الخميس، 25 فبراير 2016

تحقيق نسبة البلادي والحاجي في إقليم البحرين القديم

نظرة في نسب البلادي والحاجي في إقليم البحرين القديم



عندما يُطلق لقب البلادي على شخصٍ ما في إقليم البحرين القديم ببؤره الثلاث الأحساء وأوال والقطيف، فإنّ النسبة تكون إلى أحد موضعين، إما إلى بلدة (البلاد القديم) في جزيرة أوال، والنسبة إليها هي الأكثر، أو إلى (بلاد ابن بطال) في الأحساء، وهي القرية التي صارت تُعرف لاحقاً بالبطالية، ولذلك صارت النسبة إليها أقل من الأولى.


وأقدم وثيقة وردت فيها النسبة لإحدى هاتين البلدتين البحرانيتين اطلعت عليها تعود للقرن العاشر الهجري وبالتحديد للعام 995 للهجرة، وهي عبارة عن نسخة من كتاب (زهر الرياض وزلال الحياض) لابن شدقم، وهذه النسخة تحتفظ بها مكتبة المتحف البريطاني كتب ناسخها اسمه هكذا: يحيى بن شمس بن أحمد بن حسين البحراني البلادي (انظر: السيد محمد حسين الحسيني الجلالي: فهرس التراث (بيروت: دار الولاء 2015م)؛ الصحفة 461)، وإن كان لا يتضح لنا مما كُتب هنا أي البلاد هي المعنية أهي بلاد القديم في أوال أم بلاد ابن بطال في الأحساء.


وفي الوقت ذاته يلاحظ أيضاً وجود أسرتين تدعيان (آل حَاْجّيْ)، أو (الحاجّي) - بفتح الحاء وسكون الألف الوسطى، وتشديد الجيم مع كسرها، ثم ياء النسبة – في ذات البلدين المذكورين أيضاً أعني (البلاد القديم) و(بلاد ابن بطال)، أو لنقل في جزيرتي أوال والأحساء عموماً لأنّ آل حاجي القطيف هم من البلاد القديم كما هو ثابت، وبالتالي فقد انحصر وجود هاتين النسبتين في البؤرتين البحرانيتين الأوليين فقط أعني الأحساء وأوال.


وكلا الأسرتين (آل حاجي) البلاد القديم في أوال، و(آل حاجي) بلاد ابن بطال في الأحساء هما أسرتان قديمتان فيهما، - ولاسيما حاجي البطالية - ويوجد من ينتسب إليهما منذ القرن الثامن إنْ صحّ أنّ: حسن بن محمد الحاجي ناسخ إحدى نسخ كتاب نهج المسترشدين للعلامة الحلّي، والذي نسخه عام 733 للهجرة كما هو مكتوب في أحد صفحاته، وهذا المخطوط يوجد في مكتبة مجلس الشورى الإيراني.


كما يوجد من يُنسب لآل حاجي (بلاد ابن بطال) بالأحساء في القرن العاشر الهجري فما بعده؛ حيث يوجد ناسخ يُدعى: ابراهيم بن ناصر بن موسى بن محمد الحاجي الهجري تحتفظ مكتبة مجلس الشورى الإيراني أيضاً بنسخة كتبت بخطه لكتاب جامع المقاصد للمحقق الكركي، وكان تاريخ كتابتها سنة 999 للهجرة، ونسبة (الهجري) هنا بعد (الحاجي) تعني بدون ريب أنّ هذا الناسخ من حاجّي الأحساء.


ولدي وثيقة أحسائية تعود للعام 1172هـ ذكر فيها شاهدٌ اسمه: عبّاد بن سبت بن حاجي العَرْهمي؛ كما لدي أيضاً وثيقة أحسائية عبارة عن وثيقة فسخ بيع أسهم في بستان من بساتين البطالية بالأحساء اسمه (كدير) تعود للعام 1180هـ، وقد ورد فيها اسمُ أحد الشهود بهذه الصورة: "عبدُ الحُسَيْن بن إبْرَاهِيْم آلْ حَاجِّيْ العَرْهَمِيْ البـِلادِيْ".


فالبلادي والحاجي هنا نسبة إلى بلاد آل بطال وأسرة آل حاجي فيها من دون شك لكون الوثيقة أحسائية والعقار المباع في قرية البطالية منها، وأيضاً لدلالة النسبة الأخرى العَرهمي، وهي نسبة إلى حيٍّ قديم من أحياء البطالية يُعرف بـ(حي العرهمي)، ويقال: (حي العراهمة) أيضاً، ورجَّحتُ في تحقيقي لديوان ابن المقرَّب أنه ربما تكون له علاقة ما بـ(جعفر بن أبي محمد بن عَرْهَم) الذي جعله القرامطة والياً على جزيرة أوال، ثم غضبوا عليه بسبب تهاونه وتعاطفه مع حركة أبي البهلول العبدي ضدهم، فاستدعوه إلى مدينة الأحساء - التي تقوم على أنقاضها الآن بلدة البطالية أو بلاد ابن بطال - وأرسلوا والياً آخر مكانه كما ذكر شارح الديوان المقرَّبي عند سرده لأخبار ثورة أبي البلهول العبدي على القرامطة في جزيرة أوال.


وأما حاجي البلاد القديم بأوال، فهم أيضاً ورد أسماء أعلام منهم، ولكن معظم هذه الأعلام هم من أعلام القرن الحادي عشر فما بعده، ولم أطلع على وثيقة تثبت وجودهم في القرن العاشر وما قبله كحاجي الأحساء، وهو أمرٌ يكفي على الأقل كي نظنَّ خيراً بأنّ حاجي البلاد القديم قد يكون أصلهم من حاجي بلاد ابن بطال في الأحساء، فكيف إذا حصل لنا مع ذلك شهادةُ عالمين معروفين من حاجي البلاد القديم يشهدان فيها أنّ أصل عائلتهم من حاجي الأحساء، فعندها لا نملك مع شح المراجع والمصادر إلا أنْ نقبل بشهادتيهما ونُسَلّم بها حتى يثبت لناعكس ذلك.


وهذان العالمان اللذان نصّا على أنّ أسرتهما آل حاجي في البلاد القديم بأوال هم في الأصل من حاجّي بلاد ابن بطال في الأحساء؛ هما الشيخ علي بن حسن البلادي البحراني صاحب كتاب التراجم الشهير (أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين)، وابنه الشيخ حسين، فقد ذكر الأول في (أنوار البدرين؛ 165) في ترجمة الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله بن جمال البلادي البحراني أنه من أجداده، ثم عقب بعد كلام طويل، فقال: "وما أدري أن هذا الشيخ أعني به الفاضل الأمجد جدنا الشيخ أحمد هو الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الشاعر المشهور وهو أيضا من العلماء الأعلام وهو أيضا جدنا أم لا؟ والظاهر بحسب بعض القراين إنه غيره أو هو ابن عمه".


فهذا الشك من الشيخ علي ينحصر فقط في كون الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الكبير هو نفسه الشيخ أحمد بن عبد الله بن جمال البلادي أم هو غيره، وذلك لأنّ كليهما اسمه أحمد، ويشتركان في كونهم من شيوخ العلم ومن الشعراء، وهو ما أوجد الشك لدى الشيخ علي؛ إلا أنه سرعان ما رجّح أنهما مختلفان إلا أنهما من ذات أسرتهما آل حاجي، وهنا ينبغي الالتفات إلى أنّ الشيخ علي نسب الشيخ أحمد بن حاجي الأقدم على أنه أحسائي، وهو الشاعر المشهور الذي يوجد في (مجموع لطف الله) قصائد كثيرة له، فسواءً أكان جدّ آل حاجي الذين في البلاد القديم أو عمهم حسب ترجيح صاحب (أنوار البدرين)، فالذي يعنينا هو أنّه كان يرى أنّ أصول أسرتهم آل حاجي الذين في البلاد القديم هم من حاجي بلاد ابن بطال.


أما ابنه الشيخ حسين، فقد كان قاطعاً بأنّ أسرتهم تنتسب إلى الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الذي نصَّ صاحب (تاريخ البحرين) أنه توفي سنة 1010 للهجرة (حسن الأمين: مستدركات أعيان الشيعة؛ ج2: 10)، فقد كتب الشيخ سلسلة نسبه إليه بيده في أحد كتبه المخطوطة، ونصُّ ما كتبه هو كالتالي:

"حسين بن العلامة المقدس الشيخ علي بن العالم التقي الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ سليمان بن الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ جمال الدين بن الشيخ علي بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف بن الشيخ علي بن الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد الحاجي البلادي الأحسائي الشاعر الكبير".


هل حاجّي البطالية من آل بطّال العُيونيين؟

في الواقع توجد أكثر من وثيقة أحسائية قديمة يعود بعضها إلى القرن الحادي عشر الهجري نُسب فيها بعض أفراد من أسرة آل حاجي إلى آل بطال بالجمع بين النسبين، ولا أدري إن كان المراد بهم آل بطال العُيونيين أم غيرهم، فإذا كانوا آل بطال العُيونيين، فهذا يعني أنّ آل حاجي البطالية يرجعون إلى بطال بن مالك بن إبراهيم بن محمد العُيوني؛ من بني عَيْذ بن مُرّة بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعية بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.

وثيقة أحسائية كتب أصلها عام 1172 للهجرة.
وقد ورد فيها من سُمّي بـ(عباد بن سبت بن حاجي العرهمي).