الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

الجديد في نسب بني جبر وبعض أخبارهم

 

دور القرامطة في إحلال بطون عامر بن صعصعة في البحرين

عندما أشعل أبو سعيد الجنابي القرمطي شرارة البداية لقيام دولة القرامطة في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري في واحة القطيف من البحرين ناصبه أولو الأمر من أهل القطيف العداء لأنه كان يدعو إلى التشيع الإسماعيلي الذي لم يستسغه القطيفيون الذين كانوا حينها من الشيعة الموسوية الاثني عشرية، ولم يستجب لدعوته سوى أسرة قطيفية تُعرف بـ(آل سُنبر)، ومعهم أناس قليلون وصفهم الشريف العابد أخو محسن في تاريخه بأنهم: "قوم ضعفاء ما بين قصّاب وحمال وأمثال هؤلاء[1] ورفضها جُلُّ أهل البحرين، ولاسيما أهل حواضرها الذين كان أغلبهم من قبيلة عبد القيس، ومعهم حلفاؤهم من بكر والأزد؛ كما رفض دعوته من بادية البحرين قبيلة تميم وبنو عمهم؛ بنو ضبّة بن أد، وبالتالي فإنّه لم يستطع هؤلاء الشواذّ الذين اتبعوا أبا سعيد الجنابي الدفاع عنه عندما علم بأمره زعيم القطيف حينها؛ عليُّ بن مسمار الكلبي الجذمي العبدي؛[2] الذي تحرّك للقبض عليه، فهرب أبو سعيد من القطيف خوفاً على نفسه منه.[3]

غير أنّ رجلاً كأبي سعيد الجنابي لم يكن ليستسلم بسهولة، فوجَّه دعوته عندها إلى قبائل عامر بن صعصعة في عمق نجد، ولاسيما قبائل بني ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهم:

·       عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

·       كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

·       كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ولاسيما: عُقيل، والحريش منها.

فاستطاع أن يقنعهم بالانضمام إلى دعوته، وجلبهم إلى البحرين للاستعانة بهم على أهلها الذين رفضو دعوته وطردوه من بلادهم عند أول ظهور له فيها، فتمَّ له ما أراد، وتمكّنَ بواسطة هذه القبائل العامرية من فتح سائر مدن البحرين، وقتل رؤسائها كآل علي بن مسمار الجذميّ العبدي والحسن بن العوام الأزدي في القطيف، وآل عياش بن سعيد المحاربي العبدي والعريان بن إبراهيم المالكيّ العبدي في هجر والأحساء،[4] وأما عن بادية البحرين، فيُستشف من أخبار أبي سعيد أنه قام بعملية إبادة شاملة لبطون وقبائل تميم فيها، فقتلهم وطردهم من أشهر بلدانهم فيها كيبرين[5] والجوف والستارين والسّودة، وأسكنَ بدلاً منهم في هذه المواضع الشاسعة التي كانت لهم حصراً بطون قبيلة عامر بن صعصعة؛ كما أخلى الأحساء من بني تميم أيضاً، واتخذها لنفسه عاصمة، وبنى فيها دار مملكته، فصارت تُعرف بـ(أحساء القرامطة) بعد أن كانت قبل ذلك لا تُعرف إلا بـ(أحساء بني سعد) من تميم،[6] ومنذ ذلك الحين صارت قبيلة البحرين العُظمى، وأهل خفارتها هي قبيلة عامر بن صعصعة وقبائلها وبطونها المذكورة.

وكما كانَت البطون العامرية أشدَّ أنصار القرامطة في حروبهم التي خاضوها ضد أهل البحرين وقبائلها أولاً، فقد كانوا أيضاً أشدَّ أنصارهم في حروبهم التي خاضوها خارج البحرين؛ في العراق والشام ومصر، والتي فصَّلتْ كتبُ التاريخ المطولة أحداثها على مدى قرنين من الزمان هما القرن الرابع والقرن الخامس الهجريان، وقد نتج عن هذه الحروب عدة نتائج ملموسة؛ منها:

1. خمول قبيلة بني كلاب التي تخلف من بقي منها عن القرامطة في الحلّة من العراق، وفي الشام؛ التي انتعش أمرهم فيها لاحقاً على يد أسرة منها هي (آل مرداس) الذين أقاموا لهم دولة في شمال الشام، ثم اما لبثت أن انتهى أمرها، فاختفت قبيلتهم من مسرح الأحداث.

2. فناء قبيلة عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة التي ذُكرت في (شرح ديوان ابن المقرَّب) باسم "عامر ربيعة"، وذلك في حرب القرامطة الأخيرة للدفاع عن الأحساء معقلهم الأخير في البحرين عندما هاجمهم فيها القائد السلجوقي أرتق بك اكسلار بمساندة محلية من قبيلة عبد القيس تمثَّلت في أسرة آل إبراهيم المُرّيين العامريين العبديين تحت قيادة عبد الله بن علي الإبراهيمي العُيوني، فكان أن دارت دائرة الحرب على القرامطة وأنصارهم من عامر ربيعة الذين أفنتهم هذه الحرب فناءً لم تقم لهم بعده قائمة أبداً، وفرّ ما بقي من فلولهم إلى عُمان والعراق، فذابوا في قبائلهما، وهو ما ساهم في استسلام القرامطة في الأحساء وتسليمهم البلد لأرتق اكسلار وعبد الله بن علي العُيوني الذي استطاع بعد قيامه ببعض الحيل بالاستيلاء على الحكم في الأحساء مؤسساً الدولة التي عُرفت في التاريخ باسم (الدولة العُيونية).

3. بروز قبيلة عُقيل العامرية بعد خفوت أمر نظيرتيها كلاب وعامر ربيعة؛ بحيث أفسح ذلك المجال لقبيلة عُقيل لتبرز وحدها على ساحة الأحداث في البحرين في بداية قيام الدولة العُيونية التي كانت قوية وصارمة في بداية الأمر ضد كل محاولات قبيلة عُقيل لاسترداد امتيازات قبائل عامر بن صعصعة التي أعطاها القرامطة لهم؛ إلا أنه وبعد حروب مكلفة خاضها العُيونيون العبديون ضد بطون هذه القبيلة التي كانت تطبق مبدأ الغزو القبلي البدوي المعروف حينها، وهو الهجوم المباغت الذي يتم فيه قتل وسلب ونهب من يرونه وما يرونه، ثم الهروب نحو البرية عند خروج الحامية العسكرية لمطاردتهم، وهو نوع مرهق ومكلف للدول النظامية لم يجد العُيونيون معه بداً من مصالحتهم والاتفاق معهم على وقف هذه الغارات على أن يفرضوا لهم إتاوة وجعالات سنوية يأخذونها مقابل ذلك.[7]

ومنذ ذلك الحين صارت قبيلة عُقيل وبطونها هي الخفير الأول لإقليم البحرين، ومنذ ذلك الحين أيضاً صارت هذه القبيلة وبطونها يعتبرون أنفسهم أنهم هم أصحاب البحرين، فصاروا يتدخلون فيما بين الحكام العُيونيين، فيناصرون كل من يرون أنه هو الأفضل لمصالحهم وإشباع أطماعهم التي لا تنتهي في الحصول على موارد البحرين وأمواله وثماره بحيث أصبح حكام الدولة العُيونية لعبة في أيديهم، وأصبحت البحرين لا تُعرف إلا بهم في الأيام الأخيرة من حكم الدولة العُيونية؛ حتى لقد سجل ذلك شاعر العُيونيين في آخر أيامهم، وهو ابن المقرَّب الذي ذكر في قصيدة قالها مادحاً فيها والي البصرة شمس الدين باتكين عام 616 للهجرة، وذلك بعد محاربته لبني معروف سكان البطيحة، فكان مما قال فيها عن منيع بن علي بن المعلى بن علي بن معروف وعمه سعيد بن علي بن معروف اللذين هربا بعد هزيمتهما في وقعة تلّ المقيّر من العراق إلى البحرين:

  أحلهما بالسيف في (أرض عامرٍ)

ولولا سطام السيف ما اعتمراها

وعلّق الشارح على البيت بقوله:

"ويعني بأرض عامر: البحرين؛ لأنهم باديتها، وأهل خفارتها".[8]

النزاع على حكم البحرين بين عامر بن عُقيل وعبادة بن عُقيل

وعامر هؤلاء - الذين نسب إليهم ابن المقرَّب أرض البحرين، وذكر في غير موضع أنهم من عُقيل - هم أنفسهم الذين قال عنهم الحمداني فيما نقله عنه ابنُ فضل الله العُمري مُحقّاً:

"وهي غير عامر المنتفق، وغير عامر بن صعصعة".[9]

وذلك أنّ عامر هؤلاء هم عامر عُقيل؛ إلا أنّ ابن فضل الله لم يتقن صياغة عبارته، وهو ما جعل القلقشندي يردُّ عليه بقوله:

"ولا عبرة بقول الحمداني: إنهم غير عامر بن صعصعة، وغير عامر المنتفق؛ بل هم من عامر بن صعصعة".[10]

والصحيح هو أنّ الحمداني لم يخطئ، ولكنه – كما قلتُ – لم يحسن صياغة جملته، فهو أراد أن يقول إنّ عامر هؤلاء الذين يتحدث عنهم هم بطنٌ عُقيلي من عامر بن صعصعة غير عامر المنتفق المعروفين في عُقيل؛ في جنوب العراق، ولأنّه ظنّ أنه ربما يلتبس الأمر على البعض، فيظن أنهم قبيلتهم الأم عامر بن صعصعة، فقد بادر إلى نفي ذلك أيضاً بقوله: وهم غير عامر بن صعصعة، ولهذا نرى القلقشندي عندما صحح ما رآه خطئاً في كلام الحمداني قال: "بل هم من عامر بن صعصعة"، ولم يقل: بل هم عامر بن صعصعة، وما قول القلقشندي هذا هو مُراد الحمداني ذاته إلا أنّ القلقشندي كتب جملته بصياغة أفضل من الحمداني.

وعامر هؤلاء لم أجد من رفع نسبهم إلى عُقيل بسلسلة صريحة إلا ابن خلدون في تاريخه؛ حيث ذكرهم في أربعة مواضع منه، ولكنه لم يرفع نسبهم إلى عُقيل إلا في موضع واحدٍ منها فقط؛ قال فيه إنهم:

"بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر بن عُقيل".[11]

ولكن يبدو أنّه يوجد بعض النقص في هذه السلسلة، ومنه أنّ عوف بن عامر بن عُقيل لم يذكر له النسابون ولداً يُعرف بمالك صليبة، وإنما مالك هو ابن ابنه ربيعة كما ذكر الهجري في نوادره،[12] فتكون سلسلة النسب هذه على هذه الصيغة:

عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن ربيعة بن عوف بن عامر بن عُقيل

وقد ذكر بني عامر بن عوف هؤلاء يوسف بن سيف الدولة التغلبي المعروف بابن زمَّاخ الحمداني (توفي ≈ 670هـ) في كتابه (الأنساب)، وهو مفقود حتى الآن؛ إلا أنه - ولحسن الحظ – نقل لنا عنه ابنُ فضل الله العُمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ما قاله عنهم، فذكر وفادتهم إلى مصر في أيام الظاهر بيبرس البندقداري الذي حكم في الفترة (658 – 676هـ)، فكان مما نقله عن الحمداني قوله:

"قال: ومنهم القديمات، والنّعائم،[13] وقباث،[14] وقيس،[15] وثعل،[16] وحرثان، وبنو مطرّف،[17] وذكر أنهم وفدوا في الأيام الظاهريّة صحبة مقدّمهم محمد بن أحمد بن المُفَدَّىْ[18] بن سنان بن غفيلة[19] بن شبانة بن قديمة بن نباتة بن عامر".[20]

ثم قال ابن فضل الله (توفي 747هـ) مضيفاً على كلام الحمداني:

"وتوالت وفاداتهم على الأبواب العالية الناصريّة،[21] .. وكانت الإمرة فيهم في أولاد مانع إلى بقية أمراء فيهم وكبراء لهم، ودارهم الإحساء والقطيف وملج، وأنطاع، والقرعاء، واللهابة، وجودة، ومتالع".[22]

وهذه البطون الواردة في هذا النصّ ليست كلها من بني عامر بن عوف العُقيلية، ولكنها تلتقي معها في عُقيل، وقد ذكر وجودها في البحرين، وغيرها معها ابنُ المقرَّب العُيوني وشارحُ شعره قبل قرنٍ ونيّف من نصّ ابن فضل الله، ففي قصيدته النونية التي قالها عام 617 للهجرة، والتي قال فيها مُقرّعاً حكام أسرته العُيونية، وينعى عليهم ركونهم إلى عُقيل وإعطائها كل ما طلبوه من مال البحرين وموارده وبساتينه:

فَكَفَىْ لَكُمْ بـ ( قُدَيْمَةٍ ) وَ ( مُقَدَّمٍ ) 

          وَبـ ( عَبْدَلٍ )، وَالنَّكْدِ مِنْ ( حرْثَاْنِ )

وَبـ (جَعْفَرٍ ) وَ ( بمُسْلِمٍ ) وَ ( مُطَرِّفٍ )

          وَ ( يَزيْدَ ) وَ ( الأَحْلاْفِ ) وَالبـِدْوَاْنِ

وَسَوَاْقِطٌ أضْعَاْفُهُمْ قَذَفَتْ بهِمْ

          ( نَجْدٌ ) مِنَ الآكَاْمِ وَالغِيْطَاْنِ[23]

كما ذكر (آل المُفَدَّىْ) الذين منهم مقدمهم هذا المدعو محمد بن أحمد بن المفدى في قصيدة أخرى قالها يمدح ابن أختهم الأمير محمد بن محمد بن أبي الحسين العُيوني إثر تولّيه حكم البحرين؛ قال فيها:

سوى أنّ من نسل (المُفَدَّى) عصابةٌ

          أبو أن يطيعوا في هواه العواذلا[24]

في حين ذكر شارح شعره (قيس)، و(قباث) في مواضع متفرقة من شرحه لشعره،[25] فهذه هي كل البطون التي ذكرها الحمداني ونقلها عنه ابن فضل الله، وزاد عليها ابن المقرَّب وشارح شعره: (مقدم)، و(جعفر)، و(مسلم)، و(يزيد)؛ في حين لم يذكرا (النعايم)، و(ثعل) الذين رجَّحتُ أنها قد تكون محرفة عن (عبدل)، ولم يذكر ابن المقرَّب وشارح شعره أيضاً (آل مانع) الذين زادهم ابن فضل الله على الحمداني وقال إنّ الإمرة كانت فيهم في وقته، وهم آل مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قُديمة، وجدهم مانع بن علي بن ماجد بن عميرة هذا هو الذي ذكر وصَّاف الحضرة في تاريخه تَسَلّمَه مع ابن عم أبيه عصفور بن راشد بن عميرة حكم القطيف وأوال عام 654 للهجرة من سلطان قيس وهرمز؛ الأتابك أبي بكر بن سعد السلغري.[26]

وأما (جعفر) المذكورون في شعر ابن المقرَّب، فهم بنو جعفر بن عمرو بن المُهيّأ القيسي العُبادي العُقيلي الذي قال عنه الهَجريُّ في تعليقاته إنه سيد كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة في وقته، وكعب هو والد عُقيل جدّ القبيلة التي منها هذه البطون.

وأما الذي يهمني أكثر من هذه البطون، فهو بطن القديمات أولى البطون المذكورة في هذا النصّ، والذي صرنا نعرف الآن نسبهم بعد هذ العرض، وأنهم: بنو قديمة بن نباتة بن عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن ربيعة بن عوف بن عامر بن عُقيل، فهذا البطن كان منه جُلُّ الأسر العُقيلية التي حكمت إقليم البحرين بعد سقوط الدولة العُيونية ابتداءً من العقد الرابع من القرن السابع للهجرة إلى العقد الأول من القرن الثامن، ومن هذه الأسر القُديْميّة التي حكمت البحرين في هذه الفترة:

·     آلُ محمد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة: وهم رهط أبي عاصم بن سرحان بن محمد بن عميرة الذي كان أول من سلمه سلطان هرمز وقيس أبو بكر السلغري حكم الأحساء والقطيف عام 641 للهجرة، وذلك بعد ثماني سنوات من مقتل آخر أمراء الدولة العُيونية؛ محمد بن محمد بن ابي الحسين العُيوني في جزيرة أوال على يد جيش حاكم قيس وهرمز الأتابك أبي بكر السلغري عام 633 للهجرة حسب تاريخ وصَّاف.[27]

·     آل عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة.

·     آل مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة: وسبق أن أوضحت أنّ عصفور ومانع هذين هما اللذان تسلما حكم القطيف وأوال عام 654 للهجرة، وذلك بعد مقتل ابن عمهما أبي عاصم المذكور.

·     آل المُفَدّى بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة: ومنهم هذا الزعيم الذي نعته الحمداني بمقدمهم في الوفادة على الظاهر بيبرس البندقداري؛ محمد بن احمد بن المفدّى.

·     آل رميثة: وأعني الذين منهم سعيد بن مغامس بن سُليمان بن رميثة الذي ذكره ابنُ ناظر الجيش في (تثقيف التعريف) ضمن عرب البحرين، ولكنه سمّاه سعد بن مغامس،[28] ويُحتمل أن يكونا أخوين (سعد وسعيد)، وبالرسم الأخير عموماً ذكره المقريزي في (درر العقود الفريدة)،[29] وابن حجر في (الدرر الكامنة)، ونعتاه بالقرمطيّ[30] وذكرا قيام جروان المالكي القرشي عليه، وانتزاعه حكم البحرين كلها منه عام 705 للهجرة.

وجروان هذا كما ذُكر في ترجمة حفيده إبراهيم بن ناصر بن جروان[31] في المصدرين السابقين اللذين ذكراه - وهما درر المقريزي ودرر ابن حجر - من "بني مالك القرشي" كما قال المقريزي، أو "المالكي من بني مالك بطن من قريش" كما قال ابن حجر، ولا أرى أنّ القرشي أو قريش في هذين النصَّين هو نسبة إلى قبيلة قُريش قبيلة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بل أرى أنه نسبة إلى القرشة البطن المعروف في بني خالد الحجاز الذين ذكرهم ابن فضل الله العُمري،[32] وأرى أيضاً أنّ القرشة هؤلاء هم بطنٌ عُباديّ من بني عُقيل، يُنسبون إلى قُرَيْش بن بدران بن المقلّد بن المسيَّب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر بن عمرو بن المُهيَّأ بن بُريْد بن عبد الله بن زيد بن قيس بن جُوثة بن طهفة بن ربيعة بن حزن بن عُبادة بن عُقيل، وقُريش هذا كان أشهر ملوك الموصل في زمانه وابن ملوكها وأبو ملوكها، وكان له ذرية كبيرة في العراق فيهم الملوك وغيرهم، فليس بغريبٍ أن يتكون فخذٌ عُقيلي من نسله دُعوا في أول الأمر بـ(آل قريش)، ثم خُففت إلى القرشة.

وهذا يعني أنه باستيلاء جروان المالكي القرشي على الحكم، فإنّ حكم البحرين خرج من أفخاذ القُدَيْمات من عامر بن عوف العُقيلية لأول مرّة لينتقل إلى بطنٍ آخر من عُقيل، وهم بنو المُهيَّأ من قيس جوثة العُباديين العُقيليين الذين ينتمي إليهم قريش بن بدران جدّ القرشة – كما أرى – وكان لبني المُهَيَّأ صِيتٌ كبير في نجد، والعراق، والشام منذ قيام دولة القرامطة وما بعد ذلك عبر الأسر التي حكمت منهم في نجد، والعراق والشام؛ كآل المقلد بن المسيّب، وآل مَقَنّ بن المُقلَّد، وآل مهارش صاحب الحديثة، وسنرى ذلك فيما يلي من البحث، وأما أسباب انتقال الحكم من القُديمات من بني عامر بن عوف العُقيليين إلى بني المُهَيّأ، فهو الصراع الدموي المرير الذي وقع بين أفخاذ وأسر القديمات وحلفائهم الذين لم يمرّ على استلامها للحكم في البحرين إلا بضعة عُقود، وإذا هي تتصارع على حكمه، ويقتل بعضهم بعضاً، وهو ما دوّنه ابن فضل الله العُمري المتوفى عام 749 للهجرة عندما قال عن بطون عامر من القديمات وحلفائها التي ذُكرت قبل قليل:

"وإنما الكلمة قد صارت بينهم شتّى، والجماعة مفترقة".[33]

كما ذكر ذلك ابن الشعّار الموصلي في كتابه الموسوعي (قلائد الجُمان في فرائد شعراء هذا الزمان)؛ في ترجمة هرير بن المعمّر بن سنان بن غفيلة بن شبانة، وقتله من قبل ابن عمّه عيسى بن المُفَدّى بن سنان بن غُفيلة؛ حيث نقل ابنُ الشعّار عن أبي البركات المستوفي الإربلي الذي كان يقصد البحرين كثيراً للتجارة في اللؤلؤ قوله:

"كان بين هُرير وبين عيسى بن المفدّى صفاءٌ ومودّة لا يشوبه ريبٌ من مفاوضة بالمال والأنفس، ثم ضرب الدهر ضربانه، فاحتربوا لأمور بينهم ومنافسات".[34]

ثم ذكر كيفية قتل عيسى لهرير في ثاج من البحرين، وهي الحرب التي وقعت عندما قام الأمير فضل بن محمد بن الحسين العُيوني بالثأر لوالده الأمير محمد الذي قتله راشد بن عميرة بن سنان بن غفيلة ابنُ عمّ المقتول هُرير بن معمّر بن سنان بن غفيلة، والقاتل، وهو عيسى بن المفدّى بن سنان بن غفيلة، وكان بنو المفدّى مع الفضل ابن محمد لأنه ابنُ أختهم؛ في حين يبدو من نصّ الإربلي أنّ آل مُعمّر كانوا مع بني عمهم عميرة ضد آل المفدّى.

وواضح من روايتي الإربلي وابن فضل الله مدى ما وصلت إليه حال هذه الأسر القديمية من ضعف، وأضيف أنّ هذا الأمر لم يكن وليد هذه اللحظة، وإنما كان موجوداً حتى في آخر دولة العُيونيين عندما كانت هذه الأسر يقاتل بعضها بعضاً أيضاً تحت ألوية الحكام العُيونيين الذين كانوا هم أيضاً حينها في حروب عنيفة ومتواصلة بين بعضهم البعض لأجل الحكم والسلطة، وما يحدث الآن هو امتداد لما حدث سابقاً، وما أشبه الليلة بالبارحة.

وحتى بطون بني المُهيَّأ العُباديين العُقيليين دخلت في ذات الدوّامة المهلكة هذه، فبعد أن تمكن جروان المالكي القرشي المُهيَّئي من تأسيس دولة له ولبنيه في البحرين على حساب القُديميين إلا أنّه، وبعد قرنٍ من الزمان اصطدم خلفاؤه ببطنٍ عُقيلي آخر من فخذهم آلِ المُهيّأ القيسيين العُباديين استطاعوا أن ينتزعوا منهم حكم الأحساء والقطيف، وهذا البطن هو (آل مقدّم) الذين مرّوا بنا في شعر ابن المقرَّب؛ حيث تمكن هذا البطن أخيراً من السيطرة على حكم إقليم البحرين كله عبر أسرة منه عُرفت في تاريخ المنطقة باسم (بنو جبر)، و(آل جبر)، و(الجبريّون)، وهذا وقت التفصيل في نسبهم، وبعض المعلومات التي سأذكرها عنهم في هذا البحث سبق أنْ توصَّل إليها من سبقني للكتابة عنهم من الأساذة الأفاضل كالشيخ حمد الجاسر – رحمه الله – والشيخ ابن عقيل الظاهري، والدكتور عبد اللطيف الحميدان، والأستاذ سعد الصويّان، وغيرهم وبعضه لم أجد من التفت إليه، وهذا تفصيله، فما أذكره مما سبقني إليه هؤلاء الأساتذة الأفاضل، فالفضل فيه لهم حتى وإن سهوت عن نسبته إليهم، وأما ما عدا ذلك، فهو لي.

أولاً: بنو جبر من عُقَيْل بنُ كَعْبِ بن رَبيْعَة بن عَامِر بن صَعْصَعَة

وهو من أوضح نسبهم، فبالإضافة إلى نتفٍ قليلة ونادرة عن نسب بني جبر وردت في القليل جداً من المصادر التاريخية التي كتبت عنهم أو عن بعض شخصياتهم، فقد ساهم الشعر المُسمى بـ(الشعر النبطي) أو الشعبي في الكشف عن نسب بني جبر إلى عُقيل بفضل شعر شعراء نبطيين من نجد وشرق الجزيرة العربية مثل: الكليف الجبري،[35] وعامر السمين، وجعيثن اليزيدي، وابن زيد وغيرهم من الذين رفعوا نسبهم إلى عُقَيْل بن كَعْب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الهوازنية المُضَريّة.

فمن المؤرخين الذين ذكروا ذلك؛ السخاوي في ترجمته لأجود بن زامل الجبري في كتابه (الضوء اللامع)؛ عندما قال عنه: "العُقَيْلي الجَبْريّ"، وهي شهادة لا ينقصها التوثيق لأنّ السخاوي وصاحبه السمهودي كانا يجالسان أجود بن زامل هذا، وعنه أخذا ترجمته ونسبه شفهياً كما نصّ السخاوي في آخر ترجمته هذه، والأمر ذاته دوّنه الملطي المعاصر لهما في ترجمة أجود من كتابه (المجمع المفنن بالمعجم المعنون).[36]

وأمّا شعراء النبط الذين رفعوا نسب الجبريين إلى عُقيل، فمنهم؛ الشاعر عامر السمين الذي قال في قصيدته التي يمدح فيها الشيخ قضيب[37] بن زامل بن هلال بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري:[38]

صَفْوَةْ عُقَيْلٍ هُوَ أصْطَاْهَاْ وَأفْرَسَهَاْ

وَأخْيَاْرَهَا هِمَّةٍ فِيْ كَسْبِ الْاَنْفَاْلِ

وكذلك نجد في شعر ابن زيد – وهو من قدامى شعراء الدولة الجبرية – قوله يمدح زامل بن أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري، أو عمَّه زامل بن حسين بن ناصر:[39]

ضعاين يتلين الغريري زامل

لكن جما حرجاتهن عرين

على راي ملكٍ من عقيلٍ مجرّب

لتالي المعايا الجاذيات ضمين

وهذا يكفينا لأنّ انتساب الجبريين إلى عُقيل هو أمرٌ معروف مشهور، ولن أطيل الحديث عنه بأكثر مما ذكرت.

ثانياً: بنو جبر من بني قَيْسِ جوثة من عُبَادَة بن عُقَيْلْ

ونجد الشعراء النبط أيضاً ينسبون شيوخ الجبريين وحكامهم إلى بني قيس من عُقيل، وهو ما يبدو من قول الكليف في مقرن بن قضيب بن زامل الجبري:[40]

واقفٍ عن أسلاف قيسٍ خافه

فيها الوحوش رواغدٍ هَمَّالها

وأكثر وضوحاً منه قول جعيثن اليزيدي في داليته الشهيرة التي يمدح فيها مقرن بن زامل بن أجود الجبري:[41]

نشا بين سيفٍ والغُريري زاملٍ 

فيا لك من عمٍّ كريمٍ ووالد

وبين أجودٍ سلطان قيس وركنها

عن الضيم أو في المعضلات الشدايد

وسَيْف في البيت الأول: هو سيف بن زامل بن حسين بن ناصر، وزامل المقرون معه في ذات البيت: هو والد سيف هذا، ووالد أخيه أجود الذي نعته بـ"سلطان قيس" في البيت الثاني، وهو الذي يقول فيه الشاعر النبطي المعروف عامر السمين:[42]

قيسي خيار عقيل جملا كلهم           العامري من قيس أوفى مقسما

فقيس في الشطر الثاني المراد بهم قيس عيلان، والعامري نسبة إلى عامر بن صعصعة من قيس عيلان، ولكنّ قوله: "قَيْسِيْ خِيَارُ عُقيل" في الشطر الأول من الواضح أنه ينسب أجوداً إلى بطنٍ اسمه قيس نعتهم بأنهم "خيار عقيل"، وهو ما يؤكده أكثر قوله بعد هذا البيت ببيتين ناسباً ممدوحه إلى آل المقدّم:[43]

وإلـى المُقَدَّمِ أصلُهُـمْ آلُ المَضَا  وآل المَضَاْ منْ قَيْس أوفى مقسما

فمن هُم قيس هؤلاء الذين وُصفوا في شعر عامر بأنهم "خيار عُقيل" يا تُرى؟.

والجواب هو أنهم: قيْسُ بنُ جُوْثَة بنِ طهْفَة بنِ حَزْنِ بنِ عُبَاْدَة بن عُقيل الذين منهم آل المُقَلَّد بن جعفر بن عمرو بن المُهَيَّأ بن بُريد ابن عبد الله بن زيد بن قيس بن جُوْثَة؛ البطن الذي قدَّم الأسر التي تزعّمَت في الموصل وتكريت والحديثة ودُجَيْل والمسَيَّب، وجنوب العراق لمدة أربعة قرون بدءاً من القرن الرابع الهجري، وحتى نهاية القرن السابع، وذكرهم الشعراء في هذه القرون الأربعة عند مدحهم لزعمائهم الذين كان من أشهرهم: أبو المنيع قرواش، ووالدُه مسلم، وجدّه قريش بن بدران بن المقلد بن المُسَيَّب بن رافع بن المُقَلَّد بن جعفر ملوك الموصل في القرنين؛ الرابع، والخامس الهجريين، وقرواش هو الذي مدحه الشاعر الحيص بيص بقوله:[44]

وأبـلج مـن عُـليـا عُقْـيـل يَسـرُّه

حَمِيْدُ المَسَاعِيْ وَالنَّدىْ والتَّكَرُّمِ

..

يُطِيْفُ بهِ منْ قَيْسِ جُوْثَة فِتْيَةٌ

جَرِيْئُوْنَ فِيْ يَوْمَـيْ نَدَىً وتَقَدُّمِ

وقيس جوثة هم أيضاً الذين مدحهم الشاعر العباسي صرَّ درّ بقوله يصفُ ركائبه:[45]

تـخــطَّت شُعـوبـا من ذؤابة عامـرٍ

لها العزُّ حامٍ والنجاحُ خفيرُها

وساعدها من آلِ جُوثَةَ عصبةٌ

إذا ثـوّب الداعي يعزُّ نصيرُها

وللأبيوردي الشاعر قصيدة في مدح أحد أمراء قيس جوثة هؤلاء، ومما قاله فيها مخاطباً إبله:[46]  

وتُـرْويــكِ فـي قَـيْــسٍ حِـيــاضٌ تُـظِـلُّهـا

ذَوابِـــلُ فـــي أيْـــدي لُيــوثٍ خَــوادِرِ

..

بَــنـــو عَــرَبـــيّــاتٍ يَـحــوطُ ذِمـارَهــا

كُـمــاةٌ كـأنْــضــاءِ السّيـوفِ البَواتِـرِ

إلى أنْ يقول:

ولمـا طَـوَتْ عـنّــي خُـزَيْــمــةُ كَشْـحـهـا

ولم تُرْعَ فـي حَـييّ قُـرَيْــشٍ أواصِـري

لوَيْـتُ عِـنــانــي والليـالي تَنـوشُـنـي

إِلى أرْيَحيٍّ من ذُؤابَةِ عامِرِ

ثم يقول في مدحه:

فغَضَّ طِماحَ الحرْبِ وهْيَ أبيّةٌ

بكُـــلِّ عُقَيْليٍّ كَريمِ العَـناصِرِ

وحَفّتْ بهِ مِنْ سِرِّ جُوْثَةَ غِلْمَةٌ

مَناعيشُ للمَوْلى رِقاقُ المآزرِ

إذا اعْتَـنَـقَ الأبْطالُ خلْتَ عُيونَهُـمْ

تَبُثُّ شَرارَ النّـارِ تحت المَغـافِـرِ

يَصولونَ والهَيْجاءُ تُلقي جِرانها

بـــمـــأثـــورَةٍ بِــيـــضٍ وأيْــدٍ قَــوادِرِ

ويرجون من آل المُهَيّا غطارفاً

عظام المقاري واللهى والمآثر

ويُنمى ضياء الدين من كبرائهم

إلى خير بادٍ في معدٍّ وحاضرِ

ثالثاً: بنو جبر من آل المَضَاْءِ بنِ المُهيّأ مِنْ قيْس جُوْثة من عُقيل

لقد رأينا الأبيوردي قد ذكر للتوّ من نسب ممدوحه أنه عامريٌّ عُقيليٌّ قَيْسِيٌّ مُهيّأي، وهذه النسبة الأخيرة هي إلى بني المُهَيَّأ بن بُريد ابن عبد الله بن زيد بن قيس بن جوثة، وهم كان فيهم البيت من قيْس بن جُوْثَة بنِ طهْفَة بنِ حَزْنِ بنِ عُبَاْدَة بن عُقيل لأنّ كل ملوك عُقيل الذين سبق القول إنهم تزعموا في الموصل وتكريت والحديثة ودجيل والمسيّب وجنوب العراق من قيس جُوثة كانوا من آل المُهيّأ هؤلاء؛ كآل المقلد بن المُسيَّب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المُهَيّا في الموصل وقلعة جعبر والرحبة وما حولها، وآل مَقَنّ بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المُهَيّا في دجيل وتكريت، وآل مهارش بن مجلّي بن عُليب بن قِيان بن شعيب بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المُهَيّا في الحُديثة، وبُريد والد المُهيّأ هو الذي قال عنه النويري في (نهاية الأرب في فنون الأدب):

"والفخذ العظمى من بني عقيل بعد بني خفاجة: بنو بُريد[47] - بضم الياء - بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة[48] بن طهفة بن حزن بن عبادة: عشيرة الأمير أبي المنيع شرف الدولة محمد بن مرداس، ودرج شرف الدولة، وهو ملك العرب".[49]

وهذا النصّ غريب من عدة أوجه؛ منها أنه لا يُعرف في بني عُقيل فخذٌ يُدعى بنو بُريد إلا في هذا النصّ، والمعروف في هذا الفخذ هو نسبته إلى ابنه المُهَيَّأ بن بُرَيْد كما سنرى بعد قليل، والبطن الذي ينتمي إليه هذا الفخذ يُعرف بـ(قيس جُوثة) كما رأينا فيما مضى، ووجه آخر غريب أيضاً في هذا النصّ، وهو قوله إنّ هذا الفخذ هو عشيرة الأمير أبي المنيع شرف الدولة محمد بن مرداس؟!، والصحيح أنّ أبا المنيع هي كنية قرواش بن المقلَّد بن المُسيَّب بن رافع بن المقلّد بن جعفر بن عمرو بن المُهَيّأ أحد أشهر حكام آل المُهَيّأ بن بُرَيْد، وشرف الدولة هو لقب حفيد ابن أخيه؛ مسلم بن قريش بن بدران بن المُقلَّد، وأما محمد بن مرداس، فلم أقف على علمٍ بهذا الاسم من آل المُهيَّأ.

وقبل أن تتزعم هذه الأسر في العراق؛ بل قبل أن يهاجروا إليه مع قرامطة البحرين وقت حروبهم في العراق؛ كانوا مع قومهم عُقيل في نجد، وكانت عُقيل نجد، ومنهم بنو المُهَيّأ قد انضموا إلى قرامطة البحرين عند قيام دولتهم على يد أبي سعيد الجنابي، وصاروا أشد وأكثر مناصريهم كما سبق وذكرت؛ حتى إنّ حفيد المُهَيّأ، وهو جعفر بن عمرو بن المُهَيَّأ - الذي كان سيّد كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة كلها في زمنه بحسب توصيف الهجري له في نوادره – سَمّى ولداً له بـ(قِرْمِطيّ)، وقد تكفل لنا شاعر نجديٌّ معاصرٌ للهَجَرِيّ؛ يُقال له السَّبَّاق الباهلي بذكر منازل آل المُهَيَّأ في نجد، وذكر بعض أحوالهم في قطعة شعرية قالها لابن عمٍّ له يعاتبه، فمما جاء فيها قوله:

أما قد قلت ويحك فارِضُوْني

إلى أهل اليمامة أو ضَرِيّهْ

وإن شئتم إلى أهل المُهيّا

ففيهم كُلُّ مكرمة وهَيّه

رجالٌ لا يُفَزَّعُ سَرْبُ جارٍ

يُجاورهمْ ولا يُرزا رزيّه

يقودون الجياد مُسوَّماتٍ

لكلّ قبيلة منهم سريه

سراعاً مجهدين على عداهم

ونهضتهم على كعبٍ وطيّه

تلوذُ عِداهمُ بالبحر منهم

مع الحيتان تأكلها طريه

حموا ما بين دار بني سُليمٍ

إلى ما ردَّ فيدُ إلى طَمِيّه

إلى دار الحَريش فبطن بـِركٍ

بلادٌ لا تعنَّفُها الرعيه

بجُرد الخيل والأسل اليماني

وزُرْقٍ لا تطيشُ عن الرميّه

وأسيافٍ بأيمانٍ كرامٍ

مشاهدُها وتفري في الهَريّه

فكم من كلِّ ذات شَوىً خِدالٍ

عِذاب الثَّغر سيّدةٍ حييه

مُمنَّعةٍ بأطراف العَوالي

صدُوق القولِ عاقلةٍ تقيه

غدا مِن عندها بعلٌ حلالٌ

فلم يرجعْ وعاقته المنيه

وقد أمسى بدنياه ضنيناً

وراح على مُعزّبةٍ حفيه

تَسَاْلُ ذوي القرابة هل رأوه

وتندبه: ألا يَا بَاْ بَنِيّه

وعند أبي المُقلّد منه علمٌ

وعينٌ عند منهالٍ جليه

وقد علّق الهجريّ على البيت الأخير بقوله:

"أبو المقلّد: جعفر بن عمرو بن المُهيّا سيدُ كعبٍ اليوم، ومنهال: ابن عمرو".[50]

يعني أنه أخو جعفر، وأما المقلّد الذي كنى الشاعر الباهلي جعفرَ بن عمروٍ به، فهو والد حكام العراق من عُقيل في القرن الرابع الهجري وما بعده، وهو بيت المُلكِ والشرف من آل المُهيأ مثل ما أنّ رهطه آل المُهيّأ هم أهل البيت والشرف من قيس جوثة.

وبنو المُهَيّأ هم الذين خصّهم أبو فراس الحمداني بالهجو عندما هجا بني عُقيل بن كعب عامة عند بدء قيامهم بالتحرش بالدولة الحمدانية بالموصل وما حوله في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وكان بنو عُقيل تحت قيادة ندى بن جعفر بن عمرو بن المُهيّأ، والحمدانيون تحت قيادة سيف الدولة، فقال أبو فراس بعد أن انتصر الحمدانيون عليهم في المعركة:[51]

قَرَينا بِالسَماوَةِ مِن عُقَيلٍ

سِباعَ الأَرضِ وَالطَيرِ السِغابا

وَبِالصَبّاحِ وَالصَبّاحُ عَبدٌ

قَتَلنا مِن لُبابِهِمُ اللُّبابا

تَرَكنا في بُيوتِ بَني المُهَيَّا

نَوادِبَ يَنتَحِبنَ بِها اِنتِحابا

وبالعودة إلى شعراء النبط في شبه الجزيرة العربية مرّة أخرى، فإننا نجد في شعر أكثر من واحدٍ منهم النصّ على أنّ بني جبر الأسرة التي حكمت القطيف والأحساء وجزيرة أوال؛ مِن وُلْدِ رَجُلٍ قيسي عُقيلي اسموه: المَضَا، وهو تسهيل المضاء، فنجدُ في شعر الكليف الجبري الذي سبق ذكره قوله الذي يمدح فيه مقرن بن قضيب بن زامل بن هلال بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري:[52]

إلى اصْبيحيٍّ من أولاد المَضَا

راعي عطايا ما يمن جزالها

وفيها أيضاً:

بيُمْنى غُريريٍّ من أولاد المَضَا

مرخص دبيل الروح عند قتالها

وعندما مدح الشاعرُ ابنُ زيد المقدَّميُّ أجودَ بن زامل الجبري العُقيلي، وتوعَّد فيها بعض أعداءه قال مفتخراً بحمايته لكلأ الربيع عن رعيهم له:[53]

وانْ جادَ خَطْرٍ قد تهيّا نباته

وقد سال بايّام الربيع وجاد

رعيناه بالشم المناعير والقنا

إلى عنه مذموم العشيرة حاد

بجمع ٍ مَضَاوِي لكن حرابه

نجوم الدجى خطر ٍ لقاه مكاد

ومَضَاوِيْ في البيت الثالث هو جمع نسبة إلى (مَضَاْء) كما يُقال: سَمَاويّ في النسبة إلى سماء، وخلاويّ في جمع خلاء.

غير أنّ أفضل من فصّل لنا نسب المَضَا من هؤلاء الشعراء هو الشاعر النبطي المسمّى بعامر السمين المتقدم ذكره هو أيضاً، والذي حفظ الرواة لنا قصيدة له على قافية الميم قالها في مدح الشيخ قطن الجبري، وما يهمّنا منها هي خمسة أبيات سأذكرها هنا وفق ترتيبها في القصيدة، وهي قوله:[54]

اقصدْ بنا قَطَن بن سيفٍ ناشرٍ

ثوب المديح فربما انّك تغنما

ورث المُروّة من أبوه وجده

حاش المعالي فارعٍ ومعمما

قَيْسِيْ خيار عقيل جـمـلاً كلـهـم

العامري مـن قَيْـس أوفـى مقسمـا

وإلىْ[55] تـفـاخـرت الأصـــول بـعـامـر

فـخـيـارهــا وأعـــزهـــا الـمتـقــدمــا[56]

وإلـى المُقَدَّمِ أصلهُـمْ آلُ المَضَا

وإلى المَضَاْ منْ قَيْس أوفى مقسما

وإليك يا قطن بن سيف تتابعت

أهل المكارم أكرماً من أكرما

وأرى أنَّ صحة البيت الخامس هي كالتالي:

وآلِ المُقَـدَّم أصلُهـم آلُ المَضَا

وآلِ المَضَا من قَيْس أوفى مقسما

والواضح من قول السمين في هذا البيت هو أنّه ينسب ممدوحه الجبري إلى آل مُقدَّم الذين ذكرتهم في ما مضى من هذا البحث، ثم ينسب آل مقدم إلى آل المَضَا، وينسبُ هؤلاء الأخيرين إلى قيس الذين سبق وقلت إنهم قيس جُوثة من عبادة بن عُقيل، وسوف أؤجّل الحديث عن نسب آل المقدم إلى ما بعد إنهاء حديثي عن المَضَاْءِ الذي رأينا حتى الآن أكثر من شاعر نسب الجبريين إليه، فمن هو المَضَاْءُ والد الجبريين هذا؟.

ورد ذكر (المَضَا) بهذا الرسم في نصٍّ نادرٍ لابنِ عنبة في كتابه المطبوع باللغة الفارسية بعنوان: (الأصول الفخرية في أصول البريّة)، فقد قال فيه ضمن حديثه عن قبيلة عُبادة العُقيلية ما هذه ترجمته:

"ومِنْ عُبَاْدَة: آلُ المُهَنَّا، وآل مُهَاْرِشْ، وآل مَعَن، وجُوْثهْ، والمَضَاْ، والمُرَقّعْ"[57]

وفي هذا النصّ تصحيفان، فـ(آل المهنّا) هم: (آل المُهيَّأ)، وهذا خطأ تكرر كثيراً في اسمِ هذا البطن العُقيلي في أكثر من مصدر تاريخي، والصحيح أنهم بنو المُهَيَّأ بن بُريد القيسيون العُباديون الذين سبق الحديث عنهم قبل قليل، والتصحيف الثاني هو في (آل معن)، والصحيح أنهم: (آل مَقَنّ) بالميم المفتوحة، فالقاف المفتوحة، فالنون المشددة، وهم أيضاً قد ذكرتهم فيما مضى، وأما (آل مهارش) و(جوثه)، فقد كُتب اسماهما صحيحين، وسبق وذكرتهما أيضاً، ويبقى ما يهمنا أكثر في هذا النصّ، وهو: المضا، فهذا نصٌّ صريح من ابن عنبة على أنهم من عُبادة بن عٌقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ولكنّ ابن عنبة لم يذكر لنا سلسلة نسب المَضَا إلى عُبادة، وهو الأمر الذي تكفَّلَ لنا به الهجري في كتابه (التعليقات والنوادر) الذي ذكر في كتابه هذا ما يُفيد أنه كان للمُهَيّأ جدّ آل المُهيّأ - الذين تحدثت عنهم قبل قليل - ولدٌ آخر غير ابنه عمرو؛ اسمه: المَضَاءُ بنُ المُهَيَّأ لم يفرده بالذكر، ولكنه ذكر ابنه عَلِيَّاً ابن المضاء بن المُهَيَّأ، فقال:

"أنشدني علي بن المضاء بن المُهَيَّا، وأبو صالح الخفاجي؛ عُقَيْليّانْ".[58]

 وبالربط بين هذين النصَّين يتضح لنا أنّ المضا هو المَضَاءُ بن المُهَيَّأ عَمُّ جعفر بن عمرو بن المُهيّأ المعاصر للهجري؛ الذي نعته بـ"سيّد كعب"، وقد سبق وأوضحتُ أنّ جعفراً هذا هو والد البطن الذي ذكره ابن المقرَّب في نونيته المتقدمة؛ كما سبق القول إنه والد ملوك الموصل وشمال العراق ووسطه الذين بسطوا سيطرتهم عليه منذ القرن الرابع الهجري وحتى القرن السابع، فهذا هو إذاً المضا الوارد في شعر شعراء النبط الذين نسبوا إليه سلاطنة ومشايخ الجبريين، وعلى ذلك يكون المضاء من رجال القرن الثالث الهجْري لأنّ الهَجَرِيَّ يروي عن ابنه عليّ بن المَضَا الذي كان قد بلغ مبلغ الرجال الذين يُؤخذ عنهم العلم، والهَجَرِيُّ توفي حدود عام 300 للهجرة.

وأرى أيضاً أنّ أمَّ المضاء هذا هي هُنيدة الخفَاجيّة العُقيلية التي ذكرها المرزباني في كتابه (أشعار النساء)، فقال:[59]

"أخبرني الصُّوْليُّ؛ قال: حدثنا عليُّ بنُ الصّباح؛ قال: أنشدنا أبو محلم لهنيدة الخفاجية في ابنها المضاء:

يا رَب من عابَ المَضَاْءَ أبدا

فاحرِمه أمثالَ المَضَاْءِ وَلدا

كأنَّ عينيه إذا توَقّدا

وأخَذَ المنصلَ ثم استأسدا

عيْنا قطامي من الطير غدا

يَنفض عنه بجناحيه الندى"

وقد تقدم في نصّ الهجري المتقدم هنا أنه ذكر علي بن المضاء مقروناً بأبي صالح الخفاجي، وعليه تكون قرينة على كون أخوال المضاء وولده من خفاجة؛  كما أرى أنّ المَضاءَ هذا قد ورث الشعر عن أمه هنيدة الخفاجية، وأنه كان له قصيدة حماسية قالها يفخر بأبنائه، ونالت شهرةً في عصره؛ ولا سيما بيتٌ منها قال فيه عنهم:

(لا تَخْرَأ الذُّبّانُ فوق رؤوسهم)

كناية عن عزّهم ومنعتهم؛ لأنّ معاصره الجاحظ المتوفى عام 255 للهجرة أورد أبياتاً لشاعرٍ مناقضٍ له؛ لم يذكر لنا اسمه يردُّ عليه، وذكر منها قوله:[60]

أمسى المَضَاءُ ورهطُهُ في هَبْطةٍ[61]

ليسُوا كما كان المَضَاءُ يقولُ

(لا تَخْرَأُ الذِّبان فوقَ رَؤُوسِهم[62])

فاليومَ تخرَأُ فوقَها وتبولُ

وهذا كله يدل على مكانة سامقة كانت للمضاء في قومه، وبالتالي فإنه جدير بأن يفخر به أولاده وأحفاده، فانتسبوا إليه كما هو المعروف في تكوّن الأفخاذ، والبطون، والقبائل.

إذاً وحتى الآن، فإنني أستطيع القول إنّ آل جبر وفق النصوص التاريخية والشعرية التي تقدّمت هم من: آل المضَاْء بن المُهيّأ بن بُريد ابن عبد الله بن زيد بن قيْس بنُ جُوْثَة بنِ طهْفَة بنِ حَزْنِ بنِ عُبَاْدَة بن عُقيل.

رابعاً: بنو جبر من آل مُقَدَّم من آل المَضَاء بن المُهيَّأ من قيس جوثة من عُقيل

لقد مرّ بنا بيتُ عامر السمين الذي يقول - فيه بحسب الرواية التي رجحتها -:

وإلىْ تـفـاخـرت الأصـــول بـعـامـر

فـخـيـارهــا وأعـــزهـــا الـمتـقــدمــا

وآلِ المُقَـدَّم أصلُهـم آلُ المَضَا

وآلِ المَضَا من قَيْس أوفى مقسما

ففي البيت الثاني نصٌّ واضحٌ وصريح على أنّ آل جبر ينتسبون إلى آل مُقَدَّم من آل المَضا الذين هم من قيس؛ الذين قلتُ إنهم: قيس جوثة من عُبادة عُقيل، وقد مرَّ بنا (آل مقدَّم) مروراً عابراً في شعر ابن المقرَّب كما رأينا، ولكنني هنا سأتحدث عنهم بشيء من التفصيل.

فعندما ضعفت الدولة العُيونية في البحرين في القرن السابع الهجري، وقاتل حُكّامها بعضهم بعضاً لجأ هؤلاء الحُكّام إلى بعض بطون وقبائل عُقيل النجدية والعراقية مستعينين بهم في حروبهم ضدّ بعضهم، فأغدقوا عليهم من خيرات البحرين وأمواله بسخاء وكرمٍ منقطع النظير ليكسبوا ودهم ووقوفهم معهم في حروبهم تلك، ولكنّ هذه البطون العُقيلية سرعان ما أدركت مدى ضعف هؤلاء الحكام واعتمادهم الكبير عليهم، فبدأت تخطط لإسقاط هؤلاء الحكام والاستيلاء على البحرين وخيراته لهم وحدهم؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه البطون العُقيلية وحلفائهم لم يكونوا هم أيضاً كلهم متصافين ومتحابين، فقد كانت بينهم هم أيضاً حروب ومعارك وقتال، ولكنهم كانوا يطبقون المثل البدوي المعروف لنا حتى الآن، وهو قولهم: "أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب"، وبالفعل فقد كان هذا هو ما حدث، فكانت هذه البطون العُقيلية أولاً تقاتل بعضها بعضاً هي الأخرى لتثبيت ملك أحد الأمراء العُيونيين ودحر قريبه الذي ينافسه على الحكم، فكانوا يقتلون في هؤلاء الأمراء كما شاءوا لأنهم كانوا هم جندهم الذين يركنون إليهم، وكان أشهر قتلاهم من هؤلاء الحكام العُيونيين هو الأمير محمد بن أبي الحسين أحمد بن أبي سنان محمد بن الفضل بن عبد الله بن علي، والذي كان – ويا للمفارقة – أحد أشهر حكام الدولة العُيونية وأكثرهم اتساع دولة، وكان قد ساعده أصهارُه آل المُفدَّى بن سنان بن غفيلة القُديميين وإخوتهم العَماير - نسبةً إلى عميرة بن سنان بن غُفيلة القُدَيْميين[63] ومن معهم من بطون عُقيل ضدّ بطنٍ من قبيلتهم عُقيل يُدعون (آل مقدم) كانوا قد أتوا من نجد إلى البحرين برفقة العدوّين اللدودين للأمير محمد بن أبي الحسين، وهما الأميران محمد وعلي ابني ماجد بن محمد بن أبي المنصور علي بن عبد الله العُيوني؛ اللذين شنوا هجوماً على الأحساء بقصد الاستيلاء عليها من ابن أبي الحسين، وكان آل مقدّم العُقيليون هؤلاء بزعامة شيخٍ لهم اسماه شارح الديوان المقرَّبي بـ(أبو الجرّاح بن أبي السّواد المُقَدّمي)، وكانت هذه الوقعة سنة 600 للهجرة،[64] وقد انتهت بانتصار الأمير محمد بن أبي الحسين وأصهاره آل المُفدّى، وأحلافه من العماير وغيرهم.

إلا أنه بعد ذلك بعامين انقلبَ العماير – باستثناء آل المُفدَّى – على حليفهم الأمير محمد بن أبي الحسين عام 602 للهجرة، وتحالف زعيمهم وزعيم عُقيل البحرين راشد بن عَمِيْرَة بن سِنان بن غُفَيْلَة مع كل قبائل وبطون عُقيل البحرين ونجد – ومن ضمنهم آل مقدم – وقاموا بقتل الأمير محمد بن أبي الحسين باتفاق وممالأة مع ابن عمّه الأمير عَزيْز بن الحسن بن شكر بن أبي المنصور علي بن عبد الله الذي أصبح هو الحاكم المطلق في البحرين بعد قتل محمد بن أبي الحسين، وكان الثمن لذلك أنه مكّن العماير القُديميين وآل مقدم المهيئيين العُباديين، وغيرهم من بطون قبيلتهم عُقيل في أملاك البحرين وخيراتها ومواردها.

وقد ذكر ابن المقرَّب وشارح ديوانه ذلك في آخر قصيدة قالها في مدح ابن عمّه الأمير محمد بن أبي الحسين في العام ذاته؛ قبيل وقوع هذه المعركة الأخيرة، وكان مما قاله فيها وهو يوجّه الخطاب إلى قبائل عُقيل المذكورة التي تحالفت ضد هذا الأمير:[65]

فمنْ مُبلغاً عنّي عُقيلاً وقومها

وإنْ بعدت دارٌ وشطَّ مزارُ

رويداً بني كعبٍ أفيقوا وراجعوا

حلومكم من قبل تُضرمُ نارُ

..

لتَدْرُنَّ أنّ البغيَ للمرْ مَصْرَعٌ

وأنّ الذي يجني الأميرُ جبارُ

وأنّ أبا الجرّاح فيكم وقومه

كما كان في حيي ثمودَ قدارُ

غداة تعاطى السيف وانصاع عاقراً

فحلَّ به مما جناه بوارُ

وأبو الجرّاح المذكور في هذه الأبيات هو أبو الجرّاح بن أبي السواد المقدّمي المتقدم ذكره؛ شيخ (آل مقدم) النجديين الذي نجح هذه المرّة في تأليب بطون قبيلته عُقيل فيها ضدّ الأمير محمد بن أبي الحسين، فاتحدوا معاً تحت قيادة الشيخ راشد بن عميرة القديمي الذي كان بالأمس القريب أقوى حلفاء هذا الأمير، وهو ما جعل ابن المقرَّب يخاطب بقية بني عُقيل، ولاسيما بحرانييهم منبهاً لهم إلى خطورة ما يفعله بهم أبو الجراح المقدَّمي وقومه النجديون، ويدعوهم إلى تركه وعدم إطاعته؛ إلا أنّ الذي حصل هو انتصار أبي الجراح وقومه آل مقدّم في توحيد قبيلتهم بني عُقيل هذه المرّة ضد الأمير محمد حتى تم لهم قتله وتنصيب ابن عمه عزيزبن الحسن بن شكر الذي كان تابعاً مطيعاً لهم، أو أشبه بوكيل أعمال لهم في البحرين، وليس أميراً لها، وبالمناسبة، فعزيز بن الحسن هذا هو ابن الأمير الحسن بن شكر بن أبي المنصور علي بن عبد الله الذي كان من أكثر الحكام العُيونيين ميلاً إلى بدو عُقيل، وهو والدُ مُقَدَّم بن عزيز الذي سيكون بعد عقدٍ ونصف آخر أمراء العُيونيين في واحة الأحساء، والذي كان بدوياً قحّاً لأنه نشأ عند أخواله في البداوة كما قال شارح ديوان ابن المقرَّب في مقدمة القصيدة النونية التي مطلعها:

كم بالنهوض إلى العُلا تعداني

ناما فما لكما بذاك يدانِ

ويبدو أنّ عزيزاً سمَّى ولده هذا بـ(مقدم) على اسم والد هذا الفخذ العُقيلي (آل مقدّم)، والذين ربما كانوا هم أخوال ولده هذا، فالمصاهرة بين هؤلاء الحكام العُيونيين وبين بطون عُقيل كانت كبيرة جداً، وكانت كلها مصاهرات سياسية ونفعية، وعزيز هذا، ووالده الحسن، وابنه مقدم كانوا أكثر حكام العُيونيين الذين قرّبوا بدو عُقيل، وأعطوهم كل ما تمنوه من أموال البحرين، ولهذا قال ابنُ المقرَّب مؤنباً حكام أسرته العُيونية لركونهم إلى أفخاذ وبطون عُقيل:

سَلوا عن مُلوكٍ منكم هل أفادها

قعودُ عُقيلٍ بعدها وقيامُها

وهلْ دفعتْ عن ماجد بن محمدٍ؟

وقد كان منه حِلُّها وحَرامُها

وهلْ طلبتْ ثأر ابنَ شُكرٍ؟ وهل حمى

أبا ماجدٍ خَطّيُّها وحُسَامُها؟

وهلْ عن عَزيْزٍ طاعنَتْ وبه احتوت

مُناها وبالبحرين جاز احتكامُها؟

فابن شكر في البيت الثالث هو الحسن بن شكر والد عزيز المذكور في البيت الرابع، وعن هؤلاء الحكام العُيونيين قال شارح الديوان المقرَّبي:

"كلُّ هؤلاء من ملوك البحرين؛ من نسل عبد الله بن علي العُيوني، وهم أكثر مَنْ مال إلى البدو، وأمكنهم من البلاد، وأعطاهم أملاكَ خزائن مُلُوكها، وأملاك أهلها، ودفع إليهم قُوتها من قَرِيْش اكترته، وفَرَسٍ، ودرع، ومغفر، وسيف؛ اعتماداً عليهم، وركوناً إليهم، فلم يكن سبب زوال دولتهم غيرهم".[66]

ويمكن القول إنّه، ومنذ قتل الأمير محمد بن أبي الحسين العُيوني عام 602 للهجرة، فإنّ هذا الفخذ العُقيلي المسمى بـ(آل مُقدم) كان قد ثبَّت أقدامه في الأحساء، وأصبح أحد أقوى أفخاذ عُقيل فيها، والمصيطرين على حكام الأحساء العُيونيين، ولاسيما القسم الأحسائي المتمثل في عزيز بن الحسن بن شكر، وابنه مقدم بن عزيز، وهو ما نلمسه بكل وضوح في قصيدة ابن المقرَّب عام 617 للهجرة، والتي أنشأها بكل أسى وألم لما رآه من ركون ابن عمّه حاكم الأحساء مقدم بن عزيز، ووزير دولته إبراهيم بن عبد الله بن عزيز بن إبراهيم بن أبي جروان المالكي العبدي إلى بطونٍ من عُقيل وحلفائها، وتمكينهم في البحرين وأموالها وشئونها حتى لم يبقَ للأسرة العُيونية من أملاكهم شيءٌ يذكر لأنّ مقدّم هذا كان يأخذها منهم ويعطيها للبدو، فلنستمع لابن المقرَّب وهو يوجه تقريعه للأمير مقدم ووزيره الجرواني بقوله: [67]

ثَكِلَتْكُمُ الأعْدَاْءُ ثُكْلاً عَاْجِلاً

   يَاْ غُصَّةَ الإِخْوَاْنِ وَالجِيْرَاْنِ

القَوْمُ تَأْكُلُكُمْ، وَيَأْكُلُ بَعْضُكُمْ

   بعْضَاً كَأَنَّكُمُ مِنَ الحِيْتَاْنِ

..

لَمْ يَغْضَبِ البَدَويُّ إلاّ قُلْتُمُ

   سُدُّوْهُ كَيْ يَرْضَىْ بمَاْلِ فُلاْنِ

وَالسَّدُّ أخْرَبَ ( مَأْربَاً )، فَتَيَقَّنُوْا

   بَعْدَ انْفِتَاْحِ السَّدِّ بالطُوْفَاْنِ

..

كَمْ لِلْعَشِيْرَةِ مُذْ تَوَلَّىْ مَاْجِدٌ

   مِنْ سَاْبقٍ بعْتُمْ وَمِنْ بُسْتَاْنِ

وهنا يقول الشارح معلقاً على هذا البيت:

"وماجد هو ماجد بن محمد بن علي بن عبد الله بن علي، وذلك أنه حين ملك استخفّ بأهل الأحساء استخفافاً عظيماً، وأخذ في سفك دمائهم واستباحة أموالهم حتى تعدى حدّ الجور ومال إلى البدو ميلاً عظيماً حتى بلغ من ميله إليهم ومحبته لهم أنه أعطاهم جميع مال السَّلطنة من مالٍ وعقار وكراع ولامَة حرب وأكثر أملاك أهل البلد وجميع خيولهم والمشهور من سلاحهم حتى بلغ من ميله إلى البدو ومحبته لهم فيما حكي عنه أنه سمع ذات يومٍ رُغاء بعير فقال: اللهمّ حيِّه، وحيّ راكبه، فقال له بعض من بحضرته: أتعرف راكبه؟ فقال: أعرف أنه بدوي.

وكان قد قرّب عدة رجال من أوباش أهل الأحساء وآخرين منهم يُعرفون بقلة النخوة والحمية وعظم الحمق، فصار الرجل منهم يبيع البستان من بساتين أهل الأحساء الذي يساوي مائتي دينار أو أقل أو أكثر على البدوي بدينار أو بدينارين أو بثوب أو بجزور وما أشبه ذلك فلا يعترض عليه ولا يسأل عما فعل، ويمضي البيع، وربما استغاث الرجل حين يباع بستانه، فيُستخفُّ به ويناله من الهوان أعظم من قيمة البستان، وربما صادروا أهلَ البلد بشراء ثلاثمائة فرس وأربعمائة فرس، وأقل وأكثر على أنهم يركبونها وتقوى بها البلد، فإذا كمل شراؤهم لها وثب عليها فما يحول الحول إلا وقد أعطاها كلها للبدو، وفعل ذلك مراراً عدّة، فلم يزل ذلك دأبه ودأب أصحابه في أهل البلد مدة عشر سنين".

ويواصل ابن المقرَّب تقريعه لقومه في نونيته الحزينة هذه بقوله:

شَيَّدْتُمُ عِزَّ العِدَىْ وَتَرَكْتُمُ

   بُنْيَاْنَ عِزِّكُمُ بلاْ أرْكَاْنِ

كَمْ تُنْهِضُوْنَ مِنَ العِثَاْر مَعَاْشِرَاً

   أبَدَاً تَكُبُّكُمُ عَلَىْ الأذْقَاْنِ

فَكَفَىْ لَكُمْ بـ ( قُدَيْمَةٍ ) وَ ( مُقَدَّمٍ ) 

وَبـ ( عَبْدَلٍ )، وَالنَّكْدِ مِنْ ( حرْثَاْنِ )

وَبـ (جَعْفَرٍ ) وَ ( بمُسْلِمٍ ) وَ ( مُطَرِّفٍ )

وَ ( يَزيْدَ ) وَ ( الأَحْلاْفِ ) وَالبـِدْوَاْنِ

وَسَوَاْقِطٌ أضْعَاْفُهُمْ قَذَفَتْ بهِمْ

( نَجْدٌ ) مِنَ الآكَاْمِ وَالغِيْطَاْنِ

وعلَّق الشارح هنا بقوله:

"كلُّ هؤلاء من قبائل العرب الذين ينزلون على البحرين ويحاربون أهلها، ويحولون بينهم وبين ثمارها، ويغلبونهم على أملاكها".[68]

والذي يهمني الآن من هذه القبائل (قديمة) و(مقدم)، فأما قديمة، فهم – كما أسلفتُ – بنو قديمة بن نباتة بن عامر عُقيل؛ الذين سبق وقلتُ: إنّ كل الأسر التي حكمتْ في القطيف والأحساء كانت منهم في القرن الثامن الهجري، وذكرت أسماء هذه الأسر، وأما مُقدَّم فهم آل مقدم رهط أبي الجراح بن أبي السواد المقدمي الذي سبق الحديث عنهم أيضاً، ومن اللافت للنظر أنّ هذين البطنين أعني (قديمة)، و(مقدّم) سوف يتكرر ذكرهما مقرونين في شعر الشاعر الكليف الجبري بعد ثلاثة قُرون من قول ابن المقرَّب هذا، ولكن بعد انقلاب في الصورة، ففي حين كان بنو قديمة في عصر ابن المقرَّب هم الحاكمون والآمرون والناهون نجد هذه الصفات قد انتقلت إلى آل مقدّم في عصر الكليف الجبري، فآل مقدّم هنا هم الحاكمون والآمرون والناهون بعد أن أزاحوا بني عمومتهم القُدَيْمِيّيْن وبني عمهم الأقرب؛ الجروانيين العُباديين عن حكم القطيف والأحساء بيد فخذٍ مُقدَّميّ هم بنو جبر مما نتج عنه عداوة مألوفة وطبيعية بين المنتمين إلى هذه البطون العُقيلية، ولاسيما بين البطنين (مقدّم) و(قديمة) وهو ما حاول الشاعر الكليف الجبري إطفاء جمرتها، وإعادة اللحمة والألفة بينهما، وذلك ما نلاحظه في قوله من قصيدته التي يمدح فيها الشيخ مقرن بن قضيب الجبري المقدَّمي، وينصحه بحسن سياسة الملك بعد أن ملك الأحساء والقطيف، فنراه يقول له:[69]

فان كان تبغي مُلْك هَجْرٍ صادقْ

فاضرب بحدِّ السيف روس ارجالها

وأودع (جديمة) في محل (مجدّم)

واهل الجنوب فاستعن باموالها

وورد البيت الثاني في رواية أخرى بهذه الصيغة:[70]

إجعل (قديمي) في محل (مقدّم)

واهل الشروقات استعن باموالها

و(جديمة)، و(مجدّم): في بيت الرواية الأولى هما: (قديمي)، و(مقدم) في الرواية الثانية، ولكنهما كُتبتا في الرواية الأولى بلهجة من ينطق (قاسم)؛ (جاسم)، ومراد الكليف بقوله: "اجعل (قديمي) في محلّ (مقدم)"؛ أي أنه يطلب منه مساواة القديميين من قبيلته عُقيل برهطه الأدنين المُقَدّميين، ودفن الضغائين بينهم، وعدم التفريق بينهم في النوال والعطاء ليخلصوا له في حروبه لأنهم في النهاية من قبيلة واحدة.

ومما تقدّم وغيره؛ صرنا نعرف أنّ أمرُ الحكم في إقليم البحرين بعد سقوط الدولة العُيونية قد انتقل إلى بطون قبيلة عُقيل كما سبق وذكرت، فكان أول من ملكها منهم القُدَيْمِيُّون نسبة إلى قُدَيْمة بن نباتة بن عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن ربيعة بن عوف بن عامر بن عُقيل، فكان أول من وليه منهم العَمَاير، وهم بنو عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة بن نباتة بن عامر، وكان أول من حكم من العماير؛ أبو عاصم سرحان[71] بن محمد بن عميرة بن سنان عام 641 للهجرة، ثم ابن عمّه عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان، ومانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان كما ذكر وصاف الحضرة في تاريخه، وقد تناوبوا على الحكم فيها قرابة العقدين من الزمان؛ هما العقد الخامس والعقد السادس من القرن السابع الهجري، وأما في العقد السابع من هذا القرن، فقد آلت الزعامة إلى بني عمهم آل المفدّى بن سنان بن غفيلة القُديْميين، وكان رئيسهم فيه محمد بن أحمد بن المفدى بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة؛ الذي ذكره وذكر نسبه هذا، وزعامته لهم النسابة ابن زماخ الحمداني المتوفى عام 670هـ عند ذكره لوفادتهم على الظاهر بيبرس البندقداري الذي حكم مصر في الفترة (658 – 676هـ)،[72] وفي عهد حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون لها في الفترتين (693 – 694هـ)، و(698 – 708هـ) ذكر ابن فضل الله العمري أنّ الإمرة فيهم كانت في أولاد مانع،[73] فهذا يعني أنها خرجت من آل المفدّى لتعود في أولاد مانع؛ أي بني مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة، وفي الفترة الثانية من حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ثم في السنة 705 للهجرة بالتحديد انتقل كرسي الحكم في القطيف والأحساء إلى بطنٍ عُقيلي آخر من غير القُديمات، وذلك عندما تمكّن رجلٌ اسمه جروان المالكي القرشي العُبادي العُقيلي من انتزاع الحكم من يد من أسماه مَصْدَرَا هذا الخبر - وهما المقريزي وابن حجر - بـ(سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة)،[74] وسعيد بن مغامس هذا إما ان يكون هو نفسه (سعد بن مغامس) الذي ذكره ابنُ ناظر الجيش في كتابه (تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف) ضمن أمراء المرتبة الثالثة لعرب البحرين الذين كانوا يفدون على السلطان الناصر محمد بن قلاوون في مصر، أو هو أخوه، فقد كان معروفاً لدى العرب هذه التسميات في أولادهم؛ أي أن يسموا الابن الأصغر بمصغَّر اسم أخيه الأكبر؛ مثل: حسن وحُسين، وعَمرو وعُمَير، وجبر وجُبير.

وأياً كان الأمر فإنه بممازجة نصّ ابن فضل الله؛ القائل إنّ زعامة أمراء البحرين من عُقيل كانت في أولاد مانع إبّان حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون - الذي كانت فترة حكمه الثانية على مصر بين (698 - 708هـ)[75] - مع نصّ المقريزي وابن حجر القائل بأنّ جروان المالكي العُقيلي انتزع مُلك البحرين عام 705 للهجرة؛ - أي في ذات فترة حكم محمد بن قلاوون - من سعد أو سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة؛ يتضح لنا أنّ سعد أو سعيد بن مغامس هذا كان زعيمَ آل مانع الذين كانت الإمرة فيهم كما قال ابن فضل الله في ذلك الوقت، وهذا يعني أنّ جده الثاني رميثة هو رميثة بن مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة القُدَيْميّ لأنّ قعدد النسب لا يسمح بأكثر من هذه السلسلة لكون الجد الأعلى مانع بن علي بن ماجد من رجالات النصف الأول من القرن السابع الهجري كما في نص وصّاف المذكور في أول هذا البحث.

وبناءً على ذلك، فإنّ العام 705 للهجرة شهد سقوط حكم القُديْميين العُقيليين ممثلين في أولاد رميثة بن مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قُديمة في القطيف والأحساء، وانتقال الحكم منهم إلى فخذٍ وبطنٍ آخر من عُقيل، وهم بنو مالك القُرَيْشيُّون المُهَيَّئِيُّون العُباديُّون العُقيليُّون ممثلين في جروان وأولاده الذين سيُعرفون لاحقاً باسم (بني جروان)، أو (الجراونة)، والذين سيستمر حكمهم في الواحتين، وأحياناً في واحة القطيف فقط لقرنٍ ونيّف من الزمان بدءاً من العام 705 للهجرة، وانتهاءً بالعام 820 للهجرة أو بعده بقليل عندما سيتمكّن بنو عمهم آل جبر المَضَائِيُوْن المُهَيَّئِيُّوْن العُباديون العُقيليون من الإطاحة بحكم آخر زعمائهم والاستيلاء على حكم البحرين كما ذكر السخاوي في ترجمة أجود بن زامل في كتابه (الضوء اللامع).

وأرى أنّ الجراونة – وهم من آل المُهَيّأ كما سبق وذكرت – عندما أطاحوا بآل مانع القُديميين كانوا قد استعانوا في ذلك ببطنٍ مُهَيَّئي آخر، وهم (آل مقدم) المارّين بنا مقرونين بـ(آل قديمة) في شعر ابن المقرب والكليف الجبري، و(آل مقدّم) هؤلاء همُ الذين ينحدر منهم آل جبر كما رأينا في شعر عامر السمين المتقدم في مدح قطن بن سيف الجبري.

فالجراونة القريشيّون – نسبة إلى قريش بن بدران بن المقلّد بن المسيّب بن رافع بن المقلّد بن جعفر بن عمرو بن المُهيّأ – وآل مقدم المضائيون – نسبة إلى المَضَاء بن المُهيّأ - يلتقون في جدّهم المُهيّأ بن بُريد بن عبد الله بن زيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عُبادة بن عُقيل، وبالتالي فإنهم أبناء عمٍّ لحّاً، وعليه، فهذا التحالف بينهم ضدّ آل قُديمة العُقيْليين لا يخرج عن إطار المثل البدوي الذي سبق وذكرته، وهو قولهم: (أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب)، وهو مثلٌ طبَّقه آل مقدّم أنفسهم على بني عمّهم الجراونة أيضاً بعد ذلك؛ عندما قام الجبريون من آل مقدم بإزاحة بني جروان عن الحكم في الأحساء والقطيف في العقد الثالث من القرن التاسع الهجري ليكونوا الحكام الجدد لهاتين الواحتين قبل أن يصبحوا حكام كامل إقليم البحرين؛ بل وعُمان أيضاً في بعض فترات حكمهم.

وكان الجراونة العُقيليون بعد إسقاطهم لحكم آل مانع القُديميين في القطيف والأحساء قد كافئوا بني عمهم المقدّميين بإعطائهم الكثير من البساتين في القطيف والأحساء، ومنها بساتين مرغم[76] الشهيرة في الأحساء على ساقية نهر عين الجوهرية، وهي البساتين التي وصفها شارح شعر ابن المقرَّب بأنها كانت تقع وسط مدينة الأحساء؛ مما يحيط بها سورها، وذكر أيضاً أنها كانت كثيرة النخل والأنهار؛[77]

إلا أنه – على ما يبدو من شعر الشاعر النبطي ابن حماد القُديمي كما سنرى – فقد تمكن آل مانع القُديميّون من أخذ الأحساء في آخر سنيّ حكم الجراونة، فانتزعوا تلك البساتين التي كانت للمقدميين فيها، ومن ضمنها بساتين مرغم؛ غير أنّ بني جبر المقدَّميين عندما استولوا على القطيف والأحساء من بني عمهم الجراونة المُهيّئيين، وبني عمومتهم آل مانع القديميين؛ قاموا بقطع عائدات هذه البساتين الأحسائية الشهيرة عن آل مانع، وهذا كله يتضح من قصيدتين لشاعرين معاصرين لبداية الدولة الجبرية، وهما ابنُ زيد وابن حَمّاد؛[78] اللذين يتضح من قصيدتيهما هاتين أنهما لم يكونا مجرّد شاعرين متكسّبين عاشا في زمن دولة بني جبر، وإنما كان ابن زيد من آل مُقدَّم الذين انحدر منهم آل جبر أنفسهم؛ كما كان ابن حمّاد من القُديمات الذين كانوا حُكام القطيف والأحساء قبل الجبريين والجروانيين، وكان هذا من أسباب وقوع المهاجاة بينهما، وسأذكر من هاتين القصيدتين ما أراه مهماً من أبياتهما مع التعليق عليها، وأبدأ بقصيدة ابن زيد لأنها هي السابقة، وقصيدة ابن حمّاد ناقضة لها، ففي قصيدة ابن زيد نراه يقول فيها بعد أبيات:

فَخُصُّوْا بتسْليْميْ كُلَيب بن مانعْ

ومَنْ لِذويْ دانيهْ عِزّْ وعْمَادْ

كُليب[79] بن مانع هذا كان شيخ آل مانع من القُدَيْمات - خصوم الجبريين من آل مقدم ممدوحي ابن زيد – وكليب كما نرى معاصرٌ لبداية دولة آل جبر التي ابتدأت في الظهور في القطيف والأحساء عام 820 للهجرة بعد قتل سيف بن زامل أخي أجود لآخر أمراء الجراونة كما ذكر السخاوي في ترجمة أجود بن زامل من كتابه (الضوء اللامع).

وقد تقدم معنا ما ذكره وصّاف الحضرة في تاريخه من مآل حكم القطيف وأوال بعد مقتل أبي عاصم سرحان بن محمد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قُديمة إلى الشيخين عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان، وابن أخيه مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان عام 654 للهجرة، وفي قائمة ابنِ ناظر الجيش لأسماء أمراء عرب البحرين الذين كانوا يردون الديار المصرية على سلاطين المماليك في النصف الثاني من القرن السابع الهجري (650 – 700هـ)، ذكر في المرتبة الأولى منهم: محمد بن مانع، وأخاه حسين بن مانع؛ كما ذكر في المرتبة الثانية: بدران[80] بن مانع، وراشد بن مانع، وهؤلاء الأربعة كلهم إخوة؛ أبناء مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان المذكور في تاريخ وصّاف كما مرّ بنا للتوّ، وأيضاً ذكر ابنُ ناظر الجيش في المرتبة الثانية من أمراء عرب البحرين: مانعَ بنَ بدران بن مانع، فهؤلاء كانوا سادة آل مانع القُديميين، وكُليب بن مانع هذا من نسل أحدهم.

ويواصل ابنُ زيد شعره موجهاً الخطاب فيه إلى كُليب بقوله:

إن كان سيفٍ حان أو جاه يومه

ومُهّد في بطن الثرى بمهاد

..

طمعت وقلت القوم لاشٍ خلافه

وكلٍّ على ماضي قديمه عاد

ومنّيت من يعطيك ميراث جده

وذا ظن من لا يختشي بغداد!

ففي البيت الأول من هذه الأبيات الثلاثة الأخيرة يذكر ابنُ زيد رجلاً أسمَاه بـ(سيف) كان قد وافاه أجله – قتلاً كما سنرى في قصيدة ابن حمّاد – ولا مناص من القول بأنّ المراد بسيف هذا: سيف بن زامل الجبري أخو أجود لأنّ ابن زيد سيذكر خلافة أجود له، وهذا هو المعروف في تسلسل حكّام الدولة الجبرية، ومنه نعرف أنّ سيف بن زامل ماتَ مقتولاً على يد القُديميين بزعامة قائدهم كليب بن مانع، ولم يمتْ حتف أنفه، وأما البيتان الأخيران، فابنُ زيد يخاطب كليب بن مانع فيهما قائلاً له إنّ ما حدَّثتك به نفسك بعد مقتل زعيمنا سيف بن زامل ودفنه من أنّنا صرنا لا شيء بعده، وأننا سنعود على ماضينا القديم مشتتين بلا قوّة، وكذلك ما منّتك به نفسك من إعطاء المتولي لأمرنا بعد سيف ميراثَ أجداده من بساتين القطيف والأحساء لك إنما هو ظنُّ من لا يختشي أي لا يستحي، ثم يؤكد على قوله هذا، وعلى عدم تزعزهم لموت سيف بقوله:

نَحَنْ غِصَّةٍ فيْ كبْدِ الاعْدَا مطيله

إلى قلت يبرا غلّها بك زاد

تعوّض بقعا في بساتين مرغم

والاوطان في سوق العراق بلاد

عدّاك ابن جبرٍ ياكليب وعادته

لشرواك عن عادي مقامه عاد

في هذه الأبيات يقول ابن زيد مخاطباً كليب بن مانع القُديمي: هيهات أن تنال ما منّتك به نفسك يا كليب، فنحنُ آل مقدّم غصّةٌ طويلة في كبد أعدائنا، ولهذا فإنني أنصحك بأنْ تستعيض عن بساتين مرغم التي تدّعي أنها لك ولأجدادك في الأحساء، وهي لنا ولأجدادنا ببساتين بقعا في حائل، وعن أوطانك القديمة في القطيف والأحساء بسوق العراق لأنّ (ابن جبر) – يعني به أجود بن زامل – "عَدّاك" أي طردك عن هذه البلاد التي أصبحت أوطاناً لنا نحنُ آل مقدّم، وفي هذه الأبيات، وقول ابن زيد: "ميراث جدّه" يعني جد الجبريين إشارة واضحة إلى أنّ آل جبر هم أيضاً ممن يملك هذه البساتين – بساتين مرغم – منذ قديم الزّمان لأنهم منْ آل مُقدَّم الذين كانوا تحت زعامة شيخهم أبي الجراح بن أبي السواد المُقدّمي الذين أوصلوا الأمير عزيز بن الحسن بن شكر العُيوني إلى حكم الأحساء، فقام بإعطائهم كل أملاكها كما قال شارح الديوان المقرَّبي فيما مضى، وكذلك فعل ابنه مقدم بن عزيز، ومن الواضح أنّ من أهم البساتين التي أعطاهم إياها هؤلاء العُيُونيون: (بساتين مرغم) هذه، والتي يبدو أنه بعد سقوط الدولة العُيونية على يد آل قُدَيمة قام هؤلاء الأخيرون بأخذ هذه البساتين من آل مقدّم، ثم بعد قيام جروان المالكي القريشي بإسقاط حكم القُديميين أعطى هذه البساتين لآل مقدّم الذين ناصروه على القديميين، إلا أنّ كليب بن مانع القُدَيْميّ المذكور في هذا الشعر استردّها في آخر حكم الجراونة من آل مقدّم بعد أنْ استقل بالأحساء كما سنرى من شعر ابن حمّاد القُديميّ الآتي، وهو ما يُفسّر قول الشاعر ابن زيد: إنّ مانع بن كليب منته نفسه أن يعطيه أجود بن زامل الجبري بساتين مرغم التي هي مُلكٌ لأجداد أجود قديم بحسب قول ابن زيد المقدّمي.

ويقول ابنُ زيد أيضاً في هذه القصيدة موجّهاً الخطاب إلى رهط كُليب بن مانع:

فذا ذكرها قد جا لكم يـ(آل مانع)

والاجواد ما تدع الجميل زهاد

كما يقول بعد ذلك موجّهاً خطابه لقومٍ أسماهم بـ(آل عيسى):

فقل لال عيسى عيذ بالله خيلهم

فهن مطاويعٍ وهن جياد

يتهكم بهم بأنّ خيولهم سريعة ومطاوعة لهم عند الهرب لأنها معوّدة على ذلك، وآل عيسى هؤلاء كانوا مع آل مانع في حربهم ضد أجود بن زامل الجبري في يوم جودة الموضع الشهير في إقليم البحرين القديم، وأرى أنّ جدّهم عيسى قد يكون هو عيسى بن المفدّى بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قُديمة قاتل ابن عمّه هرير بن معمّر بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن قُديمة يوم ثاج الذي وقع عام 606 للهجرة؛ كما في ترجمة هرير في كتاب (قلائد الجمان) لابن الشعار الموصلي.

ثم يقول ابن زيد في آخر قصيدته هذه ويذكر فيها أجود بن زامل ونسبه:

وان جاد خَطَرٍ قد تهيّا نباته

وقد سال بايام الربيع وجاد

رعيناه بالشم المناعير والقنا

إلى عنه مذموم العشيره حاد

بجمعٍ مضاويٍّ لكن حرابه

نجوم الدجى خطرٍ لقاه مكاد

مضاوي: نسبة إلى المَضَاء بن المُهيّأ

اهل شيمةٍ عليا ونفسٍ عزيزه

عن الدون ما شوفاتها بزهاد

أبا سندٍ[81] زبن المشافيق أجود

إلى ما غدى المستاخرين غواد

ومما ردَّ به ابن حمّاد شاعر آل مانع القديميين في قصيدته التي نقض بها قصيدة ابن زيد هذه قوله:

يقول بَيُّوْت الشّعِر يبغي تِعَلَّقْ

إلى نفرٍ سادوا عليه وباد

وهو كان مثل النار في دار عامر

وصيّورها بعد الثقوب رماد

فقد طحت في أيدي القديمات وابتَلَوا[82]

زمامك ولا مُدَّت عليك آيَاْدْ

ومن يهجي القوم الذي يخفرونه

عن الذَّبح مغزيٍّ بغير فواد

وواضح من البيت الأول أنّ ابن حمّاد يعيّر ابن زيد بأنه يتعلَّق بآل جبر الذين ساد بيتُهم على بيته في آل مقدّم، وهذا يعني أنّ ابن زيد كان من بيت مقدّمي رفيع إلا أنّ بيت بني جبر عندما علا شأنهم في آل مقدم أخمدوا عزّ بيته وخفضوا من رفعته، وهو أمرٌ يحصل كثيراً في بيوتات العرب المنتمية إلى أرومة واحدة؛ كما يشير ابن حمّاد في البيت الثاني إلى "دار عامر"، والمراد بعامر هنا عامر عُقيل لأنّ جماعته القديمات الذين يدافع عنهم في هذه القصيدة منهم، و"دار عامر" يعني بها البحرين، وهي التي سمّاها ابن المقرَّب بـ"أرض عامر" كما مرّ بنا في أول البحث، وأما البيت الثالث، فيُذَكّرُ ابنُ حَمّاد فيه ابنَ زيد بحادثة قديمة وقعت له، وهو وقوعه أسيراً في يد القُديمات بطن كليب بن مانع القديمي عندما استولى على الأحساء في آخر حكم الجراونة وقبل استيلاء بني جبر عليها، فَمَنُّوا عليه وفكوا إساره، ولم يمدوا عليه يداً، ومع ذلك، فهو يكافئهم بهذا الهجو في قصيدته رغم إكرامهم له ومنّهم عليه.

ثم يقول ابن حمّاد بعد ذلك:

ويوم شْراك التمر باغٍ طلوعه

ولا عادت الأحسا لكم ببلاد

وعدّاكم عنها كليب بن مانع

وصار لحزمتكم فنا ونفاد

وجبتوا كما جابوا زيادٍ لواهج

وغيره عن حر الوقيعه حاد

جُزِيْتِوا كما جَازى كليبَ بن وايل

فشرٍ بشرٍّ قبل ذاك افْبَاد[83]

في هذه الأبيات المتقدمة يخاطب ابن حمّاد القُدَيميّ غريمَه ابن زيد بصفته أحد آل مقدّم الخصوم اللدودين للقُديمات، ويذكّره كيف أنه وقومه كانوا ذوي أملاكٍ وزعامة في الأحساء قبل أن يطردهم عنها كليب بن مانع ويأخذها منهم قبيل قيام دولة الجبريين فيها بقليل بحيث إنّ الأحساء ما عادت لهم ببلاد، وصاروا يشترون التمر منها بعد أن كانوا ملوكها وتأتيهم التمور بالمجّان من بساتينهم فيها، ولكنهم كانوا طغاةً في حكمهم مثل كليب بن وائل بحسب ابن حمّاد، فقام عليهم كليب بن مانع وأسقط حكمهم عن الأحساء، وشرّدهم في البلاد، وجزاهم شرَّاً بشرّ لأنهم كانوا البادئين به، والبادي أظلم.

ثم يقول ابنُ حمّاد بعد ذلك:

ولما قضينا وارتضينا على اللقا

وزان القضا لي يابن زيد وجاد

غديت وخلّيت السوام وزامل

يفَوِّقْ[84] على البيدا بغير وساد

قِتْلَوْا مشاكيل القُدَيمات عَيْلَه

بلا سببٍ ياعايلين عناد

في هذه الأبيات الثلاثة يُذكِّرُ ابنُ حمّاد غريمه ابنَ زيد بحادثة خطيرة وقعت بين قوميهما القُديمات وآل مقدّم أيضاً، وذلك عندما تواعدوا للحرب، والتقوا على ميعادهم، فكانت الدائرة على آل مقدّم قوم ابن زيد، وأسفرت هذه الوقعة عن مقتل زعيم مقدّمي اسمه زامل – قد يكون والد سيف وأجود[85] – قتله القُديمات، وفرّ ابنُ زيد من أرض المعركة، فعَيَّر ابنُ حمّاد خصمه ابنَ زيد بفراره هذا تاركاً وراءه أبله وشيخه زامل الذي لم تكن روحه قد فارقت جسدَه بعد لأنه كان لا زال يُنازع الروح على أرض المعركة عند فرار ابن زيد منها، فما اهتمّ لأمره.

ثم يقول ابنُ حمّاد ناقضاً قول ابن زيد بخصوص بساتين مرغم:

وقولك بقعا في بساتين مرغم

والاوطان في سوق العراق بلاد

نبايع فيها يابن زيدٍ ونشتري

من اموالكم ما هي لنا بِتْلاد

نجيها مع فجاج الخلا وانت غافل

على ضمرٍ من مالكم وجياد

على راي شيخٍ بالحروب مسلّط

يخلّي قراشيع الخصيم بداد

كليب زبن الجاذيات ابن مانع

ومن له مبدا بالثنا ومعاد

فكما نلاحظ أنه بخصوص بساتين مرغم لم نجد ابن حمّاد قد استطاع الردّ على خصمه ابن زيد بخصوصها لأنّ الأمر صار واقعاً بأخذ آل مقدّم ممثلين في الجبريين هذه البساتين منهم، ولكنه قال عن ذهابهم إلى سوق العراق إنّه إنما كان ليبيعوا فيه الأسلاب والغنائم التي غنموها من المقدّميين وليس لبيع أملاكهم القديمة، وحتى الخيول الضمّر والجياد التي كانوا يذهبون بها إلى العراق هي خيول وجياد آل مقدّم التي غنموها منهم في الحروب بقيادة زعيمهم الكبير الشيخ كليب بن مانع القُديميّ.

وهكذا نرى من كلّ ما تقدّم أنّ الطنين العُقيليين؛ (آل مقدم)، و(آل قديمة) المقرونين في بيتي ابن المقرَّب العُيوني، والكليف العُقيلي كانت بينهما حروبٌ كثيرة على ملك الأحساء والقطيف انتهت بانتصار آل مقدم بزعامة شيوخهم آل جبر، ورأينا أيضاً أنّ آل مقَدَّم هم من آل المضاء بن المُهيّأ بن بُريد بن عبد الله بن يزيد بن قيس جوثة بن طهفة بن ربيعة بن حَزَن بن عبادة بن عُقيل، ولكن هل ينتهي بنا الأمر عند هذا الحدّ في نسب الجبريين؟، والجواب يبدو أنه لا.

خامساً: بنو جبر من آل غُرَيْر من آل مُقدّم من آل المَضَاء بن المُهيّأ من عُقيل

فلدينا أيضاً أبيات شعر نبط كثيرة أيضاً تنعت الجبريين بأنهم غريريون، فمن ذلك قول الشاعر النبطي النابغة ابن غنام في محمد بن أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري:[86]

صرايع من كف الغريري محمد

فناها وثلثيها من الدم شارب

ومرّ بنا قول جعيثن اليزيدي في مدح  مقرن بن زامل بن أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري:

نشا بين سيف والغُريري زامل

فيا لك من عمٍّ كريم ووالد

كما مرّ بنا في شعر ابن زيد قوله يمدح زامل بن أجود بن زامل الجبري:[87]

ضعاين يتلين الغريري زامل

لكن جما حرجاتهن عرين

ومنه شعر الكليف المتقدم أيضاً، وهو قوله يمدح مقرن بن قضيب بن زامل بن هلال بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري:[88]

بيُمْنى غُريريٍّ من أولاد المضا 

مرخص دبيل الروح عند قتالها

ولعامر السمين بيتٌ مبهمٌ من قصيدة في الشريف بركات الذي تولى مكة عام 903 للهجرة؛ يقول فيه مادحاً له:[89]

أكرم من الملك الغريري وأجودْ

وأفرس من ابن الزبرقان إذا عدا

فيبدو من البيت أنه كان يوجد ملكٌ نعته بـ(الغريري)، فمن هو هذا الملك المنعوت بالغريري؟؛ خصوصاً وأننا قد رأينا أن أغلب الشعراء المعروفين المعاصرين للسمين قد نعتوا ممدوحيهم من الجبريين بأنهم غريريون هم أيضاً، وعلى ذلك، فربما كان السمين قد أراد بهذا الغريري أحد سلاطين الأسرة الجبرية؛ كأنْ يكون سيف بن زامل أول حكام الأسرة، أو أن يكون المراد بذلك أخوه أجود بن زامل، أو غيرهما ممن ولي الحكم بعدهما.

وفي شعر سلطان عُمان؛ سليمان بن سليمان النبهاني الذي كان معاصراً لأجود بن زامل الجبري أشهر حكام الدولة الجبرية - وهو الذي أزال ملك النبهاني من عُمان بحسب الربّان العُماني ابن ماجد في كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) - ورد ذكر بعض أسماء بطون وقبائل بحرانية وعُمانية كان يحاربهم النبهاني ويحاربونه، فكان مما قاله في هذا الشأن قبل زوال ملكه:[90]

سَلْ عامراً وبني عمرو وكعب وسَلْ

قضاعةً ليس ذو جهلٍ كمن علما

وجابراً ويزيداً والعباد وسَلْ

شبانةً وعزيزاً من لها صَدَمَا

وقد استوقفني في أسماء هذه البطون والقبائل الاسمان الأخيران، وهما: بنو شبانة وبنو عزيز، ومن الواضح أنّه أراد بشبانة البطنَ العُقيلي المعروف في القديمات، وهم بنو شبانة بن قديمة صليبة، ومنه انحدرت كل الأسر التي حكمت الأحساء والقطيف بعد سقوط دولة العُيونين، وكان لهم دول دورٌ في إسقاط هذه الدولة، وأما (عزيز) في شعر هذا السلطان النبهاني، فأرى أنه تصحيف (غرير[91] المذكورين في شعر شعراء الدولة الجبرية المذكور بعضه قبل قليل، وأرى أنّ النبهاني أراد بـ"غرير" الجبريين، ويقوي ذلك قرنه لهم مع بني شبانة القُديميين، فهو يذكرنا بقرن (قديمة) مع (مقدم) في شعر ابن المقرَّب وشعر الكليف المتقدم بنا، كما إنّ هذا السلطان العُماني تم إسقاط حكمه على يد الجبريين، ولن يكون إسقاط حكمه هذا قد تمّ بين ليلة وضحاها؛ بل لا بدّ أنه قد سبق ذلك مناوشات وغزوات تمهيدية قبل المعركة الأخيرة التي أطاحت به.

فإن صحَّ لي هذا الاستنتاج، فسيكون شعر النبهاني هو الشعر العربي الفصيح الأول والصريح الذي ذكر فخذ بني غرير رهط الجبريين، وعليه، وبإضافته إلى ذلك الشعر النبطي الكثير الذي ذكرت أمثلة منه لشعراء نعتوا الجبريين بأنهم غريريون، فإننا سنكون أمام معلومة موثقة في وجود جدٍّ للجبريين اسمه غرير[92] يقع في سلسلة نسبهم بين جدّهم جبر وجدّهم مقدم، ولكننا لا نملك مصدراً يربط بين هذين الجَدَّيْن للأسف لأنّ المؤرخين وشعراء الجبريين لم يذكروا لنا من نسب بني جبر أكثر مما تقدّم، وأعلى سلسلة نسب قدمها لنا المؤرخون في نسب بني جبر هو ما ذكره مؤرخان متعاصران؛ هما الجزيري في كتابه (الدرر الفرائد المنظمة)،[93] وجار الله ابنُ فهد المكي في كتابه (نيل المنى) [94] حيث نسبا مقرناً الجبري قتيل البرتغاليين على أنه:

"مقرن بن زامل بن أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري".

ولم يزيدا على ذلك، فكأنَّ أحدُهما أخذ عن الآخر أو أنّ كلاً منهما أخذ عن مصدر واحد، ومع ذلك، فيوجد إشكال في اسم الجدّ حسين لأنّه في النسخ المخطوطة لكتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) لابن ماجد؛ كُتب اسمُ أجود جدّ مُقرن هذا بهذه السلسلة:

"أجود بن زامل بن حصين العامري".[95]

وأرى أنّ ما كتبه ابن ماجد، وهو (حصين) أصحُّ من (حسين) الذي كتبه ابن فهد والجزيري في نسب مقرن بن زامل لأنّ هذه البطون البدوية في تلك الحقبة كانت تختار لأبنائها الأسماء الغليظة مثل كليب ومقرن وقضيب وشبانة وغفيلة وحجاف ومانع وسرحان، والاسم حصين أقرب إلى هذه الأسماء من حسين.

إلى هنا ينتهي هذا البحث، وهو لا زال قابلاً للتعديل والتصحيح والإضافة والحذف رهناً بما يستجد من مصادر لا تتوفر لي الآن.


 

نسخة المكتبة الفرنسية رقم (Arabe 2292) من كتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد لابن ماجد، وفيه كتب اسم جد أجود حصين، وهو كذلك في نسخة المكتبة الظاهرية، وأما في كتاب الجزيري (الدرر الفرائد المنظمة)، وكتاب ابن فهد المكي (نيل المنى)، فقد كُتب حسين، وأرى أنّ حصين هو الأصح.

 



[1] محمد بن علي بن الحسين بن أحمد الحسيني = الشريف العابد أخو محسن: المحفوظ من تاريخ الشريف العابد أخي محسن؛ جمع وتحقيق: عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء؛ 2019م)؛ ج1: 103.

[2] رفع نسبَه شارحُ ديوان ابن المقرَّب، فقال إنه: أبو الحسن علي بن مسمار بن سَلْم بن يحيى بن سَلْم بن مذخور بن صعصعة بن مالك بن عامر بن مخاشن بن سعد بن كلب بن عامر بن سعد بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.

[3] عبد الجبار بن أحمد الهمذاني: تثبيت دلائل النبوة؛ تحقيق: د. عبد الكريم عثمان (بيروت: الدار العربية للطباعة والنشر دت)؛ ج2: 379.

[4] علي بن الحسين المسعودي: التنبيه والإشراف؛ تحقيق عبد الله إسماعيل الصاوي (القاهرة: دار الصاوي 1938م)؛ الصفحة: 340.

[5] علي بن الحسين المسعودي: التنبيه والإشراف؛ تحقيق عبد الله إسماعيل الصاوي (القاهرة: دار الصاوي 1938م)؛ الصفحة: 341.

[6] يجد القارئ تفصيل كل هذه الأحداث عند الشريف العابد أخي محسن في تاريخه - الذي انتهيتُ من تجميعه وتحقيقه ونشره مؤخراً - وشارح ديوان ابن المقرَّب الذي حققتُ الطبعة الثانية منه قبل بضعة أعوام.

[7] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج5: 2383 – 2387.

[8] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج5: 2917.

[9] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355.

[10] أحمد بن علي بن عبد الله القلقشندي: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب؛ تحقيق: علي الخاقاني (بغداد: مطبعة النجاح 1958م)؛ الصفحة: 305.

[11] عبد الرحمن بن محمد بن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر؛ تحقيق: خليل شحاذة (بيروت: دار الفكر 1988م)؛ ج6: 40.

[12] حمد الجاسر: التعليقات والنوادر عن أبي علي هارون بن زكريا الهجري (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ 1992م)؛ ق2: 904.

[13] الأصحُّ في نطق هذا الاسم هو: النعايم، وهم بطنٌ معروف في عُقيل البحرين، والجدير بالذكر أنه كان يوجد في الأحساء جبلٌ يُسمّى بـ(جبل النعايم)؛ ذكره شارح ديوان ابن المقرَّب، ورجحتُ في تحقيقي لهذا الشرح أنه هو الجبل المعروف الآن بـ(جبل كنزان).

[14] كتبت في المطبوع: قبات بالتاء، وفي (قلائد الجمان) للقلقشندي: قيان، والصحيح أنها قباث بالثاء، وهم بنو قباث بن كعب بن ربيعة بن عُقيل، وأما إن صحّت رواية القلقشندي أنها قيان، فعندها قد يكونون: بنو قيان بن شعيب بن المقلَّد بن جعفر بن عمرو بن المهيَّأ من قيس جوثة من عُقيل.

[15] وهم بنو قيس بن جُوثة بن طهفة بن ربيعة بن حزن بن عُبادة بن عُقيل؛ الذين كان منهم ملوك شمال العراق ووسطه كما سنرى فيما يلي.

[16] كتبت في الأصل: دنفل!، والتصحيح من (قلائد الجمان) للقلقشندي الذي ينقل عن ابن فضل الله، ويبدو أنه هو الأصح؛ إن لم يكن أصل الكلمة هو: عبدل، وهو بطنٌ عُقيلي ذكره ابن المقرَّب ضمن بطون عُقيل الذين كانوا في البحرين في زمانه.

[17] كتبت في الأصل: مطرق بالقاف، ولكنّها كُتبت في (قلائد الجمان) للقلقشندي: مطرّف، وهو الأصح، وهم بنو مطرّف بن الأعلم بن ربيعة بن عُقيل.

[18] كُتب في أصل المطبوع لكتاب المسالك لابن فضل الله: العقدي، وفي (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) للقلقشندي كتب: العقيدي، ولكن في كتابه الآخر (قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان) كُتب: العقدي كما في المسالك، وبذلك يبدو أنه تصحيف قديم لـ(المفدّى)، وهو المفدى بن سنان العُقيلي جدُّ آل المفدّى أصهار الأمير محمد بن أبي الحسين العُيوني، وقد ذكره ابن المقرَّب في شعره، وذكر هو وشارح ديوانه ابنين له آخرين، وهما حسين بن المفدى بن سنان، وإبراهيم بن المفدى بن سنان، والجديد بالذكر أنه يوجد له عمٌّ اسمه المفدى بن غفيلة بن سنان، وقد ذكره أيضاً ابن المقرَّب وشارح شعره، وبإمكان القارئ الرجوع إلى الفهارس الفنية من الطبعة الثانية لـ(شرح ديوان ابن المقرَّب) بتحقيق الكاتب للوقوف على مواضع ورود اسمي هذين العلمين العُقيليين.

[19] وهذا أيضاً تصحف إلى عقيلة، وهو غُفيلة كما في شرح شعر ابن المقرب.

[20] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355.

[21] يقصد أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي حكم مصر خلال الفترتين: (693 – 694هـ)، و(698 – 708هـ).

[22] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355 – 356.

[23] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج5: 2838 – 2845.

[24] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج3: 1636.

[25] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج4: 2207.

[26] آيتي عبد المحمد: تحرير تاريخ وصاف (طهران: بزوهشكاه علوم إنساني ومطالعات فرهنكي 1383هـ)؛ الصفحة 105.

[27] آيتي عبد المحمد: تحرير تاريخ وصاف (طهران: بزوهشكاه علوم إنساني ومطالعات فرهنكي 1383هـ)؛ الصفحة 105.

[28] تقي الدين؛ عبد الرحمن المحبي = ابن ناظر الجيش: تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف؛ تحقيق: رودولف فيزلي (القاهرة: المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية 1987م)؛ الصفحة 83.

[29] أحمد بن علي المقريزي: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة؛ تحقيق: محمد عثمان (بيروت: دار الكتب العلمية 2009م)؛ ج1: 35.

[30] أحمد بن علي بن محمد = ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد: مجلس دائرة المعارف العثمانية 1972م)؛ ج1: 83.

ونعته بـ(القرمطي) ليس خطئاً منهما كما رأى بعض الباحثين في تاريخ إقليم البحرين، فبطون بني عامر العُقيليين هؤلاء كانوا أشد أنصار القرامطة، وأكثر مناصريهم كما أوضحت قبل قليل، وقد ظلّ هذا النعت ملتصقاً بهم لمدة طويلة حتى بعد أن جاءت الدولة العُيونية وانقضت، وصارت الدولة لهم؛ نعم هم تحولوا عن المذهب الإسماعيلي الذي اندثر في البحرين بسقوط دولة القرامطة إلى المذهب الموسوي الاثني عشري، ولكنّ بعضُ كُتَّاب أهل السُّنّة كانوا ينظرون لشيعة منطقة البحرين القديمة عموماً على أنهم قرامطة، وقد بقي هذا الاعتقاد حتى وقتٍ قريب منا كما نراه مدوّناً في كتاب (قلب جزيرة العرب) لفؤاد حمزة.

[31] ينبغي الانتباه إلى أنّه كان يوجد في إقليم البحرين القديم أسرتان حملتا هذا الاسم؛ الثانية منهما هي الأسرة التي تنتسب إلى هذا الرجل المُسمّى جروان المالكي القرشي، والذي انتزع الملك من آل رميثة القديميين العُقيليين في العام 705 للهجرة كما نصَّ على ذلك المقريزي وابن حجر في ترجمة حفيده إبراهيم بن ناصر بن جروان، فهذه الأسرة لا ترقى إلى أعلى من القرن الثامن الهجري، وأما الأسرة الثانية التي عُرفت في المنطقة بهذا الاسم، فهي أسرة أقدم من عبد القيس، ثم من بني مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس، وهم يُعرفون بـ(آل أبي جروان)، و(آل جروان)، ففي قصيدته النونية التي قالها يعاتب فيها أحد أفراد هذه الأسرة؛ قال ابن المقرَّب موجهاً الخطاب له:

أتراك ترضى أن يحدث جاهلٌ       أو عالم من نازحٍ أو داني

فيقول كان خراب دار ربيعةٍ         بعد العمار بنو أبي جروان

ولكنه قال في قصيدة أخرى يخاطب فيها ممدوحه الأمير محمد بن أبي الحسين:

وجد واجتهد في آل جروان إنهم     سيوفٌ تفرِّيْ حاسديك نصالُها

وفي موضع ثالث قال ابن المقرَّب:

وآل أبي جروان لما رمتهمُ            بداءٍ على غير الكرام عُضال

وعلَّق شارح ديوانه على هذا البيت بقوله (شرح الديوان ط.2: ج3: 1588 – 1590):

"وبني جروان؛ أحد بني أبيرق، وهو بيت بني أبيرق بالبحرين، وفي ولده بقية بني مالك بن عامر بالبحرين".

وبنو جروان العبديون هؤلاء هم الذين قال عنهم ابن عنبة في كتابه عن الأنساب الذي صنّفه باللغة الفارسية باسم (الفصول الفخرية في أصول البريّة):

"وبقيّة عبدالقیس حالیا یسکنون فی الاحساء، ومنهم آل جروان، وهم ملوك بلد القارة". (الصفحتان: 60 – 61 ط. اتنشارات علمي).

هكذا قال، والقارة بلدة معروفة في الأحساء، وهي تقوم على آثار مدينة المشقر القريبة من الركن الشمالي الغربي من جبل الشبعان الذي يُعرف الآن باسم (جبل القارة) نسبة إلى هذه البلدة الآثرية، وفيما بين هذه القرية وبين هذا الجبل كانت تقوم مدينة هجر العظمى التي أحرقها أبو سعيد الجنابي عام 286 للهجرة، وقد صرّح ابن المقرَّب وشارح شعره في مقدمة وشرح القصيدة النونية التي مطلعها:

كم بالنهوض إلى العلا تعداني                   ناما فما لكما بذاك يدانِ

إلى أنّ حكم الأحساء في عهد آخر حكام العُيونيين؛ مقدم بن عزيز بن الحسن بن شكر كان بيد آل جروان المالكيين العبديين هؤلاء؛ في يد زعيمهم أبي علي إبراهيم بن عبد الله بن عزيز بن إبرهيم بن أبي جروان، فيبدو أنهم في زمن ابن عنبة كانوا لا زالوا محتفظين بملك القارة وما حولها من قرى الجبل.

[32] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 311.

[33] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: التعريف بالمصطلح الشريف؛ تحقيق: محمد حسين شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية 1988م)؛ الصفحة: 114.

[34] المبارك بن أحمد بن حمدان الموصلي = ابن الشعار الموصلي: قلائد الجُمان في فرائد شعراء هذا الزمان؛ تحقيق: كامل سلمان الجبوري (بيروت: دار الكتب العلمية 2005م)؛ ج7: 184 – 185.

[35] إنّ ما يجعلني أنسب هذا الشاعر إلى بني جبر هو ما لاحظته في شعره من انتماء واضح لهم، ففي قصيدته التي قالها مادحاً مقرن بن قضيب بن زامل؛ يقول فيها عن ممدوحه:

تلُّ العَشيرة مُجرنٍ زاكي الوَفا         حمال من جلّ الخطوب أثقالها

وواضح أنّ الكليف هنا يتحدث عن عشيرة تعنيه ويهمّه أمرها، وهو يعني أنه من ذات عشيرة مقرن الذي ورد في النص باسم (مجرن)، وليس هذا فقط، ففي ختام هذه القصيدة نجد هذا الشاعر يخاطب مقرناً خطاب ابن العم لابن عمّه، فهو يقول موجهاً الخطاب إلى ممدوحه:

خذ من علومي درّة مصيونة                     ما كرروها الناس صار أزكى لها

..

نشتْ من فؤاد ناصحٍ بمحبة                     ما هو بمحتاج يريد أنوالها

إلا هديّة عارفٍ وامعولٍ             لاهلِ الديار ورايفٍ في حالها

وأنا بحالات الصديق مساعف                  إنْ شَحَّتِ أولاد العَمَام بمالها

فالشاعر هنا واضح في قوله إنه أنشأ قصيدته هذه في ممدوحه مقرن الجبري من فؤاد ناصح له ويحبه، وليس لينال عليها مالاً منه؛ كما نراه يقول في البيت التالي إنها بمثابة هدية رجل عارف ومساعف لأهل الديار ورائف بحالها، ومن الواضح أنه يعني بـ"أهل الديار" دياره هو أيضاً، وفي البيت الأخير زيادة تأكيد على ما قلته من أنّ الكليف جبري النسب، وهو إبداء استعداده لمساعدة صديقه ونسيبه مقرن حتى وإن شحَّ بقية أولاد عمّه بأموالههم عليه، ولا يقول هذا الكلام إلا ابنُ عمّ؛ بل إنّ في شعره نفس الشاعر الأحسائي الشهير ابن المقرَّب العُيوني الذي كان يمدح بعض أمراء بني عمه من العُيونيين بمثل هذه القصائد التي يذكر فيها دائماً أنه لم يقلها فيهم لأجل المال، وإنما لأجل المحبة، ولكلّ هذا، فإنّني أرى أنّ الكليف هذا من ابناء عمّ ممدوحه مقرن الجبري

[36] عبد الباسط بن خليل الملطي: المجمع المفنن بالمعجم المعنون؛ تحقيق: عبد الله محمد الكندري (بيروت: دار البشائر الإسلامية؛ 2011م)؛ الصفحة: 217.

[37] قد يكون الشيخ قضيب بن زامل هذا هو الذي تُنسب إليه محلة القضيبية المعروفة في المنامة من جزيرة أوال.

[38] عبد الله بن خالد الحاتم: خيار ما يلتقط من الشعر النبط (الكويت: ذات السلاسل 1981م)؛ الصفحة: 63.

[39] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 308.

[40] عبد الله بن خالد الحاتم: خيار ما يلتقط من الشعر النبط (الكويت: ذات السلاسل 1981م)؛ الصفحة: 57.

[41] أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ 1983م)؛ ق1: 218.

[42] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 327.

[43] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 327.

[44] سعد بن محمد بن سعد بن الصَّيْفي التميمي = الحيص بيص: ديوان الحيص بيص؛ تحقيق: مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر (بغداد: وزارة الإعلام؛ 1974م)؛ الصفحتان: 109 – 110.

[45] علي بن الحسن بن علي بن الفضل = صرَّ درّ بن صرَّ بعر (القاهرة: دار الكتب المصرية 1995م)؛ الصفحة: 60.

[46] محمد بن أحمد الأموي القرشي = الأبيوردي: ديوان الأبيوردي (لبنان: المطبعة العثمانية 1317هـ)؛ الصفحة: 149.

ولم يُسمّ الممدوح في مقدمة هذه القصيدة من ديوانه المطبوع في بيروت سنة 1317هـ، ولكنّ مخطوطة جامعة برنستون لهذا الديوان أسمته: أبا الشداد ثروان بن وهيب العُقيلي من آل المهيا، وذكر ابن قبيلته ابن العديم العُقيلي في (زبدة الحلب) أنه ابن عم مسلم بن قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المُهيّأ.

[47] كُتبت في الأصل المطبوع: يُزيد، وهو تصحيف، وأما في المطبوع من (وفيات الأعيان)، ثم في ترجمة زعيمهم المقلّد بن المسيَّب العُقيلي، فكتبت بُريد، وأرى انها هي الأصح.

[48] كتبت في المطبوع: "حوثة"، والصحيح ما أثبته أعلاه.

[49] أحمد بن عبد الوهاب بن محمد القرشي التيمي البكري = شهاب الدين النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب؛ تحقيق جماعة من المحققين (القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية  1423هـ)؛ ج2: 322 – 323.

[50] حمد الجاسر: التعليقات والنوادر عن أبي علي هارون بن زكريا الهجري (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ 1992م)؛ ج2: 646.

[51] يُنظر ديوانه، ولكن ينبغي التنبيه إلى أنّ جملة "بني المُهيّا" تحرفت إلى "بني المهنّا".

[52] عبد الله بن خالد الحاتم: خيار ما يلتقط من الشعر النبط (الكويت: ذات السلاسل 1981م)؛ الصفحتان: 56، 57.

[53] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 301.

[54] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 327.

[55] وإلى هنا بمعنى وإذا.

[56] البعض يرويها: المقدما.

[57] أحمد بن علي بن الحسين العلوي = ابن عنبة: الأصول الفخرية؛ تحقيق: السيد جلال الدين المحدث الأرموي (طهران: شركة انتشارات علمي وفرهنكي 1984م)؛ الصفحة: 70.

[58] حمد الجاسر: التعليقات والنوادر عن أبي علي هارون بن زكريا الهجري (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ 1992م)؛ ج2: 839.

[59] محمد بن عمران المرزباني: أشعار النساء؛ تحقيق: د. سامي العاني، وهلال ناجي (بيروت: عالم الكتب؛ 1995م)؛ الصفحة: 63.

[60] انظر:

عمرو بن عثمان الجاحظ: الحيوان (بيروت: دار الكتب العلمية؛ 1424هـ)؛ ج7: 138.

عمرو بن بحر بن محبوب = أبو عثمان الجاحظ: البرصان والعرجان والعميان والحولان (بيروت: دار الجيل؛ 1410هـ)؛ الصفحة 466.

[61] هذه رواية المطبوع من كتاب (البرصان والعرجان والعميان والحولان)، وفي المطبوع من كتاب (الحيوان) كُتبت: "غبطة"، ولا يصحُّ ذلك لأنّ البيتين هما في موضع هجاء، ورواية كتاب (البرصان) أصحّْ.

[62] رواية البرصان: "أنوفهم" بدلاً من "رؤوسهم".

[63] بإمكان القارئ الرجوع إلى تحقيقي للطبعة الثانية من ديوان ابن المقرَّب، ثم إلى فهرسها في الجزء السادس منها للوقوف على ما كتبته عن هذه الأفخاذ والبطون، وذلك بالبحث عن هؤلاء الأعلام العُقيليين الذين هم أجداد البطون المنسوبة إليهم.

[64] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج3: 1521 - 1525.

[65] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج2: 866 - 876.

[66] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج3: 1816 – 1819.

[67] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج5: 2798 – 2845.

[68] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج5: 2838 – 2845.

[69] عبد الله بن خالد الحاتم: خيار ما يلتقط من الشعر النبط (الكويت: ذات السلاسل 1981م)؛ الصفحة: 58.

[70] أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر؛ 1983م)؛ ق1: 254.

[71] كتب اسمه في تاريخ وصاف: "أبو عاصم بن سرحان بن محمد"، وأرى أنّ لفظة "بن" بعد عاصم زائدة، وأن سرحان كنيته أبو عاصم، وتاريخ وصّاف كثير التحريف والتصحيف.

[72] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355.

[73] أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355 – 356.

[74] انظر:

·         أحمد بن علي المقريزي: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة؛ تحقيق: محمد عثمان (بيروت: دار الكتب العلمية 2009م)؛ ج1: 35.

·         أحمد بن علي بن محمد = ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد: مجلس دائرة المعارف العثمانية 1972م)؛ ج1: 83.

[75] كانت فترة حكمه الأولى سنة واحدة فقط تقع بين (693 – 694هـ)، وكانت مضطربة جداً، فلا أظنّ أنّها هي الفترة التي أرادها ابن فضل الله بقوله عن بطون عقيل هؤلاء أنهم وفدوا على مصر في "الأيام الناصرية"، ولكن الفترة الثانية الممتدة من (698 – 708هـ) هي المعنية، فهذه قد امتدت لمدة عشر سنوات.

[76] أخطأتُ عندما قُلتُ في التعريف بهذه البساتين - في تحقيقي للطبعة الثانية لديوان ابن المقرَّب – أنّ مرغم قد تكون متحرفة عن عرهم، وهو اسمُ والد قائد قرمطي أسماه شارح الديوان بـجعفر بن عرهم، وقد تبيّن لي خطأ ذلك بعد اطلاعي على ترجمة هُرير بن معمر بن سنان بن غفيلة في كتاب (قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان) لابن الشعار الموصلي، فقد ذكر في هذه الترجمة أنّ لهرير أخٌ اسمه مرغم، فيبدو أنه هو صاحب هذه البساتين لأنّ مرغم هو حفيد غفيلة جد الغُفيلات من قُديمة، وكان الغفيلات فيهم البيت من قديمة، وكل الأسر التي تولت الحكم بعد العُيونيين مباشرة هي من الغُفيلات هؤلاء؛ كالعماير، وآل المفدى، وآل مُعمّر؛ رهط هُرير وأخيه مرغم.

[77] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج2: 1058.

[78] انظر هاتين القصيدتين عند: سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحات: 300 – 304.

[79] يوجد أكثر من موضع في واحتي القطيف والأحساء يُسمّى (الكليبي)، وربما يكون له ارتباط بهذا الاسم.

[80] قد تكون الواحة، والبرّيّة المسمّاتين بـ(البدراني)؛ الواقعتين غربي قرية الجارودية منسوبتين إلى هذا الأمير العُقيلي.

[81] جملة "أبا سند" هنا بدلٌ لجملة "نفس عزيزة" في البيت السابق.

[82] ابتلوا: أي بَتَلوا؛ بمعنى: قطعوا.

[83] في الأصل المنقول عنه: "فثير بشر"، ولا معنى لها، والصحيح ما كتبته أعلاه، وقوله: "افْبَادْ"؛ تعني "فيْ بَاْدٍ"؛ أي في البادي؛ يريد إنّهم جازوه شراً بشر والبادي أظلم.

[84] يفوّق هنا من تفويق الرجل قبل الموت، وهو التنفّس الصعب الذي يخرجه من جوفه عندما تحين ساعة موته، واستخدمه الشاعر هنا كناية عن كثرة الجراح التي أصابت زامل.

[85] وعلى ذلك يكون القديمات قد قدتلوا زاملاً كما مرّ بنا في قصيدة ابن زيد، وابنه سيف هذا.

[86] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 290.

[87] سعد العبد الله الصُّوَيّان: الشعر النبطي؛ ذائقة الشعب وسلطة النصّ (أبو ظبي: المجمع الثقافي؛ 2005م)؛ الصفحة: 308.

[88] عبد الله بن خالد الحاتم: خيار ما يلتقط من الشعر النبط (الكويت: ذات السلاسل 1981م)؛ الصفحتان: 56، 57.

[89] أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر 1983م)؛ ق1: 316.

[90] سليمان بن سليمان النبهاني: ديوان النبهاني؛ تحقيق عز الدين التنوخي (مسقط: وزارة التراث والثقافة 2005م)؛ الصفحة 261.

[91] وهو تصحيف مرَّ بي بكثرة أثناء تحقيقي لشرح ديوان ابن المقرَّب لوجود أكثر من علم اسمه عزيز أو غرير.

[92] وينبغي أن لا نغفل هنا عن أنّ أحد أجداد آل حميد الخالديين الذين سيتواجدون في المنطقة بعد قرن ونيّف من سقوط حكم الجبريين كان اسمه غرير، وهو والد برّاك بن غرير مؤسس الحكم الخالدي في الأحساء والقطيف منذ عام 1082 للهجرة، ونعم هذا يعني أنه لا علاقة له بنسب الجبرييين لأنه متأخر عنهم، ولكن تسمية هذا الجد الخالدي بـ(غرير) مع هذا الشعر الكثير الذي ذكرته للتو، وفيه نعت أكثر من شيخ جبري بـ(الغريري) لا يترك لي مجالاً لغضّ الطرف عنه، واعتباره مجرّد نعتٍ لا نسب، فما المانع أن يكون غرير اسماً لأحد أجداد الجبريين أيضاً من آل مقدّم.

[93] عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجزيري: الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المكرمة؛ تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل (بيروت: دار الكتب العلمية 2002م)؛ ج2: 374.

[94] جار الله بن العزّ بن النجم بن فهد المكّي: نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى؛ تحقيق: محمد الحبيب الهيلة (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 2000م)؛ الصفحة 421.

[95] كُتبت كذلك في نسخ: المكتبة الظاهرية، والمكتبة الفرنسية، ومكتبة الكونجرس، ولكنّ الأستاذ إبراهيم خوري في تحقيقه لها على ثلاث نسخ هي الظاهرية والفرنسية المتقدمتين، ونسخة ثالثة سماها بنسخة علي التاجر من البحرين، والتي اختلفت عن النسختين الظاهرية والفرنسية، وكذلك عن نسخة مكتبة الكونجرس، فكتبت هذا النسب: أخود؟! بن مرسل؟! بن حسين!، ومع ما فيه من خطأ واضح في الاسمين الأولين، فقد فضل الأستاذ الخوري أن يستبعد اسم (حصين) الوارد في نسختي الفرنسية والظاهرية، ويختار بدلاً منه اسم (حسين) الوارد في نسخة التاجر مع وضوح وقوع التحريف والتصحيف فيها، وهو أمرٌ يستدعي عدم الركون إليها أو الاطمئنان إلى كونها الأكثر وثاقة من النسختين الأخريين اللتين معها.