة (هجر) العربية - في كتابي (جره مدينة التجارة العالمية القديمة)، وذكرت هناك المشكلة التي صادفت المترجمين الأوائل لهذا الاسم موثّقاً بالمصادر، ولا بأس بأن أعيده هنا مختصراً للفائدة، ومن أراده موسعاً مع المصادر، فليراجعه في كتابي المذكور.

صحة نطق الاسم: (Γερρα) / (Gerra) الإغريقي أو (Gerrha) الروماني

إنّ المصادر التاريخية التي ورد لنا عبرها اسم مدينة جرَّه (Gerra /γερρα) هي كلها مصادر إغريقية هيلنيستية، والتي تُكتب حين تترجم إلى اللاتينية القديمة (Gerrha) بإضافة الحرف (h)، ولم يرد هذا الاسم في أي مصدر غير إغريقي حتى الآن، وقد دوِّنت سلع تجارية منسوبة إلى هذه المدينة في وثيقتين تعودان للعامين 260 – 261م على التوالي، وهما برديتان من برديّات زينون (Zenon) مدير أملاك أبولونيوس (Apollonios) وزير مالية بطليموس الثاني (285 – 246 ق.م)، وقد ورد لفظ النسبة إليها، وهو (ΓΕΡΡΑΙΟΖ) بالإغريقية الأيونية، ويقابله (Gerraios) في اللاتينية، وعليه فيمكننا أن نعتبر أنّ هذا هو أقدم مصدر ورد فيه النسبة إلى جرّه (Gerra).

.. ووردت بالصيغة (Gerra) عند الجغرافي الإغريقي الشهير جداً بطليموس في كتابه القاموس الجغرافي والخرائط الخاصة به عن الجزيرة العربية قرابة العام 150 للميلاد.

.. وعليه فإنّ اسم (جرَّه) يُكتب وفق أبجدية اللغة اليونانية الحديثة بهذه الصورة (ΓΈΡΡΆ) بالحروف الكبيرة، و(γερρα) بالحروف الصغيرة.

.. فعلى ذلك لا بد وأن نتساءل من أين جاء حرف الهاء (H) في الصيغة الثانية لكتابة اسم مدينتنا أعني (Gerrha)، والجواب بسيط لأنّ أبجدية اللغة اليونانية القديمة لا يوجد فيها حرفٌ خاص يماثل أو يشابه حرف الهاء العربي أو حرف (H) في اللغات اللاتينية، وقد استعاضت اللغة اليونانية الإغريقية عن ذلك باستخدام ما يُعرف بالعلامة الهائية (Rough Breathing) التي توضع على بعض الحروف الصوتية عندما تأتي في أول الكلمة فقط، فتنطق بالهاء وكمثال على ذلك فإنّ حرف الألف اليوناني (α) ينطق مثل الألف الممدودة في اللغة العربية (آ)، ولكن عند إضافة العلامة الهائية فوقه يكتب بهذا الشكل ()، ويُنطق (ها) وليس (آ)، وهذه العلامة – كما قلت – لا توضع إلا فوق بعض الحروف الصوتية المتحركة فقط أو بجنبها، وأما الحروف الساكنة أو شبه الساكنة فلا توضع عليها هذه العلامة الهائية باستثناء حرفٍ واحدٍ فقط هو حرف الراء اليوناني (ρ)، والمسمى في الأبجدية اليونانية (Rho)، والمشتق أصلاً من لفظة (Rêš) في اللغة السامية الأصلية.

ويُصنّف هذا الحرف اليوناني (Rho) - عموماً - بوصفه حرفاً صامتاً جنباً إلى جنب مع الحرف لامْبْدا (Λ)، وأحياناً مع الحرفين مو (Μ) ونو (Ν) الأنفيين، ويتضح التشابه في اللفظ بين الحرف (Rho) وحرف الرّاء (r) في اللغات ذات الأبجديات المشتقة من اللغة اللاتينية، وفي علم الإملاء البوليتونيكي (الإغريقي) يُكتب الحرف (Rho) المخفف في بداية الكلمة عادةً مع ما سميناها بالعلامة الهائية rough breathing (المشابهة لحرف الهاء h) ويُكتب الحرف حينها هكذا: ( ) في حين يُكتب الحرف المشدد منه وسط الكلمة مع العلامة الساكنة smooth breathing على الحرف الأول وينطق راء خفيفة، والعلامة الهائية rough breathing على الحرف الثاني وينطق راءً مع هاء، ويُكتب الحرفان بهذا الشكل (ῤῥ)، وينطقان بهذا الصوت: ارْرُهـْ.

وبالمطلق فإنه ينطق حرف الراء اليوناني () دائماً هكذا (رُهـْ)، أي إننا لو أردنا أن نكتب لفظة (مُرَّه) القبيلة العربية المعاصرة – مثلاً - بالحروف اليونانية القديمة، فإنّ أول مشكل سوف يواجهنا هو أنّ الأبجدية اليونانية لا يوجد بها حرفٌ مكافئ لحرف الهاء، وبالتالي فإنّه سيتم الاستعاضة عن هذا الحرف بحرف الألف أو(ألْفَا) مع كتابة العلامة الهائية فوقه أي هكذا: ()، والذي سبق وقلت إنه يُنطق (ها)، ولكن نظراً لوجود راء مشددة في (مُرَّه)، فسوف تُكتب – حسب ما قدمت من شرح - رائين اثنتين أولاهما عليها علامة السكون التي تجعلها تُلفظ راءاً خفيفة مفردة، والأخرى عليها العلامة الهائية التي تجعلها تُلفظ متلازمة بالهاء، وستكون صورة كتابة لفظة (مُرّه) بالأحرف اليونانية هكذا: (μυῤῥἁ)، ولكن حين تُعطيها لشخص يوناني وتطلب منه قراءتها، فسيقرؤها بهذا الصوت: (مُوْرْرُه)، فلو فرضنا أنّ هذا الاسم قد ورد في كتاب إغريقي قديم بالصورة التي أشرت إليها، وأراد كاتبٌ من الناطقين بإحدى اللغات اللاتينية كالإنجليزية – مثلاً - ولديه خبرة كبيرة باللغة الإغريقية اليونانية ترجمة اللفظة اليونانية (μυῤῥἁ) التي تعني (مُرّه) إلى لغته الإنجليزية، فسيكتبها هكذا: (Murrha) حسب نطقها في اللغة اليونانية، وعلى العموم يظهر دائما وبوضوح التلفظ بالهاء في آخر الكثير من الكلمات اليونانية التي تبدأ بالراء أو تتضمن حرف الراء، ولهذا السبب فإنّ العديد من الكلمات الإنجليزية المشتقّة من اليونانية نراها تبدأ بـ (rh) أو تتضمن (rrh) فيها.

إنّ هذا الأمر الذي تم شرحه بالنسبة لحرف الراء اليوناني ولحوق العلامة الهائية به، وكذلك عدم وجود الحرف المكافئ لحرف الهاء العربي في الأبجدية اليونانية القديمة هو الذي حصل لاسم مدينتنا (جِرَّه) الذي سبق وذكرت أنه يُكتب بالحروف الهجائية اليونانية هكذا (γέῤῥα)، ويلفظه اليونانيون بهذه الصورة (جيرْرَه)، ولهذا فعندما تمت ترجمة الأعمال التاريخية التي ورد فيها اسم هذه المدينة كتاريخ بوليبيوس وجغرافيا سترابو من اللغة الإغريقية اليونانية إلى اللغة اللاتينية، ومنها الإنجليزية، فقد كُتبت بهذه الصورة: (Gerrha) بمحاكاة السماع اللفظي اليوناني؛ تماماً كما فعل اليونان أنفسهم عندما كتبوا اسم هذه المدينة عن أهلها، واللذين كانوا يتلفظون بها بتفخيم أو تشديد حرْف الرّاء، فكتبها المؤرخون الإغريق كما سمعوها منهم مستعيضين عن التشديد الذي لم يكن في لغتهم بكتابة رائين إحداهما ساكنة والأخرى بالعلامة الهائية، وعن حرف الهاء بحرف الألِف (ألْفَا) في آخر الكلمة تماماً كما مرَّ بنا في لفظة (مُرّه).

وإذاً فقد ثبت لنا الآن أنّ اللفظتين اللاتينيتين الإنجليزيتين لمدينتا (جِرَّه)، وهما (Gerra) و(Gerrha) هما - كما سبق وقلت - وجهان كتابيان للفظة واحدة هي الصورة الأولى منهما أعني (Gerra)، والتي تساوي حروفها حروف التسمية الإغريقية (γέῤῥα).

.. وقبل الانتقال إلى موضوع آخر أحب أنْ ألفت الانتباه إلى أنّ صحّة النطق السماعي للاسم (Gerra) بالنسبة للغة العربية هو كما يلي: 

G = ج       e = ي r = ر   r = ر   a = ا

فيكون اسمها العربي بالمحاكاة الصوتية هو (جيرْرَا)، ولأننا نعلم أنّ الحرف (e) أو (έ) اليوناني هو حرفٌ غير مشبّع هنا، فهذا يعني أنه يُنطق في اللغة العربية مثل الكسرة، وبالتالي فإنّ (جيررا) يمكنُ أنْ تُكتب (جِرْرَا)، ولكون اللغة العربية نادراً ما تقبل بالتتالي لحرفين متشابهين في الأسماء المطلقة؛ بل يتم حذف أحدهما، ويستعاض عنه بوضع علامة الشدة على الآخر، فإنّ حرفي الراء في (جِرْرَا) سيدغمان في حرف واحد مشدّد، ويُنطق الاسم عندها (جِرّا)، وأخيراً فإنّ من الواضح أنّ الحرف اليوناني ألْفَا (α) في آخر الكلمة مع العلامة الهائية على الراء () هو تعويض عن حرف الهاء العربي كما سبق وذكرتُ، وعليه فبإمكاننا إعادته إلى أصله أي الهاء، فتصبح (جِرَّا) عندها هي (جِرَّهْ) بكسر الجيم، وتشديد الرّاء مع فتحها، ثم هاءْ ساكنة في آخرها، وليس (جَرْهَا) أو (جَرْهَاءْ) كما اجتهد بعض الباحثين العرب في ترجمتها.