الصيخان: (مُثقلٌ اسْتَعَانَ
بذقْنَهْ)؛ عجز عن الردّ، وفرّ من المنازلة
واتقى الطَّعْن بالدكتور البيات
الذي سبق وانتقدتُه لذات الموضوع
كتب / عبد الخالق بن
عبد الجليل الجنبي
لم يستطع الأستاذ
علي بن سالم الصيخان مواجهة الوثائق التي ذكرتها له في ردي السابق عليه، فلجأ إلى
الدكتور فاضل بيات يستجديه الردّ نيابة عنه مع علمه بأنّ هذا الدكتور الفاضل سبق
وانتقدته في مقالي الذي نشرته في جريدة الجزيرة لذات الموضوع.
وكانت بداية هذا
النقاش بيني وبين الأستاذ الصيخان عندما نشرتُ مقالاً في جريدة الجزيرة؛ في عددها:
17855؛ بتاريخ: 15 نوفمبر 2021م، والذي ذكرتُ فيه ورود زعيمين خالديين في وثيقة من
وثائق المهمة العثمانية هي وثيقة الحكم رقم 1633 من دفتر المهمة (3) بتاريخ 22 صفر
966هـ، وهذان الزعيمان هما "سعدون" الذي ذكرت الوثيقة أنه كان
ينزل على واحة العُيون بالأحساء وكان والي هذه الواحة متخادناً معه، والآخر كُتب
اسمه فيها "حُميد بن سعدون" هكذا بوضع لفظة "بن"
بين الاسمين، والذي ذكرت هذه الوثيقة أنه كان ينزل على واحة القطيف، وأن والي
القطيف سلطان علي بك كان متخادناً معه.
وبعد نشر هذا
المقال بأسبوعين، وبالتحديد في 30 نوفمبر 2021م قام الصيخان بكتابة رَدٍّ يخطّئني
فيه لذكري اسم الشيخ "حميد بن سعدون" رغم وروده هكذا في الوثيقة!!، مدّعياً
أنّ الصحيح في اسمه هو "سعدون بن حميد" حتى لو كتبَ في الوثيقة بالرسم
الأول!! مستدلاً على ذلك بخاصيّة كتابية في اللغة التركية، وهي تقدُّم اسم الأب على
اسم الابن في كتابة نسبهما، وذلك بوضع كلمة (اوغلي) أو (اوغلو) التي تعني (ابن) بينهما
كما قال، ثمّ مثَّل على ذلك بوثيقة أخرى اقتبسها عن الجزء السابع من كتاب (البلاد
العربية في الوثائق العثمانية) للدكتور فاضل بيات جاء فيها اسمُ الزعيم الخالدي؛
سعدون بن حميد هكذا:
"حميد
أوغلي سعدون".
وقد طرح الصيخان
قوله هذا بثقة مُفرطة من دون أن ينتبه إلى أنّ هذه الخاصية اللغوية تصحُّ فقط إذا
تم وضع لفظة (اوغلو)، أو (اوغلي) التركيتين بين اسم الأب وابنه، ولم يدرك الصيخان
أنّ هذا الأمر لا يطّرد عند كتابة اسم الأب وابنه وفق القاعدة اللغوية العربية أي
بوضع لفظة (ابن) بينهما بدلاً من (اوغلو)، وهو أمرٌ فعله كُتّاب الدولة العثمانية
في وثائق كثيرة تعود لذات الحقبة التي عاش فيها الزعيمان سعدون وابنه حميد، فكان أن
كتبتُ حينها ردّي عليه في مدوّنتي هذه، وأوضحتُ فيه خطأ تطبيق هذه القاعدة الكتابية
التركية على هذه الوثيقة التي استخدم كاتبها القاعدة الكتابية العربية فيها بوضع
لفظة (ابن) بين الإبن وأبيه، وليس لفظة (اوغلو)، أو (اوغلي)، ووثقتُ كلامي بأكثر
من وثيقة تركية عثمانية تعود لذات الحقبة الزمنية، وقد كُتب فيها أسماء أبناء
نُسبوا إلى آبائهم وفق القاعدة اللغوية العربية، ومنهم أفراد من أسرة آل رحّال
المعروفين في القطيف في بداية الاحتلال التركي العثماني لها وللأحساء، ومن هذه
الأسرة: "جمعة بن رحّال" الذي كُتب اسمه هكذا في الحكم رقم 1123
من الصفحة 379 من دفتر المهمة رقم 3 المكتوب في ذات الحقبة التي كُتب فيها اسمُ
(حميد بن سعدون) في الوثيقة 1633 المتقدمة، وهي النصف الثاني من القرن العاشر
الهجري؛ كما استشهدتُ أيضاً بكتابة اسْم السلطان: (سليمان بن سليم خان) المعروف
بالقانوني، والمتوفى عام 963هـ، والسلطان: (عثمان بن أحمد خان)؛ المتوفى عام
1031هـ بهذين الرسمين لاسميهما في قطعتي نقود تعودان لعصريهما، وهو ما جعله يدرك
خطئه؛ إلا أنه كابر فلم يعترف بذلك، وبدلاً من أن يردَّ على ما أوردته من الوثائق،
أو يُقِرَّ بخطئه قام بنقل المعركة إلى جنبة أخرى غير الأولى مفادها أنّ اسم (حميد بن سعدون)
الوارد بهذا الرسم في وثيقة المهمة 1633 - والذي لم يعد الصيخان يستطيع إنكار
وروده فيها بهذه الرسم – إنما كان سهواً من كاتب الوثيقة، وأنه كان عليه أن يكتب اسمه:
(سعدون بن حميد)!، فغلط، وكتبه (حميد بن سعدون)!!.
ولم يقل
الصيخان هذا الرأي بلسانه مباشرة، ولكنه تبنّاه عبر استعانته في ذلك بالدكتور فاضل
بيات مؤلف كتاب (البلاد العربية في الوثائق العثمانية)؛ الذي قام بارتكاب خطأ كبير
عند قيامه بترجمة هذه الوثيقة ذاتها في الصفحات: 53 – 56 من الجزء الثالث من كتابه
هذا، فمع أنه أقرّ واعترف في تقديمه لها في
الصفحة 52 من الجزء ذاته بأنّ اسم هذا الزعيم قد ورد في أصل الوثيقة برسم (حميد بن
سعدون)؛ إلا أنه تبرّع بتغييره إلى (سعدون بن حميد) في الترجمة، وهو ما استنكرتُه
عليه أصلاً في مقالي في جريدة الجزيرة، وانتقدت فعله هذا، ولهذا لم أستغرب لجوء
الصيخان إليه مستنجداً به.
فالصيخان – الذي
يبدو أنه قد أُرْهق من المواجهة – وجد ضالته في الدكتور البيات وما ارتكبه من خطأ
في تغييره لهذا الاسم، فكانت بينهما مراسلة حول ذلك على ما يُفهم من كلام الصيخان
الآتي، والذي لم يقم بإداراج رسالته إلى الدكتور البيات، ولكنه أدرج رسالة هذا
الأخير إليه كاملة، والتي يبدو منها أنه طلب منه توضيح رأيه في تغييره لاسم (حميد بن
سعدون) إلى (سعدون بن حميد) في ترجمته لهذه الوثيقة، فأجابه إلى ذلك، والصيخان
يعرف عندما فعل ذلك أنّ جواب الدكتور وتبريره لفعله سيكون بمثابة ردٍّ جاهزٍ له يردُّ
به عليّ، وفي الوقت ذاته سوف يهيّئ له ذلك أفضلَ مخرج لينسحبَ من ساحة هذه المعركة
بيني وبينه، ولتصبح بيني وبين الدكتور البيات، وها هو يقول في منصّته على تويتر في
(7 ديسمبر) ما هذا نصّه، وأقتبس عنه:
”أنا لن أرد على
ما جاء من مغالطات ولَيٍّ للحقيقة في كلام الجنبي حتى تتوافق مع استدلاله الباطل؛
ولكني أنقل للمتابعين رد الدكتور/ فاضل بيات الذي أمضى زمناً طويلاً في البحث
والتنقيب والدراسة لوثائق الأرشيف العثماني؛ وذلك حتى لا يغتر المتلقي بكلام
الجنبي .. وهذه 👇🏻 رسالة الدكتور فاضل".
ثم أدرج رسالة
الدكتور البيات، وهي هذه كما اقتبستُها عن منصّته باستثناء ما وضعته عليها من خطوط
حمراء لتحديد موضع الشاهد:
وأنا الآن إذ أبداً
في الردّ على ما أدرجه الصيخان من كلام الدكتور البيات، فإنّ ردّي سيكون رداً
عليهما كليهما لأنّ الصيخان لم يذكر رد الدكتور إلا لأنه يؤيده ويتبناه، وهذا هو
ردّي.
أولاً: أودُّ بدايةً أنْ أسجّل تقديري للدكتور فاضل بيات، فهو رجلٌ
عالمٌ محترم، وخبير بالأرشيف العثماني، وقد أدى خدمةً جلّى لتاريخ بلداننا العربية
بموسوعته الموسومة بـ(البلدان العربية في الأرشيف العثماني)، وهذا فضلٌ لا يُنكر
له، ويستحق الثناء عليه، وإن كان ذلك لا يعني أنه لا يخطئ؛ كما لا يجعله بمنأى عن
النقد والتصحيح.
ثانياً: يجب الإلتفات إلى ثابتة مؤكدة بخصوص الدكتور البيات، وهي أنّه
قد أقرّ واعترف بأنه رأى اسم الشيخ (حميد بن سعدون) بهذا الرّسم في الوثيقة رقم:
1633 من دفتر المهمة (3) بتاريخ 22 صفر 968هـ؛ كما نصّ في الهامش رقم (10) من
الصفحة 52 من الجزء الثالث من كتابه المذكور، ومع ذلك، فقد كتبه: (سعدون بن حميد)
في الترجمة التي قدمها للوثيقة ذاتها في الصفحة 55 من ذات الجزء معللاً فعله هذا
بوقوع كاتب الوثيقة في السَّهو؟! حين كتبه بالرسم الأول كما سنرى بعد قليل، وهو
افتراض افترضه الدكتور تجاه كاتب الوثيقة لأسباب خاصة لديه ذكرها في تعليقته أعلاه،
وبالتالي، فإنّ تغييره هذا في اسم هذا الزعيم باطلٌ وفق المنهج العلمي الذي يلزمه كمترجم للوثيقة بكتابة
الاسم كما شاهده فيها أي (حميد بن سعدون)، وأنْ يذكر رأيه في صحة رسم الاسم أو
عدمه في الحاشية، وبالتالي فإنّ هذه تُحسب من أخطاء الدكتور الكبرى في كتابه
القيّم هذا.
ثالثاً: لي وقفة مع الدكتور البيات في قوله، واقتبس عنه:
"وإذا تمعنت فيما ورد
في الوثيقة تجد أنّ الحديث يدور حول شخصيةٍ واحدة هي شخصية سعدون أي سعدون بن حميد".
وليسمح لي الدكتور
البيات أنْ أقول له إنّ هذا الكلام غير دقيق، فهذه الوثيقة تتحدث عن عدة أمور
وأعلام كما ذكر هو في ترجمتها، ولا تدور حول شخصية سعدون فقط، فهي عبارة عن حكمٍ
صادر إلى أمير أمراء الأحساء يأمره فيه بأمور عدة تتعلق بهذه
الولاية والبلاد التابعة لها، والمتصرّفين فيها، ومن الشخصيات التي ذكرتها هذه
الوثيقة:
1. أمير سنجق العُيون عثمان.
2. أمين الأمناء حسين.
3. سعدون الخالدي.
4. سلطان اللار.
5. شمسي دلدل.
6. جعفر برونسز.
7. حسين عجم.
8. تكه لي آغا.
9. سليمان؛ المحكوم عليه بالأشغال
الشاقة.
10. سلطان علي بك أمير سنجق القطيف.
11. حميد بن سعدون الخالدي.
12. علي آغا.
13. عبدي بن الياس.
وحتى لو كان
الدكتور يقصد بكلامه أنّ سعدون، وحميد بن سعدون المذكورين صراحة في هذه الوثيقة
هما شخصيّة واحدة، فهذا أيضاً لا يستقيم للدكتور لأنّ الجانب الذي يتحدث عن
سعدون – بدون ذكر اسم أبيه – في أوّل هذه الوثيقة يذكر أنّ نشاطه كان في الأحساء،
ولاسيما واحة العُيون منها، وأنّ عثمان بك أمير سنجق العُيون وأمين الأمناء حسين
كانا متخادنين معه، وأما الجانب الذي يتحدث عن حميد بن سعدون – بهذا الرّسم – في
آخر هذه الوثيقة، فإنه يذكر أنّ نشاط هذا الرجل كان في القطيف، وأنّ سلطان علي بك
أمير سنجق القطيف كان متخادناً معه، وكذلك أغوات القطيف، فهما شخصيّتان إذاً لا
شخصيّة واحدة، وهما الشيخ سعدون، وابنه: حميد بن سعدون، وهذا أمرٌ مألوف في
الزعامة البدوية، وهو أنّ ابن الشيخ يحلُّ محلّ أبيه، ويسانده في حروبه، فكان أن
تكفّل سعدون بأمر الأحساء والعُيون، وترك أمر القطيف لابنه حميد.
رابعاً: لي وقفةٌ أيضاً مع قول
الدكتور فاضل بيات:
"وأضيف على
ذلك أننا لا نجد في الوثائق التي صدرت في هذا الوقت أو فيما بعد أي إشارة إلى حميد
بن سعدون، وقد ورد اسم سعدون في الأحكام السلطانية بين سنتي 967 هجرية 1560
ميلادية و998 هجرية 1590م ولم يرد اسم حميد إلا مرّة واحدة سهواً"!!.
وأقول هذا تناقض
واضحٌ من الدكتور، فهو في أول كلامه هذا يقول إنه لم يجد في الوثائق التي صدرت بين
(967 – 998هـ) أي إشارة إلى حميد بن سعدون، ثم يقول في آخر هذا الكلام: "ولم
يرد اسم حميد إلا مرّة واحدة سهواً"، فهذا اعترافٌ صريحٌ منه بورود اسم
حميد إذاً في إحدى وثائق هذه الفترة التي نفى ورود اسمه فيها، وهي هذه الوثيقة
ذاتها، وأما وصفه لورود هذا الاسم في هذه الوثيقة بأنه (سهو!!)، فهو أمرٌ غريبٌ
لأنّ هذه الوثيقة عمرها 477 سنة، ووصف الدكتور لكاتبها بالسهو هو رجمٌ بالغيب،
وأما تعليله لذلك بأنه لم يجد اسم حميد قد ورد في الحقبة المذكورة إلا في هذه
الوثيقة الوحيدة!!، فهذا أيضاً أمرٌ غريب، وتعليلٌ سقيم لا يُجيز ولا يبيحُ له تغيير
هذا الاسم في ترجمته لهذه الوثيقة حتى وإن لم يرد إلا فيها فقط.
وآخر ما أودُّ قوله
هو أنّ كلام الدكتور فاضل بيات هذا الذي أراد الصيخان أن يعتبره دليلاً ضدّي أصبح
دليلاً ضدّه، فكلامه يؤكدُ ما ذهبتُ إليه أنا من صحة ورود اسم الشيخ حميد بن سعدون
في هذه الوثيقة بهذا الرسم، وأنّ تسميته بسعدون بن حميد إنما هو تصرُّفٌ وتبرّعٌ من الدكتور فاضل بيات.