كنيسة عينين النسطورية في بلاد الخط
بقلم / عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي
موقع كنيسة عينين وصحة التسمية
يخطئ
من يطلق على هذه الكنيسة اسم كنيسة الجبيل، فهذه الكنيسة عمرها أقدم من عمر مدينة
الجبيل بمئات السنين، ولذلك فإنّ الأصح هو أنْ يُقال في تسميتها: (كنيسة عينين)،
فهذه الكنيسة تقع إلى الجنوب مباشرة من بقايا هذه الواحة التاريخية الشهيرة
بكيلومترين اثنين فقط، وهي الواحة التي كانت تقوم شماليّ شرقي التلّ المعروف بـ(الجبيل
البري)؛ الذي كان بمثابة درع واقٍ لها.
وتقع واحة عينين –
ومن ضمنها هذه الكنيسة – ضمن المنطقة التي كانت تُعرف في السابق باسم (الخَطّ)
المختلف في تحديدها بين الجغرافيين بين مقتصد يرى أنها تمتد بطول الساحل من القطيف
إلى كاظمة، وبين مسرفٍ يرى أنها المنطقة الممتدة بطول الساحل من عُمان إلى البصرة،
وأياً كان أحد هذين التحديدين هو الصحيح، فإنّ الصحيح أيضاً هو أنّ واحة عينين
وكنيستها تقعان في منطقة الخطّ هذه، والتي هي من زمنٍ قديم اسمٌ مرادف لاسم
القطيف؛ التي كان اسمها يمتدُّ هي الأخرى ليشمل التحديد الأول لمنطقة الخط الذي
ذكرته للتوّ.[1]
وقد ذكرت الخط في سجلات مجمع الكنائس الشرقية النسطورية كأحد المواضع البحرانية التي كان فيها كنيسة تُعدُّ ضمن مجمع كنائس (بت قطرايى) بالبحرين، وذكروا أنها ظلّت قائمة حتى وقت مجيء الإسلام والفتح الإسلامي لبلاد فارس؛ كما ذكروا أنّ أسقف كنيسة الخطّ حتى وقت انعقاد المجمع الأخير للكنائس الشرقية (النسطورية) في رف أردشير كان اسمه شاهين، وذكروا أنه قد حضر هذا المجمع بمعية بعض الأساقفة من بت قطرايى؛ منهم: إيسوعياب أسقف دارين، وبوساي أسقف هجر؛ في حين رفض المطران ابراهام من سماهيج (Masmahig) الحضور،[2] وعليه فإنّ كنيسة عينين هذه قد تكون هي كنيسة الخط التي كان آخر أساقفتها شاهين المذكور.
تاريخ
اكتشاف كنيسة عينين وكيفيته
تم اكتشاف هذه الكنيسة في العام 1986م؛ حيث كان
مجموعة أشخاص يقودون سيارتهم فوق الرِّمال التي كانت تغطي مباني هذه الكنيسة؛ في موضع يُعرف الآن بـ(طَويّ الشِّلْب)،[3] فغرزت سيارتهم بسبب انهيال الرّمل داخل
تجويف إحدى غرف هذه الكنيسة بسبب ضغط ثقل السيارة على ما يبدو، وعند محاولتهم إخراج
سيارتهم من الرمال لاحظوا وجود مبانٍ في الأسفل، وعلى أثر ذلك تم إشعار فرع وكالة
الآثار بالدمام، والتي قامت بإرسال فريق متخصص للكشف عن هذه المباني، فأزالوا عنها
الرمال ليتضح أنها عبارة عن كنيسة مستطيلة الشكل؛ يمتد محور حائطها الأكبر من
الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بطول 17 متراً؛ في حين يمتد محوره الأصغر من
الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بطول 11 متراً، ووجدوا أنها تتكون من ثلاث غرف
متقاربة المساحة ومتلاصقة؛ تقع في الجهة الشمالية الشرقية، وقد زُين أحد طيفان هذه
الغرف بأعمدة جميلة تعلوها زخارف نباتية جميلة؛ كما نُقش على بعض الحيطان صورٌ
للصليب[4] ويقع أمام هذه الغرف فناء كبير طوله
12 متراً وعرضه 11 متراً، ولهذه الكنيسة ثلاثة مداخل يقع أحدها في منتصف حائط
الفناء الجنوبي الغربي للكنيسة، والثاني في منتصف حائط فناءها الجنوبي الشرقي،
وأما الثالث، فيبدو أنه مدخل خاص بالأسقف والقسيسين والرهبان لأنه يقع في الحائط
الشمالي الشرقي للغرفة الواقعة في ذات الجهة.
تاريخ الكنيسة وهويتها
أثبتت
التنقيبات التي أجريت في حيّز هذه الكنيسة وما حولها أنها واحدة من أقدم الكنائس
في العالم كله، فقد حدد المنقبون الآثاريون عمرها بالقرن الرابع الميلادي (300 –
399م)، كما رجحوا أنها كانت إحدى الكنائس الشرقية للمذهب النسطوري الذي كان
منتشراً في منطقة (بت قطرايى) في عموم بلدان الخليج، وقد أسفرت عملية البحث
والتنقيب فيها، وبالقرب منها أيضاً عن العثور على أربعة صُلبان؛ اثنان منها من
البرونز، واثنان من صدف اللؤلؤ؛ كما عُثر أيضاً على بعض الجرار الفخارية، وقد قدم
عالم الآثار دانيال بوتس دراسة لها بعنوان: (صلبان نسطورية من جبل برّي)،[5] وإنما ذكر أنها من الجبيل البرّي لأن
هذه الكنيسة تقع بالقرب منه، وكان ذكر اسم الكنيسة في تلك الحقبة فيه الشيء الكثير
من الحساسية بسبب تنفّذ التيار السلفي حينها، والرجل كان متعاقداً مع وكالة الآثار
السعودية للتنقيب في المملكة، ولهذا فإنه اكتفى بالإشارة إليها إشارة لطيفة في
بحثه.
وقد
كان لرمال البيضاء (بيضاء الخط) الفضل الكبير في حفظ مباني هذه الكنيسة عندما
طمرتها لأنّ الكنائس العديدة التي كانت في المنطقة إما أنها دُمّرت أو اندثرت،
وبعضها تم تحويلها إلى مساجد بعد ظهور الإسلام، ودخول سكان المنطقة فيه؛
ككنيسة جواثى في هجر؛ التي حولها بنو عبد القيس إلى مسجدٍ بعد أن رجعوا من وفادتهم
إلى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في العام السادس للهجرة كما يذكر ذلك ابن
حجر،[6] ومن
المعتقد أنّ مسجد الخضر في جزيرة تاروت هو موضع كنيسة دارين، وأنه تمّ تحويله هو
الآخر إلى مسجد؛ في حين إنني أرى أنّ كنيسة عينين هذه التي نتحدث عنها، والتي
حافظت الرمال على هيئتها الأولى عندما طمرتها هي كنيسة الخطّ، وهذه الكنائس الثلاث
مع كنيسة سماهيج بجزيرة أوال – المعتقد بأنها هي موضع قرية الدير الآن – هي
الكنائس الأربع التي ذكرتها سجلات مجمعات الكنائس الشرقية النسطورية ضمن كنائس (بت
قطرايى) في مؤتمراتها السنوية التي كانت تعقدها لأساقفة وقسيسي الكنائس الشرقية
النسطورية التابعة لها في رف أردشير وبلاد الرافدين وبت قطرايى كما سبق وذكرت في
أول هذا البحث.
الخرائط
والصور:
[1]
محمد البسام التميمي النجدي: عشائر العرب؛ الدرر المفاخر في
أخبار العرب الأواخر؛ تحقيق إبراهيم أحمد علي (بيروت: الدار العربية للموسوعات
1999م) الصفحات 112 – 113.
وانظر:
gary
troeller, "the birth of saudi arabia“ P. 170
حيث
ذكر أنّ الملك عبد العزيز قال في بعض وثائقه إلى القنصل البريطاني في الكويت بأنّ
راس بلبول من أراضي القطيف، وراس بلبول يقع قرب الحدود الكويتية.
[2]
بتصرف عن:
·
Peter Hellyer: Nestorian Christianity in
Pre-Islamic UAE and
·
دانيال
بوتس: الخليج العربي في العصور القديمة ج2: 1041.
[3]
الطَّويّ: البئر المطوي بالحجارة، والشِّلْب: من أنواع الرزّ،
ويقع هذا الموضع عند هذه الإحداثيات:
26°
56' 14.8" N 49° 39' 23.3" E
[4]
للأسف قام بعض الزائرين بحكّ هذه الصلبان بقصد طمسها، فلم يبق منها
إلا القليل.
[5] D. T. Potts, "Nestorian Crosses from Jabal Berri", Arabian
Archaeology and Epigraphy 5 (1994), 61–65.
[6]
أحمد بن علي = ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة؛
تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (بيروت: دار الكتب العلمية 1415هـ)
ج3: 332.