قراءة جديدة لكتاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
لسفيان بن همّام الظفري المحاربي العبـــــــــــــــــــــــدي
لسفيان بن همّام الظفري المحاربي العبـــــــــــــــــــــــدي
وصلنا هذا الكتاب عبر مصدر وحيد – حتى الآن
– له، وهو (تاريخ المدينة المنورة) لأبي زيد عمر بن شبة النميري، وهو كتاب طُبع
ونُشرَ على نسخة وحيدةٍ له في العالم حتى الآن أيضاً، وهي نسخة مكتبة رباط السيد
محمد بن مظهر الفاروقي النقشبندي بالمدينة المنورة التي تأسست عام 1292 للهجرة
الموافق 1875 للميلاد.
وقد اهتدى إلى هذه النسخة – بالصدفة –
الأستاذ حبيب محمود أحمد أحد أثرياء المدينة المنورة ووجهائها حينها، والذي كان
شغوفاً بتاريخ بلدته، ومحباً لنشر كل ما يتعلق به من كتب ورسالات، فقام بتصويرها
وإرسال الصورة إلى المحقق فهيم محمد شلتوت بواسطة السيد أحمد هاشم مجاهد، وما أن
اطلع الأستاذ فهيم على صورة المخطوطة إلا وحاول بكل جهده أن يوجه المرسل بها إلى
غيره من المحققين – كما قال في مقدمة تحقيقه – إلا أنّ إصرار السيد أحمد هاشم
مجاهد على أن يكون هو من يحقق هذا الكتاب قد آتت أكلها في جعله يوافق على ذلك، فتمّ
تحقيق هذا الكتاب من قِبَلَهِ، وتم طبعه على نفقة مكتشفه الأستاذ حبيب محمود أحمد،
وكان ذلك عام 1399 للهجرة الموافق لعام 1979 للميلاد.
وقد بذل المحقق فهيم شلتوت جهداً مضنياً
جداً في تحقيق هذه المخطوطة الوحيدة، وكان السبب في محاولته إعفائه من تحقيق هذا
الكتاب هو معرفته بهئولة الجهد المُضني الذي سوف يبذله في ذلك لأسباب ذكرها هو
بنفسه في مقدمة تحقيقه حيث قال ما هذا نصّه:
"خطُّ الكتاب تتعذر قراءته، والخرم
والسقط فيه كثير، وهو من نسخة واحدة، ويُعدُّ أقدم المصادر في بابه، ويتعذر أنْ
أجد مصدراً يسبقه؛ قد يساعد على حلِّ معضلاته؛ إلى جانب أنّ المجازفة في الاجتهاد
محفوفة بمخاطر السقوط في الخطأ".[1]
وقال في موضع آخر، وهو يصف المخطوطة:
"كُتبت المخطوطة بخط دقيق غير
منقوط إلا نادراً، ولا نستطيع أن نحكم عليه بأنه نسخي عادي، ولا أنه ينتسب للونٍ
بعينه من ألوان الخطّ العربي، فهو غير محرر الرسم للحروف والكلمات، ولا يستطيع
قارئٌ مهما أوتي من الخبرة والدراية أن يُقيم قراءة سطر من سطوره دفعةً واحدة".[2]
وبفضل ما أتاحه الله لنا في هذه الأيام من
نعمة عظيمة عبر الشبكة العالمية (الإنترنت) التي مَكّنتْ الباحثين من الوصول إلى
مصادر معلومات كان الوصول إليها على الغاية من الصعوبة قبل وجود هذه الشبكة، فقد
حصلتُ على صورة لنسخة الأصل من المخطوطة الوحيدة لتاريخ ابن شبة من موقع أرشيف
الشهير عبر الرابط (https://archive.org/download/madinah_pdf_1) وقد كُتبَ على صفحتها الأولى أنها من محفوظات مكتبة جامعة الرياض
(جامعة الملك سعود الآن)؛ ولكن جاء في البطاقة التعريفية لها ما يلي:
"نسخة مصورة على ورق عن الأصل
المحفوظ بمكتبة عارف حكمت!! برقم 157؛ ناقصة الأول والآخر بهوامشها بعض الشروح".
ولا أعرف المراد بجملة مفهرس البطاقة:
"عن الأصل المحفوظ بمكتبة عارف حكمت" هل كان يعني أنّ مكتبة عارف
حكمت قد اقتنت أصل مخطوطة رباط السيد محمد مظهر الفاروقي، أو أنها قامت بتصوير
نسخة منها لتحتفظ بها ضمن رفوف مكتبتها الثرّة، وهي التي صورتها بعثة جامعة الملك
سعود عندما كان اسمها جامعة الرياض لأنّ الرقم المعطى لهذه المخطوطة، وهو (157) هو
ذاته رقم حفظها في مكتبة رباط السيد محمد مظهر الفاروقي، وعدد الصفحات هو ذاته.[3]
وعلى أي حال، فإنّ ما يهمني الآن هو حصولي
على صورة لهذه النسخة الفريدة، والتي بمجرد إلقاء نظرة عليها أدركت صدق محققها
فهيم شلتوت في وصفه لها، وعذرته في محاولته الإفلات من تحقيقها، فهي كما وصفها
بالفعل، ولهذا لم أستغرب وقوعه في أخطاء كثيرة في تحقيقه، وألتمس له العذر في ذلك.
ومن الأخطاء العديدة التي وقع فيها الأستاذ
شلتوت في تحقيقه لهذه المخطوطة هو ما وقع له في قراءته لنصِّ لكتاب كتبه النبي
محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – لأحد زعماء عبد القيس الذين وفدوا عليه، وأسلموا
على يديه، وهو سفيان بن همام الظفري المحاربي العبدي، ففي هذا الخطاب وردت مسميات
لقبائل وبطون ومواضع بحرانية لم تسعف الأستاذ شلتوت خبرته القليلة بإقليم البحرين
القديم وقراه لكي يتقن قراءة أسمائها، وتحديد تلك المواضع من البحرين، وكان
الأستاذ حمد الجاسر قد اطلع على نصّ هذا الكتاب من نسخة الأصل المحفوظة بمكتبة
رباط السيد محمد مظهر الفاروقي، ولكنه دوّن لنا منه السطرين الأخيرين فقط، وهما
اللذان يحويان أسماء المواضع الجغرافية بحكم كونه معنياً بهذا الجانب في فقط في
كتابه الذي وضعه بعنوان (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية / المنطقة
الشرقية / البحرين قديماً)، وقد قدَّم الأستاذ الجاسر قراءة لهذين السطرين أفضل
بقليل من قراءة الأستاذ شلتوت، وأرى أنّ السبب في ذلك هو أنّ الأستاذ الجاسر قد
اطلع على الأصل بقرطاسه وألوانه الأصلية، وأما نسخة الأستاذ شلتوت، فكانت مصوّرة
عنه، وبالتالي فإنها لن تكون بدقة المخطوطة الأصل، وأفضل المخطوطات التي نحصل
عليها الآن على الشبكة وغيرها هي المخطوطات التي يتم تصويرها بمُصَوِّرَاتٍ رقمية
ملونة بحيث تحفظ لنا هيئة النسخة المخطوطة بألوانها الأصلية، وفي ذلك فائدة كبيرة
للمحققين.
ومع ذلك، فإنّ قراءة الأستاذ الجاسر لم
تَخْلُ هي الأخرى من أخطاء أدركها هو بنفسه عندما قال معتذراً:
"والخطُّ
غير واضح ولا معجم الحروف".
وبعد اطلاعي على صورة هذه المخطوطة رأيت
بعد تمعّنٍ كثير أنّ الأعلام الإنسانية والجغرافية الواردة فيها ليست محرّفة، ولا
مصحفة، وإنما الأمرُ كان يكمنُ في عدم التمكّنِ من قراءة بعض رسوم أسمائها، والخطأ
في ذلك كان من قبل الأستاذين الجليلين وليس مما كُتب في المخطوطة، ولهذا رأيت أن
أقدم قراءتي لهذا النصّ مبيناً صحة وسلامة رسم أسماء هذه الأعلام مع التعريف بها
وتحديد مواضع الأسماء الجغرافية فيها قدر الإمكان، وإن كنتُ لا أبرّئ نفسي من
النقص أنا أيضاً، فالكمال لله وحده، ولكنه جهد المقلِّ، وقدر المُستطاع.
النصُّ موضع البحث
يوجد النصُّ المتعلق بهذا الكتاب في وجه
الصفحة التاسعة والثمانين من الجزء الثاني من النسخة المخطوطة، وهو على قصره إلا
أنّ فيه فوائد كثيرة عن الزعيم العبدي سفيان بن همّام المحاربي ورهطه وبعض المواضع
التي كانت لرهطه في البحرين، وكذلك بعض القبائل والأمم التي كانت فيها حينذاك.
وبدايةً، فإنني سوف أدون هنا قِرَاْءَتَيّ
الأستاذين شلتوت والجاسر أولاً لنصّ هذا الكتاب، ثم سأدوّن بعدهما قراءتي له مع
الإشارة إلى مواضع الاختلاف بين قراءتي وقراءة الأستاذين مع شرح وتحليل مفصل لما
ورد فيه، وسيجد القارئ الكريم صورة قصاصة هذا النصّ في آخر البحث، فقد يكون لأحد
القراء رأيٌ آخر قد يتفق وقد يختلف مع ما قُدّم:
أولاً: قراءة الأستاذ فهيم شلتوت للنصّ في الطبعة المحققة من قبله:[4]
"حدثنا علي بن أبي هاشم؛ قال:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم؛ قال: جاءني أهل بيت من عبد القيس بكتاب؛ زعموا أنّ
النبيّ – صلى الله عليه وسلم – كتبه لهم، فانتسختُ بهجائه، فإذا فيه: بسم الله
الرحمن الرحيم؛ هذا كتاب من رسول الله لسفيان بن همام على بني ربيعة بن قحطان، وبني
زفر بن زفر، وبني الشحر؟!؛ لمن أسلم منهم وأعطى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، واجتنب
المشركين، وأعطى من المغنم خُمُس الله وصفيّه، وسهم النبيّ وصفيّه، فإنه أمرَ بأمر
الله ومحمد، ومن خالف أو نكث فإنّ ذمة الله ومحمد منه بريئة، وإنّ لهم خطبهم؟! من
الصُّلصُل، ومن الأكرم ودار ورك وصَمْعَر وسُلَّان ومور فكل إتاوة لهم".
ثانياً: قراءة الأستاذ الجاسر للجزء الأخير من
النص في رسم [ دار ] من المعجم الجغرافي للمنطقة
الشرقية:
"وجاء في (أخبار المدينة) لابن
شبّة؛ في خبر إقطاع الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – سفيان بن همّام من بني
محارب من عبد القيس: وأنّ لهم خطتهم من الصُّلصُل ومن الأكرم ودار ورك وحمر وسلاس ووفوره!،
والخطُّ غير واضح ولا معجم الحروف".
ثالثاً: قراءتي للنص المخطوط:
"حدثنا علي ابن أبي هاشم؛ قال: نا
إسماعيل بن إبراهيم؛ قال: جاءني أهل بيت من عبدالقيس بكتاب زعموا أنّ النبيّ – صلى
الله عليه وسلم – كتبه لهم، فانتسختُ بهجاءه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم؛
هذا كتاب من رسول الله لسُفين بن هَمَّاْم على بني ربيعة وقحطان، وبني ظُفَر بن ظُفَر،
وبني الأحْمَر؛ لمن أسلم منهم، وأعطا الزكاة، وأطاع الله ورسوله، واجتنب المشركين،
وأعطا من المَغْنَمِ خُمُسَ اللهِ وصَفيّه، وسهم النبيّ وصفيه، فإنه أقَرَّ بأمر
الله ومحمد، ومن خالف أو نكث، فإنّ ذمة الله ومحمد منه بريّة، وأنَّ لهم خُطَطَهُمْ
من الصُّلْصُل، ومنْ يَكْرِب، وَدَاْر، وبـِرْك، وضَمْر، وسُلاسِل، وَفَوْدَة، فكلُّ
إتاوةٍ لهم".
وهذا تعريف بأهم الأعلام البشرية
والجغرافية الواردة في هذا النص مرتبة حسب ورودها فيه:
أولاً: أسماء الأعلام والقبائل والبطون
والأسر
علي بن أبي هاشم: الأقرب
أنه علي بن أبي هاشم – عبيد الله – الطبراخ الليثي البغدادي؛ كان قد سكن البصرة
مدة كان فيها كاتباً لإسماعيل بن عُلَيّة، والبصرة هي بلد عمر بن شبة.
إسماعيل بن إبراهيم: هو إسماعيل بن إبراهيم بن أبي عمرو؛ هكذا ذكره أبو الفرج الأصفهاني
في (مقاتل الطالبيين) ضمن سند رواية يرويها عنه عمر بن شبة مباشرة، وقد يكون هو
إسماعيل بن إبراهيم بن عُليّة البصري المحدث المعروف.
أهل بيت من عبد القيس: هم بلا ريب أهلُ بيت سفيان بن همام الظفري المحاربي الآتية ترجمته،
فمثل هذه الكتب يحرص الناس على توارثها أباً عن جدّ لما فيها من حقوق لهم؛ لكي لا
ينازعهم فيها أحد.
سفيان بن همام: هو سفيان بن همّاْم الظَّفَرِيُّ المُحَاْرِبيُّ العَبْدِيُّ؛ قال
ابن سعد في طبقاته:
"سفيان بن همام من بني ظفر بن ظفر بن محارب
بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس؛ وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وابنه عمرو بن سفيان الذي نزل ابنُ الأشعث منزله حين قدم البصرة ثم خرج إلى الزاوية".[5]
وذكر المحدثون رواية وحيدة لسفيان بن همام
هذا منقولة عن ابنه عمرو، وهي كما في كتاب (الآحاد والمثاني) لأبي عاصم:
"حدَّثنا جَرّاح بن مخلد
القَزَّاز؛ نا رَوْحُ بن جميلٍ؛ أبو محمد القُرِّيُّ الخَوَّاص؛ نا يزيد بن فضل بن
عمرو بن سُفيان المحاربي؛ عن أبيه؛ عن جدّه؛ قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه
وسلم -: انْهَ قومَكَ عن نبيذ الجرِّ، فإنه حرامُ من الله – عزَّ وجلّ – ورسوله
صلى الله عليه وسلم".[6]
وترجم له أصحاب كتب الصحابة كأبي نعيم وابن
عبد البر وابن الأثير وابن حجر، وكلهم عيال على ابن سعد، وأخطأ أبو نعيم عندما
نسبه إلى محارب خصفة من قيس عيلان، والصحيح أنه من محارب عبد القيس، وهم بنو محارب
بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس كما يلاحظ في هذا النصّ لابن شبة
حيث ذكره ضمن الحديث عن وفد عبد القيس، وهو ما أكده ابن سعد في ترجمته له.
وبنو محارب العبديون كان لهم بطنان كبيران؛
هما بنو الحطمة بن محارب - الذين تُنسب لهم الدروع الحطمية – وبنو ظُفَر بن محارب
الذين ينتمي إليهم سفيان بن همام هذا.
وبنو محارب بن عمرو مع بني أخَوَيْهِم الديل بن
عمرو وعجل بن عمرو هم الذين يُطلق عليهم النسابة مُسمّى (العُمُور) في عبد القيس؛
الذين ذكر البكري عن الكلبي أنهم سكنوا "الجوف والعُيون والأحساء حذاء
الدهناء، وخالطوا أهل هجر في دارهم"،[7]
وسنرى عند حديثنا عن المواضع الواردة لهم في هذا الكتاب أنّ هذه المواضع
تقع في الجوف، وهو ما قد يعني أنّ بني ظفر بن
ظفر بن محارب رهط سُفيان بن همّام المذكورين في هذا الكتاب كانت منازلهم في الجوف.
بنو ربيعة: هم بنو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكانوا جُلّ سكّان البحرين
حينها من خلال قبيلة عبد القيس التي كان لها أغلب منازل البحرين ذلك الحين، وقبيلة
بكر التي كانت أكثر قبائل ربيعة في البحرين بعد عبد القيس وبطون قليلة من تغلب وعميرة
بن أسد بن ربيعة، وعنزة وضبيعة، وهم كلهم من ربيعة.
بنو قحطان: ويعني بهم من كان في البحرين من قبائل اليمن، وجلهم كانوا من قبيلة
الأزد التي سكنت بطونٌ منها البحرين قديماً منذ هجرتهم الشهيرة من اليمن.
وقراءة الأستاذ فهيم شلتوت جعلت بني ربيعة
وبني قحطان قبيلةً واحدة، فكتب: "بني ربيعة بن قحطان"، وهو
مستغربٌ منه كمحقق قدير، فلا وجود لقبيلة تدعى: ربيعة بن قحطان، وما يسبق اسم
قحطان في الجملة هو حرف الواو وليس "بن".
وإنما خصَّ الرسول – صلى الله عليه وآله
وسلم – ربيعة وقحطان في كتابه هذا، ولم يذكر مُضر، فذلك لأنّ البحرين حينها كان
المسيطر على مساكنها ربيعة واليمن والفرس، ولم تكن قبائل مضر - ولاسيما قبائل تميم
- قد انتشرت فيها كما سيحدث لاحقاً بعد تاريخ هذا الكتاب بقليل من السنين.
بنو ظفر بن ظفر: وهم بنو ظفر بن ظفر بن محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن
عبد القيس؛ الذين نسب ابنُ سعد سفيان بن همام صاحب هذا الكتاب إليهم، وكان فيهم
البيت من بني ظفر بن محارب حينها، ومن الغريب أنّ الأستاذ فهيم شلتوت قرأ اسمهم:
"زفر بن زفر؟!" كما رأينا في نصّه مع أنّ رسم الجملة واضحٌ وضوحاً
جيداً أنها: "ظفر بن ظفر" اللهم باستثناء تداخل ألِف ظفر الثانية
مع ذيل حرف الميم للفظة: "لهم" المكتوبة أعلاها (يُنظر صورة
النصّ في آخر البحث).
بنو الأحمر: قرأها الأستاذ فهيم شلتوت: "بني الشحر؟!"، وهو
غريبٌ أيضاً، فلا يوجد بطنٌ أو قبيلة أو جذم يُطلق عليهم: "بنو الشحر"،
ولو دقَّق النظر لوجد أنّهم: "بنو الأحمر"، فالألِفُ الثانية
التي بعد لام (ألّ) التعريف من الواضح أنه أصابها طمسٌ قسمها إلى جزءين واضحين؛
كما إنّ حروف (الحاء)، و(الميم)، و(الراء) مكتوبة بوضوح وفق رسم صاحب الخطّ الذي
التزمه في كتابة النصّ (يُنظر صورة النصّ في آخر البحث).
ومن الواضح أنّ المراد بـ(بني الأحمر)
الفُرْس الذين كانوا في البحرين حينها، والذين كان العرب يُسمّونهم بـ(بني
الأحمر)، فقد ذكروا بهذا النعت عند أبي نعيم في الحلية الذي ذكر عن يوسف بن أسباط
أنه قال: "كنتُ بالكوفة أطبع الْلَبِن في بني الأحمر"،[8]
وطَبْع اللبن وما يشابهه من المهن لا يمتهنها العرب في الكوفة حينها، وإنما كان
يقوم بها الموالي من الفُرس، وكانَ يُطلق عليهم أيضاً مسمى: (بني الحمراء)، وهذا الاسم
هو الذي اشتهروا به بعد إسلامهم وهجرتهم مع عبد القيس وأهل هجر إلى العراق؛ وثمة
رواية أخرى تُروى عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول نصّها: "لو
كان الإيمان مُعلّقاً بالثريّا لا تناله العربُ لناله رجالٌ من بني الحمراء"
يعني الفرس.[9]
وقد كان الفُرسُ متواجدين في البحرين، ثم
في واحتي القطيف والأحساء وجزيرة أوال قبل الإسلام، وبعده، وكان الحكمُ إليهم في
البحرين، ومنهم: المكَعْبـِرُ الفارسي صاحب يوم الصّفقة (صفقة المشقر) بهجر، وكان
والي الفرس عليها، ومنهم: مرزبان الزارة عاصمة القطيف الذي قتله الصحابي البراء بن
مالك الأنصاري.
ثم تمَّ إجلاء أهل السلطة منهم بعد معارك
الردّة في البحرين لانضمامهم إلى المرتدين، وأما من أسلم منهم، فقد ظلّوا فيها،
وحالفوا عبد القيس أهل البحرين، وهاجر قسمٌ كبيرٌ منهم مع بطون من هاجر من هذه القبيلة
إلى البصرة والكوفة وقت إنشائهما، ولهذا فإنه عندما قُسمت الكوفة إلى أسباع كان
هؤلاء الحمراء مع عبد القيس وأهل هجر مشتركين في سُبْعٍ واحد.[10]
ثانياً: أسماء المواضع الواردة في هذا
الكتاب وتحديد أماكنها
الصُّلْصُل: هكذا كُتبت عند الأستاذين شلتوت والجاسر وفي قراءتي أيضاً، وهي واضحة
في الأصل المخطوط، ويُحتمل أنّها الصُّلاصل، ولكنّ الكُتّابُ القدماء عادة ما
يحذفون الألِف الوُسْطى من بعض الأسماء؛ مثل: (رحمان - سُفيان – حارث – عثمان)،
فهي تُكتب: (رحمن - سُفين – حرث – عثمن)، وقد رأينا اسم سُفيان بن همام صاحب هذا
الكتاب كُتب: "سُفين بن همّام"، وهو ما يجعلني أتفق مع الأستاذ الجاسر في أنّ
الصُّلصُل هذه هي الصُّلاصِل، وقد ورد هذا
الاسمُ بهذا الرسم، وبـ(ألّ) التعريف في شعر تليد العبشمي من بني سعد بن زيد مناة
بن تميم، وهو قوله في حربٍ وقعت بين قومه وبين بطون من عبد القيس في الجوف من
البحرين في أول نزولهم عليها وأخذهم لها من عبد القيس، فقال تليد:[11]
شفينا الغليلَ
من سُمَيْرٍ وجَعْوَنٍ
وأفـلتنا
ربُّ الصُّـلاصِـلِ عَـــامِرُ
وأيْقَنَ أنَّ
الخيلَ إنْ يَعْلقُوْا بــــهِ
يَكُنْ
لِفَسِيْلِ الجَــوْفِ بَعْـدَهُ آبـــِرُ
وقال ياقوت في رسمه من معجمه البلداني:
"قال أبو محمد الأسود: هو بضمّ
الصاد؛ عن أبي الندى؛ قاله في شرح قول تليد العبشمي:
شفينا الغليل من سُميرٍ وجعونٍ
وأفلتنا ربُّ الصُّـلاصِـل عـامـــرُ
قال: هو ماءٌ لعامر في وادٍ يُقال له الجوف
به نخيلٌ كثيرة، ومزارع جمّة، وقال نصر: هو ماءٌ لبني عامر بن جذيمة من عبد القيس؛
قال: وذكر أنّ رهطاً من عبد القيس وفدوا على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –
فتحاكموا إليه في هذا الماء؛ أعني الصُّلاصِل، فأنشده بعض القوم قول تليد العبشمي
هذا، فقضى بالماء لولد عامر هذا".
ولا تزال صُلاصُل هذه قائمة حتى الآن،
وتُعرفُ بالاسم ذاته جنوبي غربيّ القطيف بثلاثة وأربعين ميلاً، وشمالي واحة
العُيون من الأحساء بتسعة وعشرين ميلاً، وهي تقع في وادي الجوف بالفعل كما قال
الأسود الغندجاني، وجُلُّ البلدات المذكورة بعدها في هذا الكتاب النبوي هي في هذا
الجوف، ولا زال معظمها قائماً ومعروفاً كما سنرى (انظر الخارطة المرفقة).
يَكْرِبْ: قرأها الأستاذان شلتوت والجاسر: الأكرم، وهو اسمٌ غريب، ولكن ببعض
التمعّن في الاسم، فإنه يمكن أن نقرأه: يكرم، وهو أيضاً اسمٌ غريب إلا أنه يشابه
كثيراً اسم: يكرب، وهو موضع ماءٍ ونخل قديم في الجوف لا زال قائماً حتى الآن؛ بل
أصبح بلدة عامرة مثله مثل صُلاصل، ونظراً لأنّ هذه النسخة الوحيدة من كتاب (تاريخ
المدينة)، فلا أستبعد أنها يكرب، وأن ما ظنه الأستاذان حرف (م) بعد الراء إنما هو
ما تبقى من حرف الباء، وحتى لو كان حرف (م)، فمن الجائز أنه تحرَّف عن حرف الباء،
وبالتالي تحرَّف الاسم من يكرب إلى يكرم.
وتقع يكرب جنوبي صُلاصل المتقدمة بسبعة
أميال (انظر الخارطة المرفقة).
دار: في النسخة المصوّرة لدي يبدو واضحاً فقط حرف العطف (و)، والحرف الأول
(د)، ثم ما يبدو أنه حرف (ر) في آخر الاسم؛ أي بهذه الصورة: "من الصلصل،
ويكرب، ود..ر"، ولكن اتفاق الأستاذين الجاسر وشلتوت على قراءة هذا الاسم:
"دار"، ولاسيما الأستاذ الجاسر الخبير بمواضع الجزيرة العربية، والذي
اطلع على النسخة الأصل الوحيدة لتاريخ المدينة في مكتبة رباط آل مظهر، وليس مصورة
عنها كما هو حال الأستاذ شلتوت وحالي يجعلني أركن إلى صحة قراءة الاسم:
"دار".
ودار هذه من قُرى الجوف التي كان لها شُهرة
كبيرة لدى شعراء العرب، وقد ذكروها كثيراً في أشعارهم، وأسهب الأستاذ الجاسر في
ذكر جزء من ذلك،[12]
وقد كان في دار هذه عين ماءٍ معروفة مثلها مثل بقية قرى الجوف الأخرى التي كانت
موضع صراع دائم بين القبائل لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، وكانت بعض قبائل البادية
الحديثة مثل العجمان وبني هاجر تقصدها لسقي إبلها ومواشيها في بداية نزولها في
المنطقة، فكانوا يقولون: قصدنا (عين دار)، وسقينا من (عين دار)، فأصبح هذا الاسم
المركّب هو المألوف في الاستخدام عن الاسم القديم المجرّد (دار).
ودار أو عين دار الآن بلدتان: البلدة
القديمة، وهي المعنية بحديثي هنا، والثانية هي مدينة حديثة تم إنشاؤها بعد اكتشاف
حقل نفط كبير بقرب عين دار القديمة، وتبعد البلدة الحديثة عن البلدة القديمة
بثلاثة أميال للجنوب الشرقي منها، وكلا البلدتين تقعان في الجوف.
بـِرْكْ: قرأها الأستاذان الجاسر وشلتوت: "رك"، والغريب أنّ
الأستاذ شلتوت عندما رجع إلى المعاجم التي ألفتْ في البُلدان، ولم يجد اسم
(رك) فيها التقط أقرب الأسماء إليه، وكتب مهمِّشاً على هذا الاسم بقوله:
"الورك: رملة قيل في غربي اليمامة.
(مراصد الاطلاع 3: 1434)"، وفرقٌ بين (ورك) و(رك).
وأما أنا فأرى أنّ الصحيح في لفظ هذا الاسم
هو: "بـِرْك"، فحرف الباء كتب مع حرف الراء بخط رفيع جداً أشبه ما
يكون بما يُسمَّى بـ(الخط الدجاجي) الذي برز في عصر سيطرة الدولة العثمانية على
الحجاز، ويبدو أنّ كاتب هذه النسخة كان متأثراً به.
وَبـِرْكُ: موضع قديم في منطقة البحرين؛
ذُكر في أكثر من مصدر؛ منها (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع) للبكري
الذي قال في رسمه:
"بـِرْك – بكسر أوله، وإسكان
ثانيه؛ على وزن فِعْل: وهو في أقاصي هَجَر إلا أنه منضافٌ إليها. هو بـِرْكُ
الغِماد الذي ورد في الحديث".
وأرى أنّ هذا الكلام فيه اضطراب وخلل واضح،
ولعلّ ذلك حصل من زيادة وقعت في هذا النصّ في النسخة التي طُبع هذا الكتاب عليها،
فهو قد تحدث عن بـِرْك الذي قال عنه إنه "في أقاصي هجر"، ثم قال
بعدها مباشرة: "إلا أنه منضافٌ أليها"، والضمير في "إليها"
يوحي من السياق وقواعد اللغة العربية أنه يعود إلى (هجر)، ومراده من جملة "في
أقاصي هجر إلا أنه منضافٌ أليها" أنّ بـِرْكاً هذا يقع خارج واحة هجر،
ومع ذلك، فهو يُضاف إلى هجر، ولكننا نُفاجأ بعد جملة "منضاف إليها"
بقوله: "هو بـِرْك الغِماد الذي ورد في الحديث"، وهي جملة فيها
اضطرابٌ واضح إذا ما رُبطت بما قبلها؛ إلا أنه في نسختين من النسخ التي رجع إليها
المحقق في إخراجه لهذا الكتاب؛ رمز لهما بالحرفين: (ج)، و(س) وردت جملة: "هو
برك الغماد" فيهما بصيغة: "وهي برك الغماد" بوجود واو
العطف، وأرى أنّ لفظة (هو) و(هي) في الجملتين مقحمة، وأنّ صحة
الجملة: "وبـِرْكُ الغِماد" فقط بدون لفظة "هو"، أو "هي"، وبالتالي أرى أنّ صحة كلام
البكري السابق هو كالتالي بعد حذف لفظة "هو" المقحمة:
"برك – بكسر أوله، وإسكان
ثانيه؛ على وزن فِعْل: وهو في أقاصي هَجَر إلا أنه منضافٌ إليها، وبـِرْكُ الغِماد
الذي ورد في الحديث .. الخ"
أي أنه فرَّقَ بين الموضعين، ولم يجعلهما
موضعاً واحداً، وأرى أنّ برك الوارد في كتاب سفيان بن همام هو برك هذا الذي قال
عنه البكري إنه يقع في أقاصي هجر، فإذا كان يقع في الجوف، فهو في أقاصي هجر بالفعل،
ولكنه يُضاف إليها لأنّ الجوف كله يضاف إلى هجر.
وقد ذكر نصر الإسكندري في كتابه (الأمكنة
والمياه) أربعة مواضع كلها اسمها (برك)، وهي: (بـِرْكُ الغِماد – بـِرْك نَعَام – بـِرْك
تِرياع – بـِرْك النَّخْل).[13]
وقد لفت نظري الأخير منها، وهو (برك النخل) لأنه يوجد في الجوف واحة نخلٍ قديمة اسمها (نخل)، وفيها عين تُعرف بـ(عين النخل)،
وبه تُعرف الآن تماماً كحال دار التي تُعرف الآن بـ(عين دار) نسبة إلى عينها هي
أيضاً، وتقع (عين النخل) جنوبي غربي بقيق بأربعة أميال، بين الكدادية شمالاً
والدغيمية جنوباً، ومن يدري فلعل (واحة النخل) هذه كان بقربها موضع اسمه برك، وكان
يضاف إليها، فيقال: برك النخل، وهو هذا الذي ذكره نصر، وعليه يكون هو برك المذكور
في كتاب الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لسفيان بن همام المحاربي العبدي.
وأودُّ أن أشير هنا إلى خطأ وقعتُ فيه في
تحقيقي لـ(شرح ديوان ابن المقرب) عند قوله:
وقد جعَـلَـت نخـلين خـلفاً ويـمـمـــــت
قرى
الشام أو أرضَ العِراق نجـوعُها
وعلّق شارح شعره على هذا البيت بقوله:
"نخلين قرية من قرى الأحساء"، وفي نسخ أخرى: "من سواد
الأحساء"، فقلتُ معلقاً على ذلك بكلامٍ طويل جاء في آخره:
"ويمكن القول وفق ذلك إنّ نخلين هذه هي
من القرى التي تقع شمال واحة الأحساء، وفي تلك الجهة توجد قرى عديدة وواحات معروفة
تقع ضمن ما يُسمى بوادي الجوف الذي كان مشهوراً بكثرة مياهه ونخيله، ولعلّ (نخلين)
هي إحدى قراه؛ إن لم تكن هي الواحة المعروفة فيه باسم الدّغيمية الواقعة شمال واحة
العُيون لأنّ العين التي تسقي نخيل هذه الواحة تسمّى (عين نخل) (انظر الجاسر:
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية؛ رسم "عين نخل")، وهي معروفة
بذلك حتى اليوم، فلعلها هي نخلين الواردة في شعر ابن المقرَّب، ويقوي ذلك وقوعها
على الطريق القديم المؤدي إلى شمال شبه الجزيرة العربية".[14]
إلا أنني لم ألتفت إلى قول الشارح بأنّ
نخلين من قرى الأحساء، أو سواد الأحساء وفق بعض النسخ، وبالتالي لا ينبغي لها أن
تكون خارج هذا النطاق، والجوف لم يكن يُعد من سواد الأحساء في زمن ابن المقرَّب،
فنخلين ينبغي أن تكون خارج نطاق الجوف؛ كما إنني أخطأت أيضاً عندما قلتُ في النصّ
أعلاه بأنّ نخلين هي الدغيمية التي تسقيها عين النخل، وكنت قد أخذت ذلك عن الأستاذ
الجاسر كما هو مشار إليه في النص، ولكن اتضح لي أنّ عين النخل هي واحة أخرى تقع
شمال الدغيمية، فيرجى التصحيح.
ضَمْرْ: قرأها الأستاذ شلتوت: صَمْعَر!!، وأغرب عندما قال في التعريف عنها في
الهامش:
"صَمْعَر – بالفتح ثم السكون
والعين المهملة المفتوحة، وآخره راء -: موضع في ديار الحارث بن كعب؟! (مراصد
الاطلاع 2: 852)".
وشتان بين الاسمين والموضعين والقبيلتين، فاللفظة
تتكون من ثلاثة حروف فقط لا غير؛ قرأها الأستاذ الجاسر: "حمر"،
وهو أقرب لرسمها بيد أنني أرى أنها "ضَمْر" بالضاد المفتوحة،
فالميم الساكنة، فراءٌ مهملة، ورسمها جيّد الوضوح، وحرف الضاد فوقه نقطة على الرغم
من عدم اعتناء الناسخ بالنقط.
وضَمْر: موضع له ذكر في شعر العَجاج وشرحه،
والعَجَّاج من سكان منطقة البحرين، وربما يكون شعره هو ثاني أقدم مصدر يُذكر فيه
موضع ضَمْرٍ بعد هذا الكتاب النبوي، وما جاء في كتب معاجم البلدان عنها، فإنما هو
منقول عن شرح شعر العجّاج للأصمعي، ففي المطبوع من ديوانه برواية الأصمعي وشرحه
جاء فيه ذكر تقليدٍ كثيراً ما ذكره الشعراء الأقدمون بصورة متكررة كالأعشى، ولبيد،
وغيرهما، وهو وصف حال فحل بقر وحشي يرعى مع أتانٍ له في الصَّمان وقت الربيع؛ حتى
إذا جاء الصيف، وصوّحت مروج الصمان وفياضه وجفَّ ماؤهما السطحي، فإنّ هذا الفحل
يسوق أتانه من الصُّمّان إلى عيون ماءٍ فوّارة لا تنضب تقع شرقي الصُّمّان في
السودة والستار والجوف وأطراف واحات الأحساء والعُيون والقطيف وعينين التي تكون
خالية من البشر أو يكون ورود البشر إليها نادراً جداً، فتشرب من مياه تلك العُيون
وتأكل مما ينبت على مجاري مياهها، وفي هذا الصدد يقول العجاج عن هذا الفحل وأتانه:
جَأبَاً ترىْ تَلِيْلَهُ مُــسَــــــــــحَّـجَا
كأنَّ فيْ فِيْهِ إذا مَا شحَــــــــــجَا[15]
عُوْدَاً دُوَيْنَ الْلَهَوَاْتِ مُوْلَــــــجَا
رَعَى بهَا مَرْجَ رَبيْعٍ
مُمْرَجَــــــا[16]
حيثُ اسْتَهلَّ المُزْنُ أو تبعَّـــــجَا
حتىْ
إذا مَا الصَّيْفُ كانَ أمَّجَــــا[17]
وفَرَغَا مِنْ رَعْي مَا تلَزَّجَـــــــــا
ورَهِبَا
مِنْ حَنْذِهِ أنْ يَهْـــــــــرُجَا[18]
تذكّرا عَيْنَاً رُوَىً وَفَلَــــــــــــــجَا
فَرَاحَ يحْدُوْهَا ورَاحَتْ نَيْرَجَــــــا[19]
سَفْوَاءَ مِرْخَاءَ تُبَارِيْ مِغلَــــــجَا
كأنَّمَا يَسْتضْرمانِ العَرْفَــــــــــجَا[20]
فَوْقَ الجَلاْذيّ إذا مَا أمْـجَـجَــــــا
وأهمَجَتْ
مُرقدَّةً وأهمَــــــــــــجَا[21]
شدَّاً يُشظِّيْ الجَنْدَلَ المحَدْرَجــــا
وضَمَّنا الصَّوْتَ إذا مَا
حَشْــرَجا[22]
شوَاْرِبَاً وكَلكلاً مُنفَّــــــــــــــجَــا
لَيْلَهُمَا لا يَرْهَبَاْنِ
عَـــــــــــوَجَــا[23]
فيْ طُرُقٍ تَعْلُوْ خَليْفاً مَنْهَـــــــجَا
مِنْ
(خَلِّ ضَمْرٍ) حِيْنَ هَاْبَاْ وَدَجَا
وقال الأصمعي في شرح البيت الأخير:
"الخَلِيْف: الطّريق خلف الجبل،
والمنْهَج: الواضح البيّن – ويُروى "منْ جَرِّ ضَمْر"، والجَرُّ: أصل
الجبل حيث يَغلظ – وضَمْرُ: موضع، والخَلُّ: الطريق في الرَّمل .. يريد طريقاً في
رملٍ نافذاً، وضَمْرُ: مكان، وَوَدَج: اسمُ طريق، وهذا في شقِّ بني تميم،
وهَاْبَا: فَرِقا، وإنما هيبتهما إياه أنهما خشيا أن يكون فيه صائدٌ أو رَصَد".[24]
هذا ما قاله الأصمعي، ويُفهم منه أنّ ضَمْر
هذا موضعٌ في شقِّ بني تميم كان به عين ماءٍ، وشقُّ بني تميم شقٌّ واسع عظيم،
ولكنّ نصر الإسكندري ضيّقَ لنا من هذا الشقّ قليلاً عندما قال في كتابه عن الأمكنة
والمياه؛ في باب (ضُمْر وضَمْر):
"وأما بفتح الضَّاد: طريقٌ في جبل
من بلاد بني سعد من تميم".[25]
وهذا يعني حصره في بلاد بني سعد بن زيد
مناة بن تميم، ويقوّيه أنّ العجاج من بني سعد، ومع ذلك يبقى الشق واسعاً، فبنو سعد
هؤلاء هم أصحاب المثل الشهير: (في كلِّ وادٍ بنو سعد)، ولكن يمكن القول إنّ
بني سعد في زمن العجاج كان جُلُّهم في البحرين، وكان لهم من باديتها نصيب الأسد.
وعلَّق الأستاذ الجاسر في تحقيقه لقول نصر،
فقال بعد أن ذكر شرح الأصمعي لشعر العجاج المتقدم:
"ويُفهم منه أنه في رمال الدهناء،
وهي من بلاد بني تميم".[26]
ولكنّ الأستاذ الجاسر نسي – على ما يبدو –
ما قاله نصر من أنه في بلاد بني سعد من تميم خاصّة؛ كما نسي ما قاله نصر من أنّ ضمر طريق في جبل، والدهناء لا جبال فيها؛ كما إنّ وروده في شعر العجاج
شاعر بني سعد في البحرين يقوي أنْ يكون هذا الموضع في البحرين، ثم في أراضي السودة
بتحديدها القديم، والتي كانت منها الجوف والستارين، والقصيبة بلد العجاج وولده، وعليه فإنّ قول
الأستاذ الجاسر أنه يُفهم من النص أنّ ضمْر هذه في رمال الدهناء لا دليل عليه؛ بل
الدليل على الضدّ، فهذا الكتاب الذي ذكر فيه ضمر كتبه الرسول – صلى الله عليه وآله
وسلم – لسفيان بن همّام من بني محارب من عبد القيس، وبنو محارب هؤلاء كانت منازلهم
في هجر والأحساء والجوف والعُيون كما في النصّ المتقدم الذي نقله البكري عن هشام
الكلبي في افتراق قبائل معد، ولا يُعرف لبني محارب هؤلاء منازل في الدهناء، ولا في
غير هذه المناطق الأربع من الجزيرة العربية، وبالتالي فضمر الذي ورد في هذا الكتاب
لا ينبغي أن يخرج عن هذه المناطق الأربع، وأرى أنه في الجوف أسوةً بالمواضع الأخرى
التي ذُكرت معه، ودليلي على ذلك هو بيتُ شعرٍ ذكره الزمخشري في في كتابه (الجبال
والأمكنة والمياه)، وهو قوله:
"وَاْلِغْ: جَبَلٌ بين الأحساء و
اليمامة؛ سُمّيَ بذالك لأنه مائل نحو هَجَر فكأنه والغ في مائها؛ قال:
وكائِنْ تَرَىْ[27]
بين العُذيْبِ وَوَاْلِغٍ
وَأحْــــسَاْءِ
ضَمْرٍ مِنْ فَتَىً غيرَ جَــاْنِبِ".
فالعُذيْب في هذا الشعر هو غير عُذيْب
الكوفة بطبيعة الحال؛ بل هو مورد ماءٍ في واحة العُيون من الأحساء؛ ذُكر في بعض نسخ ديوان ابن
المقرب؛ منها نسخة المكتبة الوطنية بطهران، والطبعة الهندية وذلك في قوله:[28]
ألا ليت شــعري هـل أبـيتنَّ لـــيلةً
بحيث
التقى سقط اللوى والأبارقُ
وهل أرينّ العِيْسَ تهوي رقابـــها
بنا
حيث أنقاء العُيون الشواهـــقُ
وهل أرِدَنْ ماء العُــذيْب غـــــديّة
وقد
ملَّ حادينا وضلَّ الغـــــرانــقُ
وأما
والغ، فهو جبل في البحرين سبق وذكرته في أول بحثي هذا، والسبب في تسميته بهذا
الاسم هو أنه يشرف على هجر، فكأنه يلغ في مياهها كما نقل ياقوت عن الحفصي في رسم [ والغ ]، والزمخشري في رسمه أيضاً من كتابه عن الأمكنة، والقول بأنه يلغ في مياه هجر التي هي الآن (واحة الأحساء) يعني قربه الشديد منها، ويُستفاد ذلك أيضاً من قَرْنَهُ مع العُذيب المورد الذي في واحة العُيون من الأحساء كما في البيت الذي ذكره الزمخشري في رسمه، ويتأكد لنا ذلك أيضاً مما قاله الحفصي اليمامي في ذات الرسم عند ياقوت، والصغاني في رسم [ والغ ] من كتابه العُباب الزاخر واللفظ للأخير:
:والغ: جبل بين الأحساء واليمامة؛ قال"
إذا
قطعنا والغـاً والسَّـبْسَــبَا
ذكرتُ
من ربعة قيلاً مرحـبا
وخبز
برٍّ عندها ومـشــــربا
ووالغون:
وادٍ؛ قال ابن عباد: جُبَيلٌ بين الأحساء واليمامة، ولعلّه الذي ذُكر - يعني والغاً
الذي قبله - جُمِعَ بما حوله؛ قال الأغلب العجلي:
نحن
منعنا جوف والغينا
وقـد
تـدلّى عـنباً وتــــينا"
وقوله
عن والغ إنه جبل أو جُبيل بين الأحساء واليمامة؛ ربما تكون لفظة اليمامة فيه تحريف متداول بين
اللغويين والبلدانيين عن اليهماء التي ذكرها ياقوت في رسم [ والغ ] من معجمه نقلاً
عن الحفصي - وهو عالمٌ من اليمامة خبير بالأماكن - في قوله عن والغ إنه "فلاةٌ بين هجر
واليهماء"، وأرى أنّ اليهماء تحرّفت إلى اليمامة، وليس العكس كما قال الأستاذ
الجاسر في رسم [ والغ ]، واليهماء تعني الأرض التي لا أثر فيها ولا طريق ولا عَلَم.
وربعة المذكورة في البيت الثاني من القطعة التي ذُكر فيها
والغ والسبسب هي امرأة تعمل في حانة كانت بالأحساء كما ذكر ياقوت في رسم [ والغ ]
عن الحفصي أيضاً، وهذا يعني أنّ هذا الشاعر كان مسافراً من هجر التي هي الأحساء الآن، وبعد
أن اجتاز في طريقه والغاً وسبسباً تذكَّرَ ربعة صاحبة الحانة وذكر خبز البر
والشراب الطيب الذي كان يتناوله عندها، وهذا يعني أنّ والغ يقع بين هجر (الأحساء)،
وسبسب هذا لا زال معروفاً حتى الآن، وهو جوٌّ واسع، يدعى: جو سبسب، يقع في الستار
(وادي المياه الآن) شمالي غربي عريعرة بخمسة وثلاثين ميلاً، ويقطعه الطريق القديم
للمسافرين من الأحساء والجوف إلى العراق والشام، وواضح من البيت أنه يقع بعد جبل
والغ للمسافر من الأحساء، فيبدو أنّ جوّ السبسب هذا هو اليهماء المذكورة في نصّ الحفصي
اليمامي، وأن اسمه كان في الزمن القديم (يهماء سبسب)، ثم أصبح يُسمّى (جوّ
سبسب).
وهو ما
يجعلني أرجّح أنّ جبل والغ وفلاة والغ ووادي والغ – وكلٌّ قد ورد برسمه – هو
الموضع المعروف الآن بـ(بهضبة شدقم)، و(نعلة شدقم)، والفلاة الفاصلة بينه وبين الجوف، فهذه الهضبة تشبه الجبل الضخم المرتفع من الجهة الشمالية والشرقية، وفي جهاتها الشرقية أكثر من وادي لانحدارها من هذه الجهة، وطريقا الجودي - الذي يُسمّى العُرعُري نسبة إلى عُريعرة أيضاَ - والجوف القديمان يمرّانِ بها الأول يخترقها صاعداً - فهو إذاً الذي قال عنه نصر في التعريف بضمر أنه: "طريق في جبل" - فلا يوجد طريقٌ آخر في الأحساء يمرُّ عبر جبل سوى طريق الجودي هذا الذي يمرُّ عبر هضبة شدقم العالية.
والطريق الثاني يمرُّ بمحاذاة جانب هذه الهضبة الشمالي متجهاً إلى الجوف، وهذه الهضبة ينطبق عليها ما ورد في النصّين القديمين للحفصي والزمخشري في تعريف والغ أنه يقع قرب هجر (الأحساء) كالوالغ في مياهها؛ فيما بينها وبين جوّ
سَبْسب – أو يهماء سبسب كما رجّحت – وبالقرب من ماء العُذيب الذي وإن لم يعد يُعرف
بهذا الاسم الآن إلا أنّ موضعه يقع في واحة العُيون كما يُفهم من شعر ابن المقرَّب، فهو يقع للشرق من نعلة
شدقم أو والغ.
وعوداً
على بدء - بعد هذا الاستطراد - إلى بيت الشعر الذي رواه الزمخشري وفيه أحساء ضمر،
وهو قوله:
وكائِنْ
تَرَىْ بين العُــذيْبِ وَوَاْلِــــغٍ
وَأحْسَاْءِ
ضَمْرٍ مِنْ فَتَىً غيرَ جَاْنِب
فإنه يمكنني أن أجزم الآن بأنّ
أحساء ضمر تقع شمالي غربي والغ الذي قلتُ إنه (هضبة شدقم)، وهي الفلاة التي تفصل بينه وبين الجوف، ثم تمتد إلى بطن غرّ حيث عريعرة وجودة، وهذا يعني أنّ هذه الأحساء وضَمْرُ
المنسوبة هذه الأحساء إليها يقعان في منطقة الجوف بالفعل إلا أنني لا أستطيع أن
أحدد موقعها منه لعدم كفاية الأدلة، ولكنها ينبغي أن تكون في أول الجوف من الغرب
لأنّ فحل العجاج وأتانه اللذين شرحتُ شعره فيهما قد عرفنا أنهما كانا يرعيان معاً في
مرْج خصبٍ بعد ربيعٍ مغدق في إحدى رياض الصَّمّان، وظلا يرعيان في ذلك المرج طيلة أيام الربيع حتّى إذا جاء
الصَّيف واشتدّ حرُّه، ورعيا كل نبات رطب في ذلك المرج، وخافا أنْ يصيبهما العطش من شدة الحرّ تذكّرا حينها عيناً ذات رواءٍ عذبٍ ونهرٍ صغير، فراح هذا
الفحل يسوق تلك الأتان سوقاً عنيفا إلى
تلك العين بحيث إنّ سيرهما كان يفتت حصى الجندل الذي كانا يسيران عليه من شدّته،
وكان سيرهما أولاً فوق جَلاذي أي أماكن صلبة - وهذه إشارة إلى طرق الصّمّان - وظلا
يسيران على هذه الأماكن طيلة الليل سيراً عنيفاً عبر طريق واضح (منهج) خلف جبل في
خَلٍّ من الرمل يُعرف بـ(خَلّ ضمر) أي منسوب إلى هذا الموضع، والخَلُّ هو طريقٌ
نافذ في الرمل، وهذا كناية عن أنهما تجاوزا الصّمّان، وصارا في أراضي الستارين، وعلى التحديد الستار الأغر (بطن غر) حيث رمال الحبل من البيضاء المتصلة بينه وبين الجوف آخذين على طريق خَلّ ضمْر إلى تلك العين التي أرى أنها هي عين ضَمْر في
الجوف،
ومن هذا السرد والمقارنة يبدو لي أنّ عين ضمر هي ما يُعرف الآن باسم (عين الملح) الواقعة غربي دار القديمة بعشرة أميال فقط في مكان برّي تحيط به رمال الحبل من البيضاء.
ولا إشكال من كون ضمر في بلاد
بني سعد من تميم كما ذُكر في بعض المصادر البلدانية، وبين ما يُفهم مما ورد في كتاب النبي لسفيان بن همام بأنّها كانت لعبد
القيس وبكر بن وائل في أول صدر الإسلام، فهو كان لعبد القيس وبكر أولاً ثم غلبهم عليه بنو تميم بعد برهة قصيرة من الزمن كما سنرى شرحه في آخر البحث، ولهذا نجد لغذة
الأصفهاني – توفي عام 311 للهجرة – يقول في كتابه (بلاد العرب)، وهو يعدد ديار
بني سعد من تميم:
"وأما سعد بن زيد مناة، فأقصاها
يبرين .. ثم هم متصلون إلى الأحساء، والأحساء من هجر على ميلين؛ ينزلها أخلاطهم،
وبها سيّدُهم، وعاملهم إبراهيم بن موسى، فإذا خرجت من الأحساء أتيت الأجواف، وهي
قرى ومياه، ثم تصير إلى بطن غرّ، وهو بطنٌ فيه مياه وقرى وعُيون .. ثم تخرج من بطن
غرّ، فتقع في السّتار، وفيه لهم أكثر من مائة قرية لأفناء سعد".[29]
فواضح أنّ الجوف التي ذكرها باسم "الأجواف"، وحددها في موضع الجوف الحالي تماماً كانت من منازل بني سعد، ولهذا فإننا عندما نقول بأنّ ضَمْر التي ذكرها العجاج هي من
الأجواف، فهو صحيح، فهي في ديار قومه، وليست ببعيدة جداً عن موضع سكناه في
البحرين، والذي هو القصيبة (قُصيْبة العجاج وولده)، والتي أرى أنها النعيرية الآن، وذلك بحثٌ آخر.
سُلاْسِل: قرأه الأستاذ شلتوت: "سُلَّان"، وقال في التعريف بها
في الهامش: "السُّلّان: من أرض تهامة مما يلي اليمن؛ وفيه وادٍ فيه حلفاء
وماء (مراصد الاطلاع: 2: 726)" وهذا سُلّان آخر غير الذي نحنُ بصدده، وأما
الأستاذ الجاسر، فقد قرأه: "سُلاس"؛ في حين أقرؤها أنا: "سُلاسل"، وقبل أن أذكر مسوغاتي في ذلك؛ أقول: إنّني أجد كل العذر للأستاذين الجاسر وشلتوت، فهذا الاسم لا يُقرأ منه بوضوح سوى الحروف الثلاثة الأولى، وهي "سلا"، وأما باقي حروفه، فقد طمست،
ولم يبق منها - في النسخة المصورة التي لدي على الأقل - سوى الجزء الأخير من الحرف الأخير منه، وبالتالي لا يُعرف إنْ كان
هذا الاسم ثلاثياً أو رباعياً، وفي كلي الحالتين، فإنّ تقديم قراءة دقيقة له من
الصعوبة بمكان، والاسم سلّاس الذي اختاره الأستاذ الجاسر
هو اسمٌ غريب، وأفضل ما فيه أنه تمكّن من قراءة الحرف الرابع لأنه قرأه عن نسخة الأصل؛ في حين إنّ الاسم سُلّان الذي اختاره الأستاذ شلتوت هو اسمٌ مألوف في الجزيرة العربية التي
يُعرف فيها موضعان يُسمّيان بـ(السُّلّان)؛ الأول: يقع قرب جبل خزاز، وهو الذي كان
به وقعة شهيرة بين ربيعة ومضر وبين بعض قبائل اليمن، وهو لا يعنينا في هذا البحث،
والثاني: يقع في إقليم البحرين، وهذا السُّلّان أرى أنه هو المعني في بيت شعرٍ نُسب
لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وللنجاشي الحارثي، وهو:
لمن الديار بروضة السُّلّانِ
فالرقمتين فجانب الصّــمان
والرقمتان فيضتان على ضفتي وادي الباطن عند
اقترابه من الدهناء في المنطقة الواقعة بين حفر الباطن وأم عشر، وأما الصمان: فهو المنطقة
المعروفة في إقليم البحرين، وعلى ذلك تكون روضة السُّلّان المذكورة معهما في البيت قريبةً
منهما، والسلان هذا هو المراد في شعر جرير يخاطب حبيبته:
كيف التلاقي ولا بالقيظ محـضركــم
منّا
قريبٌ، ولا مبداكِ مــــــــــــبدانا
نهوى ثرى العِرْقِ إذْ لم نلقَ بعدكمُ
كالعِرْقِ عرْقاً ولا
السُّلّان سُــــــلّانا
وعَقَّبَ الزبيدي في مادة [ ع ر ق ] من
التاج على البيت الثاني بقوله:
"السُّلّان: وادٍ لبني عمرو بن
تميم، والعِرقان: موضعان بالبصرة، وهما عِرْق ناهق، وعِرْقُ ثادق".
وكرر قوله عن السُّلّان أنه وادٍ لبني عمرو
بن تميم في مادة [ س ل ل ] أيضاً، وهو في القاموس كذلك، وجلُّ ديار بني عمرو بن
تميم كانت في البحرين، ثم في الصمان والشاجنة منها.
والعِرْقُ الذي ذكره جريرُ مقروناً
بالسُّلّان في بيته هذا هو ذاته العِرْق الوارد في شعر الفرزدق الذي يقول فيه:
قد كان بالعِرْقِ صَيْدٌ لو قنعتَ بهِ
فيهِ
غِنَىً لك عن دُرَّاجة الحــــكم
فقد جاء في مقدمة هذا الشعر من ديوانه
قوله:
"كان الحكم بن يزيد الأسَيّدِيّ – أسَيّد بن
عمرو بن تميم – بموضع قريبٍ من البصرة؛ يُسمّى العِرْق، ومعه عامل كان له على
سفوان .. الخ"
فَقَرْنُ جريرٍ له مع السُّلّان، وقول
الزبيدي عن السُّلّان إنه لبني عمرو بن تميم، وما جاء في مقدمة شعر الفرزدق من أنّ
الحكم بن يزيد الأسيّدي من عمرو بن تميم كان بالعِرْق؛ كلُّ ذلك يدل على قرب
السُّلّان من العِرق لكونهما جميعاً من بلاد بني تميم، ويقوّي ذلك أيضاً ما ورد في
كتاب العين عن ذات السلاسل، وهو قوله:
"وذات السلاسل: أرضٌ من أرض
الشام!؛ غزاها عمرو بن العاص على عهد النبي – صلى الله عليه وآله وسلَّم".
إلا أنّ محققي الكتاب كتبا في الهامش تعليقاً
على هذا الكلام هذا نصُّه:
"جاء بعد عبارة الدعاء؛ قال
الأصمعيُّ: من أرضِ السُّلّان".[31]
وعبارة الدعاء يعنيان بها الصلاة على النبي
– صلى الله عليه وآله وسلم – ومعنى هذا هو أنّ أحد من اطلع على النسخة التي
اعتمدها هذان المحققان في إخراج كتاب العين رأى فيها خللاً، فكتبَ هذه المعلومة عن
الأصمعي بعد انتهاء جملة صاحب كتاب العين كأنه يصحح المعلومة الواردة في الأصل،
وهي قوله عن ذات السلاسل إنها "من أرض الشام"، فذكر ما قاله
الأصمعي من أنها "من أرض السُّلّان"، والواقع هو أنّ ثمّة لبس
هنا وقع بسبب وجود غزوة ومعركة تُدعى كلُّ واحدة منهما بـ(ذات السلاسل)؛ أولاهما
الغزوة التي كانت بقيادة عمرو بن العاص،ولكنه لم يبلغ الشام حتى يُقال إنّها كانت
بأرض الشام كما في النصّ الأول، والثانية - وهي الأشهر – المعركة التي حدثت قرب
كاظمة بين جيش الفرس وبين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وهذه هي المعنية في نصّ
الأصمعي، وقد رأينا قوله فيه إنها كانت من أرض السُّلّان، وبما أنّ هذه المعركة
كانت بالقرب من كاظمة كما هو المشهور تاريخياً، فالسُّلّان المذكورة إذاً تكون في
البحرين لأنّ كاظمة كذلك، وهو أيضاً يؤكده نصٌّ صريحٌ للبكري قال فيه:
"السُّلّان – بضمّ أوله وتشديد
ثانيه على وزن فعلان –: موضع بين البصرة واليمامة".[32]
ولكنني أرى أنّ هذا السُلّان لا يمكن أن يكون هو الموضع الوارد في
كتاب النبي – صلى الله عليه وآله – لسفيان بن همام المحاربي العبدي فيما لو صحّت قراءة الأستاذ شلتوت له، وأنه عندها يجب أن يكون موضعاً آخر اسمه السُّلّان
أيضاً، فهذا السّلّان الوارد في هذه النصوص يقع قرب كاظمة والبصرة، وذاك ينبغي أن يكون
في الجوف أو في واحتي الأحساء والقطيف أو في الستار أسوةً بالمواضع المذكورة معه، وقد ذكر لوريمر في (دليل الخليج) عند حديثه عن الجوف مورداً مائياً من موارد الجوف العشرين التي ذكرها، وكُتبَ اسمه بالحروف اللاتينية: "Salaisil"، وترجمه ناشرو طبعة كلكتا 1908م، وهي أقدم طبعات هذا الدليل إلى: "سُلَيْسِل"؛ في حين إنه قد يُقرأ أيضاً: "سُلَيْسِيْل"، ولكن يبدو أن القراءة الأولى هي الأصح لأن ناشري هذه الطبعة نشروها تحت إشراف لوريمر نفسه.
ولولا أنّ لوريمر قال عن هذا المورد إنه يبعد عن واحة عُصيْفيرات بستة أميال من جنوبيها الشرقي لقلتُ إنّ هذا الاسم تحريف (صُلاصل) التي لم يذكرها ضمن الموارد العشرين التي ذكرها في الجوف؟!، ولكنّ صُلاصل لا يبعد عن عصيفيرات إلا بميلين اثنين فقط، وهي في جنوبي عصيفيرات وليس ف جنوبيها الشرقي مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ لوريمر دائماً ما يكون حريصاً في ذكر الاتجاهات بدقة، وكذلك المسافات رغم وقوع بعض الأخطاء من مثل هذا النوع في كتابه إلا أنها قليلة، وبناءً على ذلك، فإنني مضطرٌّ إلى حمل نصّه على صحة وجود مورد مائي في الجوف اسمه سُلَيْسِل، وهو على اسم نهر الأحساء الشهير، وأرى أنّ سليسل هو تصغير سُلاسل، وتعني في اللغة: الماء العذب الصافي الذي يتسلسل في الحلق، ولهذا فإنني أرى وفق هذا أنّه إذا كان في زمن لوريمر كان يوجد موردٌ في الجوف اسمه: سُليْسل، فإنّه هو الاسم الوارد في كتاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لسفيان بن همام برسم سُلاسل تمَّ تصغيره كما صُغرت كثير من الأسماء القديمة في المنطقة؛ مثل: (الثليم - حُلوان - الكتيب - الصادر)، ويؤكد ذلك قراءة الأستاذ الجاسر - وهو ممن اطلع على نسخة الأصل في مكتبة آل مظهر الفاروقي - حيث قرأها: سُلاس كما سبق وقلت، وهي قريبة جداً من سُلاسل التي اخترتها، ولهذا رجّحْتُ هذا الاسم الأخير ليكون هو المراد في الكتاب المذكور.
فودة:قرأها الأستاذ شلتوت: "مور!"،
وكتب في الهامش معلقاً: "مور: أحد مشارف اليمن الكبار!، وإليه يصب أكثر
أودية اليمن. (مراصد الاطلاع 3: 1231)"؛ مع أن الأستاذ قد ذكر في ترجمة
سفيان بن همام المكتوب له هذا الكتاب أنه عبدي من عبد القيس، وهم في البحرين لا في
اليمن، وقرأها الأستاذ الجاسر: "وفوره"، وأما أنا، فأقرأها:
"فودة"، فحروف الفاء والواو والدال واضحة، والأستاذ الجاسر أوشك
أن يصيب المحز لولا أنه قرأ حرف الدال راءً، وأضاف إليها حرف (و) قبلها، وهو غير
موجود في النص، وربما كان ذلك سهواً من الناسخ كرر واو العطف.
وفودة: إحدى واحات الجوف القديمة التي لا
زالت قائمة باسمها حتى وقتنا هذا، وقد أقيم بالقرب منها بلدةٌ أطلق عليها الاسم
ذاته، وتقع فودة غربي بقيق بعشرة أميال؛ إلى الجنوب من الكدادية مباشرة، وهذه
الأخيرة تقع جنوبي يكرب مباشرة أيضاً.
وهكذا نرى أنّ أسماء هذه المواضع السبعة تقع في الجوف من إقليم البحرين؛ هذا الجوف الذي سبق وذكرتُ نقلاً عن البكري الذي ينقل عن هشام الكلبي
أنّ بطوناً من عبد القيس سكنته، ومنهم العُمور الذين ينتسب إليهم بنو محارب بن
عمرو من عبد القيس، وهي قبيلة سفيان بن همام الظفري المحاربي العبدي الذي كتب
الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – هذا الكتاب له بملكه لهذه المواضع.
وفي آخر هذا البحث لا بد من تقديم نبذة
مختصرة عن الجوف هذه المنطقة الرَّعوية الغزيرة الماء والكلأ والنخل.
الجوف ذو النخل والعنب والتين
وكان في الزمن القديم يُقال له (جوف دار)
أيضاً[33]
نسبة إلى أشهر قُرَاه؛ (دار) التي تُعرف الآن بـ(عين دار) كما رأينا عند الحديث
عنها فيما مضى؛ كما كان يضاف إلى جبل والغ الكائن بقربه، فيقال (جوف والغ)، وعندما
اضطر الوزنُ الشعريُّ الأغلبَ العِجْلي إلى ذكره في بعض شعره جمع والغ على والغين،
فقال:
وقد نزلنا الجوف جوف والغينا
وقـــد تـــدلّى عــنباً وتــــــــــينا
فشغل البلدانيين وشراح الشعر العربي وأصحاب
القواميس اللغوية بهذا الجمع، فذهب بعضهم إلى أنّ والغين هو اسمُ الجبل أو الوادي أو الفلاة اللائي بقربه، وكلُّ ما في الأمر هو أنّ شاعراً اضطر إلى تثنية اسم هذا الجبل ليوافق
وزن رَجَز له قاله في الفخر بقومه، ولهذه التثنية أمثلة كثيرة، ومنها تثنية رامة
إلى رامتين والبيضة إلى البيضتين،[34]
وكلُّ ذلك اضطراراً لوزن الشعر، أو أنّ هؤلاء الشعراء كانوا يُثَنِّوْنَ جبلين أو
موضعين أو حتى شخصين قريبين من بعضهما، فيجمعانهما باسم أحدهما أو يطلقان عليهما
اسم جمعٍ آخر؛ مثل أبانين، والهجرين، والعُمرين، والأبيضين، والأسودين .. الخ.
والجوف: منطقة منخفضة يبلغ طول محورها
الأكبر ثلاثين ميلاً من شماليها الغربي إلى جنوبيها الشرقي، وأما محورها الأصغر،
فيبلغ خمسة عشر ميلاً، ويحدُّها من الشرق رمال البيضاء، ومن الشمال جبل
الدام ومنطقة الحبل من البيضاء التي تحدّه من الغرب أيضاً، ومن الجنوب شريط ضيّق من رمال البيضاء يفصل بينها
وبين جبال غريميل ومثلوث وأبا الدلاسيس، وهو يعني أنّ الجوف تقع كلها في منطقة البيضاء الرملية.
ويوجد
في الجوف بعض التلال الصخرية والأبارق؛ مثل: برقاء الرياحية في جنوبي الجوف، وبرقاء
جنيح في شماليّه، وجنوبي هذه البرقاء تلٌّ يقال له: جبل أبو خويمة، وتل عين دار
الواقع جنوب هذه البلدة، وتل صليل جنوبي شرقي صُلاصل، وتل شهيل عند الواحة
المُسمّاة بذات الاسم؛ كما يوجد بعض الحزوم الرملية مثل حزوم شارع الواقعة عند
البلدة المسماة بهذا الاسم شرقي صُلاصل.
طبيعة الجوف
قد تقدم بنا في الحديث عن صُلاصل قول
الأسود الغندجاني عن الجوف أنه:
"وادٍ به نخيلٌ كثيرة، ومزارع جمّة".
ووصفه لوريمر في العقد الأول من القرن
العشرين الميلادي؛ أي قبل اكتشاف النفط فيه، والذي غيّر من معالمه؛ بل ومعالم كامل
المنطقة الشرقية التي كانت تُعرف في السابق باسم (إقليم البحرين)، وبالتالي فإنّ
وصف لوريمر له في ذلك الوقت هو وصفٌ للجوف كما كان عليه في الأزمان السابقة،
ولنستمع إليه، وهو يقول في وصفه:
"الجوف عبارة عن منخفض رملي يتكون سطحه
من تلال وتجويفات رملية، ينبت فيها أشجار المرخ والغضا، ومن نباتات الرعي شجيرات العرفج
والرمث، والأعشاب المعروفة باسم نصي والسباط والثمام، ويشبه الجوف في معظم النواحي
منطقة حبل التي تجاوره، ولكنه أفضل منها في وفرة المياه، والينابيعُ[35]
في الجوف كثيرة، ومتوسط عمقها حوالي 12 قدم".
ثم ذكر عشرين ينبوعاً مع تحديد مواضعها، وهي كالتالي:[36]
(عصيفيرات - عين دار - أبو الظلوف - دُميّغ - فقاة - فودة - أبو الحمام - مدَسّة - مُرَيْر - موترة - نصَب - رواقي - سليسل - صَعُوْد - شهلة - شحمة - شارع - شريّع - شُريّات - ثليمة).
وعقَّبَ قائلاً بعدها:
"ويقال إنّ ينابيع "عُصَيْفِيْرَاْت"
و "عَيْن دَاْر" و "الرَّوَاْقِي" و "شَاْرِع" هي
الأفضل. بينما نَصَب وصَعُوْدُ من بين الأسوأ".[37]
وأقدم نصٍّ ورد فيه اسم الجوف هو نصٌّ هشام
بن محمد الكلبي سيّد الأخباريين العرب، وهو نصٌّ ضمّنه كتابه: (افتراق ولد معد) المفقود
للأسف؛ إلا أنّ الحظ حالفنا عندما حفظ بعض المؤلفين المتأخرين عن هشام أجزاءً جيدة
من هذا الكتاب كالبكري في مقدمة كتابه (معجم ما استعجم)، وابن عبد البر في
(الإنباه على قبائل الرواة)، ومن ذلك النصّ الخاص بهجرة قبيلة عبد القيس من تهامة
إلى البحرين، والتي تمت في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، فذكر في الكتاب
أنّ عبد القيس غلبت على البحرين بعد حروب مهولة خاضتها ضد قبيلة إياد والفرس
والأزد في البحرين حتى تمكنت من السيطرة عليها، واقتسامها بين قبائلها وبطونها،
فكان منه النصّ الذي سبق وذكرته في أول البحث، وهو أنّ الجوف كان من نصيب بني عامر
بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس، والعُمور، وهم
محارب وعجل والديل أبناء عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس، ومعهم من
حلفائهم بنو عميرة بن أسد بن ربيعة،[38]
فبنو محارب هم قبيلة صاحب هذا الكتاب سفيان بن همام أحد بني ظفر بن ظفر بن محارب
بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.
وسكن الجوف إلى جانب هذه البطون من عبد
القيس وحلفائها أيضاً بعضُ بطون بكر بن وائل من بني قيس بن ثعلبة وبني شيبان، ومن
بني قيس بن ثعلبة الشاعر الشهير طرفة بن العبد الذي قتله والي البحرين لعمرو بن
هند ملك الحيرة، وتم دفنه في الجوف هذا، وهو ما ينصُّ عليه أبو زيد القرشي
في (جمهرة أشعار العرب) إذ يقول فيه إنّ قبر طرفة "معروفٌ بهجر بأرضٍ منها
يُقال لها الجَوْف، وهي لبني قيس بن ثعلبة".[39]
ومن قبائل بكر التي سكنت الجوف مع بني عمهم قيس بن ثعلبة وعبد
القيس: بطونٌ من بني شيبان بن ثعلبة، ثمّ من بني سعد بن مرّة بن ذهل بن شيبان بن
ثعلبة الذين يُعرفون مع إخوتهم بـ(بني هند)، والذين منهم عوف بن النُّعمان بن
البرّاء بن عبد الله بن سعد بن مُرّة بن ذهل بن شيبان، وهو الذي شارك مع قومه بني شيبان
في غزوة على قبيلة ضبّة بن أدّ، ثم انهزموا منهم، فقال محرز بن المكعبر الضبّي في
ذلك:[40]
نجّى ابنَ نُعمان عَوْفاً مِنْ أسَنَّتِنَا
إيْغَاْلُهُ الرَّكضَ لَمَّا شَــاْلَتْ الجِـذَمُ
حَتَّى أتىْ عَلَمَ الدَّهْنَا يُوَاْعِسُــــــهُ
واللهُ أعلمُ بالصَّمّانِ مَا جَشِـــمُوْا
حَتَّىْ انْتَهَوْا لِمِيَاْهِ الجَوْفِ ظَاْهِرَةً
مَاْ لَمْ تَسِرْ قَبْلَهُمْ عَـــــادٌ وَلاْ إِرَمُ
يعني أنه سار سيراً حثيثاً قطع به الدهناء والصَّمّان حتى وصل
الجوف بلده ومستقرّه في وقتٍ قصير، وكل ذلك خوفاً وهلعاً.
وبعد هذه الغزوة بمدة قصيرة تعرض سُكّان الجوف من ربيعة إلى
غزوٍ مُضري من قبل بطون بني تميم وأحلافهم الذين بدأوا في الحلول تدريجياً على
أراضي البحرين، وصاروا ينتزعون أراضيها من قبائل ربيعة أرضاً بعد أرض، ومنها أرض
الجوف حيث دارت بين التميميين وحلفائهم وبين بطون عبد القيس فيه وحلفائهم من
البكريين وقعاتٌ كانت الكفة فيها لصالح بني تميم، فمنها وقعة صُلاصل التي تحدثتُ
عنها عند الحديث عن هذه البلدة من بلدات الجوف بين بطون تميم وبطون من عبد القيس
منهم: بنو قيس وبنو شنّ والعُمور، وقد سبق وذكرت شعر تليد العبشمي من عبد شمس بن
سعد بن زيد مناة بن تميم في هذه الحرب.
وثمّة وقعة أخرى حدثت في أرض الجوف تُعرف بـ(يوم جوف دار)؛
الذي انتهى بانتصار التميميين على بعض بطون بكر بن وائل، وقد ذكر أبو عبيدة في
شرحه لنقائض جرير والفرزدق أسر قيس بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم
التميمي للسَّلِيْل بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين البكري في هذا اليوم،[41]
وقد كان هذا اليوم يوماً فاصلاً في تاريخ الجوف، فقد هجره سكانه الأقدمون من
ربيعة، ونزله محلهم بنو تميم وأحلافهم من قبائل مضر، وهو ما يشير إليه قول جرير بن
الخطفى في إحدى قصائده التي هجى بها الشاعر الأخطل التغلبي الرَّبَعي:
مَنَعْنَا الجَوْفَ والنَّعَمَ المُنَدّىْ
وَقُلْنَا لِلْنِـسَاءِ بهِ أقِــــــــيْمِيْ
والمعنى واضح لأنه لو لم يَصْفُ لهم الجوف، ويخلو من أعدائهم لما
قالوا لنسائهم أنْ يَنْزِلْنَ فيه، ويُقِمْنَ به.
وقد ظلّ بنو تميم سكاناً للجوف بعد قبائل
ربيعة - وأغلبهم بنو سعد بن زيد مناة بن تميم - إلى أنْ بدأ الضعف يدبُّ فيهم
أيضاً، وهو ما نراه بوضوح في قصيدةٍ تُعدُّ من عَاليْ الشّعْرِ وجميله للأحَيْمِرِ السَّعْدِيْ التميمي
الذي كان من سكان الجوف، وهي التي يقول مطلعها:
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوَى
وصَـوَّتَ
إنـسانٌ فــكدتُ أطــــــــــــــــير
ومنها قوله عن سكان الجوف من قومه بني سعد:
ونُبّئتُ أنّ الحيَّ ســـعداً تـخاذلــــوا
حماهم
وهم لو يعــصبون كــــــثيرُ
أطاعوا لفتيان الصّباح لئامــــــــهم
فذاقوا هوان الحرب حــيث تــــدورُ
خلا الجوف من قتّال سعدٍ فما بـها
لمستصرخٍ
يدعو الثّبور نصــــــيرُ
نظرتُ بقصر الأبرشية نظـــــــــرةً
وطرفي وراء الناظرين بصـــــــيرُ
فردَّ علي العينَ أنْ أنظر القُـــــرى
قُرى
الجوف نخلٌ معرضٌ وبحورُ
وبقي بنو سعد على ضعفهم هذا إلى أنْ قامت
دولة القرامطة في البحرين، وقام مؤسسها أبو سعيد الجنابي بجلب قبائل عامر بن صعصعة
للاستعانة بهم في حروبه ضد سكان البحرين، ومنهم بنو سعد، فأتت قبائل عامر بن صعصعة
كالسيل العرم، وقامت بإزاحة قبائل تميم عن بادية البحرين مثل ما أزاحت هي قبائل ربيعة
عنها، واحتلت قبائل عامر بن صعصعة منازلهم فيها، ومنها الأحساء والجوف والستار
والشاجنة وما حولها، وكان ذلك في نهاية القرن الثالث الهجري، فأبو علي الهجري وهو معاصر لتأسيس دولة القرامطة في البحرين على يد أبي سعيد الجنابي ذكر في نوادره خبراً يفيد بأنّ دار من الجوف كان بها نعمٌ كثيرة مهملة لبني حَمَّال من بني معاوية بن حزن بن عبادة بن عُقيل.
ونظراً لخصوبة أرضه ووفرة مياهه وكثرة
مراعيه، فقد ظلّ الجوف محلّ نزاع بين القبائل حتى وقتٍ قريبٍ منا عندما احتلته
قبيلة العِجْمان من بني خالد، ثم أصبح لبني هاجر بعدهم، ولا زالت هذه القبيلة وبطونها هم سكان
الجوف حتى الآن.
ولا أعرف المراد بجملة مفهرس البطاقة:
"عن الأصل المحفوظ بمكتبة عارف حكمت" هل كان يعني أنّ مكتبة عارف
حكمت قد اقتنت أصل مخطوطة رباط السيد محمد مظهر الفاروقي، أو أنها قامت بتصوير
نسخة منها لتحتفظ بها ضمن رفوف مكتبتها الثرّة، وهي التي صورتها بعثة جامعة الملك
سعود عندما كان اسمها جامعة الرياض لأنّ الرقم المعطى لهذه المخطوطة، وهو (157) هو
ذاته رقم حفظها في مكتبة رباط السيد محمد مظهر الفاروقي، وعدد الصفحات هو ذاته.[3]
ثانياً: قراءة الأستاذ الجاسر للجزء الأخير من
النص في رسم [ دار ] من المعجم الجغرافي للمنطقة
الشرقية:
وهذا تعريف بأهم الأعلام البشرية
والجغرافية الواردة في هذا النص مرتبة حسب ورودها فيه:
أهل بيت من عبد القيس: هم بلا ريب أهلُ بيت سفيان بن همام الظفري المحاربي الآتية ترجمته،
فمثل هذه الكتب يحرص الناس على توارثها أباً عن جدّ لما فيها من حقوق لهم؛ لكي لا
ينازعهم فيها أحد.
"سفيان بن همام من بني ظفر بن ظفر بن محارب
بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس؛ وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وابنه عمرو بن سفيان الذي نزل ابنُ الأشعث منزله حين قدم البصرة ثم خرج إلى الزاوية".[5]
"حدَّثنا جَرّاح بن مخلد
القَزَّاز؛ نا رَوْحُ بن جميلٍ؛ أبو محمد القُرِّيُّ الخَوَّاص؛ نا يزيد بن فضل بن
عمرو بن سُفيان المحاربي؛ عن أبيه؛ عن جدّه؛ قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه
وسلم -: انْهَ قومَكَ عن نبيذ الجرِّ، فإنه حرامُ من الله – عزَّ وجلّ – ورسوله
صلى الله عليه وسلم".[6]
وقراءة الأستاذ فهيم شلتوت جعلت بني ربيعة
وبني قحطان قبيلةً واحدة، فكتب: "بني ربيعة بن قحطان"، وهو
مستغربٌ منه كمحقق قدير، فلا وجود لقبيلة تدعى: ربيعة بن قحطان، وما يسبق اسم
قحطان في الجملة هو حرف الواو وليس "بن".
ومن الواضح أنّ المراد بـ(بني الأحمر)
الفُرْس الذين كانوا في البحرين حينها، والذين كان العرب يُسمّونهم بـ(بني
الأحمر)، فقد ذكروا بهذا النعت عند أبي نعيم في الحلية الذي ذكر عن يوسف بن أسباط
أنه قال: "كنتُ بالكوفة أطبع الْلَبِن في بني الأحمر"،[8]
وطَبْع اللبن وما يشابهه من المهن لا يمتهنها العرب في الكوفة حينها، وإنما كان
يقوم بها الموالي من الفُرس، وكانَ يُطلق عليهم أيضاً مسمى: (بني الحمراء)، وهذا الاسم
هو الذي اشتهروا به بعد إسلامهم وهجرتهم مع عبد القيس وأهل هجر إلى العراق؛ وثمة
رواية أخرى تُروى عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول نصّها: "لو
كان الإيمان مُعلّقاً بالثريّا لا تناله العربُ لناله رجالٌ من بني الحمراء"
يعني الفرس.[9]
وأفـلتنا
ربُّ الصُّـلاصِـلِ عَـــامِرُ
وأفلتنا ربُّ الصُّـلاصِـل عـامـــرُ
يَكْرِبْ: قرأها الأستاذان شلتوت والجاسر: الأكرم، وهو اسمٌ غريب، ولكن ببعض
التمعّن في الاسم، فإنه يمكن أن نقرأه: يكرم، وهو أيضاً اسمٌ غريب إلا أنه يشابه
كثيراً اسم: يكرب، وهو موضع ماءٍ ونخل قديم في الجوف لا زال قائماً حتى الآن؛ بل
أصبح بلدة عامرة مثله مثل صُلاصل، ونظراً لأنّ هذه النسخة الوحيدة من كتاب (تاريخ
المدينة)، فلا أستبعد أنها يكرب، وأن ما ظنه الأستاذان حرف (م) بعد الراء إنما هو
ما تبقى من حرف الباء، وحتى لو كان حرف (م)، فمن الجائز أنه تحرَّف عن حرف الباء،
وبالتالي تحرَّف الاسم من يكرب إلى يكرم.
دار: في النسخة المصوّرة لدي يبدو واضحاً فقط حرف العطف (و)، والحرف الأول
(د)، ثم ما يبدو أنه حرف (ر) في آخر الاسم؛ أي بهذه الصورة: "من الصلصل،
ويكرب، ود..ر"، ولكن اتفاق الأستاذين الجاسر وشلتوت على قراءة هذا الاسم:
"دار"، ولاسيما الأستاذ الجاسر الخبير بمواضع الجزيرة العربية، والذي
اطلع على النسخة الأصل الوحيدة لتاريخ المدينة في مكتبة رباط آل مظهر، وليس مصورة
عنها كما هو حال الأستاذ شلتوت وحالي يجعلني أركن إلى صحة قراءة الاسم:
"دار".
ودار أو عين دار الآن بلدتان: البلدة
القديمة، وهي المعنية بحديثي هنا، والثانية هي مدينة حديثة تم إنشاؤها بعد اكتشاف
حقل نفط كبير بقرب عين دار القديمة، وتبعد البلدة الحديثة عن البلدة القديمة
بثلاثة أميال للجنوب الشرقي منها، وكلا البلدتين تقعان في الجوف.
وأما أنا فأرى أنّ الصحيح في لفظ هذا الاسم
هو: "بـِرْك"، فحرف الباء كتب مع حرف الراء بخط رفيع جداً أشبه ما
يكون بما يُسمَّى بـ(الخط الدجاجي) الذي برز في عصر سيطرة الدولة العثمانية على
الحجاز، ويبدو أنّ كاتب هذه النسخة كان متأثراً به.
إلا أنني لم ألتفت إلى قول الشارح بأنّ
نخلين من قرى الأحساء، أو سواد الأحساء وفق بعض النسخ، وبالتالي لا ينبغي لها أن
تكون خارج هذا النطاق، والجوف لم يكن يُعد من سواد الأحساء في زمن ابن المقرَّب،
فنخلين ينبغي أن تكون خارج نطاق الجوف؛ كما إنني أخطأت أيضاً عندما قلتُ في النصّ
أعلاه بأنّ نخلين هي الدغيمية التي تسقيها عين النخل، وكنت قد أخذت ذلك عن الأستاذ
الجاسر كما هو مشار إليه في النص، ولكن اتضح لي أنّ عين النخل هي واحة أخرى تقع
شمال الدغيمية، فيرجى التصحيح.
وشتان بين الاسمين والموضعين والقبيلتين، فاللفظة
تتكون من ثلاثة حروف فقط لا غير؛ قرأها الأستاذ الجاسر: "حمر"،
وهو أقرب لرسمها بيد أنني أرى أنها "ضَمْر" بالضاد المفتوحة،
فالميم الساكنة، فراءٌ مهملة، ورسمها جيّد الوضوح، وحرف الضاد فوقه نقطة على الرغم
من عدم اعتناء الناسخ بالنقط.
ألا ليت شــعري هـل أبـيتنَّ لـــيلةً
"الجوف عبارة عن منخفض رملي يتكون سطحه
من تلال وتجويفات رملية، ينبت فيها أشجار المرخ والغضا، ومن نباتات الرعي شجيرات العرفج
والرمث، والأعشاب المعروفة باسم نصي والسباط والثمام، ويشبه الجوف في معظم النواحي
منطقة حبل التي تجاوره، ولكنه أفضل منها في وفرة المياه، والينابيعُ[35]
في الجوف كثيرة، ومتوسط عمقها حوالي 12 قدم".
نجّى ابنَ نُعمان عَوْفاً مِنْ أسَنَّتِنَا
وَقُلْنَا لِلْنِـسَاءِ بهِ أقِــــــــيْمِيْ
ملحقات البحث
الملحق الأول:
قصاصة الخبر الذي ورد فيه كتاب الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لسفيان بن همام الظفري المحاربي العبدي، وهي من الصفحة 89 من المخطوطة الوحيدة لكتاب (أخبار المدينة) لعمر بن شبة، والتي تحتفظ بها مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، والتي انتقلت إليها من مكتبة محمد مظهر الفاروقي بالمدينة المنورة.
الملحق الثالث:
الصفحة ٩٣٤ من (دليل الخليج) للوريمر؛ طبعة كلكتا ١٩٠٨م؛ ذُكر فيها عشرون مورداً من موارد الجوف، ومنها مورد أسماه (Salaisil)، وكتبه ناشروا هذه الطبعة: "سليسل"، وهو الذي رجحت أنه الوارد في كتاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لسفيان بن همام باسم سُلاسل مكبراً.
الهوامش والحواشي التعليقات
[1] عمر بن شبة النميري
البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (بيروت: دار الكتب العلمية
دت)؛ ج1: الصفحة (ز) من مقدمة التحقيق.
[2] عمر بن شبة النميري
البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (بيروت: دار الكتب العلمية
دت)؛ ج1: الصفحة (م) من مقدمة التحقيق.
[3] عمر بن شبة النميري
البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (بيروت: دار الكتب العلمية
دت)؛ ج1: الصفحة (م) من مقدمة التحقيق.
[4] عمر
بن شبة النميري البصري: تايخ المدينة المنورة؛ تحقيق فهيم محمد شلتوت (جدة: حبيب
محمد محمود 1979م)؛ ج2: 589.
وعن هذه الطبعة ظهرت عدة طبعات، وهي:
1.
طبعة دار الأصفهاني السعودية، جدة ١٤٠٢ هـ.
2.
طبعة دار الفكر
الإيرانية 1410هـ.
3.
طبعة دار العليان
السعودية 1411هـ.
4.
طبعة دار الكتب
العلمية اللبنانية 1433هـ.
وكلها اتفقت على نصٍّ واحد هو المدون أعلاه باسم الأستاذ فهيم شلتوت.
[6] أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد
الشيباني: الآحاد والمثاني؛ تحقيق د. باسم فيصل الجوابرة (الرياض: دار الراية
1991م)؛ ج3: 37.
[7] عبد
الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛
تحقيق مصطفى السقا (بيروت: عالم الكتب 1983م)؛ ج1: 82.
[8] أحمد بن عبد الله بن أحمد
الأصفهاني = أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (بيروت: دار
الكتاب العربي 1987م)؛ ج7: 54.
[9] أحمد
بن عبد الله الأصفهاني = أبو نعيم الأصفهاني: تاريخ أصبهان؛ تحقيق: كسروي حسن (بيروت:
دار الكتب العلمية 1990م)؛ ج1: 27.
[11] الحسن
بن أحمد بن محمد الأعرابي = الأسود الغندجاني: فرحة الأديب وسلوة الغريب؛ تحقيق د.
محمد علي سلطاني (دمشق: دار النبراس 1980م)؛ الصفحة 64، وما بعدها.
[12] حمد
الجاسر: المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية / المنطقة الشرقية (البحرين
قديماً) (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ دت)؛ ق2: 645؛ رسم [ دار ].
[13] نصر
بن عبد الرحمن الإسكندري: الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار
والأشعار؛ تحقيق حمد الجاسر (الرياض: دارة الملك عبد العزيز 2004م)؛ ج1: 209 –
210.
[14] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج2: 1055 – 1058.
[15] الجأب: الفحل الغليظ، وتليله: عُنُقُه، ومُسَحَّج: مقَشَّر من قتاله
الفحول المنافسة له، و"في فِيْه" أي في فمه، وشحج: صاح.
[20] سفواء: خفيفة المشي، ومرخاء: سهلة الجري، وتباري تعارض، والمِغْلَج:
الكثير الجري، ويستضرم: يوقد، والعرفج نباتٌ معروف.
[22] يُشظّي: يكسر ويثلم، والجندل: الحجارة الصلبة، والمحدرج: المدحرج أي
المدوَّر، وضمّنا الصوت: جعلاه في أجوافهما، ولم يخرجاه، والحشرجة: ترديد الصوت في
الحلق.
[24] عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر التميمي = العجاج: ديوان العجاج؛
رواية الأصمعي وشرحه؛ تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي (دمشق 1971م)؛ ج2: 53 – 62.
[25] نصر
بن عبد الرحمن الإسكندري: الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار
والأشعار؛ تحقيق حمد الجاسر (الرياض: دارة الملك عبد العزيز 2004م)؛ ج2: 179 –
180.
[26] نصر
بن عبد الرحمن الإسكندري: الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار
والأشعار؛ تحقيق حمد الجاسر (الرياض: دارة الملك عبد العزيز 2004م)؛ ج2: 179 – 180
الهامش.
[27] كانت في الأصل المطبوع بمطبعة ليدن: "وكإبن نوى"، وهي غير مستقيمة؛ بل هي محرّفة
"وكائن ترى"، وهي جملة توجد بكثرة في شعر العرب القدماء، ومن ذلك قول
قيس بن زهير:
وكائن ترى من صامتٍ لك معجبٌ زيادته أو نقصه في التكلم
وكذلك قول حسان بن ثابت:
وكائن ترى من سيّدٍ ذي مهابة أبوه
أبونا وابن أختٍ ومحرما
وقول جرير:
وكائن ترى في الحيّ من ذي صداقة وغيران
يدعو ويله من حذاريا
وهو كثير في الشعر، ومع ذلك لم ينتبه
محقق طبعة ليدن من هذا الكتاب لهذا الخطأ مع أنه ذكر في الهامش أنّ لفظة
"نوى" وردت في نسخ أخرى: "ثوى"، و"توى"، وهي كلها
تحريف "ترى"، وكذلك فعل الدكتور إبراهيم السامرائي في تحقيقه للطبعة
البغدادية التي رجع في تحقيقها إلى طبعة ليدن، فلم يلتفت إلى هذا الأمر.
[29] الحسن
بن عبد الله الأصفهاني = لغذة الأصفهاني: بلاد العرب؛ تحقيق: حمد الجاسر وصالح العلي
(الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر دت) الصفحة: 344 – 345 باختصار.
[30] إسحاق بن مرار الشيباني = أبو عمرو الشيباني:
كتاب الجيم؛ تحقيق: إبراهيم الأبياري (القاهرة: مجمع اللغة العربية 1974م)؛ ج2:
104 - 105
[31] الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي: كتاب
العين؛ تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي (بيروت: دار ومكتبة الهلال دت)؛
ج7: 195.
[32] عبد
الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛
تحقيق مصطفى السقا (بيروت: عالم الكتب 1983م)؛ ج3: 749.
[35] دائما ما يستخدم لوريمر لفظة (Wells)
ليطلقها على مصادر المياه
في منطقتي الأحساء والقطيف وما حولهما من واحات، وهذه الكلمة قد تعني: (الآبار)،
وقد تعني أيضاً: (الينابيع)، وأنا أفضل استخدام المعنى الثاني لأنه الأقرب إلى
طبيعة الموارد المائية في المناطق المذكورة، ولاسيما في ذلك الزمن الذي كتب فيه
لوريمر (دليل الخليج) في العقد الأول من القرن العشرين الميلادي؛ أي قبل اكتشاف
النفط في المنطقة، فقد كانت واحاتها ذات عيون جارية دفّاقة وليس آبار.
[37] J. G. Lorimer: Gazetteer of the Persian Gulf, Geographical nd
Statistical, Kolkata 1908’ Vol. P. 933 – 935.
[38] عبد الله بن عبد العزيز البكري
الأندلسي: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع؛ تحقيق مصطفى السقا (بيروت:
عالم الكتب 1983م)؛ ج1: 82.
[39] محمد بن أبي الخطاب
القرشي: جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام؛ تحقيق: علي محمد البجاوي
(القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر دت)؛ الصفحة: 93
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق