الاثنين، 3 أبريل 2017

الشعر العربي القديم ودوره في تحديد المواضع القديمة هجر والمشقر والصفا والشبعان مثالاً

الشعر العربي القديم ودوره في تحديد المواضع القديمة
هجر والمشقر والصفا والشبعان مثالاً
من النصوص التي استوقفتني كثيراً عن هجر هو نصُّ هشام بن محمد الكلبي الذي ذكر فيه أسواق العرب قبل الإسلام، فكان مما قاله عن هجر عند ذكر سوقها (سوق المشقر):
"وكانت أرضاً مُعْجِبَة لا يراها أحد فيصبر عنها". [1]
وبالفعل فإنّ هذا الكلام من عمدة الأخباريين العرب له في الشعر العربي القديم ما يؤكده، فقد لفت نظري أيضاً أنّ كثيراً من شعراء ما قبل الإسلام وبعده أبدوا إعجابهم بذلك النخل الجبّار السّامق بألوانه الزاهية المتعددة، والذي كان يقع فيما بين جبل الشبعان وتل المشقر وتل الصفا بالقرب من مدينة هجر، والذي كان الماء لا يبرح عن أصوله، فذكروه كثيراً، وشبهوا به قوافل الجمال حين يرونها عن بعدٍ، وهي تسير في الصحراء وسرابها، فقدموا لذلك وصفاً تغنى به الكثير منهم، وكان هذا النخل يُسَمّى (نخيل ابن يامن) نسبة إلى تاجر هجري كان قبل امرئ القيس يدعى (بنيامين)، ولكن العرب أسموه (ابن يامن).
وقد أطلقت على تشبيه الشعراء للقوافل وهي تسير عن بعد في سراب الصحراء، بنخل ابن يامن والتلال الصخرية الشقراء المحدقة به، وهي جبل الشبعان وتلي المشقر والصفا التي كانت تتسلسل في أصولها مياه أنهار هجر مسمى (التقليعة المرقسية) نسبة إلى امرئ القيس بن حجر الكندي (توفي 80 ق.هـ تقريباً) الذي كان وصفه لهذه النخيل هو أول وصف يصل لنا عن شعراء العرب فيما قبل الإسلام، وعليه سار كل الشعراء الذين ذكروا هذه المواضع بعده.
ولنستمع إلى امرئ القيس وهو يقول واصفاً الجزء الواقع بين المشقر والصفا من نخل ابن يامن هذا، والكارع في ماء العين (عين هجر)، ومشبها قافلة حبيبته – وهي تسير في الآل (السراب) به؛ حيث الجمال وهي مجتمعة تشبه في شكلها ولونها جبل الشبعان، والرجال الذين يسيرون حول قافلة الجمال الخيالة منهم والرجالة تشبه النخل الذي يحيط بهذا الجبل، وفيما بينه وبين المشقر والصفا – فلنستمع إليه وهو يقول في ذكل:
بعَيْنَيَّ ظُعْنُ الحَيِّ يَوْمَ تَحَمَّلُوْا


لَدَىْ جَاْنِبِ الأفْلاْجِ مِنْ بَطْنِ تَيْمَرَا     [2]

فَشَبَّهْتُهُمْ فيْ الآلِ لَمَّاْ تَكَمَّشُوْا


حَدَائِقَ دَوْمٍ أوْ سَفِيْنَاً مُقَيَّرَا               [3]

أو المُكْرِعَاْتِ مِنْ نَخِيْلِ ابْنِ يَاْمِنٍ


دُوَيْنَ (الصَّفا) اللاْئِيْ يَلِيْنَ (المُشَقَّرَا) [4]

سَوَاْمِقُ جَبَّاْر ٍ أثِيْثٌ فُرُوْعُهُ


وَعَاْلَيْنَ قِنْوَاْنَاً مِنَ البُسْرِ أحْمَرَا         [5]

حَمَتْهُ بَنُوْ الرَّبْدَاْءِ وَاعْتَمَّ زَهْوُهُ


وَأكْمَاْمُهُ حَتَّىْ إذَاْ مَاْ تَهَصَّرَا            [6]

أطَاْفَتْ بهِ جَيْلاْنُ عِنْدَ قِطَاْفِهِ


تَرَدَّدُ فِيْهِ (العَيْنُ) حَتَّىْ تَحَيَّرَا         [7]

والعين اختلف شراح ديوان امرئ القيس في تعريفها، فمنهم من قال إنه يعني عين ماء في هجر بدون ذكر اسمٍ لها، ومنهم من قال إنه أراد عين محلم، وأرى أنا أنه أراد عين هجر التي كانت تخرج من تل المشقر، المسماة الآن بعين الخسيف، ويؤكد قولي هذا ما ورد في شعر لأبي دواد الرؤاسي، وكان أحد الفقراء الصعاليك، وقال هذا الشعر يخاطب على ما يبدو زوجته، فقال: [8]
يَا أُخْتَ دَحْوةَ بَلْ يَا أُخْتَ إخْوَتِهِمْ


مِنْ عَاْمِرٍ أوْ سَلُوْلٍ أوْ مِنِ الوَقَعَهْ    [9]

هَلْ يَكْفِيَنْكِ ضَرِيْبُ الشُّولِ ضَاْحِيَةً


وَالشَّحمُ مِنْ حَائِرِ الكَومَاءِ وَالقَمَعَهْ  [10]

وَمِثْلُ آتِيِّ ضَحْضَاْحِ الثَّمِيْلَةِ مِنْ


نَخْلِ ابْنِ يَاْمِنَ بَيْنَ الحَوْضِ وَالقَلَعَهْ [11]

والبيت الأخير يُروى في (الأصمعيات) بصورة فيها اختلاف بسيط، وهو كما يلي:   [12]
وَمِثْلُ آتِيِّ ضَحْضَاْحِ الثَّمِيْلَةِ مِنْ


نَخْلِ ابْنِ يَاْمِنَ بَيْنَ العَيْنِ وَالقَلَعَهْ

ومن الواضح من هذه الأبيات الثلاثة أنّ هذا الشاعر يريد أن يعرّف هذه المرأة بأنه ليس من الأغنياء الذين سيوفرون لها العيشة الهنيئة، فهو يسألها إن كان يكفيها لتعيش معه لبنُ النوق وشحمُها من الأكل، ومن السوائل لبنٌ قليل رقراق يشبه الماء الذي يتخلل نخل ابن يامن التاجر الهجري الشهير الذي مرّ بنا، وفي البيت الأخير منها زيادة وصفٍ لهذا النخل أنه يقع بين حوض - وهو مكان عميق يتجمع فيه المياه – أو العَيْن – حسب رواية الأصمعيات – ويُراد بها هنا نهر عين هجر، وبين القَلَعَة، وهي الصخرة العظيمة المنقدة عن جبل، ويريد بها صخرة ضخمة منقدة عن جبل كبير يقع بقربها، وهو تلّ راس القارة.
ولنعد إلى موضوعنا، فكما قلت قبل الاستطراد بشعر الرؤاسي، وهو أن الشعراء الذين جاءوا بعد امرئ القيس، وذكروا هذا النخل ساروا على ذات التقليعة التي ابتدعها امرؤ القيس، فنرى شاعراً آخر ذكرها بعد امرئ القيس بنصف قرنٍ تقريباً، وهو عديّ بن زيد العبادي(توفي≈ 35 ق.هـ)؛ شاعر الحيرة المعروف، وشاعر النعمان وكاتبه، وكان كثيراً ما يزور هجر لجباية ما للنعمان بن المنذر فيها، وقد أُخِذَ عديّ بجمال هجر وقصباتها، والنخل الذي يقع بينها كما أخذ بها سلفه امرؤ القيس، فمما ذكر له ياقوت الحموي في وصف جبل الشبعان ذلك البيت المشهور الذي أكثر باحثو المنطقة من ذكره عند ذكرهم لهذا الجبل، وهو قوله، وقد ترك مدينة هجر متوجهاً إلى نجد حيث قومه بنو تميم:
تَزَوَّدْ مِن ( الشَّبْعَاْنِ ) خَلْفَكَ نَظْرَةً
                   فَإنّ بـِلاْدَ الجُوْعِ حَيْثُ تَمِيْمُ
كما يوجد لعدي بن زيد في ديوانه المطبوع على نسخة وحيدة سقيمة بيتُ شعر ضمن قصيدة رائية ذكر فيه الصَّفا والشَّبْعان ناسباً الأول للثاني مما يدل على قربهما لبعض، وقد شبّه عديُّ بن زيد الإبل (الدّهْمُ) المنتشرة في المرعى بنخيل ابن يامن السَّامِق (الجبّار) الواقع بين الصَّفا والمشقر، فقال:
والدُّهْمُ شُعْثُ الذُّرَىْ سَوْدَاءُ تُشْبـِهُهُا
                   مِمَّاْ دَنَىْ مِنْ (صَفَا الشَّبْعَاْنِ) جَبَّاْرَا
وتكمن أهمية بيت عدي بن زيد هذا في أنه يذكر، ولأول مرّة جبل الشبعان قارناً به تل حصن الصَّفا، وجبل الشبعان ظلّ معروفاً باسمه هذا حتى وقتنا؛ حتى وإن صار يُسمى الآن جبل القارة، ويتضح من بيت عديّ قرب تل الصَّفا من هذا الجبل، وقد تقدم في شعر امرئ القيس قوله عن نخل ابن يامن ذاتها أنها "دوين الصَّفا اللائي يلين المشقرا"، وهو توصيف يدلُّ على قرب الصَّفا من المشقر أيضاً، وعليه يمكننا أن نقول إنه من المقارنة بين شعر امرئ القيس المتقدم وبيت عدي بن زيد هذا فإننا نستنتج أنّ جبل الشبعان وتل المشقر وتلّ الصَّفا كلها تقع قريبة من بعضها البعض، وأن المشقر والصَّفا يقعان قرب جبل الشبعان أي جبل القارة الآن، ولهذا فإنّ النصّ الذي ذكره ياقوت في رسم [المشقر] من معجمه البلداني كان دقيقاً جداً عندما قال فيه:
"المُشَقَّرُ: حِصْنٌ بالبَحْرَيْنِ عَظِيْمٌ لِعَبْدِالقَيْسِ؛ يَلِيْ حِصْنَاً لَهُمُ آخَرُ يُقَاْلُ لَهُ الصَّفَاْ قِبَلَ مَدِيْنَةِ هَجَرَ".
ويهمني التركيز على اللفظة الأخيرة، وهي قوله عن حصني المشقر والصّفا أنهما: "قبل مدينة هجر"، وهذا لا يُقال إلا إذا كان هذان الحصنان يُريان من مدينة هجر رأي العين.
ثم نرى أيضاً تقليعة امرئ القيس ذاتها تعود للظهور في شعر بشَاْمَة بن الغَدِيْرِالمُرِّيّ (توفي 14 ق. هـ،)،والذي يقول في شعرٍ له واصفاً الظعينة وهي تسير في السراب (الآل):
كَأنَّ ظُعْنَهُمُ، وَالآلُ يَرْفَعُهَا
                   نَخْلُ (المُشَقَّرِ)، أوْ مَاْرَبَّبَتْ (هَجَرُ)
كم نرى التقليعة المرقسية صورة طبق الأصل في شعر لعَرْفَطَة بن عَبْدِاللهِ المَاْلِكِيّ الأَسَدِيّ الذي يبدو أنه كان جاهليّاً أومخضرماً، وقد أورد له ياقوت في رسم (المشقر) قوله:
لَقَدْ كُنْتُ أشْقَىْ بالغَرَاْمِ فَشَاْقَنِيْ


بلَيْلِيْ عَلَىْ (بَنْبَاْنَ) [13]حِمْلٌ مُقَدَّرُ     [14]

فَقُلْتُ وَقَدْ زَاْلَ النَّهَاْرُ كَوَاْرعٌ


مِنَ (الثاْجِ)، أوْ مِنْ نَخْلِ (يَتْرَبَ) مُوْقَرُ

أو ِ المُكْرِعَاْتِ مِنْ نَخِيْلِ ابْنِ يَاْمِنٍ


دُوَيْنَ (الصَّفَاْ) اللاْئِيْ يَحِفُّ (المُشَقَّرُ)

والثاج هنا يريد به ثاج الموضع المشهور في أرض البحرين، ويَتْرَب كانت تقع في بلاد بني سعد التميميين بالسَّودة من البحرين. 
ثم بعد ذلك بمدة نرى وصفاً رائعاً أخاذاً لهذه النخيل؛ نخيل ابن يامن الواقعة بين الصفا والمشقر والشبعان، والكارعة في الماء طوال العام لدى شاعر فحلٍ هو لبيد بن ربيعة العامري (توفي 41هـ)، ولكنه هذه المرّة لم يحدد هذه النخيل بوقوعها بين المشقر والصّفا، وإنما حددها بتحديد آخر، وهي أنها كانت تحيط بجبل الشبعان الذي ربما لم يتفق له ذكر اسمه، فسَمّاه بصفته التي لم تتغير حتى وقتنا هذا، وهي (بارد الصَّيْف)، وكلنا نعرف أنّ هذا الجبل بالفعل كهوفه باردة في الصيف جداً، ولنستمع إلى لبيد، وهو ينشد هذه الأبيات الرائية الرائعة:
كَأنَّ أظْعَاْنَهُمْ فيْ الصُّبْحِ غَاْدِيَةً
      

طَلْحُ السَّلاْئِلِ وَسْطَ الرَّوْضِ أوْ عُشَرُ   [15]

أوْ (بَاْردُ الصَّيْفِ) [16] مَسْجُوْرٌ مَزَاْرعُهُ


سُوْدُ الذَّوَاْئِبِ مِمَّاْ مَتَّعَتْ هَجَرُ            [17]

جُعْلٌ قِصَاْرٌ وَعِيْدَاْنٌ يَنُوْءُ بهِ


مِنَ الكَوَاْفِرِ مَكْمُوْمٌ وَمُهْتَصَرُ            [18]

يَشْرَبْنَ رفْهَاً عِرَاْكَاً غَيْرَ صَاْدِرَةٍ


فَكُلُّهَاْ كَاْرعٌ فيْ المَاْءِ مُغْتَمَرُ            [19]

بَيْنَ (الصَّفَاْ) وَخَلِيْجِ (العَيْنِ) سَاْكِنَةٌ
      

غُلْبٌ سَوَاْجِدُ لَمْ يَدْخُلْ بهَاْ الحَصَرُ      [20]

وإذاً فهذه النخيل التي ذكرها لبيد هي تحيط بجبل الشبعان (بارد الصّيْف)، وهي كما في البيت الأخير بين (الصّفا) و(خليج العين)، وقد فسّر بعض شراح شعره أنّ العين هي عين محلم، وهو خطأ في رأيي، فالعين هنا يراد بها نهرُ عين هجر، ولا زال يُسمى حتى يومنا هذا (نهر العين)، وهو كان يمرُّ بمحاذاة السفح الشمالي لجبل الشبعان (القارة)، وعليه فإنّنا ما دمنا قد عرفنا موضع خليج العين، وانه كان يجري بمحاذاة السفح الشمالي لجبل الشبعان، فهذا يعني أنّ الصّفا يقع للشمال منه ما دام هذا النخل يقع بين هذا الخليج وبين الصّفا، وهذا ما عليه الأمر، فحصن الصّفا كان يقع على تلّ (أبو الحصيص)، وهو بالفعل يقع شمال جبل الشبعان؛ أي شمال خليج العين المذكور.
ومن كل ما تقدم يتضح لنا أنّ هذه المواضع، وهي المشقر والصفا ومدينة هجر كانت كلها قريبة من بعضها، وكانت تقع بالقرب من جبل الشبعان المعروف الآن بجبل القارة، وفيما بين هذه التلال كان يقع نخل ابن يامن الذي شغل شعراء العرب بجمال منظره، فسطروا فيه هذا الشعر الرائع الذي ذكرته فيما مضى، والذي بفضله صار بإمكاننا فهم النّصوص الشهيرة التي قيلت في تحديد هذه المواضع، ومنها قولٌّ لشخص مجهول ذكره ياقوت في (معجم البلدان) في رسم [المشقر] جاء فيه قوله:
""المُشَقَّرُ: حِصْنٌ بالبَحْرَيْنِ عَظِيْمٌ لِعَبْدِالقَيْسِ؛ يَلِيْ حِصْنَاً لَهُمُ آخَرُ يُقَاْلُ لَهُ الصَّفَاْ قِبَلَ مَدِيْنَةِ هَجَرَ".
وكذلك نصّ ابن الكلبي عندما قال في نصّه الذي دونه الطبري في تاريخه، وهو قوله عن وقعة المشقر بهجر، ومجيء بني تميم لأخذ أقواتهم التي وعدوا بها:
"فَحَضَرُوَا، فَأَدْخَلَهُمِ الْمُشَقَّرَ، وَهُوَ حِصْنٌ حِيَالَهُ حِصْنٌ يُقَالُ لَهُ الصَّفَا، وَبَيْنَهُمَا نَهْرٌ يُقَالُ لَهُ مُحَلِّمٌ".
ونص أبي عبيدة، وهو أفضلها، وأدقها واشملها حين يقول:
"وقَصَبَةُ هَجَر الصَّفَا والمُشَقَّر والشَّبْعَان، والمسْجدُ الجَامِعُ في المُشَقَّر، وبين الصَّفَا والمُشَقَّر نَهْرٌ يجْرِي يُقَالُ لهُ العَيْن". [21]
وللمناسبة، فإنّ العين في هذا النص الأخير كما في نص الكلبي قبله يراد بها عين محلم وليس عين هجر؛ لأنّ نهر عين محلم هو الذي كان يجري بين الصّفا والمشقر، وأما نهر عين هجر، فقد كان يجري من منبعه من تلّ رأس القارة أو تل المشقر، ويجري بمحاذاة السفح الشمالي لجبل الشبعان حتى يصل التويثير.
وإذاً فهذه النصوص الثلاثة وغيرها صارت واضحةً لنا الآن، ونستطيع أن نفهمها بسهولة بعد أن قرأنا تلك النصوص الشعرية القديمة التي أوضحت الصورة لنا.
وبالمناسبة فإن عنوان كتابي (هجر وقصباتها الثلاث ونهرها محلم) الذي استللت معظم هذا البحث منه مع إضافات قليلة كان لا بد منها هو مقتبس من نص أبي عبيدة الأخير.



صورة خلابة لنخل ابن يامن في هجر، وهو النخل الذي لهج بذكره شعراء العرب
كما رأينا في البحث، وقد ذكر هذا النخل بإعجاب أمرؤ القيس الشاعر المشهور بقوله:
أو المكرعات من نخيل ابن يامن     دوين الصّفا اللائي يلين المشقرا
وذكره كثير غره من شعراء ما قبل الإسلام وبعده، وهو النخل الذي كان يقع بين قصبات
هجر: المشقر الذي تبدو صورته عند بيوت بلدة القارة، والشبعان، وهو الجبل
الشهير الذي يُسمى الآن بـ(جبل القارة)، وهو هذا الجبل الذي يقف عليه الرجل،
والصَّفا، وهو  جبل أبو الحصيص الواقع شمال 
التويثير إلى يمين هذه الصورة، ولكنه لا يبين فيها، ولو لاحظتم بقعة الماء خلف
ظهر الرجل الواقف على الجبل، فإنها جزءٌ من نهر العين (عين هجر) التي كانت تنبع
من تل راس القارة (المشقر).
وبالمناسبة، فإنّ هذا النخل لم يخلب قلوب الشعراء العرب فقط؛ بل إنه خلب قلوب المصورين
الغربيين والأمريكان، وتوجد الكثير من الصور التي التقطوها لهذا النخل وهذا التل بالذات.

الصورة: لا أعرف ملتقطها، قد تكون مجلة العربي أو غيرها.


وها هي إحدى الصور لجبل رأس القارة (المشقر) ونخل ابن يامن الملتف حوله
التقطها تور إيجلاند، وهو مصور صحفي مستقل عمل لعدة مجلات عالمية مثل:
(National Geographic)، (Time)، و(Newsweek)، ثم عمل لخمس سنوات
في مجلة عالم أرامكو (Aramco World)، وهذه الصورة ضمن عدة صور 
ضمنها مقاله الذي نشره في أحد أعداد هذه المجلة بعنوان: 
(قال النبي "اللهم بارك ماء الأحساء"، ولقرون لاحقة كان هناك إمداد مائي وفير)
والتعليق أسفل الصورة هو لهذا المصور نفسه، ومنه الفقرة الأولى التي ترجمتها:
"سفينة في بحر من نخيل التمر".

الصورة: من أرشيف توم إيجلاند كما سبق وقلت، وقد أجري عليها بعض التعديل
بواسطة برناج (Photoshop).


وهذه صورة جميلة جداً لقصبات هجر الثلاث؛ الشبعان (جبل القارة)،
والمشقر (تل راس القارة)، والصّفا (تل أبو حصيص الواضح هذه المرة
في مقدمة الصورة، وحياله أو يقابله كما ورد في نص ابن الكلبي المشقر (راس القارة)،
وبينهما كان يجري نهر محلم العظيم الذي كان آخر ما تبقى منه نهر الأبابي.

الصورة: التقطها الصديق الدكتور مرعي الشخص من بلدة القارة.


وهذه أيضاً صورة لتل المشقر الشامخ الذي نحت الفرس بداخله غرفاً وبئراً من أعلاه إلى أسفله
حيث عين هجر التي لا يبدو مخرجها واضحاً بسبب بعض الصخور التي تخفيه، وقد بدت في
الصورةبيوت بلدة القارة التي تكتنف هذا التل، وهذا النخل الذي يحيط بهذا التل من الجنوب
والشرق والشمال هو نخل ابن يامن الشهير في هجر، وهو يمتد إلى تل أبي الحصيص الواقع شمال
التويثيركما رأينا في الصورة السابقة.

الصورة: منشورة في موقع (الأحساء قديماً) كما هو واضح أعلاها.


نعم هذا هو المشقر كما يبدو في وسط الصورة الملتقطة من جبل الشبعان لا زال
كما كان شامخاً مهيباً، وزاد من هيبته هذه الصخرة في أعلاه التي تشبه الرؤوس كما فصل ذلك
في كتابي (هجر وقصباتها الثلاث ونهرها محلم)، والذي استللت منه هذا البحث كما أشرت.

الصورة: لا أعرف ملتقطها المبدع بالفعل، وهي من المشاع في الشبكة العالمية (الإنترنت).





[1] أحمد بن محمد المرزوقي: الأزمنة والأمكنة (حيدر أباد الدكن: دائرة المعارف النظامية؛ الطبعة الأولى 1332هـ) ج2: 162، وسأشير إلى المؤلف لاحقاً باسم (المرزوقي)، ولكتابه باسم (الأزمنة والأمكنة). 
[2] الظُّعْن جمع ظعينة، وهو الهودج على الجمل تكون فيه المرأة، وتيمر موضع بعالية نجد، وكذلك الأفلاج. 
[3] الآل: السراب، وتكمشوا: أسرعوا، وحدائق دوم: أراد دومة الجندل فرخَّم دومة وحذف المضاف إليه. 
[4] المكرعات هي النخيل التـي لا يفارق الـماءُ أُصولَها. 
[5] سوامق: أي نخل طوال جداً، والجَبَّار من النخل هو العالي الذي يفوت يد المتناول، وأثيث: أي كثير مُلتَفّ، والقنوان: عذوق النخل، والبسْر هو الرطب قبل أن يصبح تمراً. 
[6] الزهو: البُسر من الرطب حين يبدأ تلوّنه، وأكمامه: جاء في لسان العرب .. قال أَبو حنـيفة: كَمَّ الكَبائس يكُمُّها كَمّاً وكَمَّـمها جعلها فـي أَغْطِية تُكِنُّها كما تُـجعل العَناقـيد فـي الأَغْطِية إِلـى حين صِرامها، واسم ذلك الغِطاء الكِمام، .. التهذيب: الكُمُّ كُمُّ الطلع، ولكل شجرة مُثمرة كُمٌّ، وهو بُرْعُومته، وكِمامُ العُذوق: التـي تـجعل علـيها، واحدها كُمًّ، وتَهَصَّر: أي تَذلَّل. 
أقول: وعلى ذلك فإن الأكمام هنا أراد بها ما يحوط طلع النخلة، ويُعرف في المنطقة اليوم باسم القُرْفْ. 
[7] تحيّرا: أي أنّ ماء عين محلم يجري في أصول هذه النخيل حتى يصل إلى موضع مرتفع فيرتدّ. 
[8] أحمد بن سليمان = أبو العلاء المعري: رسالة الصاهل والشاحج؛ تحقيق عائشة عبد الرحمن (القاهرة: دار المعارف 1984م) الصفحة 525. 
[9] دحوة بن معاوية بن بكر بن هوازن، والوقعة هم عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن. 
[10] الضريب: اللبن يخلط محضه بحقينه، والشّول: النوق اللواقح، والكوماء من النوق العظيمة السنام، وحائرها: ودقها، والقمعة أعلى السنام من البعير أو الناقة. 
[11] الآتيّ: النهر الذي يجري فيه الماء إلى الحوض، وقيل الجدول يؤتيه الرجل إلى أرضه، والضحضاح: الماء القليل الرقيق الذي لا يتعدى الكعبين، والثميلة: البقية من الماء في الحوض أو الصخرة، والحوض حوض الماء معروف، والقَلَعَة محركة اللام: الصخرة الضخمة تنقلع عن الجبل منفردة صعبة المرتقى، والقلّعة من الحصون: ما يُبنى منها على شعف الجبال الممتنعة. 
[12] أبو العلاء المعري: رسالة الصاهل والشاحج؛ الصفحة 525 هامش (4). 
[13] كانت في الأصل: "بنيان"، والصحيح أنها بَنْبَان، وكان حتى وقت قريب اسمٌ لقرية معروفة بالاسم نفسه تقع شمال الرياض بحوالي خمسين كيلومتراً، وهي مورد ماء قديم ذكره ياقوت في معجم البلدان في رسمها، وذكر أنه منهل باليمامة من الدهناء به نخل لبني سعد من تميم. 
[14] بُنْيان: قرية باليمامة يسكنها بنو سعد بن زيد مناة بن تميم. انظر رسمها في معجم البلدان للحموي. 
[15] الطَّلْحُ والعُشَرُ: من الأشجار البريّة، والسلائل وادٍ بين الفُرع والمدينة المنوّرة. 
[16] لم يلتفت شارحو ديوان لبيد إلى معنى قوله: "بارد الصَّيف"، فذهبوا إلى أنه قصد بذلك الماء المسجور الممتلئ (انظر شرح الديوان بتحقيق إحسان عباس؛ الصفحة 59)، ولا أعرف كيف غاب عنهم أنّ لبيداً في حالة تشبيه لقافلة الجمال وهي سائرة في البر، فشبهها في البيت السابق بطلح السلائل أو أشجار العُشر، وكلا الشجرتين لهما من العُلوّ ما يجعلهما بارزتان للعيان من مسافة بعيدة بحيث يراهما الناظر، فكيف يشبه هذه القافلة نفسها في البيت التالي بالماء المسجور المحاط بالمزارع؟!، ومثل هذا النوع من الماء لا يبين للناظر إلا إذا خاض فيه؟!، وهذا ما جعلني ألتفت إلى أنّ لبيداً أراد بـ"بارد الصيف" شيئاً عالياً مرتفعاً يبين للناظر من بعد حتى يتسنى له تشبيه الظعينة به، وبالتالي فإنّه أراد به جبل الشبعان الجبل الشهير المعروف الآن بجبل القارة لأنّ هذا الجبل مشهور عنه أنه ذو كهوف تمتاز بالبرودة العالية جداً في فصل الصيف، فسماه (بارد الصيف) لذلك، ولأنّ الوزن لم يتح له ذكره باسمه، وهو ما ينطبق عليه صحة التشبيه، فهذا الجبل يُرى من مسافة بعيدة، ولأنّ القافلة يكون بها الجمال، وهي شقراء اللون عادة، فشبهها بأنها تبدو من بعد مثل هذا الجبل الأشقر هو أيضاً؛ كما شبه المحيطين بالقافلة من الفرسان والأدلاء وراكبي الخيول والحمير بما عليهم من ثياب مزركشة وملونة بالنخيل العظيمة المحيطة بجبل الشبعان في منظر ولا أروع، وسيرى القارئ صورة لهذا الجبل والنخيل تحيط به كإحاطة السوار بالمعصم حتى كأنه مسجورٌ بها بما ينطبق عليه وصف لبيد انطباقاً تاماً. 
[17] المسجور: الممتلئ، والذوائب: ظفائر الشعر استعارها لتشبيه سعف النخلة بها. 
[18] الجُعْل: جمع جَعْلة، وهي النخلة القصيرة، والعيدان: النخيل الطّوال، والكوافر: هي غطاء الطلع التي تُسمى بالكبائس، والمكموم: المغلَّف الذي لم يتفقأ، والمهتصر: المذللة عذوقها. 
[19] رفْهاً: أي تشرب متى شاءت، وأصله للإبل استعاره للنخل، وعراكاً: مزدحمة، والكارع: كلّ خائضٍ في الماء شرب أم لم يشرب. 
[20] الغلبُ: الطوال الغلاظ الأعناق، والسواجدُ: المائلات الرؤوس، والحصر: الضِّيق. 
[21] أحمد بن محمد الهمذاني = ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان (ليدن: طبعة بريل 1302م) الصفحة 30.