الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

تحقيق ما ورد في كتاب (مدينة الحديث) للسيد نعمة الله الجزائري عن معمر بن الغوث السنبسي

تحقيق ما ورد في كتاب (مدينة الحديث) للسيد نعمة الله الجزائري
عن معمر بن الغوث السنبسي


إنّ الجملة التي أثارت الإشكال هي التي وردت في الصفحة 174 من كتاب (مدينة الحديث؛ الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللئالي) للسيد نعمة الله الجزائري المتوفى في 1112هـ، وهذه الجملة يقول نصها بعد ذكر معمر السنبسي:

"في الحاشية: منسوب إلى قبيلة يُقال لها سنابس يسكنون البحرين".

وأول ما يلاحظ في هذا النصّ هو وجود اضطراب واضح، فهو عندما يقول كاتب هذا النص إن السنبسي "منسوب إلى قبيلة"، فإن صحة وسلامة النطق يفرضان عليه أن يقول بعد ذلك: "تسكن البحرين"؛ لا أن يقول: "يسكنون البحرين"، وهنا يجب أن نلتفت إلى ما ذكره المحققان في الحاشية عند موضع الجملة الأخيرة، فقد ذكرا أن الجملة كتبت في نسخة أخرى - رمزا لها بالحرف (ب) – بهذه الصورة:

"في الحاشية: منسوب إلى قبيلة يُقال لها سنابس في البحرين".

فإذا كانت هذا القراءة هي القراءة الصحيحة التي كتبها صاحب النص، فبالإمكان حينها أن يقع ما يخشاه الباحثون والمحققون في مثل هذا النوع من النصوص، وهو وقوع التحريف أو التصحيف فيه، فكلمة (قبيلة) في هذا النص من الجائز أن تكون قد تحرَّفت عن كلمة (بلدة)، وعندها يكون صحة الجملة كما يلي:

"في الحاشية منسوب إلى بلدة يُقال لها سنابس في البحرين".

وبهذا الرأي - إن صح - ينتهي الإشكال، ويكون (السنبسي) نسبة إلى سنابس الاسم الذي تحمله بلدتان في البحرين الكبرى، والتي توجد بعض الوثائق المحلية التي تنسب إليهما أو إلى إحداهما بلفظ (السنبسي).

وأما إذا كانت قراءة نسخة الأصل الذي اختاره المحققان للكتاب هي القراءة الصحيحة، وأنّ سنابس هي قبيلة كانت تسكن البحرين، وأنها هي التي ينسب إليها معمر بن الغوث السنبسي، فإنّ البحث حينها ينحصر حول تساؤلين اثنين:

الأول: هل كان يوجد في البحرين قديماً قبيلة كانت تسمى (سنابس)، والنسبة إليها سنبسي.؟

الثاني: هل الراوي معمر بن الغوث السنبسي هو من هذه القبيلة، أو يُنسب إليها؟

وسأبدأ كلامي بمحاولة الإجابة على السؤال الثاني، فالراوي معمر بن الغوث السنبسي حسب ما يُفهم من رواية ذكرت في البحار هو من رجال القرن السابع الهجري، فقد ذكر في هذه الرواية دخوله الحلة السيفية قبل سقوط بغداد بسنتين أي إن دخوله للحلة كان في العام 654هـ، وإن كانت الرواية التي تروى عنه تفيد أنه كان يُعرف نفسه بأنه كان غلاماً للإمام الحسن العسكري!! وأنه شهد ولادة الإمام المهدي!! أي إنه وفق هذه الرواية يكون قد عاش 400 سنة أو أكثر – وهو أمرٌ مربك تاريخياً – إلا أنني سأتغاضى عن هذا الآن، وأقف عند قوله إنه كان غلاماً للإمام العسكري، وهو يعني أنه لم يكن عربياً، وعليه فالأقرب أنه كان مولى لقبيلة سنبس الطائية الشهيرة الذين كانوا يسمون أيضاً (السنابسة) ، فكانت بطون هذه القبيلة الطائية في القرون السادس والسابع والثامن الهجرية متوزعة بين العراق والشام ومصر، فقد ذكر الحمداني أنهم كانوا منتشرين في بطائح العراق جنوب العراق (قلائد الجمان؛ ص87)؛ كما سجل ابن العديم في (بغية الطلب) وجودهم في حلب، وذكر غيره من المؤرخين وجودهم في جنوب فلسطين بمنطقتي الرملة والداروم (المقريزي؛ اتعاظ الحنفا ج2: 220)، ومن هاتين المنطقتين استقدمهم الفاطميون في منتصف القرن الخامس الهجري إلى مصر عند قيام ثورة بني قرة الهلاليين على الدولة الفاطمية، فكان للسنابسة دورٌ كبير في إخماد ثورة القريين.

ولكثرة تواجد هذه القبيلة في جنوب العراق وبلاد الشام، فقد شهدت القرون السادس والسابع والثامن تدوين عدة أعلام يُطلق عليهم (السنبسي) نسبة إليهم؛ منهم شعراء كثر ومحدثون وأدباء ورؤساء، وغير ذلك، ففي القرن الثامن الهجري ترجم ابن حجر (في الدرر الكامنة) لمن أسماه بأبي بكر بن أحمد بن برق السنبسي، وذكر أنه كان أمير عشرة بدمشق وأنه مات في شعبان سنة 709هـ، وأما في العراق فكان من الملاحظ أنه كان يوجد في الحلة وما حولها أكثر من علم ينتمون إلى (سنبس) أو ينعتون بـ(السنبسي)، ومنهم:

*   محمد بن خليفة بن حسين السنبسي شاعر سيف الدولة الأسدي في الحلة، وهو من رجالات القرن السادس الهجري (توفي 515هـ).

*   محمد بن سلطان بن خليفة أبو عبد الله السنبسي الحلي المتوفى عام 588هـ.

*  علي بن محمد السنبسي شاعر مدح الخليفة المستظهر العباسي في القرن السادس الهجري.

صَفِيُّ الدِّين الحِلِّيْ السِّنْبِسِيّ الشاعر المشهور، وهو من رجالات القرن السابع الهجري.

وهؤلاء كلهم سنبسيون طائيون، وكلهم شيعة أيضاً؛ بل إن سنبس الطائية يستشف من اختيار الفاطميين لهم لمحاربة الهلاليين الذين ثاروا عليهم بمصر يستشف من ذلك أنهم كانوا يتشيعون، وقد أسكنهم الفاطميون بعد استقدامهم لمصر في بلاد البحيرة (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب؛ ص9)، ولذلك صار يطلق عليهم لاحقاً مسمى (سنابسة البحيرة)، ومن الجائز أن تتحرف البحيرة إلى البحرين بسهولة، فليلتفت إلى هذ أيضاً.

وعليه فإنّ معمر بن الغوث السنبسي الذي دخل الحلة في القرن السابع الهجري لا ينبغي أن تنصرف نسبته (السنبسي) إلى غير قبيلة سنبس الطائية إلا بدليل ناهض.

وأعود الآن للحديث عن التساؤل الأول، وهو هل كان يوجد في البحرين قبيلة تدعى (سنابس) كما ورد في نص كتاب (مدينة الحديث) أعلاه؟.

من خلال قراءتي وتتبعي لم أجد فيما قرأت أو اطلعت عليه ما يفيد بوجود قبيلة في البحرين تحمل اسم (سنابس) أو (سنبس) أو حتى (سنابسة)؛ نعم ذكر في التاريخ أنّ بطوناً من قبائل طي قصدت البحرين أيام الدولة العيونية لمحاربة هذه الدولة والبطون العُقيلية التي كانت تسيطر على بادية البحرين بقصد طردهم منها واحتلالها من قبلهم كما ذكر ذلك بالتفصيل في شرح الديوان المقربي مما يعني أنه كانت لقبيلة طي وبطونها طمع في ملك البحرين، ولكن الذين غزوا البحرين هم قبائل آل فضل وعُنين من طيّ، ولم يذكر أنه كان معهم بنو سنبس، وإن كان ذلك لا يمنع أن يكون معهم منهم، فهم كلهم من قبيلة طي في النهاية، وقد ذكر القلقشندي في (قلائد الجمان) أنّ آل فضل كان ينضم إليهم طائفة من بني سنبس، ومن يدري فربما قدموا معهم في هذه الغزوة البحرانية أو غيرها إلى البحرين وتخلف منهم قوم فيها، وهو ما يؤيده قول المغيري في كتابه (المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب) إنّ من بطون سنبس بنو رميح القبيلة المعروفة في البحرين وقطر؛ يقال للواحد منهم (الرميحي)؛ كما ذكر الحمداني أن من بطون سنبس الطائية الخزاعل، والعبيد، وذكر عن الخزاعل أنهم كانوا سادة بني سنبس في العراق ومصر في وقته (القرن السابع الهجري)، والخزاعل هؤلاء هم الذين كونوا لهم دولة في جنوب العراق بعد ذلك كما هو معروف، وإن كان من المهتمين بالأنساب من نسبهم إلى خزاعة اعتماداً على تشابه الاسمين الخزاعل والخزاعيين إلا أنّ العزاوي فند انتسابهم إلى خزاعة، وأكد انتسابهم إلى السنابسة من طيّ.

وملخص الأمر هو أننا لا نملك دليلاً ناهضاً على أنه كان يوجد في البحرين في الأوقات المتقدمة قبيلة أو بطنٌ يقال لهم (سنابس) أو (سنابسة)، ولكننا نعرف أن الجهل بالشيء لا يفيد العدم، وبعض القرائن التي قدمتها قد تقوي وجود قبيلة أو جماعة أو بطن كان يقال لهم (السنابس) نسبة إلى (سنبس) الطائية، ولكن من المستبعد أن يكون معمر بن الغوث السنبسي منهم، فهذا الرجل يكاد يكون نكرة، ومسألة عمره الذي أناف على القرون الأربعة يزيد الفكر العلمي توجساً حتى من مجرد القول بوجوده، والخبر الوحيد الذي ذكر عنه يفيد أنه كان في العراق، وأنه سكن الحلة منها، وليس لدينا من دليل على أنه من البحرين، ثم من قبيلة منها تدعى (سنابس) إلا هذا النص المذكور في كتاب (مدينة الحديث) للسيد نعمة الله الجزائري المتوفى في القرن الثاني عشر، والذي يعلق فيه على كتاب لابن أبي جمهور من أهالي القرن التاسع الهجري.

ويبقى البحث مستمراً لمن أحب.

الاثنين، 15 أغسطس 2016

الهفوف عاصمة الأحساء الأخيرة

الهفوف عاصمة الأحساء الأخيرة

الهُفُوْف: هي - كما يُسمع من كبار السنّ من أهل الأحساء - هَاءٌ مضمومة تليها فاءٌ مخفّفة مضمومة أيضاً، ثم واوٌ ساكنة تليها فاءٌ أخرى وهكذا وردت في شعر ابن معتوق الموسوي في القرن الحادي عشر الهجري، ومنهم مَنْ ينطقها بتشديد الفاء الأولى، ويبدو أنّ هذا هو الأصل فيها ثمّ خُفِّفت، فقد وردتْ بفاءٍ مشدّدة في شعر شاعر قطيفي من القرن الثاني عشر الهجري يُدعى علي بن محمد بن حبيب الخطي، وذلك في بيت شعرٍ أضحى مشهوراً عند أدباء ومثقفي المنطقة، وهو الذي يقول فيه:[1]

مَهْلاً مُهَفْهِفَةَ الهُفُّوْفِ مِنْ هَجَرِ



أرَنَّةُ الصَّوْتِ ذِيْ أمْ نغمةُ الوَتَرِ

وهناك تسمية أخرى لهذه المدينة، وهي (الهُفْهُوف) التي لا يستخدمها الأهالي الآن، ولكن أشار إليها بعض الكتاب والباحثين من العرب وغيرهم، وأولهم - حسب اطلاعي - هو الدخيل[2]، ثم فيدال[3]، وبعدهما ابن عبد القادر[4]، ووافقه عليه الجاسر في تذييله على كتابه التحفة مستشهداً ببيت ابن حبيب الخطي هذا، ولكن بعد استبدال كلمة (الهُفُّوف) – المشدّدة – بكلمة (الهُفْهُوف)، ويبدو أنّ الذي جعله يقول بذلك هو ظنّه بأنّ حرف الفاء في كلمة (الهُفُّوْف) الواردة في بيت ابن حبيب الخطي كانت مخفّفة، وبالتالي فإنَّ وزن البيت ينكسر بعكس لو قُرئت بتشديد الفاء وهو الصحيح لأنّ هذا البيت أقدم من ذكره– بحسب اطلاعي – هو الشيخ يوسف بن أحمد آل عصفور البحراني - المتوفى عام 1186هـ - في كشكوله، وعنه نقله الشيخ علي البلادي البحراني في أنوار البدرين، وكلاهما كتبها الهفوف بهاء واحدة وفاءٍ مشدّدة، ولكن لأنّ المطابع لا تهتم بالتشكيل غالباً، فإنها تكتبها من دون شدّة على الفاء، ومن هنا جاء اللبس في القراءة، وعلى العُموم، فتسمية الهُفْهُوْف هي تسمية عربية صحيحة أيضاً غير أنني أرجّحُ أنّ التسمية القديمة لدى السكّان الأصليين هي الهُفُّوْف، ولكن نظراً لكون هذه المدينة محطة هجرة واستقطاب للقبائل العربية القادمة إليها من داخل الجزيرة العربية، والتي استوطنت أسرٌ وعوائل كثيرة منها لمدينة الهفوف، وأصبحوا من ذوي الشأن فيها، فإنني أرى أنّ هذه الأسر والعوائل النجدية الأصل لم تكن تستسيغ نطق الهُفُّوْف بتشديد الفاء فأبدلتها إلى الهفهوف التي كانت مستساغة في لسانهم أكثر كما أشار إلى ذلك فيدال.[5].

وأياً كان الأمر، فمن الواضح أنّ (الهُفُّوْف) و(الهُفْهُوف) مشتقتان من لفظتي (الهفَّاف) و (الهفْهَافَة)، وقد جاء في لسان العرب:

"ريح هَفّافة وهفهافة: سريعة المَرّ، وهَفَّت تَهِفُّ هَفّاً وهَفِيفاً إذا سمعتَ صوتَ هُبوبها، وفي حديث علي، كرَّم اللّه وجهه، في تفسير السَّكِينة: هي ريح هَفّافة أَي سريعة المُرور في هبوبها، والريح الهفّافة: الساكنة الطيبة".[6]
وإنما أطلت في التعريف اللغوي هذا لترجيحي أنّ اسم الهفوف هو مشتق لغوي يعني المكان ذي الهواء الطيب السريع المرور، ولا غرابة في ذلك، فقد كانت الهفوف تقع بين حدبتين صخريتين إحداهما من الغرب، والأخرى من الشرق والشمال الشرقي، فكان ذلك بمثابة القلمة التي يمر من خلالها الهواء محدثاً تلطيفاً لحرارة الجو، وكان هذا عموماً هو ما جعل الكثير من سكان الواحة والوافدين إليها يفضلون السكن في هذا المكان.
متى نشأت مدينة الهُفوف
إنّ المراد من هذا العنوان هو معرفة الزمن الذي أطلق مسمى الهفوف على الموضع المعروف به الآن في الأحساء، والذي هو الآن عاصمتها الأولى، وينبغي التفريق بقوّة هنا بين تاريخ المكان وتاريخ التسمية، فالمكان الذي يُطلق عليه اسم الهفوف لا ريب أنه كان آهلاً بالسكان من قديم الزمان، ففضلاً عن بعض الاكتشافات التي حصلت صدفة في بعض أماكن هذا الموضع، فإنّ موضعاً استراتيجياً بهذا الجمال والخصب، ومرتفعاً عما حوله، وتحيط به هذه الواحات الغنّاء من بساتين النخيل التي تتخللها عيون ماء هدارة خرارة عظيمة كعيون الخدود والحقل من الشرق، وعين أم خريسان من الشمال، وعين البحيرية من الغرب مع بضع عيون أخرى تحيط به أو هي تقع ضمن حدوده؛ لا يمكن أن نقول عنه إنه كان خالياً من السَّكن في الزمن القديم، فهو كان مسكوناً بلا شك، ولكن هل كان له ذات الاسم أي الهفوف أم كان له اسمٌ أو أسماء أخرى كان يُعرف بها ؟ هذا ما لا نعرفه على وجه اليقين.

لا شك أنّ ندرة المصادر التاريخية عن أي مدينة هو مما يعيق الباحث عن تقديم معلومات دقيقة عن تاريخ نشوئها وبنيانها، وهو ما ينطبق عليه الحال بخصوص مدينة الهفوف التي لا نجد لها ذكراً في مؤلفات القرن العاشر وما قبله، وأما مؤلفات القرنين الحادي عشر والثاني عشر، فالذي يوجد فيها عن هذه المدينة من معلومات هو نزرٌ يسير لا يبلُّ صدى ولا يروي ظمأ، وإزاء ذلك فإنه لا يمكننا أن نجزم بوقت إطلاق مسمى الهفوف على المدينة التي تحمله الآن إلا أنه يمكننا أن نستنطق بعض الشواهد التاريخية والشعرية المتفرقة في بطون الكتب للإجابة على سؤال ملح، وهو هل كان يوجد سكانٌ في هذا الموضع المعروف الآن بالهفوف بغض النظر عن كونه كان يُسمى الهفوف أم غير ذلك من الأسماء.

ولكن قبل ذلك أود مناقشة رأي أستاذنا الشيخ حمد الجاسر– رحمه الله –في أنّ مدينة الهُفوف أنشئت في القرن العاشر اعتماداً منه على نقش المسجد المعروف بمسجد الدِّبْس الواقع حالياً جنوب غرب القصر الشهير المعروف بـ(قصر إبراهيم باشا)، فقد كتب في هذا النقش أنه شُيّد من قبل أحد ولاة الأحساء العثمانيين سنة تسع مئة وثلاث وستين للهجرة، وفي رأيي إنّ ذلك غير كافٍ في التدليل على أنّ المدينة أسست في ذات العام؛ فضلاً عن أنه غير كافٍ للتدليل على إطلاق مسمى الهفوف عليها في العام ذاته، فقد يكون بناء المساجد قد تم بعد تأسيس المدينة التي بُني فيها بمدة طويلة، ويجوز أيضاً أن يكون اسم الموضع الذي أسس فيه هذا المسجد لم يكن يسمى الهفوف حينها، أو كان كذلك.

وقد ورد في شعر ابن المقرب الأحسائي ما يفيد بوجود استيطان من قبل قومه العيونيين لموضع الهفوف في القرن السابع الهجري، وإن كان ذلك قد يعني أيضاً المبرز أو كلي المدينتين، فقد ذكرت مخطوطة المكتبة الرضوية بطهران قراءةً لأحد أبيات قصيدة ابن المقرب التي أولها:[7]

أبى الدهر أن يلقاك إلا محاربا



فجرد له سيفاً من العزم قاصبا

وهي التي يقول فيها:[8]

إذا أنت ألقيت العصي مخيماً



بالاحسا وجاورت الملوك الأطايبا

فيمم لجرعاء الشمال فإن لي



بها حلةٌ أشتاقها وملاعبا

وقف وقفةً بالدرب غربي (باهِلٍ)



فثم تلاقي أسرتي والأقاربا

فتلقى ملوكاً كالأهلة لم تزل



تهش إلى الجُلى، وتأبى المعائبا

فـ(باهل) في البيت الثالث هي ما يعرف الآن بـ(باهلة)، وهي عين كانت تقع إلى الشرق من الركن الشمالي الشرقي لسور مدينة الهفوف بمسافة كيلو مترين ونصف تقريباً، فقوله غربي باهل قد يقصد به موضع الهفوف سواءً أكان اسمها الهفوف حينئذٍ أم غير ذلك، فيبدو أن بقايا العيونيين في آخر حكمهم للبلاد قد تركوا عاصمتهم القديمة مدينة الأحساء التي تقوم اليوم قرية البطالية على آثارها وسكنوا الموضع الذي تقوم عليه الآن مدينة الهفوف بدليل قول ابن المقرب: "فثم تلاقي أسرتي والأقاربا"، وقوله: "فتلقى ملوكاً كالأهلة"، والجدير بالذكر أنه لا زال يوجد حتى اليوم دربٌ قديم كان يمرُّ بقرب عين باهلة، ويؤدي إلى مسورة الهفوف غرباً وهو الطريق الرئيسي القديم الذي يوصل بين الهُفُّوف وقرى الجبيل والحليلة والعُمران،والقرى المحيطة بجبل القارة (الشبعان) وما حولها شرقاً، وقد قُيِّر هذا الدرب الآن.

والرواية المحلية التي نقلها فيدال عن أهالي الهفوف وقت زيارته للأحساء عام 1953م عن أصل تكون مدينة الهفُوف تكاد تتفق مع هذا الذي يُفهم من شعر ابن المقرَّب، فملخص هذه الرواية التي ذكرها عنهم حول نشأة مدينة الهُفوف هو أنّ بعض الناس الأغنياء من داخل الواحة كان لديهم بضع حدائق نخيل وبيوت ريفية في موضع الهفُوف الآن قبل أن يصبح مدينة، وكانوا يستعملونها في الصيف أو للتسلية مع الأصدقاء أثناء أمسيات الدورة السنوية في هذا المكان البارد والمنعش، والذي أعطي اسم الهفوف لذلك، ثم أصبح لاحقا مستوطنة دائمة أصبحت على حجمها الحالي بمرور الوقت.[9]

الهفوف في الوثائق الأحسائية
وأما عن ورود اسم الهفوف في الوثائق الأحسائية القديمة، فقد نشرت إحدى الصحف المحلية قبل بضع سنوات وثيقة وصفتها بأنها أقدم وثيقة أحسائية ورد فيها اسم الهفوف، وزعم إنها مكتوبة عام 885 للهجرة،[10] وهو كلامٌ عارٍ من الصحة، فهذه الوثيقة ليست النسخة الأصلية التي كتبت عام 885هـ، وإنما هي – وفق ما كتب ناشر الخبر – منسوخة عن منسوخة النسخة الأصلية.

ومنسوخة منسوخة النسخة الأصلية هذه كتبت وقت تولي الشيخ عبد الله بن أبي بكر الملا لقضاء الأحساء، والشيخ الملا هذا توفي سنة 1309 هجرية، فيكون تاريخ هذه المنسوخة المعروضة في الجريدة قريباً من هذا التاريخ، وكذلك النسخة التي استُنسخت نسخة القاضي الملا عنها هي الأخرى ليست الأصلية، وإنما تم نسخها عن النسخة الأصلية، وذلك في أيام تولي الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن حسين العدساني لقضاء الأحساء الذي تدل الوثائق على أنه تولى ذلك بين العامين 1166 – 1183 للهجرة، وعليه يكون تاريخها في هذه الفترة، وأما النسخة الأصلية المزعوم أنها كتبت عام 885 للهجرة، فهي غير موجودة ولا يُعرف عنها شيء، وبالتالي فإن منسوخة منسوختها التي كتبت في إبان فترة تولي الشيخ الملا لقضاء الأحساء ينبغي أن تخضع لعدة معايير علمية كصحة النقل عن منسوخة الوثيقة الأصل، ومطابقتها لها تماماً حرفاً بحرف فضلاً عن مطابقة هذه الأخيرة لنسخة الأصل، وهو ما لن نستطيع التأكد منه لفقدان النسخة الأصل، وكذا النسخة المنسوخة عنها أيام القاضي العدساني.

غير أننا – وبعيداً عن كل هذا – وبمراجعة محتوى الوثيقة المنسوخة نجد أنّ الوثيقة الأصلية التي زعم أنها كتبت عام 885 للهجرة ورد فيها أنها كتبت في زمن القاضي إبراهيم بن شجاع، ونصّ ما كتب فيها بهذا الخصوص هو كما يلي:
"هذا صورة توقيع قاضي زمن الوقفية: جرى وثبت ما فيه عندي، فأثبته وحكمت بصحته؛ حرره الفقير إبراهيم بن شجاع المولّى بقضاء الحسا عفى الله عنهما".

فإذا كانت هذه الوقفية قد حُرر أصلها في زمن القاضي إبراهيم بن شجاع، فهي بالتأكيد لا ترتقي إلى القرن التاسع الهجري لأنّ هذا القاضي ليس من رجالات ذلك القرن، وإنما هو من رجالات النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، فقد ورد اسمه كشاهد في وثيقة كتبت عام 1063 للهجرة، وهذه الوثيقة هي عبارة عن وقف ذرية أوقفه الشيخ محمد بن خلف بن هلال الشافعي لعقارات وبساتين في طرفي البحيرية وأم خريسان على ولديه عبد الله وناصر، وشهد عليه عدة مشايخ تولوا القضاء في الأحساء ونواحيها، ومنهم القاضي إبراهيم بن شجاع الذي كان نصُّ توقيعه كما يلي:

"لما عُرض علي هذه الوثيقة الشرعية وتأملت من أوله! إلى تاليه! وجدته موافقاً للشرع القويم؛ قَبَلْتُه وَأمضَيْتُه؛ حَرَّرَهُ الفقير إبراهيم بن قاضي شجاع المولَّى بقضاء الأحساء المحمية".[11]

وقوله: "قَبَلْتُهُ وَأمْضَيْتُه" يدل على أنه كان لا زال قاضياً في الأحساء حينها، وهذا الأمر في حد ذاته يلغي مصداقية تاريخ هذه الوثيقة المزعومة أعني وثيقة العام 885 للهجرة.

وللأسف الشديد، فإنّ الوثائق الأحسائية المتوفرة لدينا لا تُسعفنا بتاريخ نشوء مدينة الهفوف على وجه التحديد؛ علماً أنّ ما اطلعت عليه منها مما ذكر فيها اسم الهفوف، وذكر أنها تعود للقرن العاشر هي قليلة جداً تعد على أصابع اليدين، وإضافة إلى ذلك هي كلها وثائق غير أصلية، فهي إما أن تكون منسوخة عن الوثائق الأصلية، أو إنّها منسوخة عن منسوخة الوثائق الأصلية، وعليه فإنه لا يمكننا الجزم بورود اسم الهفوف في الوثيقة الأصلية القديمة لأنّ تغير اسم الموضع قد يستدعي من ناسخ وثيقة ورد فيها اسم هذا الموضع استبدال الاسم الحديث له باسمه القديم المدوّن في وثيقة الأصل لأنّ القصد من تجديدها هو حفظ حدود العقار المحدد فيها، والذي عادة ما يكون وقفاً أو إرثاً وذكر الاسم القديم لن ينفع في حفظ هذه الحدود، وعلى أي حال، فإن البحث العلمي يفرض علينا عدم الجزم بوجود مسمى جغرافي في وقتٍ معين ما لم يوجد دليل ملموس على وجوده في ذلك الوقت، وفي مثل هذه الحالة الخاصة بالوثائق الورقية، فإنّ الوثيقة الأصلية التي كتبت في القرن العاشر الهجري، والتي يرد فيها اسم الهفوف هي الدليل المقبول لإثبات وجود مسمى الهفوف كمدينة في ذات القرن، وأما ما نُسخ عنها في القرون اللاحقة، فلا تقوم مقامها إلا من حيث الاستئناس بها والترجيح، وليس الجزم.

وكذلك الحال بخصوص الوثائق العثمانية الخاصة بالأحساء، والعائدة للقرن العاشر، فلا نكاد نجد فيها مسمى الهفوف؛ في حين إننا نرى اسم مدينة المبرّز، وهي المدينة الثانية في الأحساء يرد في إحدى وثائق هذا القرن العائدة للدولة العثمانية، وكذلك بعض القرى الأحسائية كقرية واسط الواقعة شمال العمران الشمالية.[12]

وأيضاً، فإنه يمكننا أن نلاحظ أنّ الوثائق الأحسائية المحلية العائدة للقرن الحادي عشر وما بعده مليئة بأسماء أحياء تقع داخل مدينة الهفوف حالياً كحي الرفعة وحي الكوت؛ بل إنّه حتى حي الرفعة الذي توسع إلى عدة أحياء لاحقاً، فقد ذكرت أحياؤه الجديدة في هذه الوثائق؛ مثل حي الرُّقيّات، وحي الفوارس، وحي الصاغة، وحي الجحاحفة، فكانت هذه الأحياء تذكر كطرف من أطراف الحي المتفرعة منه، وهو حي الرفعة، فيقال "طرف الرقيات التابع لحي الرفعة"، أو "طرف الصاغة التابع لحي الرفعة" .. الخ، ولكنه يندر أن نجد في هذه الوثائق نسبة حي الرفعة مثلاً إلى الهفوف بل يُكتفى دائماً بذكر حي الرفعة كنهاية للتحديد، ولا تذكر الهفوف مع علمنا بوجودها كمدينة معروفة حينها كما سنرى عند استعراضنا لشعر القرن الحادي عشر الذي ذكرت الهفوف فيه.

نعم ظهر اسم الهفوف كمسمى لمدينة في الأحساء في وثائق أحسائية تعود للقرن الحادي عشر وما بعده بوضوح، ومن هذه الوثائق وثائق لأوقاف مساجد بنيت في الهفوف بنى أقدمها علي باشا أمير إيالة الأحساء في القرن الحادي عشر الهجري،[13] وإن كان معظم هذه الوثائق أيضاً هي وثائق منسوخة عن الوثائق الأصلية في أزمان لاحقة، وليست الأصلية؛ كما ينبغي الالتفات إلى أنّ بعض هذه الوثائق العائدة للقرن الحادي عشر الهجري ورد فيها اسم (هفوف)، ولكن لم يكن يراد به البلدة المعروفة، وإنما أطلق على قطعة زراعية تدعى في العرف المحلي باسم (شرب)، فوردت هذه اللفظة في هذه الوثيقة مضافة إلى (هفوف)، ونصُّه فيها كما يلي:

"وحدُّ شُرْبِ هفوف قِبْلَةً الجرْعَة، وشمالاً الطريق ومشْرُوبُ المزرَع، وشرقاً المزْرَع، وجنوباً مُلْك يوسف الخنجرلي".[14]

الهفوف في الشعر العربي القديم
لقد مرّ بنا في أول البحث بيت ابن حبيب التاروتي الخطي من رجالات القرن الثاني عشر الهجري، والذي يذكر فيه الهفوف بتشديد الفاء، وذلك في قوله:

مَهْلاً مُهَفْهِفَةَ الهُفُّوْفِ مِنْ هَجَرِ



أرَنَّةُ الصَّوْتِ ذِيْ أمْ رَنَّةُ الوَتَرِ

إلا أنه يوجد شاعرٌ أقدم من ابن حبيب ذكرها في شعره ولكنه نطقها مخففة الفاء الأولى، وليس كما ذكرها ونطقها ابن حبيب الخطي مشدداً لها، وهذا الشاعر هو شهاب الدين بن معتوق الموسوي (1025 – 1087هـ)، وذلك في قصيدة قالها عندما جرّد ممدوحه حسين باشا بن علي أفراسياب والي البصرة حينها حملةً تأديبية لقبيلة بني خالد ومن معها من قبائل البدو الذين كان قد طلب من زعيمهم براك الخالدي الهجوم على الأحساء والقطيف واستخلاصهما له من الوالي العثماني، وقد فعل برّاك ذلك إلا أنه استخلصهما لنفسه بدلاً من حسين باشا،[15] فما كان من حسين باشا إلا أنْ جرَّد حملةً كبيرة من البصرة، وطرد برّاكاً وقبيلته من حصن الهفوف، فأنشأ ابن معتوق قصيدة بهذه المناسبة يهنئ حسين باشا بهذا الفتح، وقد جاء في مقدمتها ما نصه:

"وقال يمدحُه ويهنئُهُ بفَتْحِ حِصْنِ الهفُوْفْ".[16]

ومن ضمن ما ورد في هذه القصيدة قوله فيها: [17]

سلِ الهُفوفَ عن الأعرابِ كم ترَكوا



منَ الكُنوزِ وجنّاتٍ ببقعَتِهِ

ثم يقول موجهاً الخطاب لبني خالد: [18]

يا خالديّونَ خُنتُم عهدَ سيّدِكم



هلا وفَيتُم وخِفتُم بأسَ صَولَتِهِ

ثم يذكر زعيم بني خالد براك: [19]

بَرّاكُ ربُّك ما برّاكَ منهُ ولا



خُصِصْتَ في برَكاتٍ من عطيّتِهِ

كفرْتَ في ربِّكَ الثاني وخُنتَ به



يَكفيكَ ما فيكَ من حِرمانِ نِعمتِهِ

وكان تاريخ هذه الوقعة عام (1074هـ / 1663 - 1664م)[20] مما يعني أنّ الهفوف كانت قائمة كمدينة قبل هذا التاريخ، وهو ما يتفق حتى الآن مع الوثائق الأحسائية للقرن الحادي عشر.
للبحث صلة ..


الصور والوثائق التوضيحية:


 صورة جوية لمدينة الهفوف (لليسار)، وقد بدا فيها أحياؤها الثلاثة: الكوت والرفعة 
والنعاثل، وإلى (اليسار) رسم كروكي للصورة ذاتها موضح عليها أهم الأماكن فيها


 صورة أخرى ملتقطة جواً للهفوف من الجنوب الغربي للشمال الشرقي، وقد وضح فيها 
قلعة الكوت داخل المدينة، وحي الرفعة على يمينها، وحي النعاثل أسفل منها، وإلى شمال
القلعة بدت واحة عين أم خريسان، وإلى الغرب منها واحة السيفة؛ كما بدى إلى الشرق
من المدينة بداية غابات النخيل الكثيفة الممتدة من عيني الخدود والحقل إلى العمران.


عين أم خريسان الواقعة شمال مدينة الهفوف


عين الحقل أقوى عيون الأحساء تدفقاً بالمياه؛ تقع هذه العين للشرق من حي الرفعة
أحد أحياء مدينة الهفوف.


عين الخدود إحدى شهريات عيون الأحساء وأقواها؛ تقع شرق حي الرفعة من أحياء 
مدينة الهفوف جنوب عين الحقل السابقة بثلاثمائة متر فقط.


إحدى الوثائق الأحسائية المحلية العائدة للعام 1058هـ، وقد ورد فيها موضع نخل
يدعى (شرب هفوف)؛ كما في السطر رقم 24.



[1]الشيخ علي بن حسن البلادي: أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين؛ تحقيق عبد الكريم البلادي (بيروت: مؤسسة الهداية 1424هـ - 2003م) ج2: 185.
[2]سليمان بن صالح الدخيل: تحفة الألباء في تاريخ الأحساء (بيروت: الدار العربية للموسوعات 1422هـ 2002م) الصفحات 61، 69.
[3]F. S. Vidal, The Oasis of Al-Hasa 1955 P 77.
[4]محمد بن عبد القادر: تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد (الرياض: طبعة مكتبة المعارف 1982م) الصفحة 31.
[5]F. S. Vidal, The Oasis of Al-Hasa 1955 P 77.
[6] جمال الدين محمد بن منظور: لسان العرب؛ لجنة تحقيق (قم: مركز نشر أدب الحوزة 1405هـ) ج9: 348 مادة [ هفف ].
[7] شارح مجهول: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ تحقيق عبد الخالق الجنبي (بيروت: دار المحجة البيضاء 1433هـ) ج1: 66.
[8] شارح مجهول: شرح ديوان ابن المقرَّب؛ ج1: 69 – 70.
[9] F. S. Vidal, The Oasis of Al-Hasa 1955 P 77.
[10] نُشرت في جريدة الرياض السعودية بتاريخ 10 ذي القعدة 1427هـ - 1 ديسمبر 2006م؛ العدد 14039؛ مذيلة بصورة لها، ونص ما ورد في هذه الوثيقة المشار إليها مما يختص ببحثنا هو قوله فيها: "بطرف البحيرية تابع هفوف".
[11] الوثيقة رقم ( 8 ) من وثائق متسلسلة تاريخياً أهدبت لي من قبل آل النمر الأحسائيين.
[12] مهمة دفتري؛ الجزء الثالث الصفحة 386 رقم 2، وتتحدث هذه الوثيقة عن قيام سعدون بن حميد الخالدي بهجوم على الأتراك العثمانيين في الأحساء عام 967 للهجرة، وقد ذكرت الوثيقة أنّ سعدوناً أخذ يوزع على أتباعه مزارع ونخيل الأحساء، وأنه وزع عليهم دخل قرية واسط التابعة للأراضي السلطانية، وجمع مبلغاً كبيراً من قرية المبرّز.
[13] عبد الكريم بن عبد الله المنيف الوهيبي: العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية (إيالة الحسا)؛ (الرياض: مطابع الحميضي 2004)؛ انظر الملحق رقم (1)، و(2)، و(3)، ولا عبرة بقوله عن الوثيقة الأولى إنها من وثائق القرن العاشر، فهي غير مؤرخة، والأستاذ إنما أرخها اعتماداً على خصائص فيها رأى بموجبها أنها من وثائق القرن العاشر، ولكنني لا أرى ذلك.
[14] عبد الكريم بن عبد الله المنيف الوهيبي: العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية (إيالة الحسا)؛ (الرياض: مطابع الحميضي 2004)؛ انظر الملحق رقم (4)، وتاريخ هذه الوثيقة 1058هـ
[15] ستيفن همسلي لونجريك: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث؛ ترجمة جعفر الخياط (بغداد 1985م)؛ الصفحة 142.
[16] معتوق بن شهاب الموسوي = ابن معتوق: ديوان ابن معتوق؛ تحقيق سعيد الشرتوني اللبناني (بيروت: المطبعة الأدبية 1885م)؛ الصفحة 200.
[17] معتوق بن شهاب الموسوي = ابن معتوق: ديوان ابن معتوق؛ تحقيق سعيد الشرتوني اللبناني (بيروت: المطبعة الأدبية 1885م)؛ الصفحة 203.
[18] معتوق بن شهاب الموسوي = ابن معتوق: ديوان ابن معتوق؛ تحقيق سعيد الشرتوني اللبناني (بيروت: المطبعة الأدبية 1885م)؛ الصفحة 204.
[19] معتوق بن شهاب الموسوي = ابن معتوق: ديوان ابن معتوق؛ تحقيق سعيد الشرتوني اللبناني (بيروت: المطبعة الأدبية 1885م)؛ الصفحة 204.
[20] ستيفن همسلي لونجريك: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث؛ ترجمة جعفر الخياط (بغداد 1985م)؛ الصفحة 142.

الخميس، 25 فبراير 2016

تحقيق نسبة البلادي والحاجي في إقليم البحرين القديم

نظرة في نسب البلادي والحاجي في إقليم البحرين القديم



عندما يُطلق لقب البلادي على شخصٍ ما في إقليم البحرين القديم ببؤره الثلاث الأحساء وأوال والقطيف، فإنّ النسبة تكون إلى أحد موضعين، إما إلى بلدة (البلاد القديم) في جزيرة أوال، والنسبة إليها هي الأكثر، أو إلى (بلاد ابن بطال) في الأحساء، وهي القرية التي صارت تُعرف لاحقاً بالبطالية، ولذلك صارت النسبة إليها أقل من الأولى.


وأقدم وثيقة وردت فيها النسبة لإحدى هاتين البلدتين البحرانيتين اطلعت عليها تعود للقرن العاشر الهجري وبالتحديد للعام 995 للهجرة، وهي عبارة عن نسخة من كتاب (زهر الرياض وزلال الحياض) لابن شدقم، وهذه النسخة تحتفظ بها مكتبة المتحف البريطاني كتب ناسخها اسمه هكذا: يحيى بن شمس بن أحمد بن حسين البحراني البلادي (انظر: السيد محمد حسين الحسيني الجلالي: فهرس التراث (بيروت: دار الولاء 2015م)؛ الصحفة 461)، وإن كان لا يتضح لنا مما كُتب هنا أي البلاد هي المعنية أهي بلاد القديم في أوال أم بلاد ابن بطال في الأحساء.


وفي الوقت ذاته يلاحظ أيضاً وجود أسرتين تدعيان (آل حَاْجّيْ)، أو (الحاجّي) - بفتح الحاء وسكون الألف الوسطى، وتشديد الجيم مع كسرها، ثم ياء النسبة – في ذات البلدين المذكورين أيضاً أعني (البلاد القديم) و(بلاد ابن بطال)، أو لنقل في جزيرتي أوال والأحساء عموماً لأنّ آل حاجي القطيف هم من البلاد القديم كما هو ثابت، وبالتالي فقد انحصر وجود هاتين النسبتين في البؤرتين البحرانيتين الأوليين فقط أعني الأحساء وأوال.


وكلا الأسرتين (آل حاجي) البلاد القديم في أوال، و(آل حاجي) بلاد ابن بطال في الأحساء هما أسرتان قديمتان فيهما، - ولاسيما حاجي البطالية - ويوجد من ينتسب إليهما منذ القرن الثامن إنْ صحّ أنّ: حسن بن محمد الحاجي ناسخ إحدى نسخ كتاب نهج المسترشدين للعلامة الحلّي، والذي نسخه عام 733 للهجرة كما هو مكتوب في أحد صفحاته، وهذا المخطوط يوجد في مكتبة مجلس الشورى الإيراني.


كما يوجد من يُنسب لآل حاجي (بلاد ابن بطال) بالأحساء في القرن العاشر الهجري فما بعده؛ حيث يوجد ناسخ يُدعى: ابراهيم بن ناصر بن موسى بن محمد الحاجي الهجري تحتفظ مكتبة مجلس الشورى الإيراني أيضاً بنسخة كتبت بخطه لكتاب جامع المقاصد للمحقق الكركي، وكان تاريخ كتابتها سنة 999 للهجرة، ونسبة (الهجري) هنا بعد (الحاجي) تعني بدون ريب أنّ هذا الناسخ من حاجّي الأحساء.


ولدي وثيقة أحسائية تعود للعام 1172هـ ذكر فيها شاهدٌ اسمه: عبّاد بن سبت بن حاجي العَرْهمي؛ كما لدي أيضاً وثيقة أحسائية عبارة عن وثيقة فسخ بيع أسهم في بستان من بساتين البطالية بالأحساء اسمه (كدير) تعود للعام 1180هـ، وقد ورد فيها اسمُ أحد الشهود بهذه الصورة: "عبدُ الحُسَيْن بن إبْرَاهِيْم آلْ حَاجِّيْ العَرْهَمِيْ البـِلادِيْ".


فالبلادي والحاجي هنا نسبة إلى بلاد آل بطال وأسرة آل حاجي فيها من دون شك لكون الوثيقة أحسائية والعقار المباع في قرية البطالية منها، وأيضاً لدلالة النسبة الأخرى العَرهمي، وهي نسبة إلى حيٍّ قديم من أحياء البطالية يُعرف بـ(حي العرهمي)، ويقال: (حي العراهمة) أيضاً، ورجَّحتُ في تحقيقي لديوان ابن المقرَّب أنه ربما تكون له علاقة ما بـ(جعفر بن أبي محمد بن عَرْهَم) الذي جعله القرامطة والياً على جزيرة أوال، ثم غضبوا عليه بسبب تهاونه وتعاطفه مع حركة أبي البهلول العبدي ضدهم، فاستدعوه إلى مدينة الأحساء - التي تقوم على أنقاضها الآن بلدة البطالية أو بلاد ابن بطال - وأرسلوا والياً آخر مكانه كما ذكر شارح الديوان المقرَّبي عند سرده لأخبار ثورة أبي البلهول العبدي على القرامطة في جزيرة أوال.


وأما حاجي البلاد القديم بأوال، فهم أيضاً ورد أسماء أعلام منهم، ولكن معظم هذه الأعلام هم من أعلام القرن الحادي عشر فما بعده، ولم أطلع على وثيقة تثبت وجودهم في القرن العاشر وما قبله كحاجي الأحساء، وهو أمرٌ يكفي على الأقل كي نظنَّ خيراً بأنّ حاجي البلاد القديم قد يكون أصلهم من حاجي بلاد ابن بطال في الأحساء، فكيف إذا حصل لنا مع ذلك شهادةُ عالمين معروفين من حاجي البلاد القديم يشهدان فيها أنّ أصل عائلتهم من حاجي الأحساء، فعندها لا نملك مع شح المراجع والمصادر إلا أنْ نقبل بشهادتيهما ونُسَلّم بها حتى يثبت لناعكس ذلك.


وهذان العالمان اللذان نصّا على أنّ أسرتهما آل حاجي في البلاد القديم بأوال هم في الأصل من حاجّي بلاد ابن بطال في الأحساء؛ هما الشيخ علي بن حسن البلادي البحراني صاحب كتاب التراجم الشهير (أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين)، وابنه الشيخ حسين، فقد ذكر الأول في (أنوار البدرين؛ 165) في ترجمة الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله بن جمال البلادي البحراني أنه من أجداده، ثم عقب بعد كلام طويل، فقال: "وما أدري أن هذا الشيخ أعني به الفاضل الأمجد جدنا الشيخ أحمد هو الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الشاعر المشهور وهو أيضا من العلماء الأعلام وهو أيضا جدنا أم لا؟ والظاهر بحسب بعض القراين إنه غيره أو هو ابن عمه".


فهذا الشك من الشيخ علي ينحصر فقط في كون الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الكبير هو نفسه الشيخ أحمد بن عبد الله بن جمال البلادي أم هو غيره، وذلك لأنّ كليهما اسمه أحمد، ويشتركان في كونهم من شيوخ العلم ومن الشعراء، وهو ما أوجد الشك لدى الشيخ علي؛ إلا أنه سرعان ما رجّح أنهما مختلفان إلا أنهما من ذات أسرتهما آل حاجي، وهنا ينبغي الالتفات إلى أنّ الشيخ علي نسب الشيخ أحمد بن حاجي الأقدم على أنه أحسائي، وهو الشاعر المشهور الذي يوجد في (مجموع لطف الله) قصائد كثيرة له، فسواءً أكان جدّ آل حاجي الذين في البلاد القديم أو عمهم حسب ترجيح صاحب (أنوار البدرين)، فالذي يعنينا هو أنّه كان يرى أنّ أصول أسرتهم آل حاجي الذين في البلاد القديم هم من حاجي بلاد ابن بطال.


أما ابنه الشيخ حسين، فقد كان قاطعاً بأنّ أسرتهم تنتسب إلى الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الذي نصَّ صاحب (تاريخ البحرين) أنه توفي سنة 1010 للهجرة (حسن الأمين: مستدركات أعيان الشيعة؛ ج2: 10)، فقد كتب الشيخ سلسلة نسبه إليه بيده في أحد كتبه المخطوطة، ونصُّ ما كتبه هو كالتالي:

"حسين بن العلامة المقدس الشيخ علي بن العالم التقي الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ سليمان بن الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ جمال الدين بن الشيخ علي بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف بن الشيخ علي بن الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد الحاجي البلادي الأحسائي الشاعر الكبير".


هل حاجّي البطالية من آل بطّال العُيونيين؟

في الواقع توجد أكثر من وثيقة أحسائية قديمة يعود بعضها إلى القرن الحادي عشر الهجري نُسب فيها بعض أفراد من أسرة آل حاجي إلى آل بطال بالجمع بين النسبين، ولا أدري إن كان المراد بهم آل بطال العُيونيين أم غيرهم، فإذا كانوا آل بطال العُيونيين، فهذا يعني أنّ آل حاجي البطالية يرجعون إلى بطال بن مالك بن إبراهيم بن محمد العُيوني؛ من بني عَيْذ بن مُرّة بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعية بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.

وثيقة أحسائية كتب أصلها عام 1172 للهجرة.
وقد ورد فيها من سُمّي بـ(عباد بن سبت بن حاجي العرهمي).