خَلَفُ بنُ حَسَنِ بنِ
مَهْيُوْبِ بنِ نَاْصِرِ بنِ مُقَدَّم القَحْطَاْنِيُّ البِلاْدِيُّ الأحْسَاْئِيّ
تاجرُ الخَيْلِ
المَوْلُوْدُ في (حصن القِرْمِطيّ) منِ الأحْسَاْءْ
ليُصْبحَ مَلِكَ تُجَّارِ
الدَّوْلَةِ البَهْمَنِيِّةِ في حَيْدَر آبَادِ وأشْهَرَ وُزَرَاْئِهَا في القرن
التاسع الهجري
نبذةٌ مختصرة عن الدولة
البهمنية
في منتصف القرن الثامن الهجري
تقريباً تمكّن أحد الطامحين للملك من أسرةٍ شيعيّةٍ أفغانيةٍ من أصلٍ فارسيّ،
واسمه: حسن گانگو؛ الملقب بـ(ظفر خان) - الذي عُرف لاحقاً بعلاء الدين حسن بهمن
شاه - من السيطرة على معظم مناطق هضبة الدكن في جنوب الهند منتزعاً لها من سلطان
دلهي محمد بن تغلق شاه سنة 748 للهجرة، ومؤسساً بذلك المملكة العظيمة التي حملت
اسم عائلته؛ (المملكة البهمنية)؛ لتكون بذلك أول مملكة إسلامية شيعية مستقلة في الجنوب
الهندي، وكانت عاصمتها في گلبرگة (Gulbarga)، التي
سمّاها هذا المؤسس بـ(أحسن آباد)، وكانت قديماً تابعة لمقاطعة (حيدر آباد)، ثمّ
أصبحت تابعة الآن لإقليم كارناتاكا المطلّ على بحر العرب مقابل سلطنة عُمان.
وبعد تأسيسه لهذه المملكة انتقل
علاء الدين حسن إلى الدار الآخرة سنة 752 للهجرة، وتناوب على حكم دولته البهمنية
بعده ثمانية عشر سلطاناً من نسله؛ كان منهم حفيده: محمد شاه الثاني بن محمود بن
حسن شاه بهمن الذي حكم هذه الدولة بين العامين 780 – 800 للهجرة - وفي هذين
العقدين كان ميلاد مترجمنا خلف الأحسائي – كما كان من ضمن هؤلاء السلاطين حفيد له
آخر، وهو السلطان فيروز شاه ابن أحمد بن علاء الدين حسن بهمن الذي حكم في الفترة
800 – 850 للهجرة، وفي هذه الفترة انتقل مترجمنا من الأحساء إلى هرمز، ومنها إلى گلبرگة،
ثم انضوى تحت لواء أخيه أحمد شاه الأول الذي سيخلف أخاه فيروز شاه في الفترة 825 –
838 للهجرة، وهذه هي الفترة التي سيكون فيها المترجم خلف بن حسن الأحسائي رجل الدولة
البهمنية الأول بلا منازع.
مصادر ترجمته
إنّ مصدر ترجمة هذا العَلَم
الأحسائي الفذ هو مؤرخ وحيدٌ لولاه لما عرفنا عنه شيئاً يُذكر؛ ألا وهو المؤرخ
المصري الفذّ تقي الدين المقريزي الذي عاش في الفترة (764 - 845 هـ)، فهو معاصر
لمترجمنا الأحسائي، ويبدو من ترجمته المفصَّلة والطويلة – بعض الشيء – التي ذكرها
له أنه أخذها عنه مباشرة، وقد نشر المقريزي هذه الترجمة في كتابيه الموسوعيين
(المقفّى الكبير)،[1]
و(درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة)،[2] والأول منهما التزم
المقريزي فيه بترجمة كلِّ من دخل مصر بدءاً من نبي الله ابراهيم - عليه السلام – وانتهاءً
إلى زمن المقريزي في منتصف القرن التاسع للهجرة، ولهذا اعترض محقق الطبعة الثانية
لدار الغرب الإسلامي من هذا الكتاب على المقريزي لترجمته هذا الوزير الأحسائي في
هذا الكتاب لأنه زعم أنه ليس من شرطه كما أوضح ذلك عند ترجمته هذا العَلَم من هذا
الكتاب، ولكنّ ما يبدو أنه غاب عن باله هو أنّ هذا العَلَم الأحسائي كان وزيرَ
وملكَ تجّار أكبر دولة إسلامية في الهند حينها، وهي الدولة البهمنية، ومن غير
المستبعد أنه زار مصر إن لم يكن لغرض التجارة، فلربما كان ذلك لغرض سياسي يتعلق
بالدولة البهمنية كإقامة علاقات ودٍّ طيبة بينها وبين دولة المماليك البرجية الذين
كانوا يحكمون مصر حينها، وقد ذكر المقريزي نفسه في كتابه (السلوك لمعرفة دول
الملوك) أنه في عام 831 للهجرة وصلت هدية ملك گلبرگة من الهند، وذكر بعدها بقليل
أنّ الذي بعث هذه الهدية هو شهاب الدين أحمد أبو المغازي بن أحمد بن حسن بهمن؛[3] كما ذكر ابنُ فهد في (إتحاف
الورى) نصاً جاء فيه قوله:
"وفيها – يعني سنة 830 هـ - بعث
السلطان شهاب الدين أبو المغازي أحمد شاه سلطان كلبرقة من الهند صحبة المراكب المجاورة
مالاً جزيلاً؛ فلفلا وشاشات وبيارم، وغير ذلك؛ ليعمر له مدارس بمكة والمدينة
والقدس ، وجعل الناظر على ذلك ملك محمود وملك حسن".[4]
وما أرى "ملك حسن"
المذكور في النصّ إلا مترجمنا: ملك خلف بن حسن الأحسائي؛ سقط اسمه سهواً، وبقي
اسمُ أبيه فقط، فالسلطان شهاب الدين أبو المغازي المذكور في نصّ ابن فهد هذا هو
نفسه السلطان البهمني الذي تمكن في عهده خلف بن حسن بن مهيوب الأحسائي حتى كان هو
الحاكم بأمره كما سنرى لاحقاً، ويلاحظ من نصّ ابن فهد في (إتحاف الورى) أنّ وفد
هذا السلطان قدم مكة والمدينة سنة 830 للهجرة، ويلاحظ من نصّ المقريزي في (السلوك)
أنّ هذا الوفد وصل إلى مصر سنة 831 للهجرة، وهذا منطقيٌّ جداً، وهو يعني أنّ الوفد
قصد مكة للحج سنة 830 للهجرة، وشهر الحج - كما نعلم – هو شهر ذي الحجة، وهو آخر
شهور السنة الهجرية، والشهر الذي يليه هو محرم أول شهور السنة، فمن الواضح أنّ هذا
الوفد أدى مناسك الحج، وأنهى المهمة التي جاء لأجلها في شهر ذي الحجة من سنة 830
للهجرة، وأنه بعد ذلك توجه إلى مصر، فوصلها في بداية شهور عام 831 للهجرة فهذا
يجعلنا نميل إلى أنّ مترجمنا خلفاً هو المسمى بـ"ملك حسن" في نصّ ابن
فهد، وبالتالي يكون هو الذي رحل بهذه الهدية إلى مصر بنفسه بعد أن زار مكة
والمدينة، فرآه المقريزي، وأخذ ترجمته المطوّلة عنه وهو ما يفسّر لنا طولها وكثرة
تفاصيلها، وعلى ذلك، فإنه يكون حينها من
شرط كتاب المقفى الكبير للمقريزي.
وأما الكتاب الثاني للمقريزي الذي
ترجم فيه لهذا الرجل الأحسائي الخطير، أعني (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان
المفيدة)، فهو كتاب ألفه المقريزي عام 816 للهجرة، وترجم فيه كلّ من وصل إلى سمعه
ووقع عليه بصره من أسماء الأعلام المعاصرين له في كل البلدان الإسلامية منذ العام
760 للهجرة، وحتى العام 845 للهجرة الذي يسبق وفاته بقليل، وبالتالي فإنّ مترجمنا
الأحسائي هو من صلب موضوع هذا الكتاب.
وترجمة هذا العلم الأحسائي في
كتابي المقريزي (المقفى الكبير)، و(الدرر) هي ترجمة واحدة تكاد تكون إحداهما صورة
طبق الأصل عن الأخرى باستثناء بضع كلمات وزيادة قليلة لا تتعدى السطرين في ترجمة
(الدرر)، ويمكن أنْ يكون للنساخ دورٌ فيها، وأما ما سوى ذلك، فالترجمة هي هي لا
اختلاف فيها.
وبالإضافة إلى هذه الترجمة الخاصة
والمفردة لهذا الأحسائي الهُمام، فقد ذكره المقريزي أيضاً في ترجمة سلطانه الذي
مكنه في دولته، وهو شهاب الدين أبو المغازي أحمد بن حسن بن بهمن،[5] وذكر ما أبداه خلف هذا من
شجاعة وقوة في مناصرته على أخيه السلطان فيروز شاه حتى كان له النصر والظفر عليه،
وذلك كان سبب بلوغه منه إلى المكانة الفريدة التي لم يصل إليها أحدٌ قبله ولا
بعده.
وقد ترجم لهذا الوزير الأحسائي
أيضاً السخاوي في كتابه (الضوء اللامع)،[6] ولكنه نقل ترجمته عن كتاب (درر العقود الفريدة) للمقريزي باختصار شديد؛
باستثناء ذكره لبقاء المترجم بعد المقريزي ومقتله بعد موته بمدة كما سنرى، وأما
بقية المعلومات، فهي منقولة عن المقريزي، ولهذا فإنّ كل ما سأذكره الآن من ترجمة
هذا الرجل العصامي الجسور هو مأخوذ عن المقريزي، والسخاوي.
اسمه ونسبه
نسبه المقريزي في (المقفى)،
و(الدرر) على أنه: خلف بن حسن بن مهيوب بن ناصر بن مقدّم القحطانيّ، ولم يزد أو
ينقص على ذلك في كلي الموضعين، وكذلك في المطبوع من كتاب (الضوء اللامع) للسخاوي
الناقل عن المقريزي؛ إلا أنه كُتب اسمُ جدّه مهيوف! بدلاً من مهيوب، وأرى أنّ
الفاء مصحفة عن الباء، وأنّ الصحيح هو مهيوب لا مهيوف لأنّ المقريزي هو الأصل الذي
أخذ عنه السخاوي، ثم إنّ الاسم (مهيوب) كان معروفاً في تلك الحقبة بعكس الاسم
(مهيوف!).
والأسماء: خلف، وحسن، وناصر
الواردة في نسب هذا العلم الأحسائي هي أسماء مألوفة ومعروفة ومتكررة في أسماء
الرجال الأحسائيين في تلك الحقبة التي وُلد فيها المترجم، وهي الربع الأخير من
القرن الثامن الهجري، وكذلك الأمر بخصوص الاسم (مقدّم) الذي كانت له شهرة وحضور
قوي في ذات الحقبة وحتى قبل ذلك بقرنين من الزمان، فهذا الاسمُ كان موجوداً في آخر
العُيونيين العبديين الذين حكموا الأحساء والقطيف وأوال في القرون الخامس والسادس
والسابع الهجريين، ولاسيما في آخر أيام حكمهم في هذه البلاد الثلاث، ومنهم الأمير
مقدم بن ماجد بن محمد بن بن أبي الحسين أحمد بن أبي سنان محمد بن الفضل بن عبد
الله المؤسس، ومنهم مقدم بن عزيز بن الحسن بن شكر بن علي بن عبد الله المؤسس آخر
حكام الأحساء من العُيونيين في العقد الثاني من القرن السابع الهجري، ومن ذلك
أيضاً آل مُقَدَّم العُقيليون الذين ذكرهم ابنُ المقرَّب العُيوني الأحسائي في
نونيته التي قالها في هجاء قومه العُيونيين الذين تخاذلوا في حفظ بلادهم عن قبائل
عُقيل وأحلافها، ومنهم آل مقدّم هؤلاء، فقال يقرّعهم:
فَـكَــفــى لَكُـم
بِـقَــديــمَــةٍ وَمُقَـدَّمٍ
وَبِـعَــبــدَلٍ وَالنَّكْــدِ
مِـن حـرثــانِ
وَبِــجَـــعـــفَـــرٍ وَبمُــسْـــلِمٍ
وَمُــطَـــرِّفٍ
وَيَـــزيــــدَ وَالأَحلافِ
وَالبــدوانِ
وعلَّق شارح شعره على البيت بقوله:
"كلُّ هؤلاء من قبائل
العرب الذين ينزلون على البحرين، ويحاربون أهلها، ويحُوْلُون بينهم وبين ثمارها،
ويغلبونهم على أملاكها".[7]
وقد ذكر الشارح في موضع آخر اسم
أحد قادة آل مقدم، فسمّاه أبا السَّواد المُقَدَّميّ، فمن الواضح أنّ اسم مقدّم
كان مألوفاً جداً، ومترجمنا كما سنرى رَجَّحَ المقريزي ولادته في العام 780
للهجرة، ومُقدّم في آبائه هو الرابع، وهو يعني أنه كان موجوداً قبل قرنٍ أو قرنٍ
ونيّف من الزمان من سنة ولادة حفيده خلف هذا بحساب قعدد النسب، وهذا يعني أنه ربما
أدرك مقتل آخر حكام الدولة العُيونية، وهو محمد بن محمد بن أبي الحسين في جزيرة
أوال، وزوال ملكهم من الأحساء والقطيف وأوال.
ولا زال يوجد في جهة الشرق من سيحة بلدة البطالية من الأحساء - وهي بلدة المترجم - مواضع تُنسب إلى آل مقدّم؛ منها: طريفية آل مقدم، وعمارة آل مقدم اللتان وردتا في وثيقة وقف مسجد الشيخ محمد بن حسين بن عفالق بالمبرز؛ المدونة عام 1082للهجرة، فلعلها منسوبة إلى آل مقدم الذين حاربوا العُيونيين، أو إلى جدّ هذا التاجر الأحسائي.
ويدلُّ لقب مترجمنا: (القحطاني) على
أنه كان يمني الأصل من القبائل اليمنية التي كانت تسكن الأحساء، وليس من ربيعة أو
مضر اللتين كان جُلُّ سكان الأحساء والبحرين عموماً منهما وقتذاك، وقد كان في
الأحساء قبائل يمانية قحطانية معروفة؛ سكنت الأحساء والبحرين من قديم الزمان
كالأزد وقبائل تنوخ قبل الإسلام، وفي فترة مترجمنا وقبلها ببضعة قرون تم تسجيل
حضور قويّ للقبائل اليمنية في الأحساء بالذات، وذلك عندما ضعف أمرُ دولة القرامطة
في البحرين، وخرجت من أيديهم جزيرة أوال على يد أبي البهلول العبدي، والقطيف على
يد آل عباس الجذميين العبديين، وبقيت الأحساء في أيديهم فقط إلى أنْ ثار عليهم عبد
الله بن علي العُيوني مؤسس الدولة العُيونية في البحرين، فحاربهم وحصرهم في دار
ملكهم (حصن القرمطي)، وهنا يذكر لنا ابن المقرَّب وشارح شعره بروز قبائل يمنية
أزدية في هذا الوقت قالا عنها إنها اشتركت في حكم الأحساء مع القرامطة طمعاً في
الملك، وهو ما يدلُّ عليه قوله في قصيدة يفتخر فيها بأسرته آل إبراهيم العبديين
وقبيلته عبد القيس؛ قال فيها:
وَأصْبَحَتْ بـ ( قُرَىْ
البَحْرَيْنِ ) خَيْلُهُمُ
تَجُرُّ لِلْعِزِّ أشْطَاْنَاً
وَأرْسَاْنَاْ
لَوْلاْ نُزُوْلُهُمُ فِيْ
جَوِّهَاْ لَرَأَتْ
رَبيْعَةٌ - رَهَبَاً - (
كَيْشَاً ) وَ ( مُكْرَاْنَاْ )
لَكِنَّهُمْ أثْبَتُوْا
آسَاْسَهَاْ وَنَفَوْا
عَنْهَاْ حُمَيَّ بْنَ
عَيْمَاْنٍ وَحُدَّاْنَاْ
وعلّق الشارح على البيت الأخير
بقوله:
"حُمَيُّ بن عَيْمان
وحُدّان من قبائل الأزد من قحطان، وكانوا قد طمعوا في الملك مع القرامطة عند
انقضاء دولتهم وضعفها".[8]
كما قال في موضع آخر من قصيدته الميمية
الشهيرة، وهو يذكر انتصار أسرته العيونية على بقايا القرامطة وحلفائها من القبائل:
فَأقْبَلتْ وَرِجَالُ الأزْدِ
تَقْدُمُها
كالأُسْدِ قَدْ جَعَلَت سُمْرَ
القَنَاْ أجَمَاْ
وعلَّق الشارح على هذا البيت
بقوله:
"أقبلت يعني القرامطة،
والأزد يعني من كان بالأحساء من قبائل قحطان لأنهم ينسبون إلى الأزد".[9]
وقال الشارح أيضاً في موضع آخر من
شرحه لهذه الميمية، وتفصيله لحروب عبد الله بن علي مؤسس الدولة العُيونية ضد
القرامطة حتى انتزع مُلك الأحساء منهم:
"وما زال يحاربهم جميعاً
إلى مدة سبع سنوات حتى ملك البلاد، وانتزع
الملك من القرامطة ومن اليمن".[10]
وقال قولاً مشابهاً في موضع آخر
في شرح قول ابن المقرَّب الذي يفتخر فيه بأسرته:
فَعَنْ ( هَجَرٍ ) ذَاْدُوْا (
القَرَاْمِطَ ) عُنْوَةً
وَقَدْ شَرِكَتْ فِيْهَاْ (
عَتِيْكٌ ) وَ ( حُدَّاْنُ )
وعلَّق الشارح بقوله:
"هجر هي الأحساء من
البحرين، والقرامطة هم بنو الحسن بن بهرام بن بهرشت الجنّابي، ويعرف بالقرمطي غلب
عليه اسم مذهبه، وعنوة أي قهراً، وعَتيْك وحُدَّان قبيلتان من الأزْد، .. وكانوا
قد شركوا مع القرامطة في الأمر، وحلَّ بعضهم مع القرامطة، وفي الحال قام عليهم عبد
الله بن علي العُيوني، وعلى مَنْ شاركهم من اليمن في الأمر، فأجلاهم من الأحساء".[11]
وقال الشارح أيضاً معلقاً على أحد
أبيات هذه القصيدة، وهو قوله :
مِنَّاْ الَّذِيْ جَاْدَ
بالنَّفْسِ الخَطِيْرَةِ فِيْ
عِزِّ العَشِيْرَةِ حَتَّىْ
اسْتَرْحَلَ العَجَمَاْ
"يعني علي بن عبد الله بن علي؛ ولدُه الكبير، وذلك أن
الأعاجم الذين جاءوا يطلبون بدم البغوش
أقاموا على حصار عبد الله بن علي، ومن معه في دار الإمارة بالأحساء سنةً
كاملة، وأعانهم أكثر أهل البلاد من قحطان وغيرهم من نزار".[12]
ومع كل ما فعلته هذه القبائل
اليمنية للحئول دون وصول عبد الله بن علي إلى تأسيس دولته في الأحساء إلا أنه حتى
بعد انتصاره على القرامطة، وتأسيسه للدولة، فإنّ العنصر اليمني فيها لم يختفِ؛ بل
إنّ هذا العنصر – وبما عُرف فيه من همة وحب للسلطة والهيمنة – سرعان ما عاد إلى
صدارة الدولة من جديد، وصار له في الأحساء صيتٌ وقَدْر كبير عند حكام الدولة
العُيونية المتأخرين؛ يدلُّ على ذلك ما نراه في شعر ابن المقرَّب وشرحه، فمن ذلك
قول الشارح في مقدمة قصيدته الميمية التي مطلعها:
إلىْ كَمْ مُدَاْرَاْةُ العِدَىْ
وَاحْتِرَاْمُهَاْ؟
وَكَمْ يَعْتَرِيْنَاْ ضَيْمُهُاْ
وَاهْتِضَاْمُهَاْ؟
"وله أيضاً في الحرب التي جرت بين
البدو وبين أهل الأحساء في زمان أبي
القاسم يحض الأمير أبا القاسم وأولاده
وجميع قبائل أهل الأحساء نزاريها وقحطانيها على الحرب".[13]
نعم قال ابن المقرَّب هذه القصيدة
محرّضاً أمير الأحساء أبا القاسم مسعود بن محمد بن علي بن عبد الله المؤسس على
مناجزة قبائل عُقيل وحلفائها الحرب وعدم الرضوخ لمطالبهم وكانت هذه القبائل قد
حصرت هذا الأمير في دار الإمارة بـ(حصن القرمطي) ذاته الذي سيولد فيه مترجمنا
لاحقاً، فطالبه ابن المقرَّب بمواجهتهم بقوة مشجعاً له بوقوف أولاده وأسرته
وقبيلته وأنصاره معه عند المواجهة، ومن هؤلاء الأنصار جماهير من قحطان، ولنستمع
إليه وهو يقول مخاطباً الأمير:
وَحَوْلَكَ مِنْ أبْنَاْئِكَ الصِّيْدِ فِتْيَةٌ
كَثِيْرٌ لأرْوَاْحِ العَدُوِّ اخْتِرَاْمُهَاْ
وَمِنْ نَسْلِ جَدَّيْكَ ( العَلِيَّيْنِ ) غِلْمَةٌ
نَشَتْ، وَبأَبْكَاْر ِ المَعَاْلِيْ غَرَاْمُهَاْ
وَمِنْ صُلْبِ إبْرَاْهِيْمَ جَدِّكَ عِصْبَةٌ
يَسُرُّكَ فِيْ يَوْمِ التَّلاْقِيْ مَقَاْمُهَاْ
ثم عدد قبائل عبد القيس في الأحساء حينها، ليقول بعد ذلك:
وَمَنْ كَاْنَ فِيْنَاْ مِنْ جَمَاْهِيْرِ ( خِنْدِفٍ )
وَ ( قَيْسٍ ) فَأتْرَاْبُ العُلَىْ وَنِدَاْمُهَاْ
وَمَاْ فِيْ ( بَنِيْ قَحْطَاْنَ ) إنْ شَبَّتِ الوَغَىْ
تَوَاْنٍ، وَلاْ يَنْبُوْ لَدَيْنَاْ حُسَاْمُهَاْ
وعلَّق الشارح على هذين البيتين بقوله:
"خندف وقيس تجمع قبائل مضر كلها، وقحطان تجمع قبائل اليمن
كلها".
ثم يعيد ذلك في آخر القصيدة،
فيقول:
فَيَاْ لَكِرَاْمٍ مِنْ ( نِزِاْر
ٍ) وَ ( يَعْرُبٍ )
وَلَيْسَ يُجِيْبُ الصَّوْتَ إلاّ
كِرَاْمُهَاْ
صِلُوْا بالخُطَىْ قِصْرَ
السُّيُوْفِ فَإِنَّهَاْ
تَطُوْلُ، وَلاْ يُغْنِيْ
غَنَاْءً كَهَاْمُهَاْ
فَلَمْ يَبْقَ يُرْضِيْ القَوْمَ
إلاّ حُدُوْدُهَاْ
وَقَدْ طَاْلَ - فَاسْقُوْهَاْ
برِيٍّ - أوَاْمُهَاْ
وهنا يعيد الشارح قوله أيضاً:
"نزار: ربيعة ومضر، ويعرب
تجمع قبائل قحطان".
بل إنّ في شعر ابن المقرَّب ما قد
يُستدلُّ منه أنّ من كانت له الهيمنة على الحكم في الأحساء في آخر أيام العُيونيين
هم رجال وقبائل من قحطان واليمن، وهو ما يُفهم من قوله معاتباً قومه في قصيدة
قالها يمدح حاكم القطيف فضل بن محمد بن أبي الحسين بعد أن خرج حكم الأحساء من أيدي
بني عمّه العيونيين: [14]
أبْلِغْ عَلَىْ النَّأْيِ
قَوْمِيْ حَيْثُ مَاْ نَزَلُوْا
بَرَّاً وَبَحْرَاً وَأجْبَاْلاً
وَغِيْطَاْنَاْ
قَوْلاً تُبَيِّنُهُ لِلْقَوْمِ
تِبْيَاْنَاْ
كَمْ ذا التَّغَاْفُلُ عَمَّاْ
قَدْ مُنِيْتُ بهِ
وَكَمْ أهُزُّكُمُ مَثْنَىً
وَوُحْدَاْنَاْ
أتَقْنَعُوْنَ بأَنْ أطْوِيْ
رَجَاْءَكُمُ
يَأْسَاً، وَأنْ أتَرَجَّىْ
الحَيَّ قَحْطَاْنَاْ؟
ففي البيت الأخير إشارة واضحة إلى
أنّ أمر الملك في الأحساء صار بأيدي جماعة من قحطان اليمن حتى وإن كان الحاكم من العُيونيين،
فهو بمثابة الحاكم الصُّوَري الذي يُنَصَّب ليرضوا الناس به، وهم يفعلون من وراءه
وباسمه ما فيه مصلحتهم، ولهذا نجد ابن المقرَّب كثيراً ما كان يتشكى منهم في شعره،
ومن ذلك قول شارح ديوانه في مقدمة قصيدته التي مطلعها:
صُعُوْدُ العُلاْ إلاّ عَلَيْكَ حَرَاْمُ
وَعَيْشٌ سِوَىْ مَاْ أنْتَ
فِيْهِ حِمَاْمُ
"وقال يمدح الأمير الأجل عماد الدين
أبا علي محمد بن مسعود بن أبي الحسين أحمد
بن أبي سنان محمد بن الفضل بن عبد الله بن علي العيوني، ويستعطفه ويذكره
الأرحام والقرابات التي بينه وبينه، ويبرأ
إليه من أمور كانت أقوام من اليمن قد
كذبوها ونقلوها عليه يريدون بها هلاكه ومحو آثاره".[15]
فمن هذا السرد الموثق بشعر ابن
المقرب الذي لم يكن زمنه بعيداً عن زمن مترجمنا يتضح لنا مدى ما وصل إليه العنصر
اليمني القحطاني في الأحساء، ثم في دار مُلكها حيث (حصن القرمطي) الذي وُلد فيه
مترجمنا خلف بن حسن، وقد رأينا كيف أنّ المراد بقحطان واليمن في شعر ابن المقرَّب
وشعره هم بطونٌ من الأزد، وعلى التحديد بطنان من هذه القبيلة هما العتيك بن الأسْد
والحِدّان بن شُمس، وكنتُ قد قلتُ في إحدى تعليقات على شروح ديوان ابن المقرَّب: وأخوة
حُدَّان بن شُمْس الأزديين هؤلاء: بنو نحو بن شُمْس (الكلبي: نسب معد واليمن
الكبير؛ ج2: 500)؛ وهم بطنٌ يُنْسَبُ إليهم (ابن الأثير الجزري: اللباب في تهذيب
الأنساب؛ ج3: 301)، والأرجح أنّ القرية المعروفة في الأحساء باسم (بني نحو) هي
منسوبة إليهم؛ كما إنّ من بني حُدَّان أنفسهم بطنٌ يُسمى بنو نعم كما ذكر العوتبي
في (الأنساب)، ويبدو أنّ لهم علاقة بالقرية الجارة لقرية (بني نحو)، وهي قرية (بني
نعم)، وتُعرف هذه القرية أيضاً بـ(بني معن)، وفي الأزد أيضاً بنو معن بن مالك بن
فهم بن غنم بن دوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد
الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وكان منهم حلفاء لعبد القيس في البحرين اشتركوا
معهم في بعض قراها مثل (آفان)، و(أوال)، و(الزارة).[16]
وعلى ضوء ما تقدّم، فإنني أرجح
أنّ مترجمنا هو قحطاني أولاً، ثم من قبيلة الأزد القحطانية اليمنية ثانياً.
والده:
وفي ضوء شحّ المصادر – التي تنحصر
في مصدر وحيد عن مترجمنا – فإننا لا نعرف عن والده شيئاً سوى اسمه، وكذلك ما ذكره
المقريزي عنه أنه كان من شيوخ الأحساء، وهذه اللفظة أعني كلمة (شيوخ) كانت تعني في
ذلك الوقت الزعامة؛ أي أنّ والد مترجمنا كان من زعماء الأحساء لأنه في تلك الحقبة
من الزمن كانت توجد زعامات مشايخ متعددة في الأحساء كآل أبي جروان العبديين، وآل
جروان العُقيليين، وآل أبي الدُّلف العُقيليين، وآل رميثة العُقيليين، ومن الواضح
أنّ من ضمن هؤلاء الزعماء والد مترجمنا الذي كان زعيم عشيرته القحطانية التي رجحتُ
كونها من قبيلة الأزد في الأحساء، وهذا كل ما يمكنني قوله عن والد مترجمنا في ضوء
ما تسعفنا به المصادر التاريخية.
القفترة الزمنية التي عاش فيها
أما الزّمن الذي وجد فيه مترجمنا
فهو محدود بين 790 للهجرة، وهو الوقت الذي ولد فيه مترجمنا بحسب تقريب المقريزي،
وبين العام 850 للهجرة لأنّ السخاوي ذكر في ترجمة خلف بن حسن أنه قُتل بعد وفاة
المقريزي بـ(زمن!)، ولم يحدد لنا مقدار هذا الزمن، والمقريزي توفي عام 845 للهجرة،
فاخترت العام 850 للهجرة ليكون نهاية مطاف هذا العلم الأحسائي لأنه إذا كان ولد
عام 790 للهجرة كما قرّب لنا المقريزي ذلك، فإنّ عمره عند العام 850 يكون ستين
سنة، وهو معدل العمر الطبيعي لرجال تلك الفترة؛ لاسيما وأنّ المترجم قد تمت
تصفيته، ولم يمت موتاً طبيعياً كما سنرى، فهو إن لم يمت في العام 850 للهجرة، فلن
يبعد تاريخ موته عن هذا العام كثيراً سواءً أكان بالزيادة أو النقصان.
بلده الذي ولد فيه
وُلد المترجم في الأحساء؛ الواحة
الشهيرة المعروفة في شرق الجزيرة العربية حتى يومنا هذا، ثم كانت ولادته في (حِصْنِ
القِرْمِطيّ) منها كما نصّ على ذلك المقريزي، و(حِصْنُ القِرمطي) هذا هو ذاته (قصر
القرمطيّ) الذي ذكره ابنُ المقرَّب الأحسائي بهذا الاسم، وذلك في قوله:
وإنْ تأتِ قصرَ القِرْمِطيّ تجد
به
جماجمَ قومي والقروم المصاعبا
وعلَّق شارح ديوانه في القرن
السابع الهجري على هذا البيت بقوله:
"وقصر القرمطي: دار إمارة
الأحساء من البحرين، ومنزل ملوكها التي تحكمها".[17]
فهذا القصر إذاً هو من نوع (القصر
الحصن) المعروف أمثال كثيرة له في المنطقة، وفي الأحساء ذاتها، وهو ما استوحي بعد
ذلك في بناء قصر إبراهيم باشا في الهُفوف، وقصر صاهود في المبرَّز من الأحساء.
وتعود اللبنات الأولى لهذا القصر
في الأحساء إلى مؤسس دولة القرامطة؛ أبي سعيد الجنابي عندما وضع لبناته الأولى بعد
حرقه لمدينة هجر الحاضرة القديمة، وقيامه بإنشاء الأساسات الأولى لمدينة أراد أن
يجعلها عاصمة لملكه، والتي بدأ ببنائها قرب عين ماءٍ عظيمة كان لها اسمٌ قديمٌ لا
نعرفه، ثم أصبحت تُعرف في عهد أبي سعيد أو عهد ابنه أبي طاهر باسم (عين الجوهرية)
نسبة إلى المهندس الذي قام بهندسة أنهارها بحسب كلام شارح ديوان ابن المقرَّب في
أواسط القرن السابع الهجري.[18]
ثم توالت بعد ذلك التَّوْسِعَات
والإضافات على هذا القصر في زمن خلفاء أبي سعيد الجنابي، ولاسيما ولده أبي طاهر
ليصبح بعد ذلك عبارة عن قصر وحصنٍ حصين كان يقوم على هضبة مرتفعة عما حولها تُسمى
الآن بـ(الرابية)، ولا زالت آثار هذا الحصن القصر تُشاهد على هذه الرابية التي تقع
إلى الشمال الشرقي من عين الجوهرية، وقد شاهدت بعيني مواسير مياه مصنوعة من
الفخّار المحروق لتقويته، وذلك عندما تمّ بناء مدرسة للبنين على ذات الهضبة التي
يقوم عليها هذا القصر الحصن، وتقبع أسفلها أثارُه.
ويسمّيه السكّان الآن بـ( قصر
قُريمط ) تصغير (قرمط)، ويسمّونه أيضاً بـ(القصر) مطلقاً، وينسبون إليه بعض
البساتين، وهو في موضعه العالي هذا كان يشرف على مدينة الأحساء القديمة ونخيلها
وأنهارها التي كانت تحيط به، وقد ورد باسم (قصر قريمط) في وثيقة بيع بستان اسمه
القُوَيْع في قرية البطالية تعود للعام 1347هـ، وفيها أنّ هذا البستان يحده من
الغرب (قصر قريمط)، ومن الشمال بستان عارض القصر، وفي وثيقة سابقة لها كُتبت في العام 1314هـ ورد فيها اسم (عارض القصر)
فقط.
وفي حين إنه كان من المفترض أن
ينال هذا القصر عنايةً كبيرة من الأهالي والجهات المختصة باعتباره معلماً كبيراً
من معالم الآثار في واحة الأحساء إلا أنّ العكس هو ما حصل تماماً، فقد بُني فوق
ساحته مدرسة للبنين ما أدى إلى محو الكثير من معالمه وآثاره كما أشار إلى ذلك
الشيخ حمد الجاسر – رحمه الله – في رسم [البطالية] من معجمه عن البلاد العربية
السعودية، فكأنه لم يكن بالأمس دار إمارة الأحساء لأكثر من خمسة قرون منذ أن بناه
القرامطة وحتى سقوط الدولة العُيونية، وربما إلى ما بعد ذلك بقليل.
والأحساء التي ولد فيها المترجم: هي
الواحة العريقة، والموغلة في القدم؛ إذ عُثر في أطرافها مثل عين قناص – شمال
الواحة – والمطيرفي – شمال غرب الواحة – وجبل الأربع – جنوب الواحة – على آثار
استيطان تعود إلى أكثر من 4000 عام قبل الميلاد (دانيال بوتس: الخليج العربي في
العصور القديمة)، وفي وقتنا الحاضر يطلق هذا الاسم على أرض زراعية خصبة تقع في
منتصف السهل الساحلي الشرقي للجزيرة العربية مبتعدة عن ساحل البحر بـ50 كيلومتراً
تقريباً، ويحدها مرتفعات أبو غنيمة وقارة الركبان وأبو الدلاسيس من الغرب والشمال
الغربي، ورمال الجافورة من الجنوب والشرق، ورمال البيضاء من الشمال.
وقبل الربع الأخير من القرن
الثالث الهجري؛ كان اسمُ الأحساء يُطلق على واحة متوسطة الحجم محصورة بين هضبتي ما
يُسمى بـ(جبل الشِّعْبة) و(البُرَيْقَة) من الشرق، وهضبة لسان المحيرس من الجنوب،
وهضبتي جبل الحُويرّات والركبان من الغرب، وأما من الشمال، فتشكل قرى الجَرْن
والشَّقِيْقْ والمُطَيْرْفي وبساتينها - الممتدة من الشرق إلى الغرب - الحدود
الشمالية لهذه الواحة القديمة، فهذه المساحة المحددة هي التي كان يُطلق عليها في
تلك الحقبة مسمى الأحساء، وقد يقيد اسمها أحياناً، فتسمى (أحساء هجر) نسبة إلى
مدينة هجر التي كانت على ميلين منها، أو (أحساء بني سعد) نسبة إلى بني سعد بن زيد
مناة من تميم اللذين سكنتها بطونٌ منهم في بدايات ظهور الإسلام، ثم بعد قيام دولة
القرامطة في المنطقة صارت تسمى بـ(أحساء القرامطة).
وأما الواحة الأكبر الواقعة
للجنوب من هذه الواحة، والممتدة من شرق مدينتي الهفوف والمبرز غرباً إلى هضبة جبل
القارة وقرى العمران شرقا، ومن لسان المحيرس شمالاً إلى هضبتي جبلي الأربع ودخنة
جنوباً، فهي وإن كان يشملها مسمى واحة الأحساء الآن إلا أنها في السابق كانت هي
الواحة التابعة لمدينة هجر التاريخية، والمتصلة بمدينتها، وكانت هضبة لسان المحيرس
– ولا زالت – هي الحدُّ الطبيعي الفاصل بين بساتين الواحتين، ثم بعد أنْ أحرق أبو
سعيد الجنابي – مؤسس الدولة القرمطية في البحرين – مدينة هجر التي كانت تقع عند
الركن الشمالي الغربي لجبل الشبعان – القارة الآن – وذلك في الربع الأخير من القرن
الثالث الهجري بنى له مدينة تقع على ميلين من مدينة هجر؛ للشمال الغربي من تلك
المدينة المحروقة، وقد أُطلق على هذه المدينة الجديدة اسم الأحساء نظراً لكون
المدينة الجديدة بُنيت بالقرب من الأحساء القديمة التي حددتُها للتوّ، وصارت هذه
المدينة والنخل المتصل بها يُضاف إلى القرامطة منذ ذلك الحين، فدُعيت بـ(أحساء
القرامطة) بعد أن كانت تُعرف قبل ذلك بـ(أحساء بني سعد)، وقبل ذلك بـ(أحساء هجر)،
وعليه فإنّ (الأحساء) اسماً وواحةً هما قديمان جداً، وأما المدينة أي مدينة
الأحساء، فيعود تاريخ تأسيسها الأول إلى العام 287 للهجرة، وهي السنة التي تمكن
فيها أبو سعيد من فتح مدينة هجر بعد حصار دام لعامين أو أكثر.
ثم وبعد سقوط الدولة العُيونية
عام 636 للهجرة بدأ شأن مدينة الأحساء يتلاشى، ويضعف شيئاً فشيئاً حتى اندثرت هذه
المدينة، ولم يبق منها سوى بعض محلاتها القديمة مثل: حصنها (حصن القرمطي)، أو (قصر
القرمطي)، و(المسجد الجامع)، ومنطقة الرَّحل، ومنطقة بهيتة، وبقية بيوت ومنازل
أقيمت على أنقاض بيوت المدينة القديمة، وصار يُطلق عليها اسمُ (البلاد)، وهو تقليد
قديم عند سكان المنطقة نلاحظه في تسمية عواصم المنطقة التي كانت تُعرف في السابق
باسم (البحرين)، وهو ما نلاحظه في إطلاق هذا الاسم أيضاً على عاصمة جزيرة أوال
القديمة، وهي (البلاد القديم)؛ كما سُمّيت (بلاد) الأحساء أيضاً بـ(بلاد ابن
بطّال)، نسبة إلى (ابنِ بطَّال) الذي ربما
يراد به مالك بن بطال بن مالك بن إبراهيم بن محمد العُيوني أخو عبد الله بن علي
مؤسس الدولة العُيونية من الأمّ كما أشار بعض المؤرخين،[19] والذي كان لأولاده وأحفاده
الذين عُرفوا بـ(آل بطال) جاهٌ ومالٌ كثير في الأحساء سوّلت لهم أنفسهم لأجله
الثورة على بني عمهم من العُيونيين أبناء أبي المنصور علي بن عبد الله المؤسس؛ إلا
أنهم فشلوا في ذلك، ولكن يبدو أنّ القرية سُمِّيت باسم الأسرة (آل بطال)، وليس
باسم الجدّ لأنّ الجدّ كان موجوداً في زمن مؤسس الدولة العُيونية، وفي تلك الفترة
كان اسم المدينة هو الأحساء، ولم يبدأ إطلاق اسم (بلاد ابن بطال) عليها إلا بعد
ذلك بزمنٍ طويل، فهو نسبة إلى الأسرة؛ أسرة آل بطّال، وليس إلى الجدّ، ثم اختصر
الناس اسم هذه القرية من (بلاد ابن بطال) إلى (البطالية)، وهو الاسم المعروفة به
الآن.
نشأته الأولى
لم يذكر لنا المقريزي الشيء
الكثير عن نشأة المترجم الأولى سوى قوله إنه نشأ بالأحساء في كفالة أبيه الذي كان
من شيوخها، وعلى الرغم من أنّ نصَّ هذا الكلام لا يفيدنا كثيراً في معرفة كيف نشأ
مترجمنا في الأحساء، وكيف تعلم فيها؛ إلا أنّ كونه ابن أحد شيوخ الأحساء وزعمائها
يعطينا شيئاً من الاطمئنان إلى أنّه قد تلقّى قسطاً جيداً من العيش الهنيّ،
والتعليم الجيد لأمثاله من أبناء زعماء البلاد، وقد كانت الأحساء حينها ومنذ اتخاذ
القرامطة لها حاضرة لملكهم مدينة علمٍ وأدبٍ، ولاسيما فيما يتعلق بأبناء ملوكها
وأمرائها وشيوخها الذين كانوا يحصلون على قسطٍ لا بأس به من التعليم والتربية الجيدة،
وهذا ما سنلاحظه لاحقاً في سيرة مترجمنا من كونه شاعراً له شعرٌ يُروى إلا انه لم
يصلنا منه إلا بيتٌ واحد للأسف، ومع ذلك، فإنّ هذا البيت يدلُّ على مستوى علمي
وحسٍّ أدبي لا بأس به كان مترجمنا يتمتع به؛ هذا فضلاً عن وصوله إلى ما وصل إليه
في (گلبرگة) عاصمة الدولة البهمنية في الهند من عزّ وجاه ما كان ليتأتى له لو لم
يكن حسن التعليم والنشأة، وهو ما يؤكده قول المقريزي عندما قال عنه: وإذا حضر مجلسَه
أهلُ العلم - وكثيرا ما يلازمونه - لا يزال يباحثهم ويذاكرهم، فما كان ليتمكن من
مباحثة أهل العلم ويذاكرهم لو لم يكن قد تلقّى قسطاً وافراً من التعليم في بلده
الأحساء، وهذا يدلُّ على ما كانت تتمتع به الأحساء في وقته من مستوى علمي كبير
يدلُّ على ذلك أيضاً هذه الكثرة التي نلاحظها الآن بفضل الفهرسة العالمية الجديدة
لمخطوطات المكتبات في العالم لخطاطين أحسائيين كتبوا بمدادهم الكثير من الكتب في
القرن العاشر والحادي عشر الهجريين.
هجرته من الأحساء وأسبابها
كانت الأحساء في الفترة التي ولد
وعاش فيها هذا العَلَمُ الأحسائي تمرُّ بأحداثٍ عصيبة ودامية، وكان شيوخ بطون
عُقيل المُضريّة التي سيطرت على الحكم فيها منذ سقوط الدولة العُيونية العبديّة
الرَّبَعيّة في قتال دموي دائمٍ ومرير ومستمرّ فيما بينهم على الزعامة والسلطة، وبما
أننا قد حددنا الفترة الزمنية التي تقع فيها حياة مترجمنا، وهي ما بين 790 – 850
للهجرة، فسأتحدثُ عنها بشيءٍ من التفصيل لما لذلك من إلقاء بعض الضوء على سبب هجرة
المترجم من الأحساء إلى الهند.
لقد كانت هذه الفترة التي عاش
فيها المترجم هي فترة حكم المشيخات واندثار الحكم المركزي في البحرين ومراكزه
الثلاثة (القطيف – الأحساء – جزيرة أوال)، وهو أمرٌ كان ملاحظاً حتى في بدايات
الدولة العُيونية عندما انقسم حكمُ هذه الدولة إلى قسمين بعد اتحاد الأميرين
العُيونيين أبي المنصور علي وأخيه أبي علي عبد الله ابني مؤسس الدولة العُيونية عبد
الله بن علي الإبراهيم العُيوني على ابن أخيهما أبي سنان محمد بن الفضل بن عبد
الله المؤسس، فقتلاه في المعركة الفاصلة التي وقعت عند واحة العُيون، وتوزّعا ملكه
الذي كان شاملاً لكل بلاد البحرين أحسائيها وقطيفيها وأواليّها، فصار حُكم الأحساء منذ ذلك الوقت لأبي المنصور وولده،
ومُلك القطيف وأوال لأبي علي وولده، ولكنّ آل أبي سنان عادوا من جديد، فانتزعوا
حكم القطيف من آل أبي علي، وتمكنوا بعد ذلك من انتزاع حكم الأحساء من آل أبي
المنصور على يد أميرهم الشهير محمد بن أبي الحسين بن أبي سنان الذي أعاد توحيد
البلدات الثلاث تحت راية عُيونية واحدة؛ إلا أنّ ذلك لم يستمرّ طويلاً إذا سرعان
ما قام أبناء أبي المنصور بقتل هذا الأمير، واستردوا حكم الأحساء منه، وأخذوا فوق
ذلك أوال والقطيف، ثم عاد آل أبي الحسين من آل أبي سنان، فاستردوا هاتين الأخيرتين؛
ليدخلوا جميعاً في صراعات مريرة من أجل السلطة، فقتل بعضهم بعضاً من أجل الملك،
وكانت النتيجة أن أصبح حكم البحرين موزعاً بينهم؛ إلا أنه بقي في حيّز الأسرة العُيونية
إلى أنْ بدأ حُكّامُها يسقطون واحداً تلو الآخر أمام التمدد القوي من قبل حاكم قيس
وهرمز من الخارج، ومن قبل مشيخات وزعامات بدوية عُقيلية كان العُيونيون قد اعتمدوا
عليهم في قتال بعضهم بعضاً من الداخل، فكانت النتيجة المتوقعة، وهو سقوط حكم
الدولة العُيونية عندما قُتل آخر حكامها في أوال، وهو الأمير محمد بن محمد بن أبي
الحسين على يد سلطان قيس وهرمز، وبمساعدة من قبيلة العَماير العُقيلية التي كانت
أقوى القبائل في المنطقة حينها، وقد اكتفى سلطان قيس وهرمز بأخذ جزيرة أوال لنفسه،
وأعطى القطيف والأحساء لمن ساعده في إسقاط الدولة العُيونية، وهم العماير لتبدأ
بعد ذلك مرحلة مريرة من الصراع المشيخي القبائلي البدوي على الواحتين بين بطون
قبيلة العماير أولاً، ثم بينها وبين بطون أخرى تلتقي معها في قبيلتهم الأمّ عُقيل
بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة حتى وصل الحكمُ إلى الجراونة العُقيليين، وفي
فترة حكم هؤلاء وُلد مترجمنا خلف بن حسن القحطاني في الأحساء.
والجراونة أو آل جروان العُقيليون
هؤلاء هم غير آل أبي جروان العبديين من بني مالك بن عامر بن الحارث العبديين في
الأحساء، فأولئك أقدم من هؤلاء، وأما آل جروان العُقيليون هؤلاء، فهم عبارة عن
أسرةٍ كانت تتكون من جدٍّ مؤسس اسمه جروان المالكي، وكلُّ الذي نعرفه عن هذا الرجل
أنه كان موجوداً في العام 705 للهجرة، وهو العام الذي استولى فيه على الحكم في
القطيف والأحساء، وكل هذه المعلومات المقتضبة عنه تأتينا من خلال ما ذكره كلاً من المقريزي
وابنُ حجر في ترجمة ثالث أمراء هذه الأسرة – وربما آخرهم – وهو حفيد المؤسس؛
إبراهيم بن ناصر بن جروان الذي جاءت ترجمته في (درر العقودالفريدة) للمقريزي بما
هذا نصّه:
"إبراهيم بن ناصر بن
جروان المالكي؛ من بني مالك؛ القرشي الشيعي؛ ملك الأحساء؛ ورث الملك عن آبائه،
وأول دولتهم في سنة خمسين وسبع مائة؛ أخذها جدُّه جروان من سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة القرمطي – وجميع
أهل الأحساء، والقطيف، والبحرين، وتاروت رَفَضَة – وقام بعد جروان بالأحساء ابنه
ناصر، ثم قام إبراهيم بعد أبيه ناصر؛ قبيل سنة عشرين وثمان مائة".[20]
وأرى أنّ ابنَ حجر أخذ هذه
الترجمة عن المقريزي، وأدرجها في كتابه (الدرر الكامنة)، ولكن بعد تغيير طفيف
وإعادة صياغة لبعض الجمل، وهذا نصُّ ترجمة ابن حجر لهذا العلم الجرواني:
"إبراهيم بن ناصر بن
جروان المالكي؛ من بني مالك؛ بطنٍ من قُريش؛ صاحب القطيف؛ انتزع جدُّه جروان
المُلكَ من سعيد بن مغامس بن سليمان بن
رميثة القرمطي سنة 705 للهجرة، وحكم في بلاد البحرين كلها، ثم لما مات قام ولده
ناصر مقامه، ثم قام إبراهيم مقام أبيه، وكان موجوداً – يعني إبراهيم – في العشرين
وثمانمائة، وهم من كبار الروافض".[21]
وقول ابن حجر عن إبراهيم بن ناصر
بن جروان إنه "من بني مالك؛ بطنٍ من قُريش" يقابل قول المقريزي
عنه إنه "من بني مالك؛ القرشي الشيعي"، فالمقريزي لم يقل إنّ بني
مالك بطنٌ من قُريش، ولا يُعرف في قبيلة قريش المكية بطنٌ أو فخذٌ يُقال لهم: بنو
مالك، وإنما كان ذلك تصرُّفٌ من ابن حجر ظناً منه أنّ لفظة "القرشي"
تعني أنه من قبيلة قريش القبيلة المكية المعروفة، وهذا لا يتأتّى لأنّ الذين حكموا
الأحساء والقطيف في الفترة الواقعة بين انتهاء حكم الدولة العُيونية عام 636
للهجرة وقيام الدولة العثمانية عام 957 للهجرة كانوا كلهم من بطون عُقيل بن كعب بن
ربيعة بن عامر بن صعصعة، وحتى الذين حكموها بعد سقوط الدولة العثمانية الأولى
كانوا من عُقيل أيضاً متمثلين في قبيلة (بني خالد) التي هي عبارة عن "قبائل
شتّى من عُقيل بن عامر" كما قال أحد شعراء الأحساء. [22]
وعليه فإنني أرى أنّ لفظة "القرشي"
في نصّ المقريزي هي نسبة إلى بطنٍ من عُقيل، ثم من بني خالد منهم يُسمَّون
القُرَشة، وأرى أنهم منسوبون إلى قُرَيْشِ بنِ بَدْرَاْنِ بنِ المُقَلَّدِ بنِ المُسَيَّبِ
بن رَاْفِعِ بن المُقَلَّد بن جعفر بن عمرو بن المُهيّأ بن بُريْد بن عبد الله بن
زيد بن قيس جُوْثَة بن طَهْفَةِ بن حَزْنِ بن عُبادة بن عُقيل المتوفى عام 453
للهجرة؛ أشهر حُكَّام دولة بني عُقيل في الموصل وأعالي الفُرات في القرن الخامس
الهجري، وكان حُكم هذه الدولة في وُلْدِهِ ونَسْلِه بعده، والقُرَشة هؤلاء كانوا حتى
وقتنا الحاضر موجودون في الأحساء من خلال أسرٌ تنتسب إليهم، ومنهم آل (أبو عيَّاش)
في المبرَّز؛[23]
وهو مما يقوّي كون الجراونة حُكّام الأحساء والقطيف من القُرَشة هؤلاء كما قلتُ.
وأياً كان الأمر، فالذي يعنينا من
أمر هذه الأسرة الجروانية هو آخر حكامها، وهو إبراهيم بن ناصر بن جروان الذي قال
المقريزي إنه تولى الحكم قبيل عام 820 للهجرة، وقال ابن حجر إنه كان موجوداً في
هذا العام، وهذا يعني أنّ مترجمنا الذي ذكر المقريزي أنّ مولده على التقريب كان في
العام 790 للهجرة كان قد بلغ الثلاثين عاماً، فهو إما أنه ولد في عهد ناصر بن
جروان ثاني حكام الجراونة الثلاثة، أو في عهد ابنه إبراهيم بن ناصر ثالثهم، وربما
آخرهم بحيث يكون هو الذي ثار عليه سيف بن زامل وسلبه ملكه كما في نصّ السخاوي في
ترجمة أخيه أجود بن زامل،[24] ولربما كانت هذه الحادثة،
وهي سقوط حكم الجراونة في الأحساء، وقيام حكم آل جبر على يد مؤسس دولتهم سيف بن
زامل هو السبب الذي أجبر مترجمنا على الهجرة من الأحساء، فقد رأينا في نصّ
المقريزي عنه أنّ والده كان من شيوخ الأحساء، ووالده كان في إبان حكم آل جروان
لأنه إذا كان مولد الابن خلف في العام 790 للهجرة، فلا أقل من أنّ والده كان من
مواليد أواسط القرن الثامن الهجري، وهذه الفترة تقع في مدة حكم الجراونة للأحساء
أيضاً، وما كان الوالد ليكون من شيوخ الأحساء – كما نعته المقريزي – إلا إذا كانت
تربطه علاقة طيبة مع حكامها الجراونة لأنّ هذه الأسر العُقيلية الحاكمة ما كانت
لتغضّ البصر أو تصبر عن إيذاء من تراهم مخالفين لها ولاسيما إذا كانوا من أهل
النفوذ والصيت في البلد، ولهذا فإنني أرى أنّ سقوط حكم الجراونة وما تبعه من تتبع
المنتصر عليهم – وهو هنا سيف بن زامل الجبري – لكل أنصارهم وأعوانهم والمحبين لهم في
الأحساء وقتله لهم، أو سلبه لأموالهم وأنعامهم جرياً على عادة المنتصرين هو ما
أجبر مترجمنا الذي كان قد بلغ الثلاثين من العمر أو أكثر بقليل على الرّحيل عنها
وقت استيلاء بني جبر على الأحساء، ومن يدري، فلربما كان من المطلوب دمهم للمنتصر،
ولربما أنهم سلبوه أمواله وأملاكه، وحصل منهم تهديد لحياته فخاف على دمه وهرب من
بلده إلى الهند مصطحباً معه أغلى ما في ملكه، وهما الفرسان العربيان العتيقان
اللذان كانا له فاتحة خير للغنى والملك والصِّيْت كما سنرى.
رحلة الطموح والزعامة
يذكر المقريزي في الترجمة الوحيدة
لهذا العلم الأحسائي أنه عندما بلغ مبالغ الرجال سافر إلى جزيرة هُرمُز التي كانت
حينها ذات الصِّيْت السياسي والتجاري الأكبر في الخليج الفارسي، ولم يذكر المقريزي
سنة سفرته هذه، ولكن ذكر أنها كانت في عهد السلطان البَهْمَنِيّ تاج الدين فيروز
شاه الذي كانت فترة حكمه بين العامين (800 – 825هـ)، ويبدو من مجريات الأحداث التي
جرت له في گلبرگة أنّ وصوله إليها كان في السنوات الخمس الأخيرة لحكم فيروز شاه
لأنّ مترجمنا انضمَّ إلى أخيه أحمد شاه الأول في ثورته عليه وخلعه من الحكم،
وانتزاع الملك منه، وهي المساندة التي ستسبغ على خلف الأحسائي كل الأبهة والملك
والسلطة التي وصل إليها كما سنرى، وهذا يعني أيضاً أنّ عُمْرَ خلف عندما وصل إلى
الهند كان بين 30 – 35 سنة.
وكان خلف – كما سبق وذكرت – قد اصطحب
معه ذينك الفرسين اللذين قال عنهما المقريزي إنه رباهما بنفسه في بلده الأحساء حتى
صارا من عتاق الخيل، وكانت تجارة الخيول حينها تجارة رابحة جداً في الدول المحيطة
بحوض الخليج الفارسي وبحر العرب وكذلك في مصر والشام، وكان الأحسائيون مشهورون
بهذه التجارة، وكان حكام الأحساء والقطيف من العُقيليين يتقنون تربية هذه الخيول
العربية الأصيلة؛ كما كانوا يجلبون مثل هذه الخيول من بلادهم إلى مصر، فيبيعونها
من سلاطينها كما ذكر ذلك ابن فضل الله العُمَريّ في كتابه (مسالك الأبصار)،[25] وها هو مترجمنا يسير على
ذات السيرة، ويمتهن بيع هذه الخُيول الأصيلة التي كانت تشتهر بها المنطقة، وها هو
يرحل من بلده بفرسين عتيقين إلى هُرمز التي كانت مركز التجارة العالمية في تلك
الحقبة، ولكن يبدو أنّ المترجم لم يشأ بيع فرسيه في هُرمز، ويبدو أنه سمع وهو فيها
بالدولة البهمنية القائمة في هضبة الدكن الهندية، وسمع عن حبِّ ملوكها للخيول
العربية وإسباغهم الأموال الوفيرة على من يأتي بها إلى بلادهم ودولتهم التي كانت
في صراعات وحروب دائمة مع جيرانها من الدول، وهو ما كان يتطلبُ وجود الخُيول
الأصيلة في تلك الحقبة لخوض مثل تلك الصراعات والحروب.
قرر مترجمنا أن يسافر إلى الدولة
البهمنية في الهند الجنوبي، ولكنَّه استقلّ الفرسين اللذين جلبهما معه من بلده
الأحساء، واللذين رباهما بنفسه، فاستدان من بعض أهل هُرمز ما اشترى به أربعة أفراس
انتقاها بمعرفته وخبرته، وأركبها معه في سفينة عبرت به البحر إلى گُلْبُرْگة عاصمة
الدولة البهمنية التي سمّاها مؤسس الدولة (أحسن أباد)، ولكنّها لم تشتهر إلا
باسمها الهندي هذا، وهناك في گلبرگة قصد الفقيه شمس الدين محمد الميموني الذي كان
القائم حينها في گلبرگة بمثابة رئيس شئون الدولة، فأعجب بها، واشتراها منه، ونظراً
لأنه توسَّمَ في خلف النَّجابة والخبرة في معرفة الخيول، ونظراً لحاجة الدولة
حينها إلى مزيد من الخيول لاستخدامها في الحروب الكثيرة التي كانت تخوضها ضد
أعدائها، فقد طلب شمس الدين من خلف الأحسائي إحضار مزيد من الأفراس الأصيلة،
وأعطاه لذلك أربعة آلاف تَنَكَة، والتنكة: نوعٌ من النَّقْد؛ يكون ذهبيّاً أو
فضيّاً، وتساوي الواحدة تولة واحدة، أو 11 جراماً، وتعادل 8 دراهم، أو دينار ين
ونصف من دنانير المغرب كما قال ابنُ بطوطة في رحلته إلى الهند.[26]
عاد خلف الأحسائي إلى هُرمز مرّة
أخرى، واشترى منها اثني عشر فرساً عتيقاً انتقاها بخبرته، ثم كرّ راجعاً إلى گلبرگة،
فوجد من أرسله لشراء هذه الأفراس قد انتقل إلى الدار الآخرة، وقام مقامه ابنه نور
الدين علي الذي يبدو أنه لم تكن أخلاقه وأمانته كأخلاق والده وأمانته، فأتفق مع
خلف أولاً على أخذ تلك الأفراس الاثني عشرة التي جلبها من هرمز بسعر ألف تنكة
ربحاً لكلِّ فرسٍ منها على أنْ ينقده ثمنها بعد أن يوصلها إلى السلطان فيروز شاه بن
غياث الدين أحمد بن حسن بهمن، وهو السلطان الثامن من سلاطين الدولة البهمنية، وبالفعل
فقد قدَّمها نور الدين علي إلى السلطان فيروز شاه، ومَطَل خلفاً بثمنها مدة طويلة،
ولكنّ هذا الأخير لم ييأس من طلب حقّه، وألحّ على نور الدين علي في طلب ثمن الخيل،
فاضطر هذا الأخير إلى أنْ يعرض على خلف سعراً أقل من السعر الذي اتفقا عليه، وهو
750 تنكة ربحاً لكل فرس بدلاً من ألف تنكة، فرفض خلف هذا المبلغ، ووقع بينه وبين
نور الدين علي شجارٌ كثير حوله، ولم يكن خلفٌ حينها قد صارت له تلك المكانة عند
الدولة التي سيصبح عليها لاحقاً؛ في حين كان غريمه نور الدين علي مديراً لشئون الدولة
كلها مكان أبيه، فلم يقدر على مقارعة خصمه.
غير أنّ هذا الأمر لم يَفُتَّ في
عَضُدِ هذا الأحسائي الجسور، فقصدَ شقيق السلطان أبا المغازي أحمد بن غياث الدين
أحمد بن حسن بهمن الذي كان عادلاً رؤوفاً لا يقبل الظلم، وشكى له حاله وظلم نور
الدين علي له في ثمن الأفراس التي أخذها منه، فاستقبله أبو المغازي استقبال حسن،
ورحَّبَ به، ووعده بالوقوف إلى جانبه في استرداد حقه من نور الدين، فكان ذلك بداية
اتصال خلف بأبي المغازي، وانضمامه إلى حاشيته بحيث صار محسوباً عليه حينها، ولم
يألُ أبو المغازي جهداً في المطالبة بحق خلف، فعرّف أخاه السّلطان فيروز شاه بحقيقة
الأمر، وتعَصَّبَ لخلف الأحسائي بحيث قال لأخيه:
"كيف يحلُّ لكَ أن تغزو
الكفّار على خَيْلِ تَاْجِرٍ لم يأخُذ ثمنها؟!".
وفي بداية الأمر دافع السّلطان
فيروز شاه عن وزيره نور الدين علي، وطلب مَنْ يشهد بما كان بينه وبين خلف حول سعر
تلك الأفراس، فأعلمه أخوه أحمد بأنَّ سّيّدَاً علوياً شّريفاً اسمه طعمة بن أبي
القاسم ابن الرضي الحسيني كان حاضراً بينهما عند الاتفاق على سعر الأفراس، وأنه
يشهد على ما حصل بينهما، فرضي السلطان فيروز شاه بهذا الشريف شاهداً، واستدعاه ليعرف
منه حقيقة الأمر، وهنا أحسّ نور الدين علي بفداحة الأمر، فترامى على مَلِكِ التُّجّار
وقتها، وكان يُدعى با يزيد، والذي كان على علاقة جيدة بنور الدين، فطلبَ با يزيد
من السّيّد طعمة بن أبي القاسم ألا يشهد بين خلف ونور الدين إلا بأنّ الفرس بيع
بسبع مائة وخمسين تنكة كما قال نور الدين، وأخبره أنه متى شهد بغير ذلك، فإنّ
المودّة التي تربط بينهما ستتغيّر، ويتكدر خاطره عليه ملمّحاً بذلك إلى جراية كان
با يزيد يجريها للسيد طعمة كل عام، ويبدو أنّ السيد طعمة قد أحرج بذلك، وأجاب
بايزيد بجواب طيّب به خاطره، ولكنه أضمر غير ما أظهر، وعندما حضر عند السلطان
فيروز شاه، وسأله عما كان بين نور الدين علي وخلف؛ قال له السيّد طعمة إنه توسط
بينهما على سعر 850 تنكة لكل فرس، فلمْ يرضَ خلفٌ بذلك، وخرج من بيت نور الدين،
وعندها قال السلطان لنور الدين: إذا كان السيد شهد بأنّ خلفاً لم يرضَ بسعر 850
تنكة، فكيف يكون قد قبل بسعر 750 تنكة كما قلتَ، وأمره بأن يدفع إلى خلف ثمن خيله
ألف تنكة للفرس، فدفعها له راغماً، فشقَّ ذلك على ملك التجار با يزيد الذي لم
يتوقع من السيد طعمة أن يخذله، ويشهد بغير ما طلبه منه، وخجل خجلاً شديداً لأنه
يكون بذلك قد اتهم شقيق السلطان الخان أحمد أبا المزاوي بالكذب عندما قال إنّ
السيد طعمة يشهد لخلف، فتنكر ملك التجار با يزيد للسيد طعمة، وقطع عنه جراية كانت
له عنده مبلغها 7000 تنكة؛ إلا أنّه لم يمرَّ العام إلا وقد انتقل ملك التجار با
يزيد إلى الدار الآخرة، فأخذ الخان أحمد للسيّد حقه المقطوع من تركة با يزيد.
كانت هذه الحادثة بداية السعد
لمترجمنا الأحسائي، فهو قد صار ذا مكانة عليّة عند شقيق السلطان، وأصبح يُعد من
حاشيته، واسترد ماله كاملاً، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ؛ بل إنّ صيته كخبير في
شراء الخيول العربية قد وصل إلى السلطان فيروز شاه، فأمر أخاه الخان أحمد بأن يوكل
إلى خلف مهمة جلب الخيول العربية إلى مملكته، فامتثل أخوه الخان أحمد إلى هذا
الأمر، وقام بإرسال خلف إلى جزيرة هرمز مرّة ثالثة ليأتيه بالخيول المطلوبة، وأرسل
في صحبته خادماً خاصاً له؛ يُقال له: مُبَاْرِزْ، وكتب إلى صاحب جزيرة تكون في
طريق رحلته إلى هُرمز اسمها مهايم يأمره بخدمته ويوصيه به؛ إلا أنّ هذا الرجل لم يعبأ
بأمره كثيراً، وحمله في مركب إلى هُرمز دون توصية به، فاستخفّ بعضُ الصِّبية في
ذلك المركب بخلف، وألقَوا بعض متاعه في البحر، ولما وصل إلى بندر هرمز، واشترى ما أراد
من الخيل ركب البحر عائداً إلى گلبرگة، فلما مضى في البحر نحو يوم انفتحت ألواح
السفينة التي كان فيها، فاضطرَّ إلى العودة إلى هرمز مرّة أخرى، وأقام في بندرها نحو
خمسة عشر يوماً، حتى تهيأ له سفينة أخرى، فركبها، وسار نحو گلبرگة بالخيل التي
اشتراها، وفي طريقه أرسى على بندر مهايم الذي كان لا بد له من الرّسوّ فيه في طريق
عودته أيضاً، وطلب من أهلها ما سبق أنْ رماه صبيانهم من قماشه، فغاضبوه، ونالوا منه،
فمضى عنهم إلى گلبرگة، وفي نفسه منهم غضبٌ شديد، وقاد الخيل التي اشتراها إلى السّلطان
فيروز شاه، فأعجب بها إعجابا كثيراً، وثَمَّنَها له بثلاثةٍ وأربعين ألف تنكة رابحة
مما زاد ذلك في ثرائه ومكانته عند السلطان وأخيه ورجال الدولة.
ولأنّ السعد كان ملازماً لهذا
الأحسائي الجسور، فقد حدثت بعد ذلك بقليل الحادثة المفصلية في حياته عندما أحسَّ وزراء
السّلطان فيروز شاه بخطر أخيه أحمد شاه عليهم، وهو وليّ العهد بعد أخيه فيروز شاه،
فأخذوا في الإساءة إليه عند أخيه السلطان حتى تغيّر عليه، وحسنوا لفيروز شاه خلع
أخيه عن ولاية العهد، وإقامة ولده حسن شاه بن فيروز شاه مكانه، ثمّ حسّنوا له أن
يقتل أخاه، فلم يجبهم إلى ذلك، ولكنه أجابهم إلى طلبٍ آخر طلبوه منه، وهو أنْ يفقأ
عيني أخيه، فعلم على ذلك، وبعث يستدعيه ليفطر معه، وكان في شهر رمضان.
غير أنّ بعض خَدَم فيروز شاه
الذين كانوا يهوون أخاه أحمد نقلوا إليه ما دبّره الوزراء مع أخيه السّلطان في
إتلاف عينيه، فرفض أحمد دعوة أخيه، ووعده بأن يأتيه بعد ما يُفطر، ولكنه أخذ في
جمع حاشيته ومن يلوذ به وألبسهم السّلاح وركب بهم، فخرج في جملتهم مترجمُنا خلف
بن حسن الأحسائي، فلما رآه الخان أحمد أمره بالرجوع، فأبى بكل شجاعة، وقال: لا
أبرح في خدمتك، فقال له أحمد: أنت رجل تاجر، وليس عليك في هذا الأمر شيء، وطلب منه
أن يرجع، ويأخذ ماله الذي أمر له به السلطان فيروز شاه ثمناً لخيله التي تقدّم ذكرها،
فأجابه خلف بكل صدق: أنا ومالي فداء رأسك، وبسعادتك آخذ مالي من خزانتك يريد أنّه تفاءل
له بأن يأخذ السّلطنة من أخيه، فيعطيه أمواله حينئذٍ، وعبثاً حاول الخان أحمد أن
يرده إلى المدينة، وهو يرفض ذلك، فما كان منه إلا أن رضخ أمام رغبته، فأخذه معه، ووعده
الخان إنْ أظفره اللّه أنْ يجعله ملكَ التُّجّار ، ولا يُغَيّر عليه أبداً، وأنْ يكون
أعز النّاس عنده.
فخرجوا من گلبرگة، ونزلوا بناحية
يقال لها سلطان فور، ولما أصبح السّلطان فيروز شاه علم بذلك، فقبض على أولاد أخيه
أحمد ونسائه وسجنهم، وقد جمع الوزراءَ والأمراءَ، وأنكر على وزرائه ما أشاروا به
عليه في أمر أخيه، فالتزموا له بالقبض عليه، وساروا في طلب أحمد خان ومن معه، وكان
هذا الأخير محنّكاً داهية، فكان منذ خروجه من المدينة لا يلقى أحدا من العسكر إلا
وعده بزيادة في إقطاعه وعطائه، فاجتمع عليه جماعات كثيرة من القوّاد والجند
والعامة، فكان ينعم عليهم ويعدهم المواعيد الجليلة حتى بلغ جمعه خمسة آلاف فارس، وسار
عسكر السّلطان في إثره حتى تقارب الجمعان، وقد بعدوا عن گلبرگة خمسين فرسخا.
وهنا قام خلف بن حسن الأحسائي،
ووجه كلامه إلى الخان أحمد، وقال له :يا
سيدي إلى أين تنهزم وهم في إثرك؟ وشجّعه على لقائهم ومحاربتهم، فركن إلى رأيه، وبات
تلك الليلة، وقد عبأ أصحابه للحرب، وعند الصَّباح قَدَّم أمامَ عسكره سبعة رجال هم:
خلف الأحسائي، والسيّد جيا من أولاد السيد جلال البخاري من أهل دلهي، والسيد خانو
من أشراف دلهي، وأربعة من مسلحي خاصته، فبرز لهم من عسكر السّلطان عشرة وهم: ملك
أرغون، وكان من شجعانهم ومعه ابنه ملك قدو، وهما من عظماء الدّولة في ثمانية من
الأمراء الأعيان، فقُتل أرغُون وابنُه وثلاثةٌ من الأعيان على يد خلف ومن معه،
فانهزم عسكر فيروز شاه، وتركوا أثقالهم وأموالهم، وسار أحمد خان ومن معه في
أقفيتهم، وكان من حسن حظه أنه جرى سيل عظيم هلك فيه أكثر المنهزمين، ووقف باقيهم
على جانبه، فنادى أحمد خان فيهم بالأمان، وأنَّ من جاءه طائعا زاد في إقطاعه
وعطائه مثله، فأتاه أكثرهم، واستولى على ما كان في العسكر من الفيلة والخزائن
السّلطانية، فقوي أمره جداً بعد ضعف.
وقدم المنهزمون على السّلطان
فيروز شاه، فخرج في العسكر مرّة ثانية بنفسه، وحمل معه مالا كثيراً، ونزل على بلدة
سلطان فور، وعسكر هناك، وعبأ الفيلة وأعطى الأموال، إلا أنه عندما جنّه الليل تسلّل
من معه من الوزراء والأمراء والعسكر إلى أخيه أحمد خان، فأصبح فيروز شاه، وقد ذهب
ملكه وانحلّ سلطانه، فعاد إلى گلبرگة وقد اشتدّ به المرض، فما مر بالمدينة حتى ثار
العامة ونهبوا ثقله وماله، وسار أخوه أحمد في إثره على مهله من غير عجلة حتى قرب
من المدينة، فأفرج فيروز شاه عند ذلك عن أولاد أخيه أحمد، وبعثهم إليه مع ولده حسن
شاه كبادرة حسن نيّة، ودخل أحمد المدينة، فوجد أخاه فيروز شاه وحيداً فوقف بين
يديه، وقدّم له احترامه على عادته الأولى، واستمرّ قائماً، فبكى فيروز، ووصّاه
بأولاده، فكان ذلك بمثابة تنازل له عن العرش، وبالفعل فقد جلس أحمد على تخت الملك،
وتكنّى بأبي المغازي، وأخذ جميع وزراء وأمراء أخيه الذين كادوا له، فقتلهم
وتتبّعهم حتى لم يبقِ منهم أحداً، وكان جلوسه على التخت في شوّال سنة أربع وعشرين
وثماني مائة، واستمرّ في السّلطنة أربع عشرة سنة حتى مات في شهر رجب سنة ثمان
وثلاثين وثماني مائة.
ولم ينسَ السلطان أحمد إخلاص خلف
الأحسائي له، وتضحياته لأجله، فوفى له بما وعده، وجعله وزيراً له، وَمَلَّكَهُ
على التجار، فصار يُدعى (ملك التجار)، أو (الملك
خلف)، وحمل إليه ثمن خيله التي لم يأخذ ثمنها من أخيه فيروز شاه لخروجه معه
عليه، وأضعف له أثمانها بثلاثة أمثالها، فبلغت مائة ألف وتسعة وعشرين ألف تنكة
رابح، وعليها ثلاثة لُكوك تنكة – واللكُّ ألف ألف – وأعطاه في يومٍ آخر لُكَّيْ
تَنَكَة سوى خيول كثيرة وغيرها قُيِّمتْ
بأربعة لُكُوْك، إلى غير ذلك.
وأنعم عليه بجواري أخيه السّلطان فيروز
شاه اللاتي كنّ عنده أعز من زوجاته، وكتب له مرسوماً بإسقاط العُشور عن جميع ما هو
له، وينسب إليه، وأقطعهُ أربعين بلداً أوقفها عليه وعلى أولاده، وأولاد أولاده، وعَقِبهِ
ونَسْلِه، وكان يتحصّل له من هذه البلاد في كلّ سنة أربعون ألف تنكة رابح، وأعظم
من ذلك كله، فقد فوّض إليه أن يفعل جميع ما يرى فيه المصلحة للدولة، ولم يتّفق ذلك
لأحد سواه - بحسب قول المقريزي - فصار يفعل ما يشاء بغير مراجعة السّلطان.
تمكنه في الدولة البهمنية وتصرُّفه وفتوحاته فيها
كان من أول ما فعله الملك خلف
الأحسائي بعد أنْ استقرّ أمره هو الانتقام من أهل جزيرة مهايم الذين لم ينسَ
إذلالهم له عندما مرّ بجزيرتهم، وإلقاء صبيتهم لمتاعة، فبعث إليهم مرسومَ السُّلطان
بأنْ يُقَوِّمُوْا لَهُ ثمن قِمَاشه الذي ألقاه صبيانهم، والذي رفضوا أن يعطوه
ثمنه عندما طلب منهم ذلك في عودته من هُرمز واستهزأوا به؛ إلا أنهم شعروا الآن
بخطورته لأنه أصبح ملك التجار ووزير الدولة التي يرجعون إليها، فملأهم الرُّعبُ
منه، ودفعوا إليه أربعة مراكب ثمنها عُشرون ألف تنكة رابح بدل قماشه، وأهدوا إليه
فوقها هدية بنحو ثلاثين ألف تنكة، فلم يشفِ ذلك ما بنفسه عليهم، فقام بتحويل البَنْدَر
العام للمسافرين من بلدتهم إلى بلد قريب منهم، ثم والى الطّلب عليهم بالأموال، ثمَّ
انتهى الأمر به أن تجبَّر عليهم، فأخذَ بَنْدَرَهُم، وقتلَ منهم خمسة آلاف رجل
بحسب المقريزي، وسلبهم أموالهم، وكل ذلك لحنقه الشديد عليهم.
ثم مضى بعد ذلك إلى بلدة باسوطة،
وكانت هذه البلدة مما عجز عن فتحها السلطان السابق فيروز شاه، ففتح قلعتها وملكها،
ثم فتح قلعة أخرى يقال لها: كرهل منكي، وقلعة ثالثة يقال لها: تنك، وهكذا سار يفتح
للقلاع والحصون التي استعصت على غيره.
ثم اتفق أنّ بعضَ أمراء السّلطان
أحمد عَصَى عليه، وكان تحت يده ثمان قلاع، فسار إليه الملك خلف، فهزمه، وملك قلاعه
الثّمان، وما زال هذا الرجل مظفّرا لم يتوجه إلى أمر إلا وظفر منه بما يريد.
جوده وكرمه وبعض مظاهر تشيعه
كان الملك خلف الأحسائي ذا جُوْدٍ
وكَرَمٍ وَسّخاءٍ يخرج فيه عن الحدّ – على حد وصف المقريزي – كما وصفه بأنه كان ذا
محبّة للعلم وأهله والاشتغال به، وكان لتشيعه - كما هو حال الدولة البهمنية التي
ينتمي إليها - يقوم بتفريق مالٍ كثير في كل يوم عاشوراء على الأشراف وطلبة العلم والفقراء
والمساكين يصل مبلغه اثني عشر ألف تنكة رابح.
كما كان على قدر كبير من تعظيم الأشراف
السادة المنتمين إلى أهل البيت، فكان يفيض عليهم المال الجزيل ليس على الذين
يعيشون في كنفه فقط، وفي دولته؛ بل كان – وبحسب قول المقريزي – يُرسِلُ فيْ كلّ سنة
إلى أشراف بني حسن بمكة وأشراف بني حسين بالمدينة النّبوية بشيءٍ من الميراث!
لأنهم كانوا في شدّة عظيمة لإعراضِ النَّاسِ عنهم – بحسب المقريزي – يعني بعد بدء انحسار
سلطة الأشراف على الحجاز، ولاسيما مدينتيه المقدستين مكة المكرمة التي كان يحكمها
الحسنيون، والمدينة المنورة التي كانت تحت حكم الحسيينيين.
ولم يقتصر كرم هذا الأحسائي على
الأشراف العلويين فقط؛ بل إنه كان يبعث أيضا إلى أطراف بلاد العرب ويهادي غالب من يسمع
به من رؤساء الدّول في أقطار الأرض، ولأجل ذلك شاع صيته في شتى الأقطار المحيطة،
فكان يَفِدُ عليه في كلّ سنة قريبٌ من خمسمائة رجل من برّ العَرب، فمنهم من يدفع إليه
جائزته ويعيده إلى بلاده، ومنهم من كان يُقيم عنده، فيرتّب له ما يقوْم به حتى صار
له جند من العرب عدّتهم سبع مائة رجل، فَعَزَّتْ به العَرَبُ في بلاد الهند؛ حتى إنه
كان إذا خرج العربي من قِبَلِهِ أخذَ بعصاهُ ما لا يأخذهُ العَجَمِيُّ بسَيْفه لمهابته
وعزّة العرب في أيامه كما يقول المقريزي.
أدبه وشعره وأخلاقه وصفاته
قال المقريزي إنه كان لمترجمنا شعر
رأى منه قطعة بمكة شرّفها اللّه تعالى، ولكنه لم يذكر له سوى بيتٍ واحدٍ من قصيدة
لاميّة يقول فيها:
وَإِنْ زَاْرَ دَاْرِيْ زَاْئِرٌ زَاْرَ
دَاْرَهُ دَنَاْنِيْرُ تِبْرٍ خَلْفَهَاْ
الخَزُّ يُحْمَلُ
وأما عن أخلاقه وصفاته، فقال
المقريزي عنه إنه كان ديّناً؛ صيّناً؛ ورعاً؛ له في منع الفواحش مآثر جمّة، وفي
الإقدام والشّجاعة والفروسية والثّبات في الحروب أخبار مشهورة، وحملات مذكورة، حتى
إنّه لم يكن يبالي بكثرة من يلقاه في حربه، ولا يفكّر فيهم بل كان يقتحم الهيجاءَ،
ولا يعبأ بعاقبة ذلك.
وكان إذا حضر مجلسَه أهلُ العلم -
وكثيرا ما يلازمونه - لا يزال يباحثهم ويذاكرهم، فما من فضيلة إلا ولها عنده رواج،
وقد نزّهه اللّه تعالى عن الهزل، فلا يُعرف في مجلسه شيءٌ منه، وقد كساه اللّه
تعالى ثوباً من الوقار والمهابة حتى يخيّل للدّاخل عليه والوافد إليه إذا مثل بين
يديه كأنّما هو قائم بين يدي أسد من شدّة مهابته ووفور حرمته، وما منحه اللّه به
من الوقار والسّكينة، وبلغ من الدّنيا مبلغا لم يبلغه أحد في زمانه بتلك الدّيار .
ثم يقول المقريزي مقرراً ومؤكداً:
وبالجملة، فهو أحد أفراد العالم في زمننا لما اشتمل عليه من الدّين، والورع،
والكرم، والشّجاعة، ونفوذ الكلمة، ووفور الحرمة، وبسط اليد في الدّول بحيث إنه لما
مات السّلطان أبو المغازي في سنة ثمان وثلاثين أوصى به ابنه أبا المظفر علاء الدين
أحمد شاه، وقال له : إن أردتم قيام ملككم، فلا تُغَيّروا على الملك خلف، فقبل فيه
وصيّة أبيه وصار له عنده من المكانة ما لم يزل له، وأقامه فيما أقامه فيه أبوه.
ثمّ يختم المقريزي ترجمته له
بدعاءٍ صادق يدلُّ على أنه كان يكنُّ له احتراماً ومودة واضحة، وهو ما يدلُّ عليه
قوله:
"واللّه يقيه كيد الحسّاد
والعدى ويصرف عنه السّوء والرّدى بمنّه".
ويبدو منه أنّ المقريزي كان ممن
تأتيهم هدايا الملك خلف الأحسائي من بُعد كما ذكر عنه في ترجمته بصفة عامة.
مقتله
لم يذكر المقريزي ذلك لأنه مات
قبل قتله، وكانت وفاة المقريزي عام 845 للهجرة كما سبق وذكرت عند الحديث عن الفترة
التي عاش فيها خلف، وذكر السخاوي في (الضوء اللامع) مقتله عموماً دون أن يذكر أيّ
تفصيل فيه، ونظراً لفائدة ذلك، وشح المصادر عن المترجم، فإنني سأذكر ما كتبه من
ترجمته، وإن كان قد اختصرها عن المقريزي، فهو يقول:
"خلف بن حسن بن مهيوف –
كذا - بن ناصر بن مقدم القحطاني؛ ملك البحار القائم بدولة الشهاب أبي المغازي أحمد
متملك كلبرجة من الهند؛ ولد في حدود سنة تسعين وسبعمائة؛ ذكره المقريزي في عقوده
مطولا وبالغ في الثناء عليه، وأنه كان جوادا يحب العلماء والأشراف والفقراء
ويواسيهم أعظم مواساة حتى بالإرسال لمن يعلمه منهم بالأماكن النائية؛ سيّما أشراف
بني حسن، ولذلك لم يزل مظفرا بحيث أنه ما توجه لأمر إلا وظفر به مع صيانته ومنعه
الفواحش؛ قال وبالجملة فهو أحد أفراد العالم في زماننا لما اشتمل عليه من الدين
والورع والكرم والشجاعة ونفوذ الكلمة ووفور الحرمة وبسط اليد في الدول بحيث إنه
لما مات سلطانه الشهاب أوصى به ابنه أبا المظفر شاه أحمد وقال إن أردتم قيام ملككم
فلا تغيروا على الملك خلف، فامتثل وصيته، وصار له من المكانة المكينة ما لم يزل له،
وأقامه فيما أقامه فيه أبوه وأنشد من نظمه في قصيدة :
وإن زار داري زائر زار داره *
دنانير تبر خلفها الخز يحمل
ولم يؤرخ وفاته لأنه إنما قتل
بعده بزمن وكان ممدحا مقصودا بذلك من شعراء مكة وغيرهم".[27]
هذا كل ما ذكره السخاوي من ترجمة
خلف التي صرّح فيها بنقله لها عن ترجمة المقريزي له بما في ذلك بيت الشعر الوحيد،
وباستثناء السطر الأخير فقط الذي ذكر فيه أنّ المقريزي لم يؤرخ وفاة خلف معللاً
ذلك بأنّ المقريزي مات قبله، ومفيداً بأنّ خلف الأحسائي لم يمت موتاً طبيعياً،
وإنما تمت تصفيته قتلاً.
وشخصياً لم أستغرب ذلك، فقد مرّ
بنا في ترجمته عند المقريزي كيف أنه بعد تمكّنه في الدولة البهمنية قام بتصفية
كثير من أعداء سلطانه، وافتتح مدنهم وقلاعهم؛ كما لا ننسى ما فعله في سكان جزيرة
مهايم الذين أهانوه قبل أن يلي الملك، وكيف أنه قتل منهم خمسة آلاف نسمة، وسلبهم
الكثير من أموالهم، وأعظم من ذلك قام بتحويل البندر الرئيس لركاب السفن المسافرة
من بلدتهم إلى بلدة أخرى قريبة منهم، وهو يعني أنه قضى على مصدر عيشهم وتجارتهم ورغدهم
قضاءً تاماً، فلا يُستغرب بعد كل هذا أن يكون له أعداء يتمنون موته، ولا يُستبعد
أنّ هؤلاء الأعداء الذين اكتسبهم بعد توليه شئون الدولة البهمنية قد أرسلوا له من
قتله كبعض سكان جزيرة مهايم مثلاً؛ هذا إذا لم يكن من قتله هم من حاشية السلطان أبي
المظفر علاء الدين أحمد بن السلطان أبي المغازي أحمد إذ من المعروف أنّ الرجل
الأول الذي يكون له كل الشأن في تصريف أمور دولة السلطان لا يخلو من وجود حُسّاد
له في ديوان السلطان نفسه يرون فيه معيقاً لهم عن الوصول إلى ما تطمح إليه أنفسهم
هم أيضاً عند السلطان وفي تصريف شئون دولته، وعدوّ المرء من يعمل عمله، وأياً كان
الأمر، فالذي حصل هو أنّ مترجمنا كان لا بد له من نهاية، وكانت نهايته الموت قتلاً
على يد من لم يتكرم التاريخ علينا بذكرهم.
ولا ريب أنّ قتله قد وقع في زمن
السلطان أبي المظفر علاء الدين بن سلطانه الذي ضحّى لأجله أبي المغازي أحمد شاه
لأنّ السلطان أبا المظفر علاء الدين بقي في السلطنة لفترة طويلة امتدت من 838 –
865 للهجرة، وكان قد مرّ معنا قبل قليل توصية أبيه له بالحفاظ على مركز الملك خلف
كملك للتجار ووزير أول للدولة، وما قاله المقريزي من أنّ السلطان أبا المظفر علاء
الدين قد استجاب لأمر والده ونصيحته، وهكذا أسدل الستار على حياة هذا التاجر الأحسائي
الجسور في الهند في وقت لا نعرف على التحديد، ولكنه لن يزيد على العام 850 للهجرة
كما سبق وذكرت، ولاسيما أنه قد اغتيل ولم يمت موتة طبيعية.
ذريته
لا نعرف شيئاً عن وجود ذرية للمترجم
الذي انحصرت معلوماتنا عنه على ما ذكره المقريزي فقط، وهذا الأخير رغم أنه أفاض في
ترجمته؛ إلا أنه لم يذكر له أولاداً؛ نعم مرّ بنا أنّ السلطان أحمد أبو المغازي
بعد انتصاره على أخيه فيروز شاه وجلوسه على تخت الملك أعطى فيما أعطى لخلف "أربعين
بلداً أوقفها عليه وعلى أولاده، وأولاد أولاده، وعَقِبهِ ونَسْلِه"، فهذا
الكلام يُشعر بأنه كان لمترجمنا أولاد؛ بل وربما أحفاد وذرية أيضاً، ولكن مصادرنا
التاريخية لا تُسعفنا – حتى الآن – بالمزيد من المعلومات حول هذا الأمر.
ملحق الصور:
خارطة مقتبسة عن (google maps) للمناطق التي شهدت نشاط التاجر الأحسائي خلف بن حسن ملك تجار الدولة البهمنية، وكبير وزرائها، ويبدو في الصورة مواقع مدن الأحساء وهرمز وگلبرگة، وهي المدن الرئيسة التي شهدت نشاطه بالتحديد.
[1] أحمد بن علي المقريزي: كتاب المقفى الكبير؛ تحقيق محمد اليعلاوي
(بيروت: دار الغرب الإسلامي – الطبعة الثانية 2006م)؛ ج3: 432 – 434.
[2] أحمد
بن علي المقريزي: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة؛ تحقيق د. محمود
الجليلي (بيروت: دار الغرب الإسلامي 2002م)؛ ج2: 57 – 61.
[3] أحمد بن
علي المقريزي: السلوك إلى معرفة دول الملوك؛ تحقيق: محمد عبد القادر عطا (بيروت:
دار الكتب العلمية 1997م)؛ ج7: 174.
[4] عمر بن محمد ابن فهد: إتحاف الورى بأخبار أم القرى؛ تحقيق: فهيم محمد
شلتوت (مكة المكرمة: جامعة أم القرى 1403هـ)؛ج3: 643.
[5] أحمد بن علي المقريزي: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة؛
تحقيق د. محمود الجليلي (بيروت: دار الغرب الإسلامي 2002م)؛ ج1: 279 – 287.
[6] محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي:
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع؛ تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن (بيروت: دار الكتب
العلمية؛ 2003م) ج2: 164.
[7] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2845.
[8] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2653 – 2660.
[9] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج4: 2131 – 2132.
[10] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج4: 2148.
[11] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2582 – 2584.
[12] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2273.
[13] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج3: 1807.
[14] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2641
[15] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج4: 1923.
[16] شارح مجهول من القرن السابع الهجري:
شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء
2012م)؛ ج5: 2656.
[17] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق
عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج1: 163.
[18] شارح مجهول من القرن السابع الهجري: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق
عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 2012م)؛ ج2: 1061 – 1062.
[19] محمد بن
عبد الله آل عبد القادر: تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد (الرياض:
مكتبة المعارف 1982م)؛ الصفحة: 45.
[20] أحمد بن علي المقريزي: درر العقود
الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة؛ تحقيق: محمد عثمان (بيروت: دار الكتب العلمية؛
2009م)؛ ج1: 35.
[21] أحمد بن علي بن محمد = ابن حجر
العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد: دائرة المعارف
العثمانية؛ 1972م)؛ ج1: 83.
[22] هو
الشيخ أحمد بن علي بن حسين بن مشرّف، وانظر ما شعره هذا عند: محمد بن عبد الله آل
عبد القادر: تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد (الرياض: مكتبة
المعارف 1982م)؛ الصفحة:162.
[23] عبد الرحمن بن حمد بن زيد المغيري اللامي الطائي: المنتخف في ذكر نسب
قبائل العرب؛ تحقيق: د. إبراهيم بن محمد الزيد (الطائف: 1985م)؛ الصفحة: 279
[24] محمد بن عبد الرحمن السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (بيروت:
دار الجيل 1992م)؛ ج١: 190.
[25] أحمد بن يحيى بن فضل الله العُمَرِيُّ العَدَويُّ القرشيّ: مسالك
الأبصار في ممالك الأمصار (أبو ظبي: المجمع الثقافي 1423هـ)؛ ج4: 355.
[26] محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجبي = ابن بطوطة: تحفة النظار في
غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (الرّباط: أكاديمية المملكة المغربية 1417هـ)؛ ج1:
364.
[27] محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع؛
تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن (بيروت: دار الكتب العلمية 2003م)؛ ج3: 164.